q
MICHAEL J. BOSKIN

 

ستانفورد ــ تشير كل مؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية ــ النمو، وتشغيل العمالة، والتضخم ــ إلى أن 2017 سيكون أفضل عام للاقتصاد الأميركي في عقد كامل من الزمن. والآن يتمتع الاقتصاد العالمي بنمو عريض ومتزامن ويتجاوز كل التوقعات. والسؤال هو ما إذا كان هذا الأداء القوي ليستمر في عام 2018.

تتوقف الإجابة بطبيعة الحال على السياسات النقدية والمالية والتجارية وما يتصل بها من سياسات في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالَم. ومع هذا، يظل من الصعب أن نتكهن بالمقترحات التي قد تنشأ في عام 2018 في ما يتصل بالسياسات. فهناك عدد من الرؤساء الجدد نسبيا في الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة؛ ولم يتوصل القادة الألمان حتى الآن إلى تشكل ائتلاف حاكم منذ الانتخابات العامة في سبتمبر/أيلول؛ وينتظر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي التصديق على رئيسه الجديد. وعلاوة على ذلك، شهد العالَم تغيرات كبرى في اقتصادات نامية مهمة مثل الأرجنتين والمملكة العربية السعودية والبرازيل، وهي التغيرات التي جعلت آفاق المستقبل تبدو أكثر ضبابية.

ومع ذلك، ينبغي لنا أن نأمل في الأفضل:

فأولا وقبل أي شيء، ينبغي لنا أن نأمل أن يستمر النمو العالمي المتزامن بنسبة تقل قليلا عن 4% في عام 2018، كما توقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول. والنمو لا يرفع الدخل فحسب، بل ويساعد أيضا في جعل التعامل مع المشاكل المزعجة مثل القروض المصرفية الرديئة وعجز الموازنة أكثر سهولة. وكما قال الرئيس الأميركي الأسبق جون ف. كينيدي في خطاب ألقاه في أكتوبر/تشرين الأول 1963، والذي روج فيه للتخفيضات التي اقترحها على ضرائب الشركات والضريبة الشخصية، فإن "المد المرتفع يرفع كل القوارب".

من جانبي، أتوقع أن يستمر التعافي العالمي، ولكن بمعدل نمو أبطأ قليلا يبلغ نحو 3.5%. وتُعَد أوروبا بين أكثر المخاطر وضوحا التي ينبغي لنا أن نراعيها، حيث من الممكن أن يتوقف الانتعاش الدوري، هذا فضلا عن الشرق الأوسط الغني بالنفط، حيث قد تشتعل التوترات مرة أخرى.

ثانيا، دعونا نأمل أن يستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مسترشدا باليد الثابتة لرئيسه الجديد جيروم جاي باول، في تطبيع سياسته النقدية أو حتى تسريع وتيرة هذا التطبيع، سواء من خلال زيادة سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية أو عن طريق تقليص ميزانيته العمومية المتضخمة. كما ينبغي لنا أن نأمل أن تسمح الظروف الاقتصادية للبنوك المركزية الكبرى الأخرى، وخاصة البنك المركزي الأوروبي، بأن تحذو حذو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

على هذه الجبهة، أتوقع أن تواصل البنوك المركزية الكبرى تطبيع سياساتها النقدية بوتيرة أكثر تدريجية من الضروري. والخطر الأكبر هنا هو أن تحاول الأسواق اختبار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تحت قيادته الجديدة، على سبيل المثال، إذا ارتفع التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع.

ثالثا، ينبغي لنا أن نأمل أن تنجح الحزمة الضريبية التي يقترحها الجمهوريون، إذ أقرت، في تحقيق وعدها بزيادة الاستثمار، والناتج، والإنتاجية، والأجور على مدار العقد المقبل. وهنا أتوقع إقرار التشريع وأن يكون الاستثمار في الولايات المتحدة على مدار السنوات القليلة المقبلة أعلى نسبيا من الحال لو لم يتخذ أي إجراء.

من المؤكد أن ارتفاع الاستثمار عن مستواه المتواضع الحالي يعتمد على عوامل أخرى عديدة غير معدل الضريبة على الشركات. ولكن يظل بوسعنا أن نتوقع أن تعمل الحزمة الضريبية على تعزيز الناتج والإنتاجية والأجور. والسؤال ليس ما إذا كانت لتفعل ذلك، بل متى.

وإذا لم تصبح تأثيرات التشريع محسوسة قبل انتخابات 2018 أو 2020، فإن هذا التأخير قد يخلف تبعات سياسية. ومكمن الخطر الأكبر هو أن تتأخر الفوائد المترتبة إقرار التشريع، وأن يسعى الديمقراطيون إلى عكس بنوده الأساسية عندما يعودون إلى السلطة.

