q

حزب اليمين هو حزب سياسي أمريكي قديم تم حله عام 1860، كان الحزب نشط في منتصف القرن ال 19 في الولايات المتحدة الأمريكية وكان هناك أربعة رؤساء للولايات المتحدة أعضاء الحزب اليميني، تم تشكيل الحزب في المعارضة لسياسات الرئيس أندرو جاكسون وحزبه الديمقراطي على وجه الخصوص، اليمينيون دعموا سيادة الكونغرس حول رئاسة الجمهورية ويفضل برنامج التحديث والحمائية الاقتصادية.

وقد تم اختيار هذا الاسم أن أردد اليمينيون الأميركية في 1776، الذين قاتلوا من أجل الاستقلال، ولأن "اليميني" كان آنذاك تسمية معترف بها على نطاق واسع في الاختيار بالنسبة للأشخاص الذين تحديدها على أنها معارضة الطغيان تذكرة إعلان للحزب اليميني عام 1844

نشأ الحزب أيضا كنوع من الاندماج بين الحزب المعادي للماسونية وحزب الجمهوريين الوطنيين، وأتمت بالشعبية الكبيرة حيث قام الحزب اليميني بترشيح بعض الشخصيات السياسية البارزة مثل دانيال وبستر وزعيمهم البارز، هنري كلاي من كنتاكي.

رشح حزب اليميني أيضا لجنرالات بطل حرب الرئيس وليام هنري هاريسون، زاكاري تايلور، وينفيلد سكوت في عام 1840، 1848 و1852 على التوالي في خلال أكثر من 20 عام لهذا الحزبان الحزب اليميني اثنين من مرشحيه، وليام هنري هاريسون وزاكاري تايلور رؤساء للولايات المتحدة وكل منهما مات في منصبه نجح جون تايلر الى الرئاسة بعد وفاة هاريسون، ولكن تم طرده من الحزب، لاحقاً، وكان ميلارد فيلمور، الذي أصبح رئيسا بعد وفاة تايلور.

تم حل الحزب في نهاية المطاف مع بروز مشكلة العبودية في أمريكا حيث حدثت شقوق عميقة في الحزب بشأن هذه المسألة، منعت حركة المناهضة للعبودية ترشيح الرئيس فيلمور في الانتخابات الرئاسية عام 1852 بدلا منه رشح الحزب وينفيلد سكوت معظم قادة الحزب اليميني انسحبوا في نهاية المطاف السياسة (كما فعل ابراهام لنكولن مؤقتا) أو تغييرها الطرفين قاعدة الناخبين شمال انضم معظمهم من الحزب الجمهوري الجديد قبل الانتخابات الرئاسية عام 1856، ولكن الأيدولوجية اليمينية استمرت لعقود ولعب دورا رئيسيا في تشكيل سياسات التحديث من حكومات الولايات خلال إعادة الإعمار.

فكر اليمين المتطرف الأمريكي

هذا الفكر يتساوى مع أفكار منظمات متطرفة مثل (القاعدة) حيث يتلاقى الفكران في تصورات ادارة الصراع وترتيب أولويات السلام والحرب العالمي، (ونحن ندفع الآن ضريبة مثل هذا الفكر)، ففي ظل هيمنة الفكر اليميني المتطرف على صياغة توجهات دولة عظمى فإن العالم سيكون بعيداً عن مناخات التسامح والتعاون الذي يرقى بالحقوق والقيم الإنسانية إلى المستويات التي تهيئ لمجتمع إنساني تحكمه قيم العدل والسلام وحقوق الحياة الكريمة الآمنة.

والتطبيقات السلبية لمثل هذا الفكر نراه الآن في موقف ادارة الرئيس بوش من جرائم شارون، فهذا الفكر جعلها تسقط البعد الأخلاقي والإنساني في نظرتها للحرب الدائرة الآن بفلسطين حيث تحشر الصراع في (قضية قانونية) وليست (قضية شعب وأرض محتلة)، وهذا يعطينا المبرر الموضوعي لنقول إن واشنطن تخضع لأجواء سياسية غير طبيعية وخطيرة على السلام العالمي وتجر أمريكا إلى عداوات جديدة، ليس مع العرب والمسلمين، بل مع شعوب أخرى لديها عداواتها التاريخية والثقافية والاقتصادية مع أمريكا.

وهذه الأجواء غير الطبيعية في واشنطن أشار إليها تقرير صحفي نشرته (لوس انجلوس تايمز)، فقد ذكرت أن الإدارة واقعة تحت تأثير ممثلي الفكر اليميني المتطرف، من مؤسسات وأفراد، حيث تدعو هذه الرموز إلى عدم التدخل في الشرق الأوسط لصالح السلام و"تحث هذه الأصوات الرئيس بوش على إعطاء إسرائيل الحرية كاملة في التعامل عسكرياً مع الهجمات الانتحارية الفلسطينية".

وقالت الصحيفة: "وفي سلسلة من المقالات استخدم مفكرون محافظون من أمثال وليام كريستول ووليام بينيت ووسائل إعلام محافظة ونافذة مثل (وول ستريت جورنال) و(ناشونال ريفيو) عبارات مثل (ساعة الهواة) و(الاضطراب الأخلاقي) و(التمني الكلنتوني) لوصف المبادرات الأخيرة من قبل الإدارة لإحياء عملية السلام".

