q

ملف حقوق الإنسان في مصر يعد وبحسب بعض الخبراء ملف شائك ومعقد، بسبب حالة عدم الاستقرار واستمرار الصراعات الداخلية، يضاف إليها الأزمات والمشكلات الداخلية الأخرى التي قد يستفاد منها البعض في سبيل تحقيق مكاسب خاصة، وتوجَّه الحكومة المصرية اليوم الكثير من الانتقادات بخصوص قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان، حيث اكدت تقارير جماعات حقوق الإنسان، أن الأوضاع في مصر ساءت خلال الفترة الأخيرة وحذرت من أن الخطوات والقوانين المتشددة، التي اتخذتها السلطات المصرية ستسهم وبحسب بعض المصادر، بضيق حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات، كما انها ستحرم الآلاف من المصريين من ضمانات المحاكمة العادلة، يضاف الى ذلك تقويض دور المجتمع المدني في البلاد.

وكان المئات من المتظاهرين قد قُتلوا خلال عمليات لقوات الأمن تحت قيادة عسكرية حكمت البلاد بعد خلع حسني مبارك، كما اشتد العنف من قبل الجيش الذي أطاح بالرئيس الاخواني محمد مرسي الذي تولى منصبه في صيف 2012ن يضاف الى ذلك الحملة ضد الجماعات الحقوقية والصحفيين والأحكام القاسية للقضاء ضد المعارضين. من جانب أخر يرى بعض المراقبين ان ما تقوم به السلطات المصرية، التي تخوض حربا مستمرة ضد الإرهاب والجماعات المشددة وتسعى إلى بناء دولة جديدة، هو امر طبيعي يحدث في الكثير من الدول وضمن الدستور والقانون المصري الذي سعى ايضا، الى معاقبة الكثير من الضباط ورجال الشرطة لتورطهم في أعمال تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان وهي حالات فردية غير مسموح بها، لكنها تحدث خصوصا وان مصر ماتزال تعيش حالة استثنائية.

وقد أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارا بتمديد حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر أخرى اعتبارا من 13 يناير كانون الثاني. وكانت مصر قد أعلنت حالة الطوارئ بعد هجومين استهدفا كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية في أبريل نيسان العام الماضي أسفرا عن مقتل 45 شخصا وإصابة عشرات آخرين وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنهما. ومددت حالة الطوارئ في يوليو تموز ثم أعلنت من جديد في أكتوبر تشرين الأول.

وجاء في القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية ”تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله وحفط الأمن بجميع أنحاء البلاد وحماية الممتلكات العامة والخاصة وحفظ أرواح المواطنين“.

وتشن جماعة موالية لتنظيم داعش المتشدد هجمات على قوات الأمن في شمال سيناء منذ سنوات. وفي العام الأخير امتدت هجماتها لتشمل مسيحيين ومدنيين آخرين. وأعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم استهدف كنيسة ومتجرا يملكه مسيحي في ضاحية حلوان بجنوب القاهرة أودى بحياة عشرة مسيحيين ورجل شرطة مسلم. وفي نوفمبر تشرين الثاني أسفر هجوم استهدف مسجدا في شمال سيناء عن مقتل أكثر من 300 شخص، وهو الهجوم الأكبر في تاريخ البلاد المعاصر. ويُعتقد على نطاق واسع أن تنظيم الدولة الإسلامية هو من نفذ الهجوم لكن لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عنه حتى الآن.

أحكام الإعدام

وفي هذا الشأن طالب المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر بضرورة الحد من أحكام الإعدام وقصرها على الجرائم ”الأشد غلظة“ وأن تصدر من ”المحاكم الطبيعية“. وتأتي هذه الدعوة بعدما نفذت السلطات المصرية في ديسمبر كانون الأول الماضي ويناير كانون الثاني الجاري أحكام إعدام أصدرتها محاكم عسكرية بحق 19 مدنيا.

