q

مآسي وكوارث الأمة والعالم ومعاناة الشعوب التي تتراكم مع مرور الزمن هي نتيجة غياب العدالة والقيادة العادلة في الحكم، وتغييب أفضل نموذج قيادي طبق العدالة في التاريخ، يلقب بصوت العدالة الإنسانية.

تأتي عظمة يوم الغدير الأغر ليصبح العيد الأكبر للأمة لعظمة الحدث وعظمة آثاره، وما العجب وهو أمر صادر من الخالق عز وجل، ونزول جبرائيل العاجل على الرسول الأعظم (ص) لإبلاغه بالأمر الإلهي بوجوب إبلاغ الرسالة للأمة بشكل مباشر وعاجل، وجاءت الرسالة الإلهية من خلال الآية الكريمة قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [ المائدة : 67]، وقد امتثل النبي للأمر والطلب الإلهي وهو في الطريق متجه إلى المدينة المنورة بعد تأدية فريضة الحج وقبل أن تتفرق الناس حيث جمعهم في موقع غدير خم.

ما هي الرسالة الإلهية العاجلة التي لا يمكن تأجيلها حتى الوصول إلى المدينة المنورة، والتي تمثل كمال الرسالة؟.

رسالة لإكمال الدين وإتمام النعمة

الرسالة العظيمة الإلهية وكل هذا الاستنفار في الأجواء الحارة وبعد تعب الحج، يتمثل بتنصيب الإمام علي بن أبي طالب (ع) وليا وأميرا وقائدا للأمة بحضور عدد كبير من الحجاج أكثر من مئة ألف حاج، وقيام الحضور وفي طليعتهم الصحابة بمبايعته على الولاية والإمارة. إنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة.

ويأتي هذا الأمر الإلهي لتأكيد أهمية القيادة لإدارة شؤون الأمة أي الحكم الذي ينبغي أن يقوم على العدالة، وعلى مواصفات القائد العادل (القيادة العادلة).

وقد شرح وفصل الشاعر حسان بن ثابت ما حدث في ذلك اليوم العظيم عيد الغدير بقصيدته المعروفة والمشهورة والثابتة حيث قال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم ** بخم وأسمع بالرسول مناديا

فقال: فمن مولاكم ونبيكم؟ ** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبينا ** ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنني ** رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه ** فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه ** وكن للذي عادا عليا معاديا

قصيدة تبين ما حدث والتفاصيل وضرورة طاعة وإتباع الإمام علي بالولاية، والتحذير من معادته، وأن هذا الأمر هو أمر إلهي.

ويوجد العديد من الروايات الكثيرة والقوية حول ذلك الحدث المهم الإلهي والمصيري للأمة ومنها : قال الرسول الأعظم (ص) وهو يمسك بيد الإمام علي بن أبي طالب (ع): (يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأنصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه).

لماذا تم اختيار الإمام علي لهذا المنصب بأمر إلهي وفي ذلك الموقع غدير خم؟.

هل أزمات وكوارث الأمة والعالم نتيجة غياب العدالة والقيادة الحاكمة العادلة؟.

حاجة العالم للقيادة العادلة

من الطبيعي لأي مشروع ما لكي يستمر ويحقق النجاح بعد تقديم تضحيات كبيرة لمدة سنوات، أن يتم تعيين قيادة لإدارة المشروع في حالة غياب المؤسس، فكيف إذا كان هذا المشروع بمستوى رسالة سماوية؟.

فمن المستحيل أن يرحل رسول الله (ص) ويترك الأمة تتخبط وتختلف في اختيار القيادة.

ولأهمية خاتمة الرسالات السماوية الإسلام فقد جاء اختيار الولي على الأمة بعد رسول الله (ص) من قبل الخالق -عز وجل-، وأن يتم الإعلان عنه في يوم الغدير ليشهد الحدث أكبر عدد من المسلمين، وأن يقوم كافة الصحابة بمبايعة الولي بعد النبي وهو الإمام علي.

ليصبح الإمام علي بن أبي طالب (ع) هو القائد العادل النموذجي لقيادة شؤون الأمة الحكم.

شخصية الإمام علي القيادية

لا يمكن لأي إنسان غير الله سبحانه وتعالى ورسول الله ص معرفة أبعاد شخصية الإمام علي (ع) حيث قال الرسول الأعظم (ص): ".. ولا يعرفك - يا علي - إلا الله وأنا".

الإمام علي شخصية فريدة لا يمكن مقارنتها بأي شخصية أخرى، فهو قد ولد في أطهر بقعة الكعبة المشرفة، وتربى وتعلم في أحضان رسول الله (ص). ويصف أمير المؤمنين عليه السلام تلك المرحلة قائلا :"ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟.. فقال : هذا الشيطان قد آيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا إنك لست بنبي ولكنك لوزير وإنك لعلى خير ".

