q

اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الاعتراف رسميا بمدينة القدس عاصمة لاسرائيل، وسط حالة من الغليان الشعبي العربي والاسلامي تنديدا بهذا القرار، وقال ان "القدس عاصمة انشأها اليهود في السابق وهي مكان الحكومة الإسرائيلية الحديثة"، مؤكدا انه اوعز ببدء الاستعداد لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

القرار الذي اوقف العالم على قدم واحدة منذ ايام، كان مثل عود الثقاب الذي اشعل كل شيء، فالمحور العربي الاسلامي الرافض لهذه الخطوة اعلنها ثورة من التصريحات التي تدين باشد العبارت ووصفتها بانها مبثابة اعلان حرب على الاسلام ويجب على جميع الشعوب الاسلامية اخذ دورها في التصدي للوجود الامريكي في الشرق الاوسط.

لكن أي مستقبل للمنطقة بعد كل ما حدث؟ وهل سيكون نقطة تحول تاريخية فعلا؟

القرار كان في صالح فلسطين اكثر من اسرائيل فالقدس هي عاصمة اسرائيل الفعلية منذ سبعون عاما وتمارس فيها كل ما يحلو لها بدون الحاجة لهذا الاعتراف الشكلي الذي قال ترامب انه تاخر لمدة عشرون عاما نتيجة عدم شجاعة الرؤساء السابقين، فقد حركت هذه الحركة القوية قضية الفلسطينيين التي رقدت في رفوف النسيان وسط زحمة الازمات في المنطقة وتسارعها، انه جاء في القوت الذي تفرغ حزب الله من الحرب وانهت ايران مهمتها ضد داعش في العراق وسوريا، وثبتت اقدامها على الحدود مع اسرائيل.

من المتوقع ان تشهد الساحة العربية والاسلامية ثورة شعبية على شكل تظاهرات وحملات اعلامية كبيرة رفضا للخطوة الامريكية، ومصالح واشنطن معرضة لاقصى مستويات الخطر، وهي مستعدة لهذا السيناريو الاسود بالتاكيد، اذ صرح المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، بول ماكليري، أن "الولايات المتحدة الأمريكية لديها خطط طوارئ في حال اندلاع عنف"، وبحسب تقرير مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقول القيادة الأمريكية إنها تشارك في "التخطيط الدقيق" في حالة العنف، فيما تتأهب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) للأسوأ. وقال مسؤولون أمريكيون إنه تم إرسال فرق إضافية من مشاة البحرية الأمريكية إلى عدد من السفارات الأمريكية فى الشرق الأوسط كإجراء وقائي.

امريكا تخوض هذه الايام حروبا على جهات متعددة قد لا تستطيع تحقيق انتصارات فيها مهما كانت قوية ومقتدرة عسكريا واقتصاديا وسياسيا، فالعدو هذه المرة ليس فلسطيني او سوري او عراقي، انما هؤلاء سوف يكونوا مجرد رأي عام ضاغط ضد واشنطن، انما القضية تتعلق بصراع دولي اكبر لا يمكن تحقيق الانتصار فيه اعتماد الصدام والمواجهة كاستراتيجية وحيدة، وهناك عدة اطراف مستفيدة واخرى تخسر مما حدث لكنها لا تخرج من اطار الصراع:

اولا: روسيا ومعسكرها سوف تستفيد من الخطوة الامريكية فالحرب المقبلة في المنطقة تقوم على عملية اعادة التموضع ورسم خارطة النفوذ من جديد، وهي قد قررت خوض النزال مبكرا وحسمت حربها في سوريا، وثببت اسطولها في طرطوس السورية وتبحث عن حل سياسي عبر منصة سوتشي، لتعلن سيطرتها رسميا على سوريا وضمها الى منطقة نفوذها، ويوما بعد اخر تزداد سمعتها لدى الشعوب العربية باعتبارها البديل الافضل لامريكا. كما انها اعلنت مسبقا عدم اعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل.

ثانيا: ما هو اكبر من الصراع الروسي الامريكي يدور بين امريكا واوربا، فالقارة العجوز تشعر بالتهميش والتحقير بشان دورها العالمي وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط، اذ لم تؤيد الرئاسة الفرنسية قرار ترامب ووصفته "بالأحادي والمؤسف وفرنسا لا تؤيده"، واعتبرته بانه يتناقض مع القانون الدولي وقرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة. والقرار يندرج ضمن حالة الاستهتار من قبل واشنطن وعدم احترام الاتفاقيات التي وقعت عليها مع بروكسل وعواصم القرار الاخرى.

ثالثا: الانظمة العربية الحاكمة التي تبشر بالتطبيع مع اسرائيل ستجد نفسها مضطرة لتاخير هذه الخطوة لمدة طويلة فاذا ما استمرت هذه العملية وتم تطبيقها بالفعل قد تشعل انتفاضة فلسطينية تزيد من الامور تعقيدا.

رابعا: تركيا سوف تركب الموجة وتعلن نفسها المدافع الاول عن مقدسات المسلمين اذ هددت صراحة بانها قد تقطع علاقاتها مع اسرائيل في حال اعتراف ترامب بالقدس عاصمة اسرائيلية، فالعلاقات بين الطرفين اصلا متوترة جدا واتهم الرئيس رجب طيب اردوغان واشنطن بالتخطيط ليس لاستبدالها بالاكراد بل تتهمها باستخدام الجماعات الارهابية من اجل استهداف الوجود التركي في المنطقة، وهو انهاء عملي للتحالف بين انقرة وواشنطن.

خامسا: ايران وحلفائها هم الرابح الاكبر من هذه الخطوة وفي هذا الوقت تحديدا، اذ انها ستبعد الحملات الاعلامية السعودية والخليجية التي تتهمها بالتدخل في الشؤون العربية، وسوف تستخدم ورقة القدس من اجل اثبات رؤيتها المعاكسة بالدفاع عن فلسطين.

ترامب يمزق السجادة الحمراء التي فرشت لامريكا طوال السنوات التي اعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي، ويشجع الدول الكبرى على التمرد على قرارات البيت الابيض، ويرسم صورة للولايات المتحدة المتمرة على الاعراف والقوانين الدولية التي اسست لها بنفسها. فالبيت الابيض لا يعترف اليوم بالاتفاق النووي الايراني الذي اقرته الدول الكبرى، وهو يتخذ مسارا تصعيديا ضد كوريا الشمالية ويستفز الصين، وهو يشعل حربا دينية في الشرق الاوسط ويوحد المسلمين ضد اسرائيل التي تعتبر "عمليا" احدى الولايات الامريكية.

اضف تعليق


التعليقات

احمد عبد السادة
لا يمكن أبدا أن أثق بإنسانية شخص يتعاطف مع القدس ويدين قرار ترامب بجعلها عاصمة لإسرائيل، في الوقت الذي يغض النظر فيه عن ضحايا اليمن ولا يدين العدوان السعودي الوحشي ضد اليمن.
لا أثق أبدا بالذي يتذكر إنسانيته عندما يتعلق الأمر بفلسطين فقط!!.
الإنسانية لا تتجزأ.2017-12-07