q

الهدوء في تحرك الولايات المتحدة الامريكية تجاه الازمة السورية والنظام السوري أصبح مثيرا، فبعد عبورها العام الرابع، وعلى الرغم من تكرارها لمرات عديدة بأن النظام السوري بات نظاما "منتهي الصلاحية"، إلا انها ما زالت تمارس نفس الهدوء وعدم استعجال الأمور، مع جميع الانتقادات التي وجهت الى الإدارة الامريكية وطريقة تعاطيها مع الاحداث السورية ومع النظام تحديدا من الداخل الأمريكي ومن الحلفاء المقربين لها في الشرق الأوسط، سيما المعنيين بصورة مباشرة بانعكاسات الأوضاع السورية على امنهم واقتصادهم، وحسب تصريحات كبار المسؤولين في الولايات المتحدة الامريكية فان الرغبة ببقاء نظام الأسد اقوى من رحيله لان البديل سيكون سيطرة المتطرفين على العاصمة السورية، وهذا آخر ما تتمناه الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، خصوصا وان المعارضة المسلحة التي تدعمها ما زالت ضعيفة للغاية وغير مهيأة لمقاتلة قوات النظام فضلا عن مقاتلة الحركات المتطرفة والتي تقف في مقدمتها (الدولة الإسلامية/داعش) و(جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة).

وما أشار اليه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، "جون برينان"، كان واضحا وصريحا حول ضرورة بقاء النظام كعصا الميزان بين المتطرفين والمعارضة المدعومة للغرب، بدلا من أن "يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة، لا سيما تنظيم الدولة"، "لا أحد منا، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق"، وأضاف أن "عناصر متطرفة" بينها تنظيم الدولة وناشطون سابقون في تنظيم القاعدة، هم "في مرحلة صعود" في بعض مناطق سوريا حالياً، وأن آخر ما نريد رؤيته هو السماح لهم بالسير إلى دمشق"، مضيفاً "لهذا السبب من المهم دعم قوات المعارضة السورية غير المتطرفة"، وأوضح أن المجتمع الدولي يؤيد حلاً أساسه "حكومة ذات صفة تمثيلية تعمل على تلبية المطالب في سائر أنحاء البلاد".

ويبدو ان سياسية "الصبر الاستراتيجي" التي ينفذها الرئيس الأمريكي "أوباما" في سوريا تعتمد على "التغيير الناعم" للنظام السوري بعد الاستفادة منه في تحقيق الموازنة بين من ترغب بهم الولايات المتحدة الامريكية وبين من لا ترغب بهم، فبدلا من اسقاط النظام في الوقت الراهن، يمكن الاستفادة منه في مكافحة المتطرفين (وبالأخص تنظيم داعش) نيابة عن الولايات المتحدة، التي تعمل بدورها بالتعاون مع عدة دول معنية بالوضع السوري (تركيا، السعودية، الامارات، قطر) لإقامة جيش من المعارضة قد تنافس النظام على سوريا (بعد تنظيفها من المتطرفين) بدلا من منافسة المتطرفين على سوريا، وهذا السيناريو في اعداد المقاتلين المناهضين للنظام قد يحتاج الى عدة سنوات حتى يرى النور بحسب ما أشار قادة وخبراء أمريكيين.

ان مراحل الصراع السوري التي دخلت عامها الخامس، فرضت على المجتمع الدولي تغيير الأولويات، بعد ان توقع الجميع سقوطا سريعا لنظام الأسد، اسوة بباقي الأنظمة العربية التي شملها الربيع العربي، وهو مالم يحدث، وبحسب مدير المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن، فولكر بيرتس، فإن مكانة الأسد "تحسنت على المستوى الدولي بعدما تخلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وآخرون عن المطالبة برحيله المباشر"، ويوضح فولكر، مؤلف كتاب "سوريا بلا بشار"، أن "مواقف صادرة في الولايات المتحدة أو في عواصم أوروبية تؤشر إلى قبول بالأمر الواقع، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لناحية بقاء الأسد في الرئاسة والبحث في الوقت ذاته عن ائتلاف وحدة وطنية يجمع الأسد والمعارضة المناوئة للجهاديين"، كما ان الكثير من الدول الغربية عدلت من مواقفها المتشددة المطالبة برحيل النظام.

لكن هل بقاء الأسد ونظامه في سوريا امر قابل للتحقيق؟ وهل هذا ما ترغب فيه الولايات المتحدة الامريكية فعلا؟

طبعا الولايات المتحدة الامريكية كانت سلمت (حالها حال بقية الدول الأخرى)، بسقوط نظام الأسد، في حال سقوطه، الا ان عدة عوامل إقليمية ودولية حالت دون ذلك، لندخل الى المنطقة المعقدة من الحسابات التي تعتمد على الربحية ومقدار الخسارة بين البقاء والرحيل للنظام الحالي، وقد صبت جميع الإخفاقات التي مرت بها المعرضة المدعومة من الغرب (المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة) في صالح نظام الأسد وكبار داعميه (ايران وروسيا)، كما ساهمت بشكل واخر، التنظيمات المتطرفة في تثبيت دور اكبر لنظام الأسد في المرحلة القادمة، وهو ما حاولت رفضة منذ البداية الدول العربية الداعمة لإسقاط نظام الأسد (السعودية، قطر، الامارات) الا انها عززت من مكانه الأسد، بعد ان تبين ان معظم دعمها كان يذهب لمنظمات متطرفة عقدت القضية السورية، وكما أشار نائب الريس الأمريكي "بايدن"، بان هذه الدول العربية مولت المنظمات الإرهابية في سوريا.

ويبدو ان ما ترغب فيه الولايات المتحدة الامريكية، راهنا، هو بقاء الوضع السوري على ما هو عليه، مع إمكانية تقوية نفوذ الأسد والحكومة السورية خلال العام الحالي وما يليه، مقابل اضعاف نفوذ التنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا، وهو كفيل بمدة زمنية تكفي لتقوية المعارضة التي ترغب فيها الولايات المتحدة لتكون بديلا عن الأسد، من دون نسيان دور الدول الداعمة له، ودورها في المعادلات المستقبلية التي تحاول الولايات المتحدة رسمها لمستقبل سوريا.

اضف تعليق