والإمام علي (ع) أسلم وأمن وتحمل مسؤولية الرسالة منذ طفولته، وكان رسول الله يعتمد عليه وهو في صغره، ولمدة 7 سنوات لا يوجد على الأرض من يصلي مع الرسول إلا خديجة وعلي، لم يسجد إلا لله، وهو أول فدائي في الإسلام، وهو سيف ذو الفقار السيف الغالب، يتحقق النصر الإسلامي على يديه، وفي معركة الخندق عندما برز الإمام علي (ع) لمواجهة عمرو ابن عبد ود قال رسول الله (ص) كلمة عظيمة تعبر عن مكانة وعظمة إيمان الإمام علي (ع) بقوله:" برز الإيمان كله للشرك كله". وفي معركة خيبر قال رسول الله (ص) : "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ليس بفرار" وعلى يديه تحقق النصر وفتح خيبر بعد فشل الآخرين. وهذا الحديث يؤكد محبة الله سبحانه وتعالى والرسول الأعظم (ص) للإمام علي، وحول مكانته ومنزلته عند الرسول الأكرم قال(ص): "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي". وهو عنوان الإيمان قال الرسول (ص) : " عنوان صحيفة المؤمن حب علي". وقال أيضا (ص) : " النظر إلى وجه علي عبادة ".

علي مدينة العلم وزوج البتول

وحول علم علي بن أبي طالب قال (ص): "أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب ". وقال (ص) : "أنا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب ".

وقال الإمام علي (ع) : " علمني رسول الله ألف باب من العلم و استنبطت من كل باب ألف باب ".

وأمير المؤمنين الإمام علي بن طالب هو زوج فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) وهو والد جميع أحفاد النبي (ص)، والإمام علي(ع) هو من غسل وكفن ودفن رسول الله (ص)، وهو من ختم حياته شهيدا في محراب الصلاة في المسجد.

اختيار القيادة العادلة

اختيار الإمام علي (ص) لمنصب الولاية جاء لأن الله هو الأعرف بهذه الشخصية لقيادة الأمة أي أنه شخصية قيادية حسب المواصفات الإلهية بعد رسول الله (ص)، والله سبحانه وتعالى هو الآمر الذي ينبغي الامتثال لأمره، وأي شخص خالف ذلك أو انقلب فهو خالف أمر الله.

الإمام علي بن أبي طالب - عليه السلام - شخصية متميزة وكاملة المواصفات القيادية العادلة للحكم، وهي شخصية قادرة على مواصلة طريق الرسالة بعد الرسول الأعظم (ص).

وأن عدم الامتثال لأمر الله -عز وجل-، وعدم طاعة الرسول الأكرم (ص) والانقلاب السريع بعد وفاته على ما جاء في يوم الغدير، كشف المنافقين وأعداء الرسالة وأصحاب المصالح على مر العصور، وقد دفعت الأمة والعالم والبشرية الثمن بتغييب وعدم طاعة القيادة العادلة القادرة على إنقاذ البشرية المتمثلة في شخصية الإمام علي ابن أبي طالب (ع).

غياب العدالة سبب الفساد

إن الأمة والعالم اليوم يعاني من ويلات وأزمات متعددة ومتنوعة واعتداءات وحروب ودمار نتيجة التخبط والتقلب في الحكم، والسبب يتمثل في غياب العدالة وتطبيقها على أرض الواقع في الحكم، فغيابها يعني سيطرة الظلم والاستبداد والقمع وانتشار الفساد والفقر والفوضى.

إما إذا سادت العدالة في المجتمع والأمة بوجود قيادة تحكم بالعدل فالجميع سيحصل على كامل الحقوق والمساواة والكرامة والحرية والتعددية. ولهذا المطلوب في الحكم أن يقوم على العدالة، قال تعالى في سورة النساء:((وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58))). لقد دفعت وتحملت الأمة والبشرية الكثير من الويلات والمعانات بعدم تطبيق العدالة في الحكم، وبتغييب أعظم شخصية قيادية قادرة على تطبيق العدالة بمواصفات الخالق سبحانه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

صوت العدالة الإنسانية

ولأجل أن ينعم العالم كله بالخير والأمن والسلام يجب الحكم بالعدل لا غير وجعل شخصية الإمام علي النموذج لذلك ولا عجب فهو صوت العدالة الإنسانية وهو من تم تنصيبه بالولاية والإمارة والقيادة بأمر إلهي في يوم الغدير الأغر.

سلام عليك يا أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب -عليه السلام- القائد العادل صوت وضمير وسيد العدالة الإنسانية وإمام المتقين.

اضف تعليق