q
إنسانيات - تاريخيات

سفيان بن عوف الغامدي... قرين الشيطان

عمليات إبادة الشيعة على يد معاوية

(وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرِعَاثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ).

هكذا يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) الغارة الجبانة التي شنها المجرم سفيان بن عوف الغامدي الذي أرسله معاوية لزرع الرعب في قلوب الناس فأغار على الأنبار وقتل عاملها من قبل أمير المؤمنين حسان بن حسان البكري وقتل كثير من الناس الأبرياء وسلب ونهب وسبى وحرق هدم وخرب وو...

في هذه الفقرة من خطبته (عليه السلام) المشهورة التي تعد من أهم خطبه يستثير أصحابه ويذكر لهم الأفعال الجبانة والمخزية والشنيعة التي قام بها أصحاب معاوية من دخول الرجل منهم على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة (الكتابية) فينتزع منها حجلَها (خلخالَها) وقلبَها (سوارَها) ورعاثَها (قرطَها) وهي تسترحمه فلا يرحمها، وفي هذه الخطبة أيضاً يحث (عليه السلام) أصحابه على الجهاد وقتال هؤلاء القتلة المفسدين الباغين الذين (انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ ــ جرح ــ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ).

ثم يشير (عليه السلام) إلى هول الجرائم التي ارتكبها سفيان وأصحابه بقوله: (فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً).

سفيان بن عوف الغامدي

مجرم آخر ممن ضمتهم قائمة معاوية من الأسماء الإجرامية، باع دينه وشرفه وضميره لمعاوية وانسلخ منها جميعا فصار وحشا هائجا لا يروى إلا بالدماء.

هو المجرم سفيان بن عوف بن المغفل بن عوف بن عمر بن كلب بن ذُهْل بن سيار بن والبة بن الدئل بن سعد مناة بن غامد بن الأزد الأسمي الغامدي قرين الشيطان ورفيقه ومنفذ مآربه وأهدافه الدنيئة.

ذكر ابن حجر العسقلاني في الإصابة والحاكم عن مصعب الزبيري وغيرهما: إن سفيان بن عَوْف الغامدي صحب النبي صلى الله عليه وآله سلم، وكان له بأس ونجدة وسخاء!!

إذن فهو داخل عندهم ضمن قائمة الصحابة الذين يترضون عنهم وقد سخط الله عليهم فأية مهزلة هذه ؟ وأية طامة كبرى نزلت بالإسلام ؟ ولا زالت إلى الآن تتوالى هذه المهازل والطامات، ولا تنتهي مهزلة هؤلاء عند هذا الحد، بل العجيب أنهم يذكرون في ترجمة سيرته السيئة السوداء أعماله الإجرامية التي شوّهت وجه التأريخ ويعترفون بها ومع ذلك فهو صحابي له حصانة سياسية وناصبية !! فيقولون ما نصه: (وهو الذي أغار على هِيت والأنبار في أيام عليّ، فقتل وسبى، وإياه عنى علي بن أبي طالب في خطبته حيث قال فيها: وإن أخا غامد قد أغار على هِيت والأنبار، وقتل حسان بن حسان ـــ يعني عاملَ عليّ) !!

نعم هكذا بدون تعليق ويقولون بكل أريحية: إنه كان صاحب بأس ونجدة وسخاء !! فاسمع واعجب من هذه المصيبة العظمى التي حلت على الإسلام والمسلمين، كطيف يفكر هؤلاء وكيف ينظرون وكيف قاسوا قولهم هذا الذي يضحك الثكلى وقد طبقوا فيه قول المعري:

إذا وصفَ الطائيَّ بالبخلِ مادرٌ *** وعَيَّر قِساً بالفهاهةِ باقلُ

وقالَ السُّهى للشمسِ أنتِ ضئيلةٌ *** وقالَ الدجى للبدرِ لونَكَ حائلٌ

وطاولتِ الأرضُ السماءَ سفاهةً *** وكاثرتِ الشهبُ الحصا والجنادلُ

فيا موتُ زُرْ إنَّ الحياةَ ذميمةٌ *** ويا نفسُ جِدِّي إن سبقكِ هازلُ

أيمكن لمن تقشعر من جرائمه الأبدان أن يعد من الصحابة !!

