q

ماتزال قضية الاستفتاء الخاص بانفصال اقليم كردستان عن العراق، الذي اعلن عنه رئيس الاقليم في وقت سابق والمقرر في الـ 25 من شهر أيلول المقبل، محط اهتمام واسع داخل وخارج العراق، حيث اثار هذا القرار موجة جدل كبير داخل الاوساط السياسية والشعبية، خصوصا وان البعض يرى ان دعوة البرزاني للانفصال في هذا الوقت بذات، هي تحرك مدروس من اجل ممارسة ضغوط جديدة على حكومة المركز تمكنه من الحصول على مكاسب وتنازلات مهمة، فهو يعلم ان قضية الانفصال واعلان دولة كردية امر صعب في مثل هكذا ظروف وازمات خصوصا وان دول الجوار تعارض بشدة مثل هكذا توجهات، وتتخوف الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من أن يحول التصويت المنطقة لساحة اضطرابات أخرى.

من جانب اخر تعارض العديد من القوى الكردية ايضا وكما نقلت بعض المصادر، مثل هكذا توجهات وقرارات قد تضر بمصالح ابناء كردستان، التي ستدخل في ازمات ومشكلات داخلية وخارجية، خصوصا بعد تصاعد تصريحات ومواقف تركيا وايران المناوئة للاستفتاء حول انفصال إقليم كردستان، وتجاهل القيادة الكردية لردود أفعال الدول المجاورة، إضافة إلى تجاهل الحصول على موافقة بغداد على الاستفتاء، وعدم الاكتراث لتحفظات الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا على توقيت الاستفتاء، كل ذلك، ستكون له وكما قال بعض الخبراء عواقب وخيمة لا يمكن التكهن بنتائجها سواء داخل العراق أو خارجه.

وكان النائب التركي، محمد عونال، قال، في تصريح إن لتركيا حق التدخل إذا تهددت وحدة الأراضي العراقية وهو ما يتفق مع معاهدة انقرة عام 1926 التي تم التوقيع عليها بين تركيا وبريطانيا والعراق لتحديد تسوية الحدود مع تركيا واشترطت فيه سلامة وحماية الاراضي العراقية. وأشار إلى أن مخطط الاستفتاء بشأن استقلال اقليم كردستان يخالف القانون الدولي، وأن على تركيا ان تظهر في شمال العراق التصميم نفسه الذي ظهرت عليه في عملية درع الفرات شمالي سوريا، كما عليها حماية التركمان.

وضمن السياق، رجح يلنور جنيك كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للسياسة الخارجية حدوث تصعيد خطير بين بغداد واربيل بسبب استفتاء الاقليم. وقال في تصريح إن الكرد يعرضون أنفسهم لمواجهة عسكرية مع بغداد جراء الاصرار على اجراء الاستفتاء مبيناً أن أنقرة وطهران تعارضان بشدة بدورهما اعتماد هذا الخيار. وأضاف أن الدول المجاورة للكرد ستمتعض في حال إجراء استفتاء كردستان لأن العملية ستعمق المشاكل في المنطقة.

وكانت طهران، من جانبها، أبلغت وفد الاتحاد الوطني الكردستاني الذي زار إيران، بأنها تعارض إجراء الاستفتاء، وأضافت أن القيادة الكردية إذا أصرت على اجرائه، فعليها الا تتوقع مواقف جيدة من إيران. كذلك، وزارة الخارجية الأمريكية، قالت، في وقت سابق: نقدّر تطلعات إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء الاستقلال لكن إجراءه سيصرف الانتباه عن الحرب ضد داعش، وأضافت في بيان أن واشنطن تشجع السلطات الكردية في العراق للتواصل مع الحكومة المركزية العراقية بشأن القضايا المهمة.

الاستفتاء غير دستوري

وفي هذا الشأن أعلن رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أن الدعوة لإجراء استفتاء لتقرير مصير إقليم كردستان دعوة غير دستورية. وقال العبادي "الاستفتاء في كردستان غير دستوري ... كردستان جزء من العراق ومن مصلحة الكرد أن يكونوا جزءاً من العراق". وذكر "أن العراق لا يريد أي تصعيد مع أي دولة جارة". وكان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قد قال إن استفتاء استقلال كردستان العراق "قرار غير صائب وستكون تداعياته كارثية على أمن العراق والمنطقة".

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) عن ظريف القول :"قلنا لهم (المسؤولون الكرد) إن هذا القرار خاطئ، وأعتقد أن وجهات نظر جميع دول المنطقة متفقة بهذا الخصوص". كما حذر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في وقت سابق من أن إجراء هذه الاستفتاء "سيؤدي إلى عزلة أكراد العراق وتقويض قدرات هذا الإقليم وبالتالي هذا البلد تماماً". ويشار إلى أن إيران تخشى من استقلال الإقليم العراقي لأن هذه الخطوة من شأنها تشجيع أكراد إيران على المطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تخشى تركيا من تأثير هذا الاستفتاء عليها في ظل مساعي المسلحين الأكراد المستمرة لإعلان حكم ذاتي في المناطق ذات الأغلبية الكردية جنوب شرقي البلاد.

