q

ربما جميعنا واجهنا أشخاصا يخطئون أمامنا ولا يتقبلون انتقادهم على ذلك، وقد أدركنا جيدا مدى كراهية هؤلاء الأشخاص من قبل أفراد المجتمع وربما نحن نكون من هؤلاء الأشخاص!، ومن المعروف أن ارتكاب الأخطاء يختلف عن الفشل لكنه يؤدي إلى الفشل، فتقّبُل الأخطاء صعب جداً لأن نفس الإنسان تميل إلى حب الذات دائماً.

كذلك يحتاج المرء إلى كثير من الجهد والرشد كي يتقبَّل أخطاءه وهذا أمر صعب في مجتمع يتوقع من الإنسان عدم ارتكاب الخطأ والمثالية، ولكن هناك فرق كبير بين التميّز وعدم ارتكاب الخطأ، فكل شخص ممكن أن يخطئ، وليس من العيب أن يخطئ الإنسان ولكن العيب أن يغطي أعماله الخاطئة بسبب منصبه أو قدرته على ذلك، كما أنه يغض طرفه عن أخطائه ويلقي باللوم على الآخرين.

لذا فإنه من الأمور الأساسية المؤكَّدة التي تؤدي الى النجاح، هي تقبل الأخطاء، فالمدير الناجح يعرف جيدا بأن قبوله لأخطائه يجعله محبوباً عند عامليه ويساعده على التفوق في مجال عمله، كذلك الزوج الناجح يعرف جيداً أن قبوله لأخطائه، يجعل حياته مليئة بالسعادة ويكون محبوباً عند شريكة حياته وأطفاله.

فالزوجة الناجحة تعرف بأن قبولها لأخطائها سيجعلها تتفوق على قريناتها، وتكسب رضا زوجها وقلبه، وهكذا الحال بالنسبة للآخرين، فلو أن كل شخص يركّز على أخطائه ويتقبلها، فإن باستطاعته التخلص منها بسرعة، على العكس من الشخص الذي يصرّ على أخطائه ويخفيها ولا يعترف بها، ولا يعترف بأن (الاعتراف بالخطأ فضيلة)، ويجعل من نفسه شخصا معزولا لا يمكن لأحد تحمّلهِ أو الاقتراب منه.

هناك مقولة جميلة لجبران خليل جبران يقول فيها: الاعتذار لا يعني أنك على خطأ فقط، بل يعني أنك تقدّر العلاقة مع الآخرين وتمنحها أهمية كبيرة.

وإذا كنتَ ممن ليس باستطاعتهم قبول أخطائهم، إليك هذه الأساليب لتتخلص من هذه الصفة السيئة:

احتفظ بمفكرة لتدوين الأخطاء والنجاحات

سيمنحك التدوين وعياً تجاه الأنماط والسلوكيات كي يُعمَل بها لاحقاً، أو تتجنبها كاملاً، وباستطاعة الإنسان أن يرجع إلى المفكرة ويستذكر ما كتب خلال يومه وما كان يمكنه أن يتخذ من خيارات.

عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل خيراً استزاد الله منه، وحمد الله عليه وإن عمل شراً استغفر الله منه وتاب إليه).

تقبَّل ذاتك:

عندما تعرف بأنك إنسان قابل للخطأ، سوف يساعدك على أن تتقبل أخطائك بصورة أحسن، وليس من العيب إن أخطأت دون إدراك (خطأ غير مقصود)، ولكن العيب أن تخطئ ثانية وثالثة وتقع في البئر نفسه "الخطأ ذاته ثانية الخيبة الأعمق من الغفران".

ولأن الله تعالى على معرفة بتقصير الإنسان وارتكابه المعاصي والأخطاء، فقد فتح له باب التوبة كي يحسِّن من سلوكه ويصحح من مساره، ويعود إلى ربه، وإذا أخطأ فيقول ربنا في كتابه الكريم ((ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)).

تعلَّم من أخطائك فالأخطاء مصدر قيّم للتعلّم وقد تعلّم الإنسان كيفية التعامل مع الأمور بصورة أفضل، وهناك مثل تركي يقول: من فرط وقوعنا في الخطأ نتعلم.

ابتعد عن الغرور والتكبر

من الأمور التي تزين للإنسان طريق الخطأ وارتكاب الأخطاء على الدوام، الغرور والتكبر، لأن الإنسان المتكبر والمغرور يرى نفسه أفضل من غيره، ويظن انه يفعل الصواب على الدوام، والشيطان العدو المبين أقسمَ على نفسه أن يضلّل الناس أجمعين، ويبعدهم عن الطريق الصحيح، لذلك يزين لهم أعمال السوء فيُعجب المرء بنفسه ويظن انه يُحسن صنعاً: يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا﴾).

والمتكبر كالشخص الذي يقف على الجبل فيرى الناس صغاراً، ولا يعبأ بأحدٍ سوى بنفسه، والناس أيضاً يرونه صغيراً لأنه يزرع في قلب الآخرين الحقد والنكد، ويرتكب الأخطاء في حقهم مراراً وتكراراً دون أن يعي على نفسه.

فرِّق بين أخطائك:

هناك أخطاء تحدث بسبب الإهمال، ربما على الإنسان القيام بشيء ما كان يجب القيام به، وهناك أخطاء تحدث بسبب التقصير وعدم القيام بشيء كان يجب القيام به، فيمكن للانسان أن يستنبط من كليهما دروسا وعبرا ويحسّن سلوكه.

تمتع بالمرونة ولا تثق بنفسك أكثر من اللازم:

تشير البحوث أن بعض الخبراء كالأطباء قد يفشلون في تصحيح أخطائهم بسبب ثقتهم الزائدة بحكمهم الخاص، فعندما يتمتع الإنسان بالمرونة والانفتاح يبتعد عن ارتكاب الأخطاء ويعتبرها فرصًا حتى بعد إتقانه لمهنة ما. وهناك حكمة عربية تقول: أعظم الخطأ أن تعتبر نفسك منزّها عن الخطأ.

جدد معلوماتك على الدوام

عالم اليوم عالم التطور المتصاعد، فبين ليلة وضحاها هناك نسخ جديدة وعلوم تفرض نفسها على المجتمع، لذلك على الإنسان أن يجدد معلوماته على الدوام كي يضيّق دائرة أخطائه ويصون نفسه، فكلما كان الإنسان عالماً بالأمور كانت نسبة وقوعه في الأخطاء أقل. وباستطاعة المرء أن يرجع أدراجه إلى الوراء إن شعر بأنه أخطأ في اختيار طريقه نحو القمة، ولكن أن يدرك انه على خطأ ويكمل المسير فهي كارثة لا تغتفر...

وكل شخص يبحث عن السعادة والطريق المختصر نحو القمة يجب أن يتذكر وهو في طريقه نحو القمة أن يتعلم من أخطائه، ويتقّبلها برحابة صدر لأنه هو من فعلها ووحده يستطيع إصلاحها أفضل من غيره، وأما طريق التكبر والثقة الكاذبة فلا يؤدي إلى أي مكان للنجاح، سوى متاهة الإعجاب، والشخص الذي يصر على أخطائه ويحاول أن يبين صحة أقواله وأفعاله الخاطئة، سوف يبتعد شيئا فشيئا عن الناس ويفقد مودتهم.

فـ "ليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ"...

اضف تعليق