وخطورة اليمين المتطرف على السلام العالمي الذي يوازي خطورة منظمات، مثل القاعدة، علينا أن نخشاه لأثره على الرأي العام الأمريكي وهذا ما تؤكده صحيفة (لوس انجلوس تايمز) في تقريرها، تقول: "والواقع أن الخطاب الأمريكي العام قد مال ناحية اليمين فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط وخاصة منذ انهيار مفاوضات كامب ديفيد برعاية الرئيس السابق بيل كلينتون عام 2000" وقالت أيضاً إن اليمين المتطرف لم يرضه إعلان تشيني رغبته لقاء عرفات وقالت "مثل هذا النشاط الدبلوماسي المكثف هو بالضبط ما يحاول الجمهوريون إثناء بوش عن التورط فيه فقد انهالت حجارة اليمين على رأس تشيني عندما قال إنه من المحتمل أن يجتمع مع الرئيس الفلسطيني".

وهكذا، فإن حمى اليمين المتطرف في أمريكا هي التي سوف تفاقم العداء لأمريكا وتقدمها للعالم بما يناقض قيمها الأساسية، والخطورة سوف تتعاظم إذا أصبح هذا الفكر هو عقيدة الدولة في حقبة تعاظم مصالح الشركات العملاقة التي تشكل مجالس إداراتها مصدر السلطة الحقيقية المتواري خلف مؤسسات شرعية قائمة للعامة فقط.

إن الفكر اليميني المتطرف في أمريكا الذي يقوده دعاة القوة ورموز الحرب الباردة ينظر للصراع في الشرق الأوسط بناء على (اعتبارات ايديولوجية) يتبناها التيار الاصولي المسيحي وهي غذاؤه الذي ينمو عليه في الشارع السياسي، وهذا التيار (لا) تهمه مصالح أمريكا الحيوية، ومثل هذا التوجه اذا اصبح (اجندة) الادارة، فإنه بدون شك سوف يجعل أصدقاء أمريكا في المنطقة في موقف حرج لا يحسدون عليه، فالأحداث الأخيرة تجرف الآن (تيار الوسط) في المجتمعات العربية إلى تبني مواقف جديدة لا نتوقع انها في صالح مستقبل العلاقات العربية الايجابية على المدى البعيد، وليت (عقلاء واشنطن) واصحاب الضمائر الحية تصل أصواتهم للإدارة لتنقذها من الفكر المتطرف ودعاة الحرب وعملاء صناعة السلاح.

تصاعد اليمين المتطرف

بالرغم من صدمة الكثيرين من فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وأنه جاء على عكس معظم التوقعات واستطلاعات الرأي، إلا أن هناك خط واضح يربط بين صعود ترامب وبقية تيارات اليمين المتطرف في أوروبا في الأونة الأخيرة، لا سيما بعد زيادة العمليات الإرهابية في أوروبا وأمريكا ومنطقة الشرق الأوسط.

تصاعد وتيرة الإرهاب كان بمثابة طوق النجاة لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، حيث وجدت فيها ملجأ ومتنفسًا لتقديم نفسها من جديد، ما زاد شعبيتها في الخمس سنوات الأخيرة، وهو ما تجسد في صعود أسهمها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من دول أوروبا، ثم اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية.

فوز تيار اليمين المتطرف الذي ينتمي إليه ترامب، يعكس التناغم مع التصريحات التي أدلى بها طيلة ماراثونه الانتخابي والتي وصفها المحللون بالعنصرية لاسيما المتعلقة بموقفه من المسلمين والعرب واللاجئين وقضايا الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى تباين مواقف الدول حيالها، إلا ان ذلك لم يمنع بعض الدول الأوروبية والشرق أوسطية في تأييد الرجل ودعمه ولو كان بصورة غير ملعنة، فهل بات العالم تحت قبضة اليمين المتطرف خلال المرحلة القادمة؟

ما أسباب ظهور اليمين المتطرف بالغرب؟

الإجابة على هذا التساؤل بسيطة بالنسبة لمنظر مثل صموئيل هنتنغتون الذي يؤمن بضرورة صدام الحضارات -وتحديداً الحضارتين الغربية والإسلامية- بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فلا غرابة إذن أن نرى صعود اليمين واستهدافه للجالية الإسلامية في الغرب، مع ما يرافق ذلك من تفشي ظاهرة "الإسلاموفوبيا".

البعض الآخر يلقي باللوم على العوامل الاقتصادية ودورها الرئيسي في تشكل ظاهرة العداء للمهاجرين الجدد المتهمين بمنافسة السكان المحليين على وظائفهم. ولكن رغم أهمية العامل الاقتصادي وربما صراع الحضارات؛ فإن الأسباب التي تفسر انتشار ظاهرة اليمين المتطرف في الغرب مؤخرا تكمن في عوامل أخرى أكثر أهمية، وتتمثل في:

أولا: حالة المخاض التي يعيشها النظام السياسي الدولي. وثانيا: الفشل الأمني للنخب السياسية الليبرالية في أوروبا. وثالثاً: استفحال ظاهرة العولمة التي أدت إلى تفجر صراع الهويات الذي تم التعبير عنه بانتشار ظاهرة اليمين المتطرف.

العامل الاقتصادي

لنبدأ أولاً بتبرئة العامل الاقتصادي المتهم التقليدي بالمسؤولية عن معظم الأمراض الاجتماعية والسياسية، فهو رغم أهميته -وربما مساهمته في انتشار ظاهرة التطرف- فإنه يعجز عن إعطاء تفسير متكامل لانتشار التطرف اليميني في الغرب، وذلك لسببين رئيسيين:

- أن قمة الأزمة المالية التي عاشتها أميركا مثلاً كانت خلال أعوام 2005-2010، وهي الأعوام التي انتخب الأميركيون فيها الاتجاه الليبرالي الديمقراطي المتمثل في رئاسة باراك أوباما، وأسقطوا الحزب الجمهوري وغيره من تنظيمات اليمين الأميركي.