من جانب اخر بدا بارزاني متمسكاً بموقفه لأن الشراكة الحرة والاختيارية مع العراق لم تنجح بسبب انتهاك الشراكة والدستور، ولأن الدولة العراقية مقسّمة عملياً، وانتهكَت أُسس الشراكة والدستور. ولا يمكن التراجع عن الاستفتاء. هذا ما قال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بوضوح في حوار مع الحياة. فالقيادة السياسية الكردستانية قررت... والاستفتاء حق شرعي لشعبنا... وحده له الحق في تحديد هذا الوقت. واستدرك: الحرب الطائفية موجودة ولا توجد سيادة للدولة. بالتأكيد ليس الإقليم مسؤولاً عما آلت إليه الدولة العراقية.

ويعيش بارزاني والإقليم الكردي هواجس ما بعد «داعش». وهو يلحّ على إزالة الأسباب التي أدت إلى ظهور التنظيم الإرهابي وإنهاء الحرب الطائفية والتمييز المذهبي. ويشدّد على ضرورة أن يتولى الجيش العراقي تحرير تلعفر بالتنسيق مع التحالف الدولي، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لن يسمح بدخول قوات الحشد الشعبي إلى أراضي كردستان، ولن يكون الإقليم مبادراً إلى الحرب ضد أحد. لكنه أضاف: لدينا حق الدفاع إذا فُرِضت علينا.

تكتيك جديد

الى جانب ذلك اعتبر مسؤول في حكومة كردستان العراق أن الاستفتاء على استقلال الاقليم المقرر اجراؤه في ايلول/سبتمبر المقبل يعد تكتيكا تفاوضيا للضغط على بغداد للوفاء بوعودها حول ملفات الطاقة وتقاسم السلطة. وعبر ناظم الدباغ، الذي يمثل حكومة اقليم كردستان العراق في طهران، عن مخاوفه من مهاجمة القوات العراقية المواقع الكردية بعد انتهائها من تحرير الموصل من تنظيم داعش.

لكنه شدد على أن أكراد العراق يفضلون البقاء كجزء من العراق، رغم الدعوة الى استفتاء على الاستقلال في 25 أيلول/سبتمبر. وقال الدباغ "نحن نقوم بذلك (اجراء الاستفتاء) لحل مشاكلنا في العراق. حتى الآن، ليست لدينا نية الانفصال". وأضاف "نحن لا نشعر بأن العراق يقبلنا. ولهذا السبب، نسعى لانتهاز الفرص المناسبة، عبر الدبلوماسية والبرلمان والشعب، من أجل المطالبة بحقوقنا. وإذا لم يريدوا (السلطات العراقية) حل مشاكلنا، فشعبنا مستعد للتضحية".

واتهم الدباغ بغداد بعدم الوفاء بوعودها الرئيسية المدرجة في الدستور العراقي في العام 2005، بما فيها حل وضع كركوك، المدينة الواقعة على الحدود بين اقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي وبقية العراق. واوضح أن بغداد لم تصادق على قوانين حول عائدات النفط وتمويل قوات الأمن الكردية المعروفة بالبشمركة، رغم دورها الحاسم في المعركة ضد تنظيم داعش. وقال الدباغ "اعتقد أن بعض القادة العراقيين لا يزالون يفكرون بعقلية بعثية" في إشارة لحزب الرئيس الراحل صدام حسين. وتابع "لا يقبلون الآخر ويلجأون دوما للجيش لحل المشاكل".

وسُئل عما اذا كان يشعر بالقلق من احتمال مهاجمة الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي الشيعية لاقليم كردستان، فاجاب "مئة بالمئة. هذا ما اخشاه". ويعي اكراد العراق البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة وضعهم المحفوف بالمخاطر، إذ تحيط بهم دول تعارض بشدة أي خطوة نحو استقلالهم ما قد يشجع خطوات انفصالية مماثلة في اقاليمها الكردية. وقال الدباغ "نعيش في منطقة جغرافية مغلقة محاطة بالعراق، وإيران وتركيا وسوريا. إذا أرادت هذه الدول يمكن أن تحاصرنا".

