q

تتواصل ردود الأفعال الغاضبة ضد اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، داخل وخارج الاراضي الفلسطينية المحتلة، التي قد تتحول في الفترة المقبلة بحسب بعض المراقبين الى ساحة حرب جديدة خصوصا وان الساحة الفلسطينية قد شهدت في الايام القليلة الماضية اشتباكات واعمال عنف، وجاءت المواقف الغاضبة كما نقلت بعض المصادر، عقب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، في خطاب ألقاه من واشنطن، تزامن مع تحركات شعبية ومظاهرات جابت شوارع عواصم عربية وإسلامية. ودعت الفصائل الفلسطينية وشخصيات اسلامية عربية الى انتفاضة جديدة لمواجهة اسرائيل وامريكا، كما هددت بعض الجهات الاخرى بضرب مصالح واشنطن وقواتها في المنطقة، خصوصا وان اعلان ترامب قد كشف الوجه الحقيقي لامريكا التي تسعى دوماً وفي كل محفل فرض سياسة الأمر الواقع على العرب والمسلمين في فلسطين والتشدد بخصوص ملف القدس.

واكد بعض الخبراء أن اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل قرار لم يستطع أي رئيس أمريكي سابق اتخاذه في ظل رفض القادة والزعماء العرب لهذا القرار، في حين نجح ترامب في اتخاذه نتيجة لتواطؤ بعض الحكام العرب فيما يعرف بـ «صفقة القرن» التي تستهدف إجبار الفلسطينيين على ما تفرضه إسرائيل من حلول لإنهاء القضية الفلسطينية، واقتطاع جزء من سيناء في إطار صفقة تبادل أراضٍ لتكون موطنًا بديلاً للفلسطينيين. وأكدوا ايضا أن الشعوب العربية لن تقبل تمرير تلك الصفقة القذرة، ولن تسمح بالتفريط في القدس. ودعوا إلى اتخاذ خطوات قانونية لحفظ الحقوق العربية في القدس، خاصة أن قرار ترامب باطل ويخالف كل قرارات الشرعية الدولة والأمم المتحدة ذات الصلة وكذلك قرار محكمة العدل الدولية التي يعتبر إسرائيل دولة احتلال والقدس أرضًا محتلة.

يوم الغضب

وفي هذا الشأن لقي شخص واحد على الأقل حتفه وأصيب عشرات آخرون في اشتباكات مع جنود إسرائيليين خلال مظاهرات ”يوم غضب“ شارك فيها آلاف الفلسطينيين احتجاجا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي أنحاء العالم العربي والإسلامي، خرج آلاف المحتجين إلى الشوارع للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين وغضبهم من الخطوة الأمريكية.

وقتل جنود إسرائيليون فلسطينيا بالرصاص قرب حدود قطاع غزة وهي أول حالة وفاة مؤكدة في يومين من الاضطرابات. وقال الجيش الإسرائيلي إن مئات من الفلسطينيين كانوا يدفعون إطارات سيارات مشتعلة نحو الجنود ويرشقونهم بالحجارة عبر الحدود. وأضاف ”خلال أعمال الشغب أطلق جنود الجيش النار بشكل انتقائي صوب اثنين من المحرضين الرئيسيين وتأكدت وقوع إصابات“. وقالت خدمة الإسعاف بالهلال الأحمر الفلسطيني إن أكثر من 80 فلسطينيا بالضفة الغربية المحتلة وغزة أصيبوا بالرصاص الحي والمطاطي الذي أطلقه جنود إسرائيليون. وأصيب عشرات باختناقات من الغاز المسيل للدموع وكان 31 شخصا أصيبوا في وقت سابق.

ومع انتهاء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى شق المصلون طريقهم صوب أبواب البلدة القديمة ورددوا‭‭‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬‬ هتافات ”القدس لنا.. القدس عاصمتنا“ و ”ما بدنا كلام فاضي بدنا كلاشينكوف“. ووقعت بعض المواجهات بين المحتجين والشرطة. ‬‬‬‬‬‬‬وفي الخليل وبيت لحم ونابلس ألقى عشرات من الفلسطينيين الحجارة على الجنود الإسرائيليين الذين ردوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع. وفي غزة، الخاضعة لسيطرة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، ترددت عبر مكبرات الصوت في المساجد دعوات للمصلين.