لا أدري كيف أجاز هؤلاء لأنفسهم ضم هذا المجرم الذي أسخط الله بإجرامه وحارب الله ورسوله ووصيه وقتل المؤمنين إلى قائمة الصحابة الأجلاء الأوفياء الذين وصفهم تعالى بأنهم: (رضي الله عنهم ورضوا عنه)؟ وكيف جاز لهم أن يعدوا من كان وحشاً ضارياً وقاتلاً سفاكاً للدماء البريئة من ضمن من وصفهم الله تعالى بقوله: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)، فأين هذا المجرم الذي ارتكب ما لا يحصى من الجرائم والبوائق من الصحابة المجاهدين الكبار؟

إن من أعظم الإساءة إلى الصحابة الأجلّاء أن يُصنّف هذا الإسم بينهم وهو عدو الله وعدو رسوله وعدو وصيه وعدو المؤمنين وولي الشيطان فكان انموذجا لكل صفات الخزي والعار التي يندى لها جبين كل إنسان شريف.

كان هذا المجرم معظما عند معاوية وقد (استعمله على الصّوائف، وكان يعظمه) فكانا كما قال المتنبي:

شبيهُ الشيءِ منجذبٌ إليهِ *** وأشبهنا بدنيانا الطغامُ

وبلغ من تعظيم معاوية له أنه قد ضم إليه عبد الله بن مسعدة الفزاري فدخل عليه ابن مسعدة فأثنى معاوية على سفيان بأبيات فقال له ابن مسعدة: إن عذري في ذلك أني ضممت إلى رجل لا يضم إلى مثله الرجال، فقال معاوية: إن من فضلك عندي معرفتك من هو أفضل منك !!

هكذا ينتقي معاوية رجاله من طغام الناس وأراذلهم وأوغادهم لينفذوا له مآربه الدنيئة كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أَلاَ وَ إِنَّ ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ قَادَ لُمَةً مِنَ اَلْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ اَلْمَنِيَّةِ)

فأطاعوه بمعصية الله: (صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ).

الوصية الدموية

استدعى معاوية سفيان بن عوف وقال له: (إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بـ (هيت) فتقطعها، فإن وجدت بها جندا فغر عليهم، وإلا فامض حتى تغير على الأنبار، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل المدائن ثم اقبل إلي، واتق أن تقرب الكوفة، واعلم: إنك إن غرت على الأنبار وأهل المدائن فكأنك أعرت على الكوفة، إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم وتفرّح كل من له فينا هوى منهم، وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر، فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك، واخرب كل ما مررت به من القرى، واحرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب) !!

ثم قام معاوية في أهل الشام وخطب فيهم قائلا: (انتدبوا مع سفيان بن عوف، فإنه وجه عظيم فيه أجر سريعة فيه أوبتكم) !!

هذه الوصية وأمثالها هي التي جلبت للأمة الويل والدمار والخراب، وصايا الغدر والفساد والرذيلة التي تدعو إلى القتل والحرق والهدم والسلب والنهب فتناسلت هذه النزعة الدموية حتى وصلت إلى داعش لتتوارث الإرهاب والتفجير والذبح والسبي وكل صفة ذميمة

الغارة الجبانة

لنستمع إلى قصة هذه الغارة كما يرويها البلاذري في (أنساب الأشراف): (دعا معاوية سفيان بن عوف الأزدي ثم الغامدي ، فسرحه فِي ستة آلاف من أهل الشام ذوي بأس وأداة، وأمره أن يلزم جانب الفرات الغربي حتى يأتي هيث فيغير على مسالح علي وأصحابه بها، وبنواحيها، ثم يأتي الأنبار فيفعل بها مثل ذلك حتى ينتهي إِلَى المدائن، وحذره أن يقرب الكوفة، وقال له: إن الغارة تنخب قلوبهم، وتكسر حدهم وتقوي أنفس أوليائنا ومنتهم).

ويستمر البلاذري في سرده لهذه الغارة فيقول: (فشخص سفيان في الستة آلاف المضمومين إليه ، فلما بلغ أَهل هيت قربه منهم قطعوا الفرات إِلَى العبر الشرقي، فلم يجد بها أحدا ، وأتي الأنبار فأغار عليها فقاتله من بها من قبل علي فأتى على كثير منهم ، وأخذ أموال الناس ، وقتل أشرس بن حسان البكري عامل علي، ثم انصرف).