"يلقي البعض اللومَ على العوامل الاقتصادية ودورها الرئيسي في تشكل ظاهرة العداء للمهاجرين الجدد. ولكن رغم أهمية العامل الاقتصادي وربما صراع الحضارات؛ فإن الأسباب التي تفسر انتشار ظاهرة اليمين المتطرف في الغرب مؤخرا تكمن في عوامل أخرى أكثر أهمية".

- أن أوروبا وأميركا -وهذا هو الأهم- ما زالتا بعيدتين كل البعد عما يمكن تسميته "ثورة الجياع" في الغرب، وذلك بسبب ارتفاع نسبة المداخيل في هذه الدول التي هي بحاجة ربما إلى عقود متواصلة من الأزمات الاقتصادية حتى نبدأ بالتحدث جدياً عن "ثورة جياع" فيها، على عكس أصوات الشباب العربي التي نطقت بالكلمة الأولى لهم في الربيع العربي، وهي: "عيش" (خبز) ثم بـ"حرية، عدالة اجتماعية".

بانهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة عام 1991 تحول النظام الدولي من ثنائية القطبية إلى أحادية القطبية، حيث تربعت الولايات المتحدة على عرش النظام السياسي الدولي، وأصبحت صاحبة الحل في الأزمات المستعصية.

فأجبرت قوى البلقان المتصارعة على توقيع "اتفاق دايتون" لإنهاء الحرب في البوسنة والهرسك، وتدخلت عسكريا في كوسوفو ضد صربيا وخارج تفويض مجلس الأمن، بينما كانت روسيا تلعق جراحها وتشاهد حليفها الإستراتيجي بلغراد تقصف بطيران حلف الناتو دون أن تحرك ساكناً.

ولكن وبهزيمة المشروع الأميركي في كل من العراق وأفغانستان، وما رافقه من انسحابات عسكرية متوالية تركت فراغا كبيرا في النظام الدولي؛ بدأ الحديث يدور -وبشكل جدي أكثر من أي وقت مضى- عن تحولات في بنية النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب. وحاولت جهات عديدة ملء الفراغ الذي تركه الانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة.

لا توجد إجابة قاطعة حتى الآن عما إن كان النظام الدولي قد دخل مرحلة التعددية القطبية أم أننا ما زلنا في الأحادية القطبية، وذلك لعدم وضوح ما إن كان الانسحاب العسكري الأميركي ناتجا عن عقيدة باراك حسين أوباما التي لا تؤمن بالتدخل العسكري، أم عن انحسار فعلي للدور الأميركي نفسه في النظام الدولي، مما ترك فراغا في بنية النظام السياسي الدولي ولا سيما ما يخص المنطقة العربية.

الهجرة واللجوء

آمنتْ دول مثل روسيا وإيران بأن الانسحاب الأميركي إستراتيجي، فهرعت لملء الفراغ وتأمين موقع لها في النظام الدولي الجديد "المتعدد الأقطاب"، وبالقوة العسكرية التي تم التعبير عنها بالقصف الجوي الروسي المكثف في سوريا، وانتشار ظاهرة المليشيات الإيرانية المسلحة في سوريا ولبنان والعراق واليمن.

فالتمدد الروسي والإيراني الباحث عن مكان في "النظام التعددي الجديد" ولّد صراعات جديدة وزاد حدة صراعات قائمة، الأمر الذي تسبب في موجات هجرة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث تجاه أوروبا الغربية تحديداً.

ولكون معظم المهاجرين هم عربا ومسلمين؛ فقد فجّر وصولُ اللاجئين صراعَ هويات في أوروبا الغربية حيث رأى المجتمع الأوروبي أن هويته الثقافية مهددة، ومارست قيادة اليمين المتطرف دوراً مهماً في المبالغة في "الخطر الثقافي" وما يمثله من تأثير على نمط حياة الأوروبيين، فليس صدفة أن يطفو على السطح بأوروبا -وفي هذا الوقت- جدلُ البوركيني والمنديل والمدارس الدينية وحرية رسم الرموز الدينية.

"فجّر وصولُ اللاجئين صراعَ هويات في أوروبا الغربية حيث رأى المجتمع الأوروبي أن هويته الثقافية مهددة، ومارست قيادة اليمين المتطرف دوراً مهماً في المبالغة في "الخطر الثقافي" وما يمثله من تأثير على نمط حياة الأوروبيين"

والمسألة ليست مقتصرة على الجانب الثقافي، بل إن التفجيرات التي تبنتها تنظيمات إسلامية متشددة في بروكسل وباريس وفلوريدا وكاليفورنيا وغيرها، قد فاقمت صراع الهويات وزادت المادة الإعلامية لتنظيمات اليمين من أجل كسب تأييد شعبي إضافي، وقد نجحت بذلك.

وهذا يقودنا إلى العامل الثاني المهم في انتشار ظاهرة اليمين المتطرف، والمتمثل في فشل النخب السياسية الغربية الليبرالية في التعامل مع صراع الهويات الذي أخذ في الاستفحال.

فهذا الفشل تمكن رؤيته من جانبين: الأول، فشل السياسات الخارجية الغربية التي دعمت لأكثر من نصف قرن الدكتاتوريات العربية، ظنا منها أنها ستوفر لها الأمن والاستقرار في المنطقة، وذلك على حساب التحول الديمقراطي الذي يمكنه أن يوفر الاستقرار المستدام، مما أدى في النهاية إلى تفجر الصراع وتزايد الهجرات وتفاقم صراع الهويات.

والجانب الثاني لفشل النخب السياسية الغربية هو عجزها عن التعامل مع المهاجرين بطريقة مناسبة، وذلك بعد أن ساهمت سياساتهم الخارجية في تفجر العنف ببلاد المهاجرين الأصلية، ودفعتهم للوصول إلى المجتمعات الغربية.

