q

صافرتان أطلقتا معا في العراق، احداهما اعلنت نهاية حبقة الرعب والخوف ممثلة بجماعة داعش الارهابية التي اجتاحت ثلث اراضي العراق في مشهد لم يسبق له مثيل، وبالتزامن اعلنت صافرة اخرى انطلاق قطار السباق الانتخابي في البلاد. بعض الاحزاب ملأت سلتها جيدا واخرى افرغت ما كانت تملكه رغما عنها او نتيجة اخطاء سياسية لم تحسب جيدا.

سؤالان يؤرقان الشارع العراقي وحتى الاقليمي الان؛ ما شكل البرلمان العراقي المقبل ككتلة تشريعية تحدد طبيعة قوانين المرحلة لأربع سنوات؟ وذات السؤال يحيلنا الى سؤال اخر يتعلق بمن هو رجل المرحلة او رئيس الوزراء وهل سيكون مواليا لإيران او امريكا ام لكليهما معا؟ مع التاكيد على شدة الارتباط بين الداخل العراقي والصراع الاقليمي والدولي في المنطقة.

مشاركة الحشد الشعبي في الانتخابات المقبلة كانت نقطة الخلاف، لكن بعض الاطراف حسمتها واكدت المشاركة وسط ترحيب شعبي وترقب سياسي، فأسهمت هذه التحديثات على المشهد العراقي جزء كبيرا من الاجابة على السؤال المتعلق بمجلس النواب ومقاعده التي تنتظر مالكيها الجدد. فهادي العامري اعلنها صراحة بدخول الانتخابات وبشكل مستقل عن حزب الدعوة ودولة القانون، ليتبعه الناطق باسم الحشد الشعبي احمد الاسدي معلنا استقالته من منصبه ونصب نفسه كمتحدث باسم "تحالف المجاهدين" الذي سيضم "قوى مؤمنة بالنصر النهائي على الإرهاب والتطرف". كما يقول الاسدي.

النصر النهائي بالنسبة لـ"تحالف المجاهدين" هو سيطرة قوى الحشد الشعبي وداعميها على الساحة العراقية باعتبارهم يمثلون طموحات الشعب العراقي، ويستمدون شرعيتهم من فتوى المرجعية الدينية التي اسست لبذرة الجهاد الكفائي ضد تنظيم داعش الارهابي. هذه القوة التي خرجت من رحم المرجعية العراقية ودعوتها الاولى للانضمام في صفوف القوات العراقية الى احضان "ولاية الفقيه" و"محور المقاومة" التي ترى في وجود الولايات المتحدة الامريكية داعما ومؤسسا لتنظيم داعش الارهابي. وتحاول التماشي ايضا مع النفس الشعبي المطالب بالإصلاح السياسي وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد بنفس طريقة تحرير البلاد من داعش.

قد تبدو معركة الحرب على الفساد محسومة وهامشية "انتخابية" فقط، ولا تتعدى بضعة اشهر تنتهي بتوافقات سياسية واستسلام منذ الخطوة الاولى نظرا لتعقيداتها وصعوبة معالجتها التي لا تحتاج الى رجال العسكر بقدر تعطشها الى مشرعين لهم القدرة على زراعة القوانين الصارمة وريها بالتطبيقات العملية من خلال الرقابة الشديدة.

اما المعركة الاخرى التي يبحث من خلالها الحشد الشعبي عن نصر نهائي كما يقول الاسدي فانه يفرض معادلة صعبة بالنسبة للحكومة العراقية المقبلة وربما تزيد الامور تعقيدا اكثر مما هي عليه الان، وسوف تقود الى مواجهة "كبرى" بين الطموحات الايرانية والامريكية على الاراضي العراقي، واحمد الاسدي الناطق الجديد باسم "تحالف المجاهدين" المح الى هذه المواجهة وتحالفه مستعد لها مستفيدا من النصر على داعش الذي تم تسجيله باسمه "شعبيا" واعلاميا، اذ يقول الاسدي ان "أي استهداف لمحور المقاومة هو استهداف لنا وسنبقى ندافع عن هذا الخط (محور المقاومة)"، وحتى رغم حديثه عن مركزية الحشد مع الحكومة الا انه ابقى هامشا كبيرا للتحرك تحت اطار "المقاومة" وهو مسار نعرفه جيدا ما المقصود به واي عدو يقاتل. هذا المحور يعتبر اي وجود اجنبي في العراق هو قوة احتلال يجب ان تخرج عاجلا او اجلا.

صحيفة الاخبار اللبنانية قالت ان هادي العامري سيكون على رأس "تحالف المجاهدين"، المكوّن من ثمانية فصائل في "الحشد"، في مقدمتها "منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق"، و"حركة النجباء"، و"التيّار الرسالي"، و"كتائب جند الإمام"، وسط احتمالات لانضمام "كتائب حزب الله" إلى "التحالف" في وقتٍ لاحق. وتضيف المعلومات التي تحدثت عنها الصحيفة أن "التحالف سيضم أيضاً بعض القوى السُّنية المتعاطفة مع الحشد، إلى جانب الحشود العشائرية، التي قاتلت داعش في المناطق الغربية".

اغلب التوقعات تشير الى ان "تحالف المجاهدين" سوف تكون حظوظه كبيرة والانتخابات المقبلة، والمقاعد الاكبر تعني القدرة على تحديد شخصية رئيس الوزراء المقبل، ورغم صعوبة التنبؤ بهذه الشخيصة الا ان طبيعة التحالفات الجديدة تؤكد استبعاد شخصيات كانت كل الانظار موجهة نحوها للعودة مجددا وعلى رأسها نوري المالكي زعيم دولة القانون الذي يطمح لولاية ثالثة عبر بوابة الحشد الشعبي والذي سوف تتراجع حظوظه بشكل كبير اذا ما استمر مسلسل تفكيك التحالفات القديمة.

انتخاب شخص رئيس الوزراء عملية معقدة جدا، فهي تخضع لتوازنات الداخل كما تحتاج الى ضوء اخضر خارجي او املاءات في الكثير من الاحيان، والسنوات السابقة اوضحت ان اختياره لم يكن هينا بالمرة، وزيادة منسوب الصراع الاقليمي قد يعني انهيار العملية السياسية او ابقائها على سرير الانعاش كما هو الحال في المشهد اللبناني الذي قد يكون تمرينا لاختبار مدى القدرة على المناورة في انتخاب اعلى سلطة تنفيذية في الدولة العراقية.

اضف تعليق