رابعا، لنأمل أن تبدأ الحكومات في كل مكان في التعامل مع الأزمة الوشيكة التي تحيط بتكاليف معاشات التقاعد العامة والرعاية الصحية، وهي التكاليف التي كانت في ارتفاع لعقود من الزمن. ذلك أن تزايد تكاليف البرامج الاجتماعية يجعلها تزاحم الإنفاق الحكومي على الضروريات مثل الدفاع، في حين تعمل على توليد ضغوط متزايدة لفرض ضرائب أعلى ربما تفضي إلى قمع النمو.

ولا ينبغي لأوروبا بشكل خاص أن تسمح لانتعاشها الدوري بدفعها إلى حالة من الشعور بالرضا عن الذات. فلا تزال دول أعضاء عديدة في الاتحاد الأوروبي في احتياج إلى خفض ديونها الحكومية، كما تحتاج منطقة اليورو إلى حل أزمة "البنوك الحية الميتة". وفضلا عن ذلك، يجب أن تكون إصلاحات سوق العمل البنيوية من ذلك النوع الذي يلاحقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موضع ترحيب شديد.

للأسف، أخشى أن يكون التقدم المحرز على مسار الإصلاحات البنيوية متقطعا، في أفضل الأحوال. ومكمن الخطر هنا هو أن يعجز النمو البطيء عن توليد القدر الكافي من مكاسب الأجور وفرص العمل لنزع فتيل القنبلة الزمنية المتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في العديد من الدول. ويتمثل خطر آخر في أن تتسبب محاولات الإصلاح في استفزاز ردة فعل سياسية سلبية والتي من شأنها أن تلحق الضرر بالاستثمار الطويل الأجل.

خامسا، ينبغي لنا أن نأمل أن تتمكن منطقة اليورو من تجنب أزمة العملة. وسوف يتوقف هذا إلى حد كبير على ما إذا كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قادرة على تشكل حكومة ائتلافية وإعادة الاستقرار السياسي إلى اقتصاد أوروبا في عموم الأمر.

سادسا، يجب أن نأمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة معقولة للخروج من الاتحاد، والذي من شأنه أن يحافظ على علاقات تجارية قوية إلى حد ما. ويتمثل الخطر الرئيسي هنا في انتشار الانحدار المحلي في التجارة على النحو الذي قد يتسبب في إحداث ضرر أوسع.

وبعيدا عن أوروبا، ينبغي لنا أن نأمل أن تُسفِر المفاوضات الدائرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية عن التوصل إلى ترتيب يظل قادرا على تسهيل التجارة القارية. أما عن التجارة عموما، فيتمثل الخطر الأكبر في أن تبدأ إدارة ترمب نزاعا تجاريا يخرج منه الجميع خاسرين، بسبب حرصها المفهوم على مساعدة عمال التصنيع الأميركيين.

سابعا، دعونا نأمل أن تنجح السياسات الجديدة التي تستهدف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إيجاد التوازن الصحيح بين الشواغل المتنافسة والمشروعة لكل أصحاب المصلحة. فمن ناحية، هناك من الأسباب ما يدعو إلى القلق بشأن سعي شركات بعينها تعمل في مجال الإنترنت إلى تركيز قوى السوق، وخاصة في مجال المحتوى والتوزيع على الإنترنت، وحول التأثيرات التي تخلفها التكنولوجيات الجديدة على الخصوصية الشخصية، وإنفاذ القانون، والأمن القومي. ومن ناحية أخرى، من الممكن أن يعمل التقدم التكنولوجي على تحقيق مكاسب اقتصادية هائلة.

من السهل أن نتصور سيناريو يتسم بقدر أكبر مما ينبغي، أو أقل مما ينبغي، من التنظيم. ومن السهل أيضا أن نتصور ردة فعل شعبية سلبية واسعة النطاق ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، وخاصة إذا أفضت الرقابة الذاتية الرديئة أو رفض التعاون مع هيئات إنفاذ القانون إلى بعض الأحداث الرهيبة.

وهنا أتوقع أن يستغرق إيجاد التوازن المناسب بين السياسات أعواما. وإذا لمست بعض أحداث المستقبل وترا عاطفيا، فربما ينقلب مزاج عامة الناس بشكل درامي. ولكن في نهاية المطاف، أظن أن الغَلَبة ستكون للمنافسة والإبداع على القواعد التنظيمية المقبلة.

أخيرا، وفي المقام الأول من الأهمية، ينبغي لنا أن نأمل في إحباط الإرهاب في كل مكان، وانحسار الصراعات، وتمكن الديمقراطية والرأسمالية من استعادة بعض الزخم، وعودة قدر أكبر من التمدين والحوار الصادق إلى المجال العام. وإذا حدث كل هذا في عام 2018، فسوف يكون عاما جيدا للغاية حقا.

* مايكل جيه. بوسكين، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء معهد هوفر، وكان رئيساً لمجلس مستشاري الرئيس جورج بوش الأب الاقتصاديين في الفترة 1989- 1993
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق