q

التطورات الاخيرة التي شهدتها الساحة اليمنية بعد المواجهات المسلحة في العاصمة صنعاء بين

الحوثيين وأنصار الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، والتي تسببت بمقتل صالح على يد الحوثيين الذين كانوا آخر حلفائه قبل انقلابه عليهم، ماتزال محط اهتمام اعلامي واسع خصوصا وان البعض يرى ان ما حدث ربما سيسهم بتعقيد الأمور في هذا البلد الغارق بحرب مدمرة وازمة انسانية خطيرة، حيث ستسعى بعض الجهات والدول ومنها المملكة العربية السعودية، الى الاستفادة من هذا الامر في سبيل تأجيج الصراع الداخلي وتحقيق مكاسب اضافية عجزت عن تحقيقها خلال حربها المستمرة.

حيث دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعوم من قبل المملكة، جميع اليمنيين إلى الانتفاض ضد الحوثيين بعد مقتل صالح. وطالب، بفتح صفحة جديدة في القتال ضد الحوثيين. وقال ”أدعو جميع أبناء شعبنا اليمني في كل المحافظات التي لازالت ترزح تحت وطأة هذه المليشيات الإجرامية الإرهابية إلى الانتفاض في وجهها ومقاومتها ونبذها وسيكون جيشنا البطل المرابط حول صنعاء عوناً وسنداً لهم، فقد وجهنا بذلك“. وأضاف في إشارة إلى الحوثيين ”يكفي شعبنا اليمني هذه المعاناة التي سببتها له تلك العصابات الإجرامية... هذا الشعب لا يستحق إلا الحياة الكريمة والعيش الكريم“.

كما دعا قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه صالح ”للتوحد خلف قيادتها الشرعية وخلف الشرعية الدستورية والحكومة الشرعية التي كانت وستظل خيمة وطنية لكل أبناء الوطن من المهرة (في أقصى الشرق) إلى صعدة (في أقصى الشمال)“. وكان صالح (75 عاما) قال إنه مستعد لفتح ”صفحة جديدة“ في العلاقات مع التحالف بقيادة السعودية ووصف الحوثيين بأنهم ميليشيا انقلابية وهو ما دفعهم لاتهامه بالخيانة. وشهدت مناطق في صنعاء ذات كثافة سكانية عالية قتالا بين الحليفين السابقين على مدى أيام وسيطر الحوثيون على مناطق كثيرة بالعاصمة وفجروا منزل صالح، بينما قصفت طائرات التحالف مواقع للحوثيين.

وبدا أن إنهاء التحالف بين صالح وجماعة الحوثي سيحول مجريات الحرب وهو ما أعطى التحالف الذي تقوده السعودية ميزة جديدة في مواجهة الحوثيين. وتسببت الأزمة اليمنية في حدوث كارثة إنسانية إذ دفع حصار فرضه التحالف والاقتتال الداخلي الملايين إلى شفا مجاعة وعجل بتفشي أوبئة مميتة. وقال مراقبون للوضع في اليمن إن مقتل صالح سيمثل دفعة معنوية كبيرة للحوثيين وضربة قوية للتحالف بقيادة السعودية. وذكروا أن أي آمال للتحالف في إمكانية استمالة صالح لمساعدتهم ضد الحوثيين قد تبددت الآن بعد مقتله.

وقال آدم بارون الخبير في الشأن اليمني بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ”ما حدث الآن وما إذا كانت عائلته وحلفائه السياسيين سيخوضون القتال لم يتضح بعد“. وأضاف ”رجاله سيتملكهم الغضب وكثير منهم سيتعطشون للدماء بالتأكيد، لكن هناك العديد يقفون في المنتصف خاصة بين القبائل التي ستقف مع من يبدو أقوى أيا كان هو“. وتابع ”التحالف ربما وضع الكثير من البيض في سلة صالح قبل أن تسقط . بدوا يدعمون محاولته بقوة لمواجهة الحوثيين لكن ربما فشل هذا المسعى الآن“.