ودعت حماس إلى انتفاضة جديدة على غرار الانتفاضة الأولى (1987-1993) والانتفاضة الثانية (2000-2005) اللتين أسفرتا عن مقتل آلاف الفلسطينيين وأكثر من 1000 إسرائيلي. وقال فتحي حماد القيادي في حركة حماس بينما كان محتجون يحرقون صورا لترامب في غزة ”من ينقل سفارته إلى مدينة القدس المحتلة يصبح عدوا للشعب الفلسطيني ويصبح هدفا للفصائل الفلسطينية“ وتابع ”نعلن انتفاضة حتى تحرير القدس وكل فلسطين“.

وانحسرت الاحتجاجات مع حلول الليل. ودوت صفارات الإنذار في بلدات بجنوب إسرائيل قرب قطاع غزة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض واحدة من قذيفتين على الأقل أطلقتا من غزة. ولم ترد تقارير عن وقوع أضرار أو سقوط ضحايا. وأثار إعلان ترامب غضب العالم العربي واستياء حلفاء غربيين. ويمثل وضع القدس أكبر عقبة أمام التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين مع تعاقب أجيال.

وتعتبر إسرائيل القدس بأكملها عاصمة لها. ويريد الفلسطينيون أن يصبح القسم الشرقي منها عاصمة لدولة مستقبلية لهم. وتعتبر معظم الدول القدس الشرقية، التي استولت عليها إسرائيل في حرب عام 1967 وضمتها إليها، أرضا محتلة بما في ذلك البلدة القديمة التي تضم مواقع مقدسة عند المسلين واليهود والمسيحيين على السواء. وعلى مدى عقود أحجمت واشنطن مثل غالبية المجتمع الدولي عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل معتبرة أن تحديد وضعها يجب أن يكون جزءا من عملية سلام فلسطينية إسرائيلية. ولا توجد أي سفارات لدول أخرى في القدس.

وتقول إدارة ترامب إن عملية السلام باتت في النزع الأخير وإن على طرفي النزاع التخلي عن السياسات المتقادمة حتى يتمكنا من إحراز تقدم في العملية. ويقول مسؤولون بالإدارة إن كل خطط السلام الجادة تدعو إسرائيل لاتخاذ عاصمتها في القدس بصرف النظر عن نتائج القضايا الأخرى. وأشار ترامب إلى أن الرؤساء الأمريكيين السابقين باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون وعدوا خلال حملاتهم الانتخابية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وكتب ترامب على تويتر معلقا على فيديو خضع لعملية تعديل ليضم خطب حملات انتخابية بشأن القضية للرؤساء الثلاثة ”أنجزت وعدي خلال الحملة (الانتخابية) .. الآخرون لم يفعلوا“. وقال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن الأمر متروك للإسرائيليين والفلسطينيين بشأن اتخاذ قرارات في القضايا الأخرى المرتبطة بالمدينة خلال المحادثات المقبلة. وقال تيلرسون ”فيما يتعلق بباقي القدس.. لم يشر الرئيس إلى أي وضع نهائي بالنسبة للقدس. كان واضحا للغاية بأن الوضع النهائي بما في ذلك الحدود سيترك للتفاوض واتخاذ القرار بين الطرفين“.

ومع ذلك، تنظر الدول الإسلامية إلى دوافع إدارة ترامب بعين الريبة. وخلال ترشحه للانتخابات الرئاسية، اقترح ترامب منع كل المسلمين من دخول الولايات المتحدة وبعد توليه السلطة حاول منع دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة. و أعاد بث تسجيلات فيديو مناهضة للمسلمين نشرتها جماعة يمينية بريطانية على تويتر. وفي رام الله، مقر السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، قال محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية وقاضي قضاة فلسطين إن موقف ترامب إساءة للإسلام والمسيحية على السواء. وأضاف الهباش ”أمريكا ارتضت لنفسها أن تنتخب رئيسا يضعها في عداء مع المسلمين والمسيحيين جميعا“. بحسب رويترز

