q

زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الإيرانية للمشاركة في أعمال القمة الروسية الإيرانية الأذرية، وهي الثانية لبوتين إلى ايران منذ وصول روحاني إلى الرئاسة في إيران عام 2013. هذه الزيارة عدها بعض المراقبين رسالة جديدة للولايات المتحدة وباقي حلفائها في المنطقة، خصوصا وانها تأتي في وقت مهم وحساس تزايدت فيه المشكلات والازمات بين ايران وامريكا بسبب اجراءات وقرارات ادارة ترامب، الذي يحاول تشديد الخناق على طهران التي استعادت بعض قوتها بعد الاتفاق النووي، وينظر الى زيارة بوتين على انها دعم جديد في مواجهة الضغوط الأميركية المتزايدة، خاصة وأن الطرفين سيبحثان إجراءات إنشاء مفاعلين نوويين جديدين، كما انها ستشمل ايضا التعاون الثنائي فيما يخص الأزمة السورية وتطورات الوضع في شمال العراق.

والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، حيث تم بحث آخر مستجدات الأزمة السورية والتعاون في مواجهة "الإرهاب"، فضلا عن الوضع في كردستان العراق. كما بحث الرئيسان الإيراني والروسي آخر الإجراءات لإنشاء مفاعلين نوويين جديدين في بوشهر، واتفقا على التعاون في القضاء على الإرهاب في سوريا. وقال روحاني لبوتين لدى استقباله "إننا سعداء جدا لأن بلدينا، وبعيدا عن علاقاتنا الثنائية، يلعبان دورا مهما في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".

وقبل وصول بوتين، اجتمع رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري غراسيموف مع نظيره الإيراني الجنرال محمد حسين باقري في طهران، وبحثا قضايا الدفاع والأمن، وفقا للتلفزيون الإيراني. وقال مسؤول إيراني طالبا عدم ذكر اسمه إن هذه الزيارة مهمة جدا لأنها تظهر عزم طهران وموسكو على تعميق تحالفهما الإستراتيجي، الذي "سيرسم صورة مستقبل الشرق الأوسط".

وأضاف أن روسيا وإيران تتعرضان لضغط أميركي، وأنه ليس أمام طهران خيار آخر سوى الاعتماد على موسكو لتخفيف الضغط.

التعاون في سوريا

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن التعاون الروسي الإيراني في سوريا مثمر جدا، مؤكدا أن أي طرف لا يمكن أن يحل الأزمة السورية بشكل أحادي الجانب. وقال بوتين في كلمة ألقاها في مؤتمر صحفي مشترك لرؤساء روسيا وإيران وأذربيجان في أعقاب القمة الثلاثية المشتركة في طهران، "بحثنا مسائل مهمة في مجالات الاستقرار ومكافحة الجريمة والإرهاب، إلا أن المسائل الاقتصادية كانت، بطبيعة الحال، مسائل أساسية".

وأضاف الرئيس الروسي: "تطرقنا إلى الوضع الأمني في المنطقة بالتفصيل وكذلك المسائل المتعلقة بالاتفاق الخاص بالملف النووي الإيراني، وبالطبع الوضع في سوريا. وأود الإشارة إلى أننا نعمل مع إيران بشكل مثمر للغاية. ونتمكن من تنسيق المواقف حول القضية السورية. وبفضل جهودنا المشتركة، وكذلك جهود تركيا، كما تعلمون، يتطور الوضع على الأرض في مجال مكافحة الإرهاب بصورة إيجابية جدا".

وأعرب بوتين عن أمله في التوصل قريبا إلى اتفاق بين كافة الدول المطلة على بحر قزوين حول قواعد استخدام البحر وترسيم الحدود فيه. وأشار الرئيس الروسي إلى أهمية عمل مشروع ممر "شمال – جنوب" للنقل، موضحا أن هذا المشروع أثبت فعاليته الاقتصادية بعد نقل شحنات من الهند عبر إيران إلى روسيا. من جانبه، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن إيران وروسيا وأذربيجان أكدت في قمة طهران أهمية التعاون للحفاظ على استقرار المنطقة. وأشار روحاني إلى أن رؤساء الدول الثلاث اتفقوا على عقد القمة الثلاثية المقبلة في روسيا العام القادم.

من جانب اخر أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي خلال استقباله الرئيس الروسي أن تجربة التعاون المشترك بين إيران وروسيا في الملف السوري أثبتت أنه يمكن تحقيق أهداف مشتركة. وأشار الزعيم الإيراني إلى أن "هزيمة التحالف الأمريكي الداعم للإرهابيين في سوريا حقيقة لا يمكن إنكارها"، مضيفا أن "هؤلاء مشغولون في التخطيط وإعداد المؤامرات"، ولذلك فإن تسوية الأزمة السورية بحاجة إلى مواصلة التعاون الوثيق.

واعتبر خامنئي مقاومة إيران وروسيا في وجه الإرهابيين التكفيريين المدعومين من قبل عدة دول أجنبية "تحمل نتائج مهمة"، مضيفا أن التكاتف الجيد للغاية والمقاومة المشتركة لطهران وموسكو في وجه فتنة وفساد الإرهابيين في سوريا "يحملان الكثير من المعاني". ووصف المرشد الإيراني الرئيس بوتين بأنه صاحب شخصية قوية وعزم وإرادة عملية، مضيفا أنه لذلك يمكن التحاور والتعاون المنطقي مع روسيا كقوة كبرى بشأن قضايا معقدة.

ودعا رؤساء روسيا وإيران وأذربيجان في البيان المشترك الصادر في ختام قمتهم في طهران إلى تسوية النزاعات الإقليمية بأسرع ما يمكن على أساس القانون الدولي وأكدوا عزمهم على مواجهة الإرهاب والتطرف وكذلك الجريمة الدولية المنظمة وتهريب الأسلحة والمخدرات وتجارة البشر ومكافحة الجرائم في مجال المعلومات. كما أكد رؤساء الدول الثلاث في البيان الختامي ضرورة الامتناع عن تبني مواقف مسيسة وانتقائية في مجال حقوق الإنسان. ودعا البيان المشترك للقمة إلى ضرورة الالتزام بخطة العمل المشتركة الخاصة بتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني.

مصالح متبادلة

في السياق ذاته اكد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" خلال لقائه نظيره الايراني "حسن روحاني" بطهران، ان الاتفاق النووي اتفاق جماعي جيد للغاية ويندرج في اطار ارساء السلام والاستقرار في العالم، معتبرا الوكالة الدولية للطاقة الذرية المرجع الوحيد لاعلان التزام ايران بالاتفاق النووي. واعرب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في هذا اللقاء عن تقديره لدعوة واستضافة ايران للقمة الثلاثية لرؤساء ايران وروسيا وآذربيجان، وقال: ان ايران تعد بلدا جارا وشريكا استراتيجيا بالنسبة لروسيا، ولدينا مصالح مشتركة كثيرة في تنمية العلاقات والتعاون الثنائي.

واشار الرئيس الروسي الى ضرورة تطوير التعاون بين ايران وروسيا وآذربيجان في مجالات المواصلات والنقل والترانزيت وكذلك ممر "الشمال- جنوب"، مضيفا: ان القمة الثلاثية بين رؤساء ايران وروسيا وآذربيجان، من شأنها ان تفضي الى تطوير العلاقات والتعاون المشترك في هذه المجالات. واعتبر بوتين ان العلاقات والتعاون بين طهران وموسكو في مختلف المجالات ومن بينها الطاقة والتعاون الاقتصادي والنشاطات النووية السلمية والنقل السككي والبري آخذة بالنمو، مضيفا: ان الشركات الروسية ترغب بالمشاركة النشطة في تنفيذ المشاريع التنموية في ايران، وان روسيا ليس لديها اية قيود لتوسيع العلاقات ومجالات التعاون الشاملة مع ايران، وترحب بذلك. وتابع قائلا: انه استنادا الى البيانات، فان حجم المبادلات التجارية بين البلدين وخاصة في العام 2016 زاد بشكل ملحوظ، حيث ينبغي مواصلة هذه الوتيرة وبسرعة.

واعتبر الرئيس الروسي، الاتفاق النووي اتفاقا جماعيا جيدا للغاية ويندرج في سياق ارساء الامن والاستقرار في العالم، مضيفا: ان عدم القبول بالتعهدات الدولية من قبل بعض الدول أمر مرفوض مطلقا، وحسب قناعتنا فان الغاء الاتفاق النووي من جانب واحد بأي ذريعة كانت أمر غير مقبول، كما ان الاتفاق النووي ليس له صلة بالقضايا الدفاعية والصاروخية الايرانية. واعتبر بوتين كذلك ان الوكالة الدولية لطاقة الذرية هي المرجع الوحيد لاعلان التزام ايران بالاتفاق النووي.