فلم توفر النخب السياسية الحاكمة البرامج الملائمة لدمجهم في مجتمعات الهجرة، ولم يكن باستطاعتها إيقافهم عن الوصول إلى قلب أوروبا الغربية، فكانت النتيجة تزايد حدة صراع الهويات وتفاقم ظاهرة العداء للمسلمين واستفحال ظاهرة الإسلاموفوبيا، وفي النهاية تحقيق اليمين المتطرف لمكاسب انتخابية متعددة.

تغلغل العولمة

العامل الثالث المسبب لتفجر صراع الهويات واكتساح ظاهرة اليمين المتطرف يتمثل في العولمة وتغلغلها في مفاصل النظام الدولي. وكما هو معلوم فإن المستفيد الأكبر من العولمة هو الطرف الأقوى الذي بإمكانه دعم الانتشار الثقافي وإغراق الأسواق باقتصاده.

فقد دعم انتشار سلسلة مطاعم ماكدونالدز وKFC ومقاهي ستار بكس الاقتصاد الأميركي أكثر مما دعمته القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في العالم من اليابان وحتى أميركا اللاتينية.

أما الهجوم على الثقافات المحلية في العالم فقد تمثل في انتشار الموسيقى والأفلام والأدوات الثقافية الأميركية والغربية الأخرى، التي بدأت تحل محل الموسيقى والأفلام المحلية، مما أوقد صراع هويات داخلي في مجتمعات مختلفة.

وما يهمنا هنا هو المجتمعات العربية والإسلامية التي أخذت جماعاتٌ فيها ردَّ فعلٍ عكسياً ومتطرفاً، فبدل أن تلحق بثقافة العولمة الغربية ارتدّ قسم ليس باليسير منها نحو العودة إلى الأصول، في محاولة لإحياء الثقافة الإسلامية كما كان عليه الحال قبل 1400 عام.

"بدأنا نرى انتشار ظاهرة التطرف التي جاءت ليس بسبب السياسات الغربية والدكتاتوريات العربية فقط، ولكن كرد فعل على الهجوم المتواصل لقوى وأدوات العولمة الثقافية والاقتصادية على الثقافات المحلية ومنها الثقافة العربية الإسلامية"

ومن هنا بدأنا نرى انتشار ظاهرة التطرف التي جاءت ليس بسبب السياسات الغربية والدكتاتوريات العربية فقط، ولكن كرد فعل على الهجوم المتواصل لقوى وأدوات العولمة الثقافية والاقتصادية على الثقافات المحلية ومنها الثقافة العربية الإسلامية.

هذا التطرف تمت ترجمته بطريقتين: الأولى، تعقيد مسألة الاندماج في المجتمعات الغربية، والأخرى أمنية كالتفجيرات في المدن الأوروبية والأميركية، ومهاجمة مقرات صحف أوروبية تعرضت لرموز إسلامية مختلفة. وكلا الأمرين (الأمن ومنع الاندماج) زادا حدة صراع الهويات الذي تم استغلاله بشكل محكم من اليمين المتطرف في الغرب.

وبالنظر إلى مسببات صعود اليمين المتطرف في الغرب؛ يمكن القول إن من المرجح لهذا المد المتطرف أن يزداد، فالقادم قد يكون أسوأ. فاستفحال العولمة يتصاعد مما يعني زيادة الضغط على الثقافات المحلية، التي ستفاقم صراع الهويات ومنه يتغذى التطرف اليميني.

كذلك فإنه لا يظهر أن السياسات الغربية تجاه المنطقة قد تتغير، بل على العكس قد تزداد سوءاً بعد وصول اليمين إلى الحكم الذي بدوره سيسبب تطرفا من أنواع جديدة.

وأخيراً، فإن انتكاسة الربيع العربي وانتصار الثورات المضادة في العديد من البلدان سيزيد هو الآخر حركة الهجرة التي ستضغط بدورها على صراع الهويات بأوروبا، ومن ثم يحصل انتصار جديد لليمين المتطرف، وهكذا تصبح الدائرة مكتملة بسياسات تنتج صراع الهويات الذي هو بدوره يُنتج سياسات تساهم في تقدم اليمين المتطرف.

أوروبا والعرب... إذا حكمها اليمين المتطرف

استقبلت أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف نتائج الانتخابات النمساوية بكثير من الابتهاج. فرغم أن حزب الحرية بزعامة نوربرت هوفر الذي يمثل أقصى اليمين في النمسا، لم يتمكن من تسجيل انتصار ساحق على غريمه حزب الخضر، إلا الفارق الضئيل بينهما الذي لم يتجاوز بضعة آلاف من الأصوات سمح لهوفر بالإعلان عن جولات قريبة رابحة ضد الأحزاب الليبرالية واليسارية في النمسا وأوروبا. ولسوف تكون أولى هذه الجولات المقبلة في بريطانيا، حيث يلقي اليمين المتطرف الممثل بحزب «استقلال المملكة المتحدة» بثقله إلى جانب دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي تنظمه حكومة كاميرون حول العلاقة مع الاتحاد. ولئن صدقت التوقعات العديدة والقائلة إن حظ دعاة الانسحاب من الاتحاد أكبر من دعاة البقاء فيه، فإن هذه النتيجة سوف تتحول مشهداً أوروبياً جديداً من مشاهد صعود اليمين المتطرف إلى الحكم في دول القارة لن يكون أقل أهمية ودراماتيكية، في حسابات المستقبل العربي، من مشهد استيلاء «داعش» على الموصل أو على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا. إن هذا الصعود المتزامن تقريباً يفتح الباب أمام تطورات مهمة تؤثر على العرب والمنطقة العربية على الأصعدة التالية: الهجرة العربية إلى أوروبا، والحرب على الإرهاب، العلاقات بين الدول العربية والدول الأوروبية.