وقالت فرنسا إن الولايات المتحدة همشت نفسها في الشرق الأوسط. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ”الواقع هو أنهم بمفردهم ومعزولين بشأن هذه القضية“. وفي الأمم المتحدة، دعت بريطانيا الولايات المتحدة إلى طرح مقترحات مفصلة بشأن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ووصفت قرار القدس بأنه ”لا يفيد“. وحذر مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف مجلس الأمن من مخاطر ”سلسلة من التصرفات الأحادية التي لن تؤدي إلا إلى إبعادنا أكثر عن تحقيق هدفنا المشترك وهو السلام“.

انتفاضة جديدة

من جانب اخر انضمت جماعة حزب الله اللبنانية إلى الداعين إلى بدء انتفاضة فلسطينية جديدة ردا على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقال حسن نصر الله الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية في كلمة نقلها التلفزيون ”نحن أمام عدوان أمريكي سافر... على القدس وعلى أهلها ومقدساتها وهويتها الحضارية وفلسطين وشعبها وقضيتها وعلى كل الأمة حكومات وشعوب“.

وحذرت حكومات في أنحاء المنطقة وخارجها من أن تراجع ترامب عن سياسة أمريكية راسخة منذ عقود بشأن القدس سيعرض جهود السلام في الشرق الأوسط للخطر. وقال نصر الله ”نحن نؤيد الدعوة إلى انتفاضة فلسطينية جديدة وتصعيد عمل المقاومة هو أكبر وأهم وأخطر رد على القرار الأمريكي“. ولم يحدد نصر الله، الذي وصف قرار ترامب بأنه ”منكر عظيم وظلم تاريخي كبير“، أي إجراءات مباشرة قد يتخذها حزب الله. ودعا إلى مظاهرات حاشدة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأضاف أن الشعب الفلسطيني ”يقف اليوم في خط الدفاع الأول عن القدس وعن المقدسات وعن فلسطين“.

وقال نصر الله في وقت سابق إن حزب الله، الذي تعتبره إسرائيل أكبر تهديد على حدودها، أرسل أسلحة للأراضي الفلسطينية من قبل. وخاضت جماعة حزب الله وإسرائيل حربا في عام 2006 أودت بحياة 1200شخص في لبنان أغلبهم مدنيون و160 إسرائيليا معظم عسكريون. ويتجنب الطرفان الدخول في مواجهة كبيرة أخرى منذ تلك المعركة التي استمرت شهرا رغم تصاعد التوتر مجددا العام الجاري.

ودعا نصر الله إلى وقف كل أشكال التطبيع مع إسرائيل وقطع العلاقات الدبلوماسية معها واستدعاء السفراء الأمريكيين للاحتجاج على قرارات ترامب الجديدة. وقال ”أعتقد أن القيام بخطوات من هذا النوع بالتأكيد ستجعل ترامب يندم وبالتأكيد ستجعل إدارته تندم وتعيد النظر“. وقالت الكتلة البرلمانية لجماعة حزب الله اللبنانية إن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ”عدوان غادر ولئيم على فلسطين وعلى الأمتين العربية والإسلامية“. وأضافت ”النهج الوحيد لاستعادة الحقوق هو نهج المقاومة“.

وقالت الكتلة في بيان بثته قنوات تلفزيونية إن قرار الرئيس الأمريكي ترامب كان أخطر قرار تتخذه أي إدارة أمريكية وإنه يهدد الأمن الدولي. ووضع القدس، التي تضم مواقع مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، من أكبر العقبات أمام التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ولا يعترف المجتمع الدولي بسيادة إسرائيل على كل القدس ويعتقد أن وضع المدينة ينبغي حله من خلال المفاوضات. وليس لأي دولة أخرى سفارة في القدس.

على صعيد متصل عبر شيخ الأزهر أحمد الطيب عن تأييده لانتفاضة فلسطينية جديدة بعدما اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وقال الأزهر إن شيخه رفض طلب نائب الرئيس الأمريكي مقابلته عندما يزور مصر. وقال شيخ الأزهر في بيان ”يتابع الأزهر الشريف بغضب ورفض واستنكار ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية من إعلان مدينة القدس الشريف عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني الغاصب في خطوة غير مسبوقة وتحد خطير للمواثيق الدولية ولمشاعر أكثر من مليار ونصف مليار مسلم حول العالم ولمشاعر ملايين المسيحيين العرب“.