وتقيم ايران، التي تضم نحو ستة ملايين كردي، علاقات قوية مع اكراد العراق لكنها عارضت سياسة حافة الهاوية باعلان الاستفتاء. وقال المرشد الايران الاعلى علي خامئني إن "إيران ترفض الهمسات حول إجراء استفتاء يرمي إلى انفصال جزء من العراق". بدوره، اعتبر السفير العراقي في طهران استقلال كردستان "مستحيلا" وانتهاكا للدستور العراقي. وقال السفير راجح صابر الموسوي لوكالة مهر نيوز "إذا نشأت دولة كردية فستولد ميتة. آمل بأن يتصرف أشقائي الأكراد بمزيد من الحكمة والا يختاروا هذا المسار الخطير".

أكراد كركوك والتركمان

على صعيد متصل أكدت القوى الكردية في كركوك تمسكها بالمشاركة في الاستفتاء على الانفصال عن العراق، المزمع إجراؤه نهاية الشهر المقبل. لكن الجبهة التركمانية أعلنت رفضها الاستفتاء واعتبرته «غير دستوري»، كما رفضت أن «يحصّل شعب (الأكراد) حقوقه على حساب الآخرين». وقال آسو مامند، مسؤول تنظيمات «الاتحاد الوطني»، بزعامة جلال طالباني، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع ممثلي القوى الكردية في كركوك: «نعلن تأييدنا إجراء الاستفتاء في المحافظة، ونطالب بإجراء الانتخابات المحلية فيها من دون تأجيل أسوة بالمحافظات الأخرى، أو فرض قيود وشروط لا تراعي الوضع الخاص، كما نرفض بقاء الوضع على ما هو عليه وتحجيم صلاحيات المجلس الجديد خصوصاً في ما يتعلق بقرار الاستفتاء».

وأجرى محافظ كركوك نجم الدين كريم، وهو قيادي في حزب طالباني محادثات في واشنطن مع أعضاء في الكونغرس ومسؤولين في الإدارة الأميركية، أكد خلالها أن «المناطق المتنازع عليها ستشارك في الاستفتاء، أما الخلافات المتعلقة بالنفط والثروات فستناقش لاحقاً مع بغداد». جاء ذلك في وقت نقلت صحيفة «شرق» الإيرانية عن ملا بختيار، وهو قيادي في «الاتحاد الوطني» قوله إن «المحادثات التي أجراها وفد الحزب أخيراً مع المسؤولين في طهران لم تتناول ما يتم طرحه من إقامة إقليم مستقل في كركوك»، وأكد أن «الاستفتاء سيجرى في المناطق المتنازع عليها بما فيها هذه المحافظة، حتى إن رفضت بغداد».

وأكد رئيس «الجبهة التركمانية» أرشد الصالحي في بيان أن «ليس كل ما تتداوله وسائل الإعلام بالنسبة إلى مواقفنا من الاستفتاء صحيحاً، فبعضها يعبّر عن وجهة نطر خاصة»، وأضاف أن «الاستفتاء غير دستوري وغير قانوني، وحق الشعوب مكفول دولياً لكن ليس على حساب الآخرين، ولا نضمن مستقبل شعبنا في ظل فقدان الثقة بيننا وبين الأكراد، فلنتحاور ولنتفق نحن مكونات هذه المناطق من مندلي إلى زاخو»، وأضاف أن «مستقبل مناطقنا التركمانية يتعلق بنوايا بغداد واربيل تجاهنا، ونرفض أن يرفع العلم الكردي فوق المناطق التركمانية، والقضاء هو الفيصل بيننا».

واعتبر النائب حسن توران، عضو اللجنة القانونية البرلمانية (تركماني) أن «كركوك خارج حدود الإقليم بموجب المادة 143 من الدستور، ولا شيء يمنح الأكراد الحق بإخضاعها للاستفتاء». ووصف مسؤول منظمة «بدر – فرع الشمال» محمد مهدي البياتي وهو تركماني أيضاً الخطوة بأنها «مؤامرة لتقسيم البلاد»، ودعا «العراقيين إلى عدم السكوت». إلى ذلك، أعلن هيمن هورامي، مسؤول الشؤون السياسية والعلاقات في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، عبر حسابه في «تويتر» أنه «سيكون هناك 12000 مركز اقتراع في 2000 مركز للتصويت، وسيكون عدد صناديق التصويت 43000، وهذه الصناديق ستكون جاهزة للتصويت»، وذكر أن حزبه «تنازل عن كل شروطه لتفعيل برلمان الإقليم لإنجاح الاستفتاء».

ويتزامن ذلك مع دعوة حزب طالباني الى «إرسال وفد رفيع إلى بغداد لطرح التطلعات وحقوق الشعب الكردي وأولها الاستفتاء والمناطق المستقطعة (المتنازع عليها)، وما تعرض له الإقليم من ظلم اقتصادي وخرق المادة 140 الدستورية المتعلقة بتلك المناطق، والوقوف على أسباب خفض تمثيل الأكراد في الحكومة الاتحادية إلى وزيرين فقط، وتهميش دور البيشمركة إعلامياً وحرمانها من التسليح والدعم المالي».

