q
إسلاميات - اهل البيت

باقر العلوم.. علم الهداية والإرشاد

بمناسبة استشهاد الإمام الباقر (ع)

لا يزال يذكر اسمه مع قصار درر الكلام وسبائك الذهب وألف حديث وموعظة، ذلك الهادي الذي هدى الناس إلى طريق الرشد والصلاح في تلك الظلمات، وهو من فحول علماء الإسلام وكيف لا يكون كذلك وهو حفيد ريحانة رسول الله (ص) وتغذى من بيت العصمة والطهارة، له عدة أحاديث في الصحيحين وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريج والاوزاعي والزهري وغيرهم.

قال محمد بن مسلم: سألته عن ثلاثين ألف حديث، وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة، ووجوه التابعين، ورؤساء فقهاء المسلمين ولقب بالباقر لبقره العلوم بقراً (أي أظهر العلم إظهاراً).

الإمام الباقر في أقوال علماء أهل السنة

محمد بن طلحة الشافعي (ت: 652 ه):

قال في «مطالب السؤول»: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومتفوق درّه وواضعه، ومنمّق درّه وراضعه، صفا قلبه، وزكا عمله، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف، وطهارة الاجتباء، فالمناقب تسبق إليه، والصفات تشرف به.

سبط ابن الجوزي (ت: 654 ه):

قال في «تذكرة الخواص»: «هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.. وإنّما سمي الباقر من كثرة سجوده، بقر السجود جبهته أي فتحها ووسّعها، وقيل لغزارة علمه.

قال الجوهري في «الصحاح» التبقّر: التوسّع في العلم، قال: وكان يُقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) الباقر، لتبقّره في العلم ويسمّى الشاكر والهادي.

وقال قابل ابن حجر السني المتعصب في الصواعق المحرقة: ص 201، الفصل الثالث: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكى علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرفت خلقه، وعمرت اوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف.

ان العلم هو جانب واحد من حياة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، فهو أكرم الناس في العطاء ومساعدة الفقراء والمحتاجين كما قال الشاعر :

لو كان يوجد عرف مجد قبلهم ...... لوجدته منهم على أميال

إن جئتهم أبصرت بين بيوتهم ....... كرماً يقيك مواقف التسآل

نور النبـوة والمكـارم فيهم .......... متوقد في الشيب والأطفال

وقد ورد في كتاب صفة الصفوة ج2ص112.. قال الأسود بن كثير: «شكوت الى محمّد بن علي الحاجة وجفاء الأخوان، فقال: بئس الأخ أخٌ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً» ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمائة درهم فقال: «استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني» وعن أبي جعفر. قال: «إعرف المودّة لك في قلب أخيك بما له في قلبك.

وكان عليه السلام أزهد الناس عبادة في ساحة القدسية فقد روى المؤرخون أنه (عليه السلام) كان إذا أقبل على الصلاة اصفَرَّ لونه خوفاً من الله عزَّ وجلَّ، وخشية منه ويقول الرواة أنه (عليه السلام) كان كثير الصلاة، كثير الدعاء، وكان يصلي في اليوم والليلة مِائة وخمسين ركعة، وأجمع الناس لمكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وكان الحلم من أبرز صفات الإمام أبي جعفر عليه السلام فقد أجمع المؤرخون على أنه لم يسيء الى من ظلمه واعتدى عليه، وانما كان يقابله بالبر والمعروف، ويعامله بالصفح والاحسان، وقد رووا صوراً كثيرة عن عظيم حلمه، كان منها:

إن رجلاً كتابياً هاجم الإمام عليه السلام واعتدى عليه، وخاطبه بمرّ القول: أنت بقر. فلطف به الإمام، وقابله ببسمات طافحة بالمروءة قائلاً: لا أنا باقر.

وراح الرجل الكتابي يهاجم الإمام قائلاً: أنت ابن الطبّاخة.

فتبسّم الإمام، ولم يثره هذا الاعتداء بل قال له: ذاك حرفتها.

ولم ينته الكتابي عن غيّه، وإنما راح يهاجم الإمام قائلاً: أنت ابن السوداء الزنجية البذية.

ولم يغضب الإمام عليه السلام، وإنما قابله باللطف قائلاً: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك.

وبهت الكتابي، وانبهر من أخلاق الإمام عليه السلام التي ضارعت أخلاق الأنبياء. فأعلن إسلامه واختار طريق الحق.

من وصاياه عليه السلام

ورد في كتاب تحف العقول:

قَالَ الإمامُ محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام): " إيَّاكَ وَالكَسَلَ وَالضَّجَرَ، فَإنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرِّ، مَنْ كَسَلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّاً، وَمَنْ ضَجَرَ لَمْ يَصْبِرْ عَلى حَقٍّ "

صدق مولانا الباقر عليه السلام بأن الكسل هو مفتاح كل شر وفي النهاية يجر الانسان الى المهالك وقال عليه السلام :

‎أوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن، وإن كذبت فلا تغضب، وإن مدحت فلا تفرح، وإن ذممت فلا تجزع، وفكّر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله جلّ وعزّ عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة ممّا خفت من سقوطك من أعين الناس، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا كان ولازال علماً للهداية وراية لإرشاد الناس إلى الحق وشوكة في عيون الأعداء إنه زلزل عرش السلاطين في حياته وبعد استشهاده أيضا لذلك لجأ الجبناء إلى تخريب قبره صلوات الله عليه وآبائه الطاهرين كي يمسحوا إسمه من سطور التاريخ ولكن لم يعرفوا إن الله متم نوره ولو كره المشركون.

اضف تعليق