وحث في البيان الفلسطينيين على الانتفاض قائلا ”لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم. ونحن معكم ولن نخذلكم“. يجيء هذا بعد دعوات لانتفاضة جديدة وجهتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعة حزب الله اللبنانية بعد قرار ترامب الذي تضمن أيضا البدء في إجراءات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في تحرك يمثل خروجا عن خط انتهجه سابقوه الذين قالوا إن وضع المدينة يجب أن يتقرر في مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بحسب رويترز.

وجاء في بيان الأزهر ”باسم العالم الإسلامي كله نؤكد رفضنا القاطع لهذه الخطوة المتهورة الباطلة شرعا وقانونا كما نؤكد أن الإقدام عليها يمثل تزييفا واضحا غير مقبول للتاريخ وعبثا بمستقبل الشعوب لا يمكن الصمت عنه أبدا ما بقي في المسلمين قلب ينبض“. وكان شيخ الأزهر قد حذر في بيان سابق من ”التداعيات الخطيرة“ للقرار الأمريكي الذي قال إنه يشكل ”إجحافا وتنكرا للحق الفلسطيني والعربي الثابت في مدينتهم المقدسة“. وقال شيخ الأزهر في بيانه ”ندعو قادة وحكومات دول العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة إلى التحرك السريع والجاد لوقف تنفيذ هذا القرار ووأده في مهده“.

التراجع عن القرار

في السياق ذاته طالب العراق الحكومة الأمريكية بالتراجع عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واستدعى السفير الأمريكي في بغداد للاحتجاج على القرار. وقالت وزارة الخارجية العراقية إنها استدعت السفير الأمريكي في بغداد وستسلمه مذكرة احتجاج على قرار ترامب. وجاء في بيان الحكومة العراقية ”نحذر من التداعيات الخطيرة لهذا القرار على استقرار المنطقة والعالم“. وأضاف البيان ”على الإدارة الأمريكية التراجع عن هذا القرار المجحف لإيقاف تصعيد خطير يؤدي إلى التطرف وخلق أجواء تساعد على الإرهاب“.

وأدان الزعيم الشيعي العراقي آية الله العظمى علي السيستاني القرار ودعا ”الأمة“ لتوحيد جهودها من أجل استعادة القدس. وقال مكتب السيستاني في بيان ”هذا القرار مدان ومستنكر وقد أساء إلى مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين“. وأضاف البيان ”لكنه لن يغير من حقيقة أن القدس أرض محتلة يجب أن تعود إلى سيادة أصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن ولابد أن تتضافر جهود الأمة وتتحد كلمتها في هذا السبيل“.

وتظاهر عشرات العراقيين احتجاجا على القرار في بغداد حاملين لافتات كتب عليها ”القدس عربية“ وتعهدوا بالعودة بأعداد أكبر. وقالت حركة النجباء إن قرار ترامب سيكون ”مبررا شرعيا لاستهداف القوات الأمريكية“. وقال زعيم الحركة أكرم الكعبي ”القرار الأحمق لترامب لجعل القدس عاصمة للصهاينة سيكون شرارة انتفاضة كبرى لإزالة هذا الكيان من جسد الأمة الإسلامية ومبررا شرعيا لاستهداف القوات الأمريكية“. بحسب رويترز.

وتقود الولايات المتحدة التحالف الدولية الذي يساعد العراق في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والذي قدم دعما جويا وبريا مهما. وللتحالف أكثر من خمسة آلاف جندي منتشرين في العراق. وحركة النجباء التي لها نحو عشرة آلاف مقاتل هي واحدة من أهم الفصائل في العراق. ويحارب مقاتلوها تحت لواء قوات الحشد الشعبي. وتجيز الحكومة العراقية وجود قوات الحشد الشعبي التي تقدم تقارير إلى مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي.

اضف تعليق