ويروي أبو الكنود الأزدي الكوفي (عبد الله بن عامر) هذه الغارة بتفاصيل أكثر حيث حدثه بها سفيان نفسه فيقول: (خرجت في ستة آلاف ثم لزمت شاطئ الفرات فأغذذت ــ أسرعت ــ السير حتى أمر بهيت، فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات فمررت بها وما بها عريب كأنّها لم تحلل قط فوطئتها حتى أمر بصدوراء ففروا فلم ألق بها أحداً فمضيت حتى أفتتح الأنبار وقد أنذروا بي، فخرج صاحب المسلحة إلي فوقف فلم أقدم عليه حتى أخذت غلماناً من أهل القرية فقلت لهم: أخبروني كم بالأنبار من أصحاب علي ؟ قالوا: عدة رجال المسلحة خمسمائة ولكنهم قد تبددوا ورجعوا إلى الكوفة ، ولا ندري كم يكون فيها قد يكون مائتي رجل.

فنزلت فكتّبت أصحابي كتائب، ثم أخذت أبعثهم إليهم كتيبة بعد كتيبة، فيقاتلونهم ويطاردنوهم في الأزقة، فلما رأيت ذلك أنزلت إليهم نحواً من مائتين وأتبعتهم بالخيل، فلما حملت عليهم الخيل وأمامها الرجال تمشي لم يكن شيء حتى تفرقوا، وقتل صاحبهم في نحو ثلاثين رجلاً، وحملنا ما كان في الأنبار من الأموال ثم انصرفت...

فو الله ما غزوت غزوة كانت أسلم ولا أقر للعيون، ولا أسر للنفوس منها ، وبلغني والله أنها رعّبت الناس، فلما عدت إلى معاوية حدثته الحديث على وجهه، فقال: كنت عند ظني بك، ولا تنزل في بلد من بلداني إلا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره، وإن أحببت توليته وليتك، وليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني)!!!

أبهذه الأعمال الإجرامية التي ارتكبها سفيان استحق أن تطلق عليه صفات (البأس والسخاء والنجدة)!!

نعم إن هذه الأعمال في منظوركم الأعور ورأيكم المنحرف قد تجسدت فيها صفات (البأس والسخاء والنجدة)!!

فالبأس هو الغدر ومباغتة القرى الآمنة وقتل الناس الأبرياء وملاحقتهم في الأزقة وقتلهم، أما السخاء فهو استباحة المدن للجند لانتزاع حلي المرأة المسلمة والكتابية، ونهب الأموال والاذن العام بقتل الناس، أما النجدة فهي التلذذ بالاستماع إلى بكاء النساء واسترحامهن !!

حسان بن حسان البكري البلوي

من وجوه الشيعة وأصحاب أمير المؤمنين المخلصين وردت ترجمته مرة باسم (حسان) وثانية باسم (الأشرس) وربما كان الأشرس لقبا لأن اسمه حسان كما جاء في (نهج البلاغة)، وقد ذكره السيد الأمين في (أعيان الشيعة) (ج3 ص 459) بما نصه: (المقتول (38هـ) كان عامله (عليه السلام) على الأنبار، فأرسل معاوية، سفيان بن عوف الغامدي، في ستة آلاف، فأغار بها على الأنبار، وكان عند أشرس خمسمائة من الجند، كانوا قد تفرقوا، وبقي معه نحو مائتين، فقاتل بهم ثم أذن لمن لا يريد الموت بالهرب، وبقي في ثلاثين رجلاً أقدم بهم على الموت، صابراً محتسباً حتى قتل وقتل الثلاثون. وذلك في ربيع الآخر عام (38هـ) .وقد اختلف في اسمه، فقيل: حسان بن حسان. وجاء أنّ اسمه أشرس. وما جاء في بعض المراجع أبرش فغير صحيح.

أبلى حسان بن حسان البكري وأصحابه المخلصين بلاءً حسناً وقاتل سفيان وأصحابه بعد أن انهزم أكثر الناس لما علموا أن عدد جيش سفيان يفوقهم بكثير فثبت حسان وقاتل حتى نال الشهادة مع أصحابه الأوفياء، يقول إبراهيم بن عبدالله بن قيس: (كنت مع حسان بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها، إذ صبحنا سفيان بن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها، فهالونا والله، وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا طاقة بهم ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا، وايم الله لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا ــ حسان ــ وهو يتلو قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَـدَّلُوا تَبْدِيلاً).

