q

حذر الرئيس الامريكي "بارك اوباما" اعضاء الكونغرس الامريكي (ويعني الاعضاء الجمهوريين) بالتوقف عن "اطلاق النار" فيما يتعلق بمحاولاتهم عرقلة وافشال المفاوضات، (حول الملف النووي الايراني)، الجارية بين ايران والقوى الكبرى الست (مجموعة 5+1) والتي تتبناها الولايات المتحدة، وتسعى من خلالها الى منع ايران من امتلاك القنبلة النووية، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب منذ اعوام، وربما اقامة علاقة شراكة استراتيجية تجمع المصالح الامريكية والايرانية في منطقة الشرق الاوسط في وقت لاحق.

لكن الجمهوريين لم يلتفتوا (على ما يبدو) كثيرا الى تحذيرات الرئيس الامريكي، معتبرين ان اي اتفاق نووي قد يبرم مع ايران مستقبلا قد يشكل نتائج كارثية على امن الولايات المتحدة الامريكية ومصالحها العليا في منطقة الشرق الاوسط والعالم، فضلا عن تضرر مصالح حلفائها الاساسيين في المنطقة، وقد خاضوا في سبيل ذلك العديد من المعارك الكلامية والقانونية والدبلوماسية والسياسية مع الادارة الامريكية والرئيس الامريكي "اوباما" تحديدا، بعد ان وصفوه بالضعيف والمتردد، فيما هاجموا سياسته الخارجية "الصبر الاستراتيجي" التي وصفوها بالغامضة وغير المجدية، حتى وصل الامر الى تحدي "البرتوكولات الرئاسية" بعد دعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو" لإلقاء خطاب امام اعضاء الكونغرس من دون الرجوع الى الرئيس او ادارة البيت الابيض.

ومع ان الرئيس الامريكي كان قد أعلن في وقت سابق بانه "إذا تعذر الوصول إلى اتفاق مع إيران يمكن التثبت منه بشأن برنامجها النووي، فإن بلاده ستغادر طاولة المفاوضات"، الا ان الحزب الجمهوري، على ما يبدو، غير معني بنتيجة المفاوضات التي يرفضها من الاساس، وهو ما يفهم، على الاقل، من خطوتهم الاخيرة (التي وصفها دبلوماسي غربي بانها "لا سابق لها، هذه قضية أمريكية مئة بالمئة، ولكن من الواضح أنها قد تصير مشكلة حقيقية")، بعد ان وقع 47 عضو من الحزب الجمهوري رسالة تحذيرية الى ايران، اكدت على ان الاتفاق الذي قد يبرم بين ايران والولايات المتحدة الامريكية سيستمر في فترة الرئيس الامريكي الحالي، وان رفع العقوبات او بقاء المعاهدة يبقى بيد الكونغرس الامريكي، مما عد تدخلا واضحا في عمل "السلطة التنفيذية" والذي يتناقض مع قانون الفصل بين السلطات الموجود في الدستور الامريكي، وقد وصف البيت الابيض الرسالة بأنها "استمرار لاستراتيجية حزبية" لتقويض استراتيجية السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي، فيما قال "أوباما" إن "تركيزه الآن ينصب على رؤية ما إذا كان المفاوضون بإمكانهم التوصل لاتفاق أم لا"، وأضاف "اعتقد أنه من المثير للسخرية إلى حد ما أن نرى طرح بعض أعضاء الكونجرس لقضية مشتركة مع المتشددين في إيران، انه تحالف غير عادي"، وهذا الكلام يؤكد بعد المسافة بين "الاستراتيجية الحزبية" للجمهوريين والديمقراطيين الذين ينتمي اليهم الرئيس الامريكي، بعد ان وضعهم الرئيس في خانة "المتشددين" في ايران.

الغريب ان هذا "الخلاف الحزبي" داخل الولايات المتحدة الامريكية، انتقل الى الراي العام الامريكي، بعد ان وقع اكثر من 160 الف مواطن امريكي، عريضة على موقع البيت الابيض تطالب بملاحقة الاعضاء ال(47) في مجلس الشيوخ "الجمهوريين" بتهمة "الخيانة" لانهم وجهوا تلك الرسالة، بعد ان اعتبروا (اعضاء الكونغرس) بانهم "ارتكبوا خيانة عبر انتهاك قانون لوغان لعام 1799 والذي يمنع على المواطنين التفاوض مع حكومات اجنبية من دون تصريح"، من جهتها انتقدت صحيفة "واشنطن بوست" الرسالة واعتبرتها بانها "كانت غير مسؤولة على الإطلاق حتى بمقاييس الجمهوريين في الكونغرس، ليس فقط لأنها قوضت قدرة أوباما على التفاوض على اتفاق دبلوماسي، ولكن لتقويضها أيضا جانبا من جوانب الاتفاق الذي من المحتمل أن يكون له عظيم الفائدة لأميركا وإسرائيل"، واضافت بان "المتشددون في إيران قد يستغلون رسالة الجمهوريين كأساس منطقي للتخلي عن جوانب الاتفاق الذي يجدونه مقيدا أكثر من اللازم، وهذا من شأنه إجبار الولايات المتحدة على النظر في العمل العسكري"، بالمقابل لم يتأخر الرد الايراني، خصوصا ممن تطلق عليهم تسمية (المتشددون) داخل ايران، فقد قال المرشد الاعلى في ايران "خامنئي" إن "شيمة الأمريكيين هي الغدر"، واضاف "كلما نقترب من الموعد المحدد لانتهاء المفاوضات فان لهجة الطرف المقابل وخاصة الامريكيين تصبح لاذعة وعنيفة اكثر وهذا من خدعهم وحيلهم".

ويبدو ان صراع "المتشددين" داخل الولايات المتحدة الامريكية (الجمهوريين) وفي ايران (المحافظين) حول التقارب الامريكي- الايراني والمفاوضات النووية التي اقتربت من نهايتها، تدلل على صراع الاقطاب داخل السلطتين، وان خروج الجمهوريين عن المألوف والتحدي القوي للسياسات الخارجية للرئيس الامريكي، مقابل رد المحافظين وغضبهم من طبيعة التقارب وشعورهم بأنهم قد يخدعون خلال او بعد هذا الاتفاق، وحد الطرفين في موقف مشترك ضد الحكومتين الامريكية والايرانية، وهذا التوافق "المثير للسخرية إلى حد ما" على حد قول الرئيس الامريكي، لا يمكن ان يكون توافقا عرضيا، او من قبيل الصدفة، بل هو توافق "مصلحي" او توافق "سلطوي"، وربما يكون هذا الموقف المشترك حول الرسالة والمعاني والمصالح التي تقف خلفها، وخلف ما سبقها من صراع بين الطرفين احد امرين:

اما ان يكون الاتفاق والتوافق الامريكي- الايراني القادم، قوي بما يكفي، ليمثل تغييرا حقيقيا في سياسية الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الاوسط، وبالتالي فانه سيشكل خسارة كبيرة لمصالح المتشددين (من الطرفين) ولحلفائهم في المنطقة.

او ان الاتفاق القادم، هو بالفعل "اتفاق سيء"، لكن يمكن ان نتساءل بصورة واقعية، ضد من سيكون هذا الاتفاق السيء ما دام "المتشددون" هم فقط الذين يعارضونه؟.

اضف تعليق