بين هذه القضايا الرئيسية، احتلت مسألة التخويف من الهجرة العربية إلى أوروبا القسم الأكبر من اهتمام أحزاب اليمين المتطرف والحملات الانتخابية التي نظمها لكسب الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية بصورة خاصة. ولقد حققت هذه الحملات نجاحات ملموسة، إذ تبنت -كما تقول صحيفة «التايمز» البريطانية - شعارات اشتراكية، فاستقطبت قسماً من قواعد اليسار والوسط النمساوي. وفي النمسا، كما هو الأمر في دول أوروبية أخرى، تنتقل أعداد متزايدة من العمال ذوي الياقات الزرقاء من تأييد أحزاب اليسار إلى تأيد أحزاب اليمين المتطرف. وتنظر هذه الشريحة من العمال الذين يفتقرون إلى مهارات محددة، إلى المهاجرين العرب باعتبارهم منافسين يحرمون النمساويين من فرص العمل ويضعفون موقفهم إزاء أرباب العمل. فلولا المهاجرين العرب، ولولا إغراق سوق العمل باليد العاملة العربية المهاجرة والرخيصة، لاستطاع العمال ذوو الياقات الزرقاء في النمسا أن ينتزعوا من الرأسماليين شروطاً أفضل للعمل.

ويقترن التخويف من المنافس - الغريم العربي في سوق العمل بالتخويف من «الإرهابي العربي». وبفضل المنظمات الإرهابية، أمكن حملات التخويف هذه أن تحقق نجاحاً باهراً، فالمنظمات الإرهابية تستسيغ توجيه ضرباتها في المسرح الأوروبي لأسباب عديدة، فتوجيه الضربات الإرهابية في المجتمعات المفتوحة أسهل من توجيهها في المجتمعات المغلقة التي تضع الكثير من القيود على حركة الأفراد والجماعات المنظمة. وتوجيه مثل هذه الضربات في المجتمعات الأوروبية يحقق للمنظمات الإرهابية مكاسب إعلامية نظراً لتمركز الإعلام الدولي في دول القارة الأوروبية وللحرية الواسعة في تداول المعلومات ونشرها في هذه الدول. ثم إن الخسائر التي تمنى بها المنظمات الإرهابية بفقدانها بعض عناصرها في العمليات الانتحارية في دول القارة، يوازيها مزايا المحاكمات العلنية والعادلة التي يلقاها المشاركون في المنظمات الإرهابية وفي نشاطاتها عند وقوعهم في يد السلطات. كل ذلك يغري المنظمات الإرهابية باختيار الدول الأوروبية مسرحاً رئيسياً لنشاطاتها، ومن ثم يضفي صدقية على حملات التخويف التي تشنها أحزاب اليمين المتطرف ضد العرب، سواء كانوا من المهاجرين أو من الذين يزورون دول القارة بصورة موقتة. ومما يضاعف أثر حملات التخويف هذه، لجوء المنظمات الإرهابية إلى تكوين الخلايا النائمة التي تضم أعضاء يتصرفون إبان إقامتهم أو زيارتهم دولاً أوروبية كما لو أنهم من الأفراد العاديين البعيدين من العنف. وبمقدار ما ينجح عضو الخلية النائمة في تكريس هذا الانطباع تتعاظم الفائدة منه عندما تدق ساعة العمل وعندما يكلف بتنفيذ مهمة إرهابية. وبهذا المقدار نفسه، يتحول كل عربي عادي في المهجر، في نظر الآخرين من مواطني البلد الذي تتكون فيه الخلايا النائمة ومواطناته، إلى «مشروع إرهابي» وإلى عضو في خلية نائمة، ما لم يثبت العكس وما لم يقدم الأدلة والإثباتات اليومية والملموسة والسلوكية التي تدل على أنه ليس عضواً في خلية نائمة ولا يعتزم أن يصبح عضواً في مثل هذه الخلايا في المستقبل.

وكما يؤثر صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا على أوضاع المهاجرين العرب في أوروبا والذين يقاربون العشر ملايين مهاجر تقريباً، أي ما يزيد على عدد سكان نصف الدول العربية على الأقل، فإن هذا الصعود سوف يؤثر بالضرورة على العلاقات الأوروبية- العربية، فأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا نشأت في حضن النزعات العنصرية، وفي خضم الحنين الجامح إلى عصور الإمبريالية والاستعمار. ولقد كان العالم بأسره مسرحاً للإمبريالية الأوروبية، لذلك فإنه ليس من الغريب أن يحن اليمينيون المتطرفون في البرتغال وفي إسبانيا إلى يوم تقاسم فيه البلدان حكم العالم بأسره. ولكن أحزاب اليمين المتطرف التي تحرص على التقرب إلى قوى الوسط وعلى الظهور بمظهر الأحزاب والجماعات الواقعية التي لا تقفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا، سوف تفضل التركيز على أهداف وسياسات واقعية في المناطق المجاورة للقارة الأوروبية وخاصة في المنطقة العربية التي تعاني من فراغ سيادي وضعف على كل صعيد يغري القوى الخارجية بالتدخل فيها.

في ظل صعود أحزاب اليمين المتطرف، فإنه من المتوقع أن تلجأ الدول الأوروبية، بما فيها بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبصورة متزايدة، إلى تطوير العلاقات الثنائية الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع دول عربية. وانسجاماً مع تشديد هذه الأحزاب على السيادة الوطنية والمصلحة القومية، فإنه سوف يكون طبيعياً أن تسعى هذه الدول إلى عقد التحالفات والشراكات مع الدول العربية خارج أي إطار إقليمي، سواء كان الاتحاد الأوروبي أو جامعة الدول العربية أو الاتحاد المغاربي. وفي مطلق الحالات، فإن الدول العربية سوف تجد صعوبة أكثر في قبول الشروط التي تقترحها حكومات اليمين المتطرف لأي اتفاق ثنائي يضم الجانبين العربي والأوروبي.

مقابل إصرار الحكومات التي يشكلها اليمين المتطرف في أي بلد أوروبي على الخروج بمكاسب على حساب الجانب العربي، وخلافاً لما يتوقعه البعض من هذا، تمسك الحكومات الأوروبية اليمينية بانتزاع التنازلات غير المحقة من الدول العربية، فإن اليمين المتطرف قادر على تقديم تنازل مهم سوف يسهل مهمته مع المفاوض العربي ويساعد ربما على تحسين العلاقات بين الحكومات العربية وحكومات أقصى اليمين في أوروبا. يتلخص هذا التنازل في كف الحكومات الأوروبية الجديدة التي يأتي بها صعود اليمين المتطرف عن إثارة قضايا حقوق الإنسان والحريات في المنطقة العربية التي اعتادت الحكومات الأوروبية الراهنة تحريكها بين الحين والآخر.

إدانة اليمين المتطرف بشكل صريح من قبل ترامب

نظّمت الحركات المناهضة للفاشية فعاليات في عدة مدن أمريكية، تضامنا مع الليبراليين في مدينة تشارلوتسفيل في فيرجينيا، التي شهدت صدامات مع اليمين المتطرف وسقوط ضحايا

وأسفرت الصدامات في تشارلوتسفيل عن مقتل شخص واحد وجرح 34 آخرين، عندما دهس يميني متطرف بسيارته مجموعة من مناهضي الفاشية، كما قتل اثنان من رجال الشرطة في حادث تحطم طائرة هليكوبتر قرب البلدة.

وجرت التجمهرات التضامنية مع الليبراليين في المدن الأمريكية الكبرى، مثل نيويورك ولوس أنجليس وسياتل وأتلانتا، ودنفر وكولورادو وأدان منظمو هذه النشاطات أعمال الجماعات اليمينية المتطرفة، وطالبوا رئيس البلاد، دونالد ترامب، بشجب وإدانة أنشطتها متهمين سياساته بتشجيعها، كما طالب المحتجون بإزالة النصب التذكارية لأبطال الحرب الأهلية.

وتوجهت عدة مجموعات من المتظاهرين في نيويورك، إلى برج ترامب، بوقفة احتجاجية حاشدة طالبت الرئيس باتخاذ موقف واضح يشجب اعتداءات الجماعات اليمينية المتطرفة

وفي شريط فيديو نشره المتظاهرون في سياتل، ظهر النشطاء الليبراليون وهم يهتفون: "نحن مع تشارلوتسفيل" ورفعوا لافتة ضخمة على شكل نسخة من إعلان الاستقلال الأمريكي مع آلاف التواقيع، وحمل المشاركون أيضا الأعلام الحمراء، رمز الاشتراكيين ولم تخل هذه النشاطات من مواجهات مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات وقنابل الصوت.

في أتلانتا، التي جرت فيها نشاطات الليبراليين بهدوء، حمل المتظاهرون لافتات كتب عليها: "نحن لسنا خائفين" و "هذه هي مثل الديمقراطية" وقالت إحدى المشاركات في المسيرة في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" أمريكا ليست بحاجة لهذه الكراهية" تعرض الرئيس الأمريكي لانتقادات كثيرة، لتساهله تجاه منظمات اليمين المتطرف وخيّب موقف ترامب آمال الكثير من الأمريكيين الذين كانوا ينتظرون منه إدانة واضحة وشديدة لهذه المنظمات المتطرفة التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض وعندما اكتفى أثناء تعليقه على أحداث تشارلوتسفيل من نادي الغولف، حيث يمضي إجازته، بتحميل الطرفين المتواجهين المسؤولية نفسها.

ومما قاله من بدمينستر في ولاية نيوجيرزي السبت: "ندين بأشد التعابير الممكنة تظاهرة الكراهية الضخمة هذه، والتعصب الأعمى وأعمال العنف من أي جهة أتت" إلا انه عاد وحاول تصحيح موقفه، عندما أعلن متحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي يندد "بكل أشكال العنف"، بما فيها "بالتأكيد" ذلك الذي يمارسه المنادون بتفوق العرق الأبيض والنازيون الجدد.

وقبل الموقف الجديد لترامب، كانت ابنته ومستشارته إيفانكا ترامب قد أعلنت تنديدها بـ"العنصرية وأصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض والنازيين الجدد"، معتبرة في سلسلة تغريدات أن "لا مكان داخل المجتمع الأمريكي" لمثل هذه الأفكار.

وسرعان ما ربط البعض بين موقف ترامب الفاتر من أحداث تشارلوتسفيل والغموض الذي يلف موقفه إزاء اليمين المتطرف منذ حملته الانتخابية السابقة ومن المعروف أن قسما لا بأس به من اليمين البديل "الت رايت" دعم ترامب خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، وقد تجنب مرارا النأي بنفسه عن بعض هذه المجموعات والمسؤولين عنها ونتيجة ذلك، تعرض ترامب لانتقادات، حتى من قلب فريقه الجمهوري، على غرار ما فعل سيناتور فلوريدا ماركو روبيو الذي أعرب عن أمله في "سماع الرئيس وهو يصف حقيقة ما حصل في تشارلوتسفيل، بأنه هجوم إرهابي قام به من يؤمنون بتفوق العرق الأبيض".

وندد نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، بالعنصريين البيض ومنظمات النازيين الجدد و "كو كلوكس كلان" في تعليقه على الأحداث في تشارلوتسفي وقال لقناة سي أن أن التلفزيونية " نحن لا نقبل الكراهية والعنف من جانب النازيين الجدد أو اليمين المتطرف ولا من منظمة كو كلوكس كلان".

من جهته، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي بات يتجه أكثر فأكثر نحو زيادة انتقاداته للرئيس الأمريكي: "لو كنت رئيسا للولايات المتحدة وأعرب هؤلاء الأشخاص (جماعات اليمين المتطرف) عن تعاطفهم مع شخصي وبرنامجي، لسبب الأمر لي مشكلة".

ودفعت أحداث تشارلوتسفيل إلى طرح سؤال أساسي هل شجعت لغة ترامب المناهضة للأجانب هؤلاء المتطرفين اليمينيين ودفعتهم إلى التحرك ومن جانبها، انتقدت الديمقراطية هيلاري كلينتون الرئيس الأمريكي من دون ذكر اسمه وكتبت في تغريدة "كل دقيقة نسمح لذلك بالاستمرار عبر تشجيع ضمني أو عدم التحرك إنما هو عار وخطر على قيمنا".

كذلك، خرج الرئيس السابق باراك أوباما عن صمته، مستشهدا بكلمات نلسون مانديلا: "لا أحد يولد وهو يكره شخصا آخر بسبب لون بشرته أو أصوله أو ديانته" دياندريه هاريس، أحد المصابين في أحداث تشارلوتسفيل، شجب سماح السلطات المحلية لليمين المتطرف والعنصريين بتنظيم تظاهرتهم في المدينة.

وكان هاريس قد أصيب بجروح خطيرة خلال الاحتجاجات: إصابة في الرأس، والكثير من الجروح والكدمات في ساقيه، وكسر معصمه وقال "اعتقدت أنني سأموت".

جيل جديد من اليمين المتطرف يزدهر بأمريكا

بدأ جيل جديد من اليمين المتطرف ترسيخ حضوره في الولايات المتحدة، مُتشجعاً بمواقف الرئيس "دونالد ترامب" ودعم مواقع التواصل الاجتماعي، معظمهم من البيض صغار السن التواقين لاستغلال المخاوف من الهجرة اللاتينية والإسلام المتطرف.

وأثارت التظاهرات العنيفة لليمن المتطرف التي أدت إلى مقتل امرأة في مدينة "شارلوتسفيل" في ولاية "فيرجينيا" صدمة في المجتمع الأمريكي، خصوصاً مع انتشار فيديو يظهر نحو ألف متظاهر من النازيين الجدد والقوميين بحراسة عناصر "ميليشيا" يحملون أسلحة.

ويقول محللون إن هذه المجموعات ربما تحظى بتأييد عشرات الآلاف وربما يدعمها مئات الآلاف من الأنصار غير المعلنين وحلت هذه المجموعات الجديدة محل العنصريين المعادين للحكومة، والمجموعات الفاشية مثل "كو كلاكس كلان" التي يتراجع عدد مؤيديها.

ورغم تحالفها مع مستشار "ترامب" القوي "ستيف بانون"، تبقى حركة اليمين البديل "آلت رايت"، وأذرعها العنيفة مشتتة وغير قادرة حتى الآن على التوحد حول ايديولوجيا وأهداف مشتركة لكن ذلك يمكن أن يتغير ويقول الباحث "سبينسر صان شاين" الخبير في شؤون الجماعات اليمينية إنهم "يتعاونون حالياً" وتابع أن "موجة ترامب العنصرية تمنحهم انطلاقة".

لكن ترامب يحاول أن ينأى بنفسه عن هذه المجموعات بعد إدانته الصارمة "أعمال العنف العنصرية" في "شارلوتسفيل"، مندداً "بمؤيدي تفوق العرق الأبيض و(جماعة) كو كلوكس كلان والنازيين الجدد" الذين يناقضون القيم الأمريكية، حسب قوله وتندد جماعة "آلت رايت" اليمينية المتطرفة بفقدان الهوية الأمريكية المثالية، مدافعة عن الوطنية البيضاء والثقافة الأوروبية التي تشكل أساساً للثقافة الأمريكية.

وترفض "التعددية الثقافية" التي تعطي أهمية للمجموعات غير البيضاء وتدافع عن الحقوق المتساوية للنساء والمثليين والأقليات وتستمد سياستها من المحافظين التقليدين، ومرتبطة بحركة "أنصار الهوية" في أوروبا وأصبح موقع "بريتبارت"، الذي تأسس العام 2007 منبراً إعلامياً لهذه الحركات ودعم "ترامب" معتبراً إياه الرمز لهذا الاتجاه.

وقاد تظاهرات السبت "ريتشارد سبنسر"، مدير معهد السياسات الوطنية في واشنطن "المكرس للتراث والهوية ومستقبل الأشخاص المنحدرين من أصول أوروبية في الولايات المتحدة" والمجموعات المشاركة في هذه التظاهرات كانت من النازيين الجدد، والعنصريين البيض، مثل "فانجارد أمريكا" التي هتف مؤيدوها "الدم والأرض"، المماثل لصيحات أنصار هتلر إبان ثلاثينات القرن المنصرم.

كما شاركت مجموعات أخرى مثل "أنصار الهوية" التي تروج لتميز البيض، وحزب العمال التقليدي الذي يرفع شعاراً مشابهاً لشعار النازية مع ايديولوجيا تحصر أعضاءه بالمسيحيين البيض وتأتي مسيرة اليمين المتطرف السبت عقب تظاهرة أصغر حجماً الشهر الماضي تجمع خلالها عشرات من المرتبطين بمجموعة "كو كلاكس كلان" للاحتجاج على خطط المدينة إزالة تمثال الجنرال "روبرت لي" الذي قاد القوات الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية.