ثم قال لنا: من كان لا يريد لقاء الله، ولا يطيب نفساً بالموت، فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم، فان قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب، ومن أراد ما عند الله فما عند الله خير للأبرار، ثم نزل في ثلاثين رجلاً، فهممت بالنزول معه، ثم أبت نفسي، واستقدم هو وأصحابه، فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله، وانصرفنا نحن منهزمين).

أصداء الغارة في الكوفة والخطبة

وصلت أنباء هذه الغارة الجبانة إلى الكوفة فتألم أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا من أخبارها وعلت وجهه الشريف علامات الحزن، ولنترك أصداء هذه الغارة ليرويها لنا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة حيث يقول: (عندما انتهى إلى الأمام علي (عليه السلام) هذا الأمر خرج مغضباً يجر رداءه حتى أتى النخيلة، وتبعه الناس فرقى رباوة في الأرض فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيّه (صلى الله عليه وآله) ثم شرع يستنهض الناس وقال:

(أَمَّا بَعْدُ فَإنَّ الْجِهَاد بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللّهُ لَخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ الْبَسَهُ اللّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمْلَةَ الْبَلاَءِ. وَدُيِّثَ بَالصِّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بَالاْءَ سْدَادِ وَادِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصْفَ.

ألاَ وَإنِّى قَدْ دَعَوْتُكُمْ إلى قِتَالِ هؤلاء الْقَومِ لَيْلاً وَنَهَارا، وَسِرا وَإعْلاَنا، وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْزُوكُمْ، فَوَاللّهِ مَا غُزِىَ قَوْمٌ في عُقْرِ دَارِهِمْ إلاَ ذَلُّوا. فَتَوَاكَلْتُمْ ‏وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتِ الْغَارَاتُ عَلَيْكُمْ وملكت عَلَيْكُمُ الأَوْطَانُ. وَهْذَا اخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الأَنبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ ابْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِىَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِى أَنَّ الرَّجُلَ مَنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا وَرِعَاثَهَا مَا تَمْتَنع مِنْهُ إلاَ بِاِلاسْتِرْجَاع وَالاِسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مَنْهُمْ كَلْمٌ وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ. فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِما مَاتَ مَنْ بَعْدِ هذَا اسَفا مَا كَانَ بَهِ مَلُوما بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِى جَدِيرا.

فَيَا عَجَبا وَاللّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الهمَّ مِنِ اجْتِمَاعِ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحا لَكُمْ وَتَرَحا حِينَ صِرْتُمْ غَرَضا يُرْمَى يُغارُ عَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ. وَتُغْزَوْنِ وَلاَ تَغْزُونَ. وَيُعْصَى اللّهُ وَتَرْضَوْنِ فَاذَا أَمَرْتُكُم بِالسَّيْرِ إلَيْهِمْ في أَيَّامِ الْحَرَّ قُلْتُمْ هذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إلَيْهِم في الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبِرْدُ. كُلُّ هْذَا فِرَارا مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَإذا أَنْتُمْ وَاللّهِ مِنَ السَّيْفِ أفَرُّ.

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَرِجَالَ. حُلُومُ الأَطْفَالِ. وَعُقُولُ ربَّاتِ الْحِجَالِ. لَوَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَعْرِفْكُمْ . مَعْرِفَةٌ وَاللّهِ جَرَّتْ نَدَما وَاعْقَبَتْ سَدَما. قَاتَلَكُمُ اللّهُ لَقَدْ مَلاُتُمْ قَلْبِى قَيْحا. وَشَحَنْتُمْ صَدْرِى غَيْظا. وَجَرَّعْتُمُونِى نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسا. وَأفَسَدْتُمْ عَلَىِّ رَأيِى بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلاَنِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إنَّ ابْنَ أَبِى طَالِبٍ رَجُلٌ وَلكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ. للّهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحَدٌ مَنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاسا وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاما مِنِّى؟ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، وَهَا أَنَاذَا قَدْ ذَرِّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ. وَلكِنْ لاَ رَأىَ لَمِنْ لاَ يُطَاعُ).

ثم قال (عليه السلام): (إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار وهو اختار ما عند الله على الدنيا فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا)

ودعى (عليه السلام) سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة في ثمانية آلاف فخرج سعيد على شاطئ الفرات في أثر سفيان حتى بلغ (عانه)، وتبعه هاني بن الخطاب الهمداني فاتبع آثارهم حتى أدنى قنسرين لكنهما لم يلحقا بسفيان الذي هرب إلى معاوية.

اضف تعليق