q

عودة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى بيروت قادما من باريس بعد نحو ثلاثة أسابيع من استقالته المفاجئة في الرياض، تفتح تساؤلات لإحتمالات المشهد السياسي في لبنان بعد الاستقالة؟، وما هي السيناريوهات المتوقع أن يقوم بها سعد الحريري بعد عودته؟.

هذه المشاهد المحتملة يتوقف عليها مصير لبنان وعلاقته بسياسة المحاور الإقليمية أو ترسيخ سياسة لبنان المعهودة وهي سياسة النأي بالنفس..

شكوك وأسئلة كثيرة طرحت بعد الاستقالة المربكة، من المؤكد بعد عودة الحريري إلى لبنان، أن يوضح كيف سيطلق مواقفه السياسية إزاء ظروف استقالته لإحاطة اللبنانيين بذلك، فالكل ينتظر موقفه النهائي بعد وصوله لبنان. ومن المفترض أن يجتمع مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يقبل رسمياً حتى الآن استقالة الحريري التي أعلنها في الرابع من تشرين الثاني الجاري، واستمر بانتظار عودته للاستماع إليه والتشاور معه حول ملابسات الاستقالة وحيثيات قبولها من عدمه.

فهنالك عدة إحتمالات بعد عودة الحريري حول استقالته وهي:

الإحتمال الأول: الإصرار على الاستقالة وولادة حكومة جديدة

إصرار الحريري على تقديم استقالته لرئيس الجمهورية والبحث عن ولادة حكومة جديدة، وبحسب الدستور اللبناني تعد الحكومة مستقيلة إذا قدم رئيسها استقالته بغض النظر عن شكليات هذه الإستقالة، أي لم يحدد الدستور آلية محددة أو مواصفات خاصة لشكل الإستقالة. وهنا لن يجد رئيس الجمهورية خياراً سوى قبول الاستقالة، وإصدار مراسيم حول بدء حكومة تصريف أعمال، التي من واجبها متابعة الأعمال الملحة والضرورية.. فلا يستطيع رئيس الجمهورية أن يُرغم رئيس الحكومة على الاستمرار في مهامه، فحين يقدم رئيس الحكومة استقالته بشكل خطي، من الطبيعي أن يقبل الرئيس الاستقالة.

وبعد استقالة الحكومة تبدأ الإستشارات النيابية في مجلس النواب لتكليف رئيس وزراء جديد، إذ يقوم رئيس الجمهورية بدء مشاوراته مع كافة الكتل النيابية، ويكلف رئيساً جديداً للحكومة وفق نتائج هذه الإستشارات.

لكن استقالة الحريري المفاجئة من خارج لبنان تعد سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، إذ يخبرنا العرف والسوابق السياسية في النظام اللبناني بأن يتسلم رئيس الجمهورية الاستقالة من رئيس الحكومة بصورة خطية خلال لقاء يجمع بينهما.

ومن العادات المألوفة في الحياة السياسية في لبنان أن يقدم رئيس الحكومة استقالته بشكل توافقي مع رئيس الجمهورية ليسارع إلى قبولها علانية أو أن يرفضها، والعادة هي القبول، لكن خالفت استقالة الحريري هذه السوابق والأعراف بشكل فاجئ القوى السياسية اللبنانية كافة.

مما دفع بالرئيس عون إلى التريث بقبول الاستقالة نتيجة الظروف المحيطة بها، فكان موقف الرئيس عون هو عدم إعتباره مستقيلاً إلى حين عودته والاستماع إليه والتشاور معه، لأنه لا يجوز أن تعلن الاستقالة بهذه الصيغة من الخارج، ولابد أن تكون وفق الأصول والقواعد المرعية، خاصة أن هذه الاستقالة أحاطت بها تفسيرات وإستنتاجات عديدة حول وقوع الحريري تحت الإقامة الجبرية وأنه قيد التوقيف وعائلته في السعودية، والاستقالة كانت تحت الضغط والتهديد، ما دفع دولا عديدة عدة إلى التعبير عن قلقها البالغ من تداعيات هذه الظروف والملابسات مما يشكل أزمة قوية في لبنان.