وتجتذب تجمعات "آلت رايت" بشكل متزايد الحركات الساعية للعنف، مثل "براود بويز" و"دي اي واي" ولكل منهما تاريخ في عنف مارسه حليقو الرؤوس خلال ثمانينات القرن المنصرم وفي الولايات المتحدة 165 مجموعة وفقاً لمركز الأبحاث "ساثرن لاو بوليسي سنتر" وهذه المجموعات مسلحة جيداً لكنها تركز أكثر على نزاعها مع الحكومة والقوانين والضرائب، وأقل اهتماماً بالقضايا المتعلقة بتفوق العرق الأبيض.

وأثار ظهور هذه الميلشيات في تجمعات اليمين المتطرف قلقاً كبيراً وعامي 2014 و2015، ظهرت هذه المجموعات المسلحة أثناء التظاهرات المعادية للشرطة في "فيرغسون" بولاية ميزوري، حيث بدت قوة جاهزة لقمع المتظاهرين الأمريكيين الأفارقة وفي "شارلوتسفيل"، حضروا مسلحين بشكل جيد مرتدين زياً عسكرياً وحاملين بنادق "اي ار-15"، في مسعى واضح لحماية اليمينيين المتطرفين.

اليمين المتطرف غير مرحب به في أمريكا

يبدوا أن الشعب الأمريكي بكل طوائفه لا يريد سوي العيش في هدوء ولا يفتح المجتمع الأمريكي أبوابه للعنصرية والتطرف، ولكن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعادي للمسلمين والتي لا تخرج إلا في الهجوم عليهم تشجع بعض المتطرفين وتساعد على ظهور اليمين المتطرف من جديد.

رفض المجتمع الأمريكي للعنصرية يظهر في مواقف كثيرة كان أخرها حينما رفض عشرات الآلاف من المتظاهرين المناهضين للعنصرية تجمع "حرية التعبير" الذي دعت إليه جماعات محافظة في مدينة بوسطن الأمريكية وضم متحدثين يمينيين وتفرق تجمع اليمين في متنزه بوسطن العام الأثري، الذي لم يجتذب سوى عدد قليل من المؤيدين، في وقت مبكر، ورافقت قوات الشرطة المشاركين إلى الخارج.

وقال منظمو التجمع المحافظ إنهم لن يسمحوا بتحويل منبرهم للترويج للعنصرية أو العصبية

وتصاعدت التوترات في أعقاب تظاهرات عنيفة اندلعت في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينا، وأسفرت عن وقوع قتلى ومصابين وذكرت صحيفة بوسطن هيرالد أن نحو 30 ألف متظاهر شاركوا في الاحتجاج المناهض للتجمع اليميني.

وتجمع المتظاهرون في مركز رياضي بالمدينة، ثم توجهوا بشكل جماعي إلى متنزه بوسطن العام الأثري العنف في شارلوتسفيل بدأ بخروج تظاهرة وأخرى مناهضة بسبب التخطيط لإزالة تمثال الجنرال روبرت إي لي، أحد قادة الكونفدرالية المؤيدة للعبودية إبان الحرب الأهلية وحمل الكثيرون ملصقات لوجه هيذر هاير، 23 عاما، الشابة التي قتلت عندما دهست سيارة حشدا من المتظاهرين المناهضين لتجمع اليمنيين، في شارلوتسفيل.

وقالت كيتي زيبس، التي سافرت من بلدة مالدين شمالي بوسطن، للمشاركة في التظاهرة المناهضة: "هذا هو وقت العمل نحن هنا لزيادة عدد أولئك المناهضين (لليمين)" وردد المتظاهرون: "لا للنازيين، لا لجماعة كلو كلاكس كلان، لا للفاشيين في الولايتات المتحدة"، وحملوا لافتات عليها شعارات، من بينها "توقفوا عن تصوير عنصريتكم كوطنية" ونشر المئات من رجال الشرطة، ونصبت الحواجز الإسمنتية الضخمة لمنع إمكانية الوصول إلى المتنزه.

وقال منظمو التجمع المحافظ إن "المعلومات المغلوطة في وسائل الإعلام" كانت "تشبّه تنظيمنا بتلك الأحداث التي وقعت في تجمع شارلوتسفيل" وقالت الجماعة على صفحة على فيسبوك خصصتها للترويج للتجمع: "بينما نؤكد أن لكل فرد الحق في حرية التعبير والدفاع عن هذا الحق الأساسي للإنسان، فإننا لن نتيح منبرنا للعنصرية أو التعصب نحن ندين سياسة تفوق الأجناس والعنف".

وقالت كريس هوود، 18 عاما، إحدى سكان بوسطن، التي كانت تقف مع آخرين يعتزمون الانضمام إلى تجمع "حرية التعبير"، لرويترز: "الهدف من هذا هو أن يكون لدينا خطاب سياسي شامل لجميع الأطياف، محافظ وليبرالي ووسط"، وأشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأداء الشرطة، لكنه هاجم من سماهم بـ "محرضين".

مركز النبأ الوثائقي يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية
للاشتراك والاتصال [email protected]
او عبر صفحتنا في الفيسبوك (مركز النبأ لوثائقي)

..................................
المصادر
- بروجيكت سينديكيت
-جريدة الأمة الإلكترونية
-ويكيبيديا الموسوعة الحرة
-جريدة الرياض
-رويترز
-نون بوست
-نوفوستي
RT-
-السورية نت | Alsouria.net

اضف تعليق