وقال حافظ البكاري رئيس المركز اليمني لقياس الرأي العام إنه يتوقع تصاعد الصراع. وأضاف أن ما حدث سيعطي التحالف وحكومة هادي الفرصة للضغط عسكريا على الحوثيين في عدة جبهات في محاولة للاستفادة من التطور الجديد. وأضاف أن هذا يحمل خطرا كبيرا على المدنيين خاصة إذا ما حاول التحالف السيطرة على صنعاء حيث أن الحوثيين سيقاتلون بشراسة.

قال دبلوماسي غربي”الانتقام الوحشي قد يكون السبيل الوحيد أمام عشيرة صالح“. وأضاف أن التحالف قد يهدف إلى شن هجوم خاطف على المراكز الحضرية الرئيسية التي أضعفت سيطرته خلال سنوات الحرب.

صدمة وقلق

وفي هذا الشأن بدت بعض أحياء مدينة صنعاء "كمدينة أشباح"، فيما عبّر عدد من سكانها عن صدمتهم غداة مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على أيدي الحوثيين. في الوقت نفسه، كان قسم آخر من السكان في العاصمة المنكوبة يحتفلون ب"سقوط المؤامرة". وخلت الشوارع من المارة وأقفلت المحلات التجارية أبوابها، بحسب ما افاد شهود ، فيما خيّم هدوء حذر على أحياء عدة في المدينة بعد قرابة أسبوع من المعارك المتواصلة بين الحوثيين وانصار صالح.

وقال محمد، وهو أحد سكان شارع حدة، "خرجت الى الشارع فلم أرَ سوى القليل من الناس، صمت وخوف يكتنف الأحياء وكأنها مدينة أشباح". وأضاف "أيعقل أن تخلو مدينة يسكنها ثلاثة ملايين نسمة من الحركة؟". وأضاف "لم تكن صنعاء بهذا الوضع حتى في أيام حرب صالح مع معارضيه عام 2011". وقُتل علي عبدالله صالح على أيدي الحوثيين جنوب صنعاء، بعد انهيار التحالف بين فريقيهما قبل أيام، ومعارك استمرت اسبوعا. وقالت مصادر أمنية لدى الحوثيين ان هؤلاء سيطروا على كل المواقع التي كانت خاضعة لأنصار صالح في صنعاء بعد ساعات قليلة من مقتله.

وقال عمر يحيى (صيدلي) "رغم أنني كنت أكره علي عبدالله صالح، إلا أنني عندما سمعت أن الحوثيين قتلوه بكيت عليه وتأثرت بموته". وعمر البالغ 29 عاما لم يعرف اليمن يوما من دون صالح الذي انتخب رئيسا لليمن الجنوبي عام 1978 ليحل مكان رئيس اليمن الشمالي أحمد الغشمي بعد مقتله، وأصبح أحد مهندسي توحيد اليمن عام 1990، ورئيسا له. وقالت أم محمد البالغة 45 عاما "علي عبدالله صالح كان بالنسبة لنا مثل الأب"، مضيفة "قتله الحوثيون، لكن هناك من سينتقم له".

وعزز الحوثيون نقاط التفتيش في المدينة خلال الساعات الماضية. وخرج عدد قليل من السكان من منازلهم للاطمئنان على أقاربهم أو لشراء ما يأكلونه. وقال المقاتل الحوثي أبو علي "الوضع آمن والحمد لله. تمت السيطرة بالكامل على مواقع الميليشيات" الموالية لصالح. واضاف ان "الخوف الذي كان سائدا ولى مع رحيل الميليشيات".

واذا كان الصمت سائدا في جنوب العاصمة، في شمالها، وفي شارع المطار تحديدا، تظاهر آلاف من مؤيدي الحوثيين احتفالا، حسب قولهم، ب"سقوط مؤامرة" حليفهم السابق. لكن لفت ان الشعارات والهتافات لم تتعرض لعلي عبدالله صالح الذي تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صور جثته المدماة يحملها مسلحون. ولم يعرف شيء عن مكان وجود الجثة وعما اذا كان تم دفن صالح أم لا. وهتف المتظاهرون بشعارات مثل "صنعاء حرة" او "اليمن شعب واحد". بحسب فرانس برس.