الإحتمال الثاني: تشكيل حكومة قائمة على القوة

تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة مجدداً، فبعد أن تنتهي الإستشارات والمشاورات النيابية من المحتمل جدا أن تتفق الغالبية باختيار سعد الحريري مجدداً لتشكيل حكومة جديدة، وهنا يعيد رئيس الجمهورية تكليفه مرة أخرى بهذا المهمة.

هذا الخيار قريب للواقع السياسي لأنه سيتيح للقوى السياسية اللبنانية اللجوء لخيار إنتهاز فرصة التوصل إلى تسوية جديدة، من شأنها أن تضمن للبنان الإبتعاد عن التوتر المتصاعد بين إيران والسعودية نتيجة الضغط الدولي.

فإحتمال أن تفضي الإستشارات بتكليف الحريري مجدداً بتشكيل حكومة قائمة بقوة لأن ذلك سيوفر مخرجاً للأزمة.

الإحتمال الثالث: التراجع عن الاستقالة

من بين المشاهد المتاحة أيضاً، أن يتراجع الحريري عن استقالته بعد لقائه الرئيس ميشال عون. وهذا قد يؤكد شائعات إحتجازه في الرياض وإجباره على الاستقالة، وهذا الإحتمال هو الأسلم بالنسبة للبنان، وقد يجنب البلد أزمة إنقسام سياسي وفراغ دستوري وترحيل الإنتخابات البرلمانية المفترض إجراؤها في آيار المقبل، وتداعيات هذا السيناريو عالية جدا، إذ طالما كان تشكيل الحكومات في لبنان أمراَ صعباً، خاصة مع الإنقسام الحاد والعميق السائد بين الفرقاء اللبنانيين، وتحديدا فريق الحريري المدعوم من السعودية وفريق حزب الله المدعوم من إيران.

كما أن تقاسم الحصص الطائفية وتوزيع المناصب هو دائماً محور خلافات وتجاذبات عميقة، قد يشعل حربا طائفية تكون بوابة للتدخلات الإقليمية مع ترجيح كفة دخول إسرائيل على خط الأزمة، مما يعيد إنتاج مشهد الحرب الأهلية في لبنان عام 1975.

المشهد الثالث أعلاه يراهن عليه حزب الله، إذ أبدى السيد حسن نصر الله مرونة وإستعداداً للتفاهم مع الحريري. وقال: "بالتأكيد نحن جميعاً في لبنان ننتظر عودة رئيس الحكومة، وهو بالنسبة لنا ليس مستقيلاً، عندما يأتي سنرى ونحن منفتحون على كل حوار وكل نقاش يجري في البلد".

وإذا كان حزب الله لا يريد الحريري أن يستقيل، فعليه مع الفريق السياسي لرئيس الجمهورية أن يعملا للتوصل إلى تفاهم مع تيار المستقبل قبل أن يأتي الحريري لعون ويقدم استقالته له.

وفي ضوء لقاء الحريري مع رئيس الجمهورية، إذا أسفر اللقاء عن تفاهم فالوضع سيتغير وتُعتبر الاستقالة معلقة ولا يُعمل بها. وهنا ستخسر السعودية رهان مواجهة إيران في لبنان عبر أزمة الحريري، لكنها قد تربح رئيس وزراء أكثر قوة وشعبية من ذي قبل إذا ما أستمر وتياره بالإستظلال بالعباءة السعودية، قوة الحريري وتزايد شعبيته مقابل إستقرار لبنان، يخدم أجندة السعودية في التقارب غير الرسمي مع إسرائيل، وأيضا يخدم الأخيرة في تثبيت الإستقرار في لبنان والإبتعاد عن صواريخ حزب الله.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2017 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق