q

إذا كنت تريد لصحتك أن تتحسن، فما عليك إلا أن تقوم بفعل الخير، حقيقة غريبة أثبتها العلم مؤخراً، وهي ذاتها التي تحدث عنها قبل 1400 عام حديث للنبي محمد (صلى الله عليه وعلى آله)، ففي الأشهر القليلة الماضية، تسببت سلسلة الكوارث التي تعاقبت واحدة تلو الأخرى، بالولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي في شعور مُروّع للكثيرين، لكن الجانب المشرق لهذه الأوقات المظلمة كان ينبع من التبرعات والسخاء الذي أعقب تلك الكوارث.

وبينما كان تدفق الدعم أمراً بالغ الأهمية لمساعدة المجتمعات المتضررة على التعافي، كانت أفعال الكرم والسخاء تعود بالنفع على فاعليها أيضاً، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ونقل التقرير عن إيشيرو كواتشي، أستاذ علم الأوبئة الاجتماعية في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، أن "ثمة دراسة تشير إلى أن تلك الروابط المجتمعية مهمّة جداً من أجل القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث المادية".

وأضاف قائلاً أن "التطوّع أمرٌ جيد، ليس فقط لصحّة الناس الذين يتلقون الدعم المجتمعي؛ بل أيضاً لصحة أولئك الذين يقدمون مساعدتهم".

سبب هذه الغريزة

بعد يوم من إخلاء كريستينا توبهام منزلها جراء الحرائق التي نشبت في سونوما، بولاية كاليفورنيا الأميركية، بحثت على الفور هي وصديقها عن طرق للتبرّع والمساعدة، وقالت كريستينا: "شعرت كما لو أن عليّ حتماً فعل شيء. أنا أحب بلدتي، ومجتمعي، وقد كان امتداد الدمار مذهلاً منذ بدايته".

ولكن ثمة سؤال يُمكن طرحه بهذا الشأن وهو: لماذا تكون أول استجابة فطرية للكثيرين هي التطوّع والتبرع بعد وقوع كارثة طبيعية؟، أحد الأسباب هو أننا بشر، وقد تطوّرنا على نهج النجاة في مجموعات، ليس بمفردنا. والاصطفاف معاً يجعلنا نشعر بأننا أقل وحدة في التجربة، بحسب ما يشير إليه عالِم الاجتماع كريستين كارتر، وهو زميل في مركز علوم بجامعة كاليفورنيا في بيركلي.

يقول كارتر: "عندما يُهدَد بقاؤنا على قيد الحياة، يصل بعضنا إلى بعض ونقوّي روابطنا مع الناس من حولنا. نُظهر السخاء، والرحمة والامتنان. وهذه هي كل المشاعر التي تعمل على ربط بعضنا ببعض".

أكثِر من الاستمتاع

وتدعم الأدلّة العلمية فكرة أن الأفعال الخيِّرة بإمكانها أن تكون ذات نفع عندما نتطوّع ونكررها بانتظام، وهذا لا يقتصر فقط على الفترات التالية لكارثة طبيعية. فالتطوّع يرتبط بمنافع صحية، مثل خفض ضغط الدم وخفض معدلات الوفاة.

ويقوم الدكتور ريتشارد ديفيدسون، عالِم الأعصاب ومؤسِّس مركز العقول الصحية في جامعة ويسكونسن بمدينة ماديسون، بدراسة آثار المشاعر الإيجابية، مثل الرحمة واللطف، على الدماغ منذ التسعينيات، وقال إن المخ يتصرّف على نحو مختلف خلال أفعال الكرم مقارنة بما يبدو عليه خلال أنشطة الاستمتاع.

ويقول: "عندما نفعل الأشياء من أجل أنفسنا، تكون تلك المشاعر الإيجابية عابرة كما أنها تعتمد على عوامل خارجية"، وأضاف: "عندما نشارك في أعمال توصف بالكرم، فإن تلك المشاعر الإيجابية تكون أكثر استمرارية، وهي تستمر حتى بعد الحدث الذي نحن منخرطون فيه".

وتمنحنا مساعدة الآخرين شعوراً بأن لدينا غاية أيضاً؛ فهذا ما توصّلت إليه الدكتورة ليندا فريد المؤسِّسة المشارِكة في برنامج Experience Corps، الذي يقوم بإشراك المتقاعدين كمعلمين لمحو الأمية، بعدما اكتشفت رابطاً قوياً بين حس وجود الغاية والعافية على مدى الحياة.

إذ يحظى كبار السن من البالغين الذين يتطوّعون لمساعدة الأطفال في تعلم القراءة والكتابة، بمستويات أقل من الإصابة بفقدان الذاكرة، ويحافظون على قدرٍ أكبر من القدرة على التحرّك الجسدي، بحسب ما رجّحته إحدى الدراسات.

الأديان

والعطاء هو أحد التعاليم الأساسية للعديد من الأديان، وقد كانت هذه هي قاعدة المسيح الذهبية، وقال بوذا إنه من أجل أن يسطع طريق المرء، عليه حتماً أن يضيء طريق الآخرين، حسب التقرير، تقول الكاتبة بصحيفة نيويورك تايمز نيكول كارلس: "خلال رحلة إلى الهند في عام 2016، عايشت بشكل مباشر كيف أن فوائد فعل الخير هي أمر راسخ في المجتمع الهندي".

وتضيف: "لقد قمت بزيارة أحد المنجّمين المؤمنين بالفلسفة الفيدية؛ لأنني كنت قلقة بشأن مستقبلي غير المضمون، وهو أزمتي الشخصية، وتلقيت قائمة من الوصفات العلاجية لمساعدة الآخرين فيما يمرّون به. وكانت أولى مهامي هي شراء بطانية باللونين الأسود والأبيض، ثم زيارة منطقة أهلها مصابون بالجذام والتبرّع بها هناك لأول شخص أراه. وكانت مهمتي الثانية هي شراء حقيبة تزن 6 أرطال من العدس، ولفّها حول رأسي، والنداء بتعويذة السنسكريتية وإعطاؤها لشخص بلا مأوى.

وبالتأكيد، العديد من الغربيين يستغربون تلك (الوصفات العلاجية) غير التقليدية، ولكنها كانت مألوفة لأصدقائي الهنود، الذين يعتقدون أن هذه الوصفات تتمتع بقوّة حقيقة".

وأضافت نيكول قائلةً: "لاحقاً، ومن أجل فهمٍ أفضل لأهمية تلك الطقوس، تواصلت مع الطبيب ديباك شوبرا، مؤلف كتاب (أنت الكون)، وقال إن الأسس الفلسفية في الهند تأتي من تقاليد الفيدا والبوذية، وبهما (المعاناة الإنسانية بأسرها هي نتيجة لهذيان الذات المنفصلة عن غيرها)".

وأوضح شوبرا قائلاً: "ستعاني في اللحظة التي تُحدِد فيها هويّتك كفرد منفصل عن الكائنات، أو الناس، أو تنفصل عن الحياة بشكل عام. فالأمر كلّه يبدأ بالقلق الأوّلي؛ لأنك عندما تنفصل عن الناس والحياة تشعر بالخوف، وهذا يخلق بداية المعاناة".

الطب الحديث

ولكن، هل يصف الأطباء الغربيون أفعال السخاء كعلاج؟ الدكتور جون روي، أستاذ السياسة الصحية والشيخوخة في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، لا يستبعد هذا.

ويقول: "لدينا معلومات علمية كافية لتبرير مبادرة هامة جداً بمجال الصحة العامة"، وأضاف: "إذا كان هناك شخص متقاعد في مكتبي، أسأله: هل تدخّن؟ هل تمارس الرياضة؟ كيف يبدو نظامك الغذائي؟ وينبغي لي أيضاً سؤاله ما إذا كان يتطوّع".

اضف تعليق