واختتمت المسيرة بكلمة للقيادي محمد علي الحوثي قال فيها "اليوم نحن في موقع جديد ويمن جديد، يمن يتغلب فيه الشعب اليمني على كل المؤامرات". لكنه أكد أيضا بالقول "نحن أخوة مع الجميع". الا ان نائف منصر البالغ 45 عاما المتحدر من تعز، ومن سكان صنعاء منذ 18 عاما، قال "لا أعرف كيف سيكون مصير صنعاء الان. يبدو اننا قادمون على مرحلة جديدة من القمع. وأي شخص سيطلب شيئا من سلطة الأمر الواقع، سيكون مصيره القتل".

دعوة للثأر

الى جانب ذلك نقلت قناة الإخبارية السعودية عن أحمد علي صالح دعوته للثأر لوالده الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي قتلته حركة الحوثي المسلحة بعد أن بدل ولاءه في الحرب الأهلية باليمن. ونقلت القناة عنه قوله ”سأقود المعركة حتى طرد آخر حوثي من اليمن... دماء والدي ستكون جحيما يرتد على أذناب إيران“. ودعا مؤيدي أبيه إلى ”استكمال معركة الوطن ضد الحوثي“.

ولقي صالح مصرعه في هجوم بالأسلحة النارية بعد أن بدل ولاءه متخليا عن حلفائه الحوثيين لصالح التحالف الذي تقوده السعودية. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية قوله إن مقتل صالح يهدد ”بانفجار الأوضاع الأمنية“ في اليمن. وأضاف ”الوقت قد حان لكي يدرك المجتمع الدولي، وبخاصة القوى المؤثرة فيه، أن ميليشيات الحوثي منظمة إرهابية تسيطر على السكان بقوة السلاح، وأنه يتعين العمل بكل سبيل على تخليص الشعب اليمني من هذا الكابوس الأسود“.

ويزيد مقتل صالح من تعقيد حرب متعددة الأطراف. ويتوقف الكثير الآن على ولاءات من كانوا موالين له. وكان التحالف الذي تقوده السعودية يعول على صالح في تحقيق تقدم لصالحه في الصراع. وكان لصالح قطاع عريض من الأنصار في اليمن منهم ضباط بالجيش وزعماء قبليون مسلحون خدموا يوما في الجيش تحت قيادته. وربما يظل لحلفائه قدر من التأثير على الحرب. ويعيش أحمد علي صالح قيد الإقامة الجبرية في الإمارات حيث عمل يوما سفيرا قبل انضمامها إلى السعودية في الحرب على الحوثيين الذين كانوا يحكمون مع صالح معظم اليمن.

وتقول مصادر سياسية إن الاتصال بأحمد علي ممنوع وإنه تحت حراسة في أبوظبي. وربما يشير أول بيان عام منسوب له إلى أن أعداءه السابقين في التحالف يطلقون له العنان لمواجهة الحوثيين. والإمارات عضو رئيسي في تحالف تهيمن عليه دول الخليج العربية ويعتبر أن الحوثيين يحاربون بالوكالة عن إيران، لكنه وجد صعوبة في تحقيق مكاسب أمام تحالف الحوثيين وصالح رغم آلاف الضربات الجوية المدعومة من الجيوش والمخابرات الأمريكية والأوروبية.

وبدا أنه يجري الإعداد لأن يحل أحمد علي، القائد العسكري القوي السابق للحرس الثوري اليمني، محل والده، وربما يكون الفرصة الأخيرة لعائلته لاستعادة نفوذها. ولا يعرف مكان أقارب بارزين آخرين لصالح قادوا معارك مع الحوثيين على مدى أيام في شوارع العاصمة صنعاء قبل هزيمتهم. وقال سكان إن القتال هدأ لكن طائرات التحالف الذي تقوده السعودية قصفت أهدافا منها قصر الرئاسة بوسط المدينة حيث تعقد هيئة حاكمة يقودها سياسيون من الحوثيين وحزب صالح اجتماعات بانتظام.