وقال المجلس في بيان مقتضب إن رئيسه محمد فايق ”أكد... على موقف المجلس من الأحكام بالإعدام، والذي سبق الإعراب عنه في عدة مناسبات، بضرورة تقليصها وقصرها على الجرائم الأشد غلظة، وأن تصدر من المحاكم الطبيعية“. وأضاف ”كما أكد على ضرورة أن تكون الإحالة إلى القضاء العسكري متسقة مع ما يقضى به الدستور“. والمجلس كيان حكومي لكنه وبحسب نص القانون يتمتع بالصفة الاعتبارية المستقلة وكثيرا ما يواجه اتهامات بمحاباة الحكومة رغم وجود شخصيات حقوقية بارزة ضمن عضويته.

وكانت مصادر أمنية قد ذكرت أن السلطات نفذت حكم الإعدام يوم 26 ديسمبر كانون الأول في 15 إسلاميا متشددا أدانهم القضاء العسكري بشن هجمات أسفرت عن مقتل عدد من رجال الجيش والشرطة في شبه جزيرة سيناء في أكبر عملية تنفيذ أحكام بالإعدام في يوم واحد فيما يبدو منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2014. وذكرت مصادر أمنية أيضا أن السلطات نفذت يوم الثاني من يناير كانون الثاني حكم الإعدام في أربعة أدانهم القضاء العسكري في قضية تفجير أودى بحياة ثلاثة طلاب عسكريين في 2015.

وفي عام 2015، أعدمت مصر ستة أشخاص أدينوا من محكمة عسكرية بقتل ضابطي جيش خلال مداهمة لمخبأ لهم في قرية بمحافظة القليوبية شمالي القاهرة. ويعارض قطاع كبير من النشطاء والحقوقيين والمثقفين في مصر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ولم يلب الدستور المعدل الذي أُقر في 2014 مطالبهم بإلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين لكنه قصرها على حالات محددة. بحسب رويترز.

ويقول مؤيدون لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري إنه أسرع وأكثر فاعلية في القضايا المتعلقة بالأمن القومي والإرهاب. ووقعت حوادث عنف عديدة في مصر منذ عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان في 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما. وحظرت السلطات جماعة الإخوان وأعلنتها منظمة إرهابية بعد عزل مرسي وقدمته للمحاكمة مع قياديين آخرين في الجماعة وآلاف من أعضائها ومؤيديها. وتنفي الجماعة أي صلة لها بالعنف. وتنشط في مصر عدة جماعات متشددة أبرزها جماعة ولاية سيناء الموالية لتنظيم داعش والتي تتركز أغلب هجماتها في محافظة شمال سيناء.

مظاهرات واحكام

الى جانب ذلك وقعت اشتباكات بين متظاهرين ورجال شرطة أمام قسم للشرطة في القاهرة توفي فيه شاب كان أوقف في وقت سابق، حسبما ذكرت مصادر أمنية. وأدت الاشتباكات أمام قسم شرطة المقطم في القاهرة إلى اصابة تسعة أشخاص بجروح وتوقيف 40 شخصا، بحسب المصادر نفسها. وأضرم المتظاهرون النار في اطارات وفي عشر سيارات مركونة في المكان من بينها ثلاث مركبات تابعة للشرطة، والقوا زجاجات حارقة. وقالت المصادر ان الشرطة ردت باستخدام الغاز المسيل للدموع واطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين.

وأفادت المصادر الأمنية أن الشاب الذي يدعى "عفروتو" أوقف بتهمة الاتجار المخدرات. ويتهم المحتجون الشرطة بالتسبب بموته. لكن المصادر الأمنية أكدت أنه قُتل أثناء صدام عنيف بين عدد من الموقوفين داخل مركز الشرطة. وعاد الهدوء الى المنطقة بعدما وعد مدير أمن القاهرة اللواء خالد عبد العال المحتجين بالالتزام بما ستسفر عنه التحقيقات، متعهدا بعدم التستر عن أي ضابط في حال إثبات تورطه في مقتل عفروتو. بحسب فرانس برس.

وأنهت النيابة العامة معاينة الجثة وطلبت تشريحها. وتتهم منظمات الدفاع عن حقوق الانسان بانتظام الشرطة وعناصر الاستخبارات المصرية بسوء معاملة وتعذيب الموقوفين منذ اطاحة الجيش بالرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013. وتعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش عند الاطاحة بمرسي، بتعزيز مكافحة تجاوزات الشرطة مؤكدا أن هذه الممارسات لا تعني مجمل وقوات النظام.