مشاريع وعقود

من جهة اخرى أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد روسيا لتوريد الغاز إلى شمال إيران عبر الأراضي الأذربيجانية. وأوضح بوتين في كلمة ألقاها في مؤتمر صحفي مشترك لرؤساء روسيا وإيران وأذربيجان في أعقاب القمة الثلاثية المشتركة في طهران: "من المعروف تماما أن روسيا وإيران وأذربيجان هم أكبر منتجين للهيدروكربونات. وذلك لا يعني أننا يجب علينا أن نتنافس، بل يعني أن علينا أن ننسق جهودنا".

وأضاف: "أود أن ألفت اهتمامكم إلى أنه رغم وجود انتاج كبير للهيدروكربونات في كل بلد من بلداننا، فهناك اهتمام بتوريد هذه المواد الخام إلى بعضنا البعض. وعلى سبيل المثال نحن نؤكد جاهزيتنا لتوريد الغاز إلى شمال إيران عبر أنظمة الأنابيب الأذربيجانية، الأمر الذي قد يمثل جدوى اقتصادية لشركائنا".

من جهة اخرى وقعت شركة النفط الروسية "روس نفط" مع شركة النفط الإيرانية "NIOC" خارطة طريق لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجال إنتاج النفط والغاز، باستثمارات تصل إلى 30 مليار دولار. وقال إيغور سيتشين الرئيس التنفيذي لشركة "روس نفط" عقب مراسم التوقيع: "إن هذه الاتفاقية تسمح لنا خلال العام المقبل بتوقيع وثائق بشأن تنفيذ مشاريع في مجال النفط والغاز، وإنشاء أساس للتعاون الاستراتيجي". وأضاف مدير "روس نفط"، التي تعد كبرى شركات النفط الروسية أن "الحديث يدور حول استثمار مشترك مع الشركات الإيرانية لتطوير مجموعة من حقول النفط والغاز"، مشيرا إلى القوة الإنتاجية لهذه المشاريع قد تصل إلى 55 مليون طن من النفط الخام سنويا.

على صعيد متصل تعتزم روسيا المشاركة في بناء خط أنابيب لنقل الغاز بطول 1200 كليومتر من إيران إلى الهند، أحد أسرع الاقتصادات نموا في العالم. وأعلن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، بحسب ما نقلته وكالة "نوفوستي" الروسية، أن وزارتي الطاقة الروسية والإيرانية ستوقعان على مذكرة تفاهم لمشروع توريد الغاز من الجمهورية الإسلامية إلى الهند، على أن ينتنهي البلدان من إعداد الوثائق التقنية وتوقيعها قبل نهاية العام الجاري.

هذا وستشارك في المشروع، بحسب الوزير الروسي، شركات من روسيا والهند وباكستان وإيران. ومن المخطط أن يبدأ تنفيذه في العام 2018. وشركة "غازبروم" الروسية هي من ستمثل روسيا في هذا المشروع، كما أن الشركة نفسها ستشارك أيضا في تطوير حقول غاز في إيران. وقال الوزير الروسي: "إنه مشروع كبير تشارك به "غازبروم"، حيث سيتم تطوير حقول في إيران بمشاركة "غازبروم" وبناء البنى التحتية لتوريد الغاز الى الهند". ولم يكشف نوفاك عن قيمة المشروع، لكنه أكتفى بالقول إنه "مشروع ضخم واستراتيجي ويتطلب تمويلا كبيرا". وكانت "غازبروم" قد أجرت دراسة في مارس/آذار بمشاركة شركائها من الهند لطرق نقل الغاز إلى الهند، حيث تم اختيار أفضل مسارين، واللذين تتراوح كلفتهما من 5.7 مليار دولار إلى 16.5 مليار دولار. يشار هنا إلى "غازبروم" تعد من كبرى شركات الطاقة العالمية، وبلغت صادراتها من الوقود الأزرق العام الماضي إلى أوروبا، أحد أبرز أسواقها، ما يقارب 178.3 مليار متر مكعب من الغاز.

اضف تعليق