وهنأ زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي الشعب اليمني في خطاب تلفزيوني. وقال ”في هذا اليوم الاستثنائي والتاريخي نتوجه بالتهاني لكل أبناء شعبنا العزيز وبالشكر لله العزيز القدير الحكيم... اليوم هو يوم سقوط مؤامرة الغدر والخيانة واليوم الأسود لقوى العدوان“. وشدد الحوثي على أن جماعته ستحافظ على النظام الجمهوري في اليمن ولن تسعى للانتقام من حزب صالح. وفي مدينة عدن الجنوبية أطلق السكان ألعابا نارية وعبروا عن سعادتهم. بحسب رويترز.

وكان صالح مكروها لدى معظم أبناء الجنوب بعدما شن حربا لتوحيد البلاد عام 1994 وأطلق صواريخ باليستية على المدينة، غير أنه لا يزال يحظى بشعبية في معظم الشمال، وستظل هناك ضغينة في قلوب مؤيديه تجاه قاتليه. ويخشى البعض أن يزيد مقتل صالح من انعدام الاستقرار في اليمن حيث أدت الأزمة إلى كارثة إنسانية بعد أن دفع الحصار الذي تقوده السعودية والاقتتال الداخلي الملايين إلى شفا المجاعة. وقال أسوان عبده خالد وهو باحث أكاديمي في قسم الطب النفسي بجامعة عدن ”نتوقع أن تزداد الأمور سوءا بالنسبة لنا. سيكون ذلك بداية لصراع جديد ومزيد من سفك الدماء. الحرب لن تنتهي قريبا“.

الاوضاع في صنعاء

من جانبها قالت الأمم المتحدة إن العاصمة اليمنية صنعاء اتسمت بالهدوء بعد قتال استمر أيام بلغ ذروته بقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأشارت إلى هبوط طائرات تابعة للأمم المتحدة والصليب الأحمر في مطار المدينة. وقال جيمي مكجولدريك منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن إن المعارك توقفت في شوارع صنعاء بعد 25 ضربة جوية أثناء الليل.

وتقول الأمم المتحدة إن نقص الغذاء الناتج عن قطع الأطراف المتحاربة طرق الإمدادات تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم وربما يموت الملايين في واحدة من أسوأ المجاعات في العصر الحديث. وقال مكجولدريك ”بدأ الناس يخرجون الآن من منازلهم بعد أيام كانوا محبوسين خلالها كالسجناء“. وأضاف ”إنهم الآن ينشدون الأمان وينقلون أسرهم تحسبا لتوتر الأوضاع مرة أخرى وفي الوقت نفسه ينشدون الرعاية الصحية ويحاولون تهدئة الأطفال الذين روعهم القصف وإطلاق النار والضربات الجوية والبرية التي استمرت بلا هوادة على مدى خمسة أيام“.

وتابع أن القصف الجوي أصاب مباني حكومية وقصورا وجسورا وبدأ الناس الآن يتحسبون لمزيد من الغارات الجوية أو القتال المحتمل ووصف الوضع بأنه يتسم بالغموض الشديد. وقال ”نعلم أن التحالف الذي تقوده السعودية وجه رسائل لأهالي صنعاء بالبقاء بعيدا عن منشآت الحوثيين خوفا من الضربات الجوية، لذلك فإننا نحاول التريث لنرى ما سيحدث عندما تتضح الأمور بعض الشيء ويمكننا التحرك بحرية أكبر“. بحسب رويترز.

ونيابة عن حكومة اليمن التي تتخذ مقرا لها في جنوب البلاد، يقاتل تحالف عسكري تقوده السعودية حركة الحوثي الشيعية المدعومة من إيران والتي تحالفت مع صالح وتسيطر على أغلب أرجاء البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء. وقال مكجولدريك إن نحو 125 شخصا قتلوا حتى الآن في أحدث قتال بالعاصمة وأصيب نحو 200 آخرين لكنه أضاف أن موظفي الإغاثة ستكون لديهم على الأرجح فكرة أفضل عن عدد القتلى في وقت لاحق.

اضف تعليق