على صعيد متصل قالت مصادر قضائية إن محكمة في مدينة الإسكندرية الساحلية المصرية قضت بحبس ستة نشطاء بينهم المحامية الحقوقية ماهينور المصري بعد إدانتهم بتهم بينها التظاهر دون إذن السلطات الأمنية. وأضافت المصادر أن محكمة جنح قسم أول المنتزه، إحدى محاكم الجنح بالمدينة، عاقبت ماهينور وناشطا آخر بالحبس سنتين لكل منهما حضوريا وعاقبت المتهمين الباقين غيابيا بالحبس ثلاث سنوات لكل منهم.

واتهم الستة في يونيو حزيران بالتظاهر ضد نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر إلى السعودية واتهموا أيضا بإهانة رئيس الدولة خلال تعبيرهم عن رفضهم لاتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. ويحق للمحكوم عليهما حضوريا استئناف الحكم. وتعاد محاكمة أي محكوم عليه غيابيا أمام نفس المحكمة إذا ألقت الشرطة القبض عليه أو سلم نفسه. وكانت المحكمة قد قررت احتجاز ماهينور والناشط الآخر خلال مثولهما أمامها في الجلسة الماضية. ويقول معارضون لنقل تبعية الجزيرتين إن السيادة عليهما كانت لمصر قبل قيام المملكة العربية السعودية. لكن مسؤولين سعوديين ومصريين يقولون إن الجزيرتين سعوديتان وإنهما وضعتا تحت حماية مصر بطلب من الرياض عام 1950 بعد عامين من قيام إسرائيل.

إنقاذ الصحافيين

من جانب اخر نفذت منظمة مراسلون بلا حدود تجمعا في باريس للمطالبة بـ"إنقاذ الصحافيين المصريين". ورفع حوالى 20 ناشطا لافتة تحمل شعارا بالانكليزية "أنقذوا الصحافيين المصريين" في تحركهم في ساحة الكونكورد بوسط باريس، أمام مسلة الاقصر التي ترمز للعلاقات الفرنسية المصرية وحملوا لافتات عليها صور صحافيين مسجونين في مصر بسبب مهنتهم.

وأوضحت مسؤولة مكتب مراسلون بلا حدود في الشرق الاوسط الكساندرا الخازن "نحن هنا للتضامن مع الصحافيين المصريين الذين باتوا اليوم ضحايا قمع عنيف من السلطات، وللتذكير بأننا لم ننس وضع القابعين في السجون خصوصا". أَضافت "احصينا ما لا يقل عن 16 حالة صحافيين او مدونين سجنوا فحسب لأنهم كانوا يمارسون مهنتهم ويسعون الى تغطية أحداث او مواضيع على غرار ارتفاع الاسعار والفساد او العلاقات مع السعودية". بحسب رويترز.

من جانب اخر أهدى ناشط مصري يخضع لتحقيق جنائي لعمله في مجال حقوق الإنسان جائزة حقوقية دولية لآلاف المصريين الذين قال إنهم عذبوا أو سجنوا منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك. وفاز محمد زارع (37 عاما) مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بجائزة مارتن أنالز وهي جائزة سنوية تقدمها لجنة تحكيم من عشر منظمات حقوقية دولية. ولم يتمكن زارع من السفر لجنيف لاستلام الجائزة بسبب منعه من السفر لكنه تحدث إلى الحضور عن طريق دائرة فيديو مغلقة.

وقال ”لا أعتبر هذا التكريم تقديرا لعملي وحدي... هذه الجائزة من حق عشرات الآلاف من المواطنين المصريين الذين عذبوا أو سجنوا أو اختفوا أو قتلوا خلال السنوات الست الأخيرة لا لشيء سوى لوقوفهم في وجه الفساد والطغيان بالطرق السلمية“. ويواجه زارع اتهامات تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد بتلقي أموال من جهات أجنبية ”للإضرار بالأمن القومي“ وهو ممنوع من السفر منذ مايو أيار 2016.

اضف تعليق