تأجيل الاستفتاء

على صعيد متصل قالت رئاسة إقليم كردستان العراق إن الولايات المتحدة طلبت من الأكراد تأجيل استفتاء على استقلال الإقليم من المقرر إجراؤه في 25 سبتمبر أيلول. جاء الطلب الأمريكي على لسان وزير الخارجية ريكس تيلرسون خلال محادثة هاتفية مع مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في يونيو حزيران إنها تخشى أن يصرف الاستفتاء الانتباه عن "أولويات أخرى أكثر إلحاحا" مثل هزيمة متشددي تنظيم داعش.

وقال بيان صدر عن رئاسة كردستان العراق بعد اتصال تيلرسون "بخصوص تأجيل الاستفتاء، أوضح السيد رئيس إقليم كردستان لوزير خارجية أمريكا بأن الشراكة والتعايش السلمي الذي كان يشكل الهدف الرئيسي لكردستان مع دولة العراق في المراحل التاريخية المتعاقبة التي مر بها الجانبان لم يتحقق". وأضاف البيان "لذلك سيمضي شعب كردستان في طريقه وسيقرر مصيره. وتساءل سيادته من وزير الخارجية الأمريكي: ما هي الضمانات التي من الممكن أن يتم تقديمها لشعب كردستان بمقابل تأجيله للاستفتاء؟ وما هي البدائل التي ستحل محل تقرير المصير لشعب كردستان؟". ولم يعط البيان مزيدا من التفاصيل بشأن رد البرزاني على الطلب الأمريكي. وتتخوف الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من أن يحول التصويت المنطقة لساحة اضطرابات أخرى. وتعارض تركيا وإيران وسوريا، وجميعها تقطنها أعداد كبيرة من الأكراد، استقلال كردستان عن العراق.

من جانب اخر قال مسؤول كردي بارز إن أكراد العراق سيجرون استفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر أيلول كما هو مقرر على الرغم من طلب أمريكي بتأجيله. وقال هوشيار زيباري مستشار مسعود البرزاني رئيس كردستان العراق تعليقا على الطلب الذي نقله وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون هاتفيا "الموعد كما هو 25 سبتمبر لم يتغير". وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في يونيو حزيران إنها تخشى أن يصرف الاستفتاء الانتباه عن "أولويات أخرى أكثر إلحاحا" مثل هزيمة متشددي تنظيم داعش.

حلم ومخاطر

الى جانب ذلك ومنذ ما يزيد على 100 عام، هي عمر اتفاقية "سايكس بيكو" التي شكلت حدود الشرق الأوسط الحالية، تعيش القومية الكردية فيما تصفها بـ "مظلومية" أن الكرد هم الشعب الوحيد الذي لم يخرج بدولة مستقلة ذات سيادة. فقد أنتجت الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في العام 1917 دولة للفرس والترك والعرب، ومنذ تلك الحقبة ما زال الكرد في سعي لتأسيس دولتهم الموعودة، رغم اندماجهم شبه التام في الدول التي يكونون فيها.

وكخطوة ملموسة لتحقيق هذا الحلم التاريخي، قرّرت الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق، في اجتماع لها يوم 7 يونيو 2017، رَأسه رئيس الإقليم، مسعود البارزاني؛ أن تجري استفتاءً شعبياً بخصوص استقلال الإقليم، في شهر سبتمبر القادم، وهي الخطوة الأولى من خطوات الأكراد في السعي لتشكيل دولة مستقلة. وتسعى حكومة إقليم كردستان العراق، وهي الأكثر نجاحاً بين أكراد المنطقة منذ تأسيسها نظام حكم ذاتي بتسعينيات القرن الماضي، لتنظيم استفتاء يطرح فيه سؤال واحد على الشعب الكردي؛ هو: "هل تؤيد استقلال كردستان عن العراق؟"، لمعرفة نسبة التأييد.

وتعمل حكومة الإقليم الكردي على ثلاثة مستويات لتحقيق حلم الدولة الذي يراود الأكراد، ولأجله خاضوا ثورات مسلّحة عديدة في العراق وإيران وتركيا، بوجود العامل الدولي والإقليمي الذي طالما أسهم في تمرد الأكراد على دولهم. المستوى الأول محاولة إقناع القوى الدولية الفاعلة بالخطوة، والثاني التواصل مع دول الإقليم، خصوصاً تركيا وإيران، التي سيكون لها القول الفصل في أي خطوة من هذا القبيل، والمستوى الثالث تحقيق الاستقلال الاقتصادي والاكتفاء الذاتي بما يؤهّل الإقليم للتحوّل إلى دولة. لاقت خطوة إقليم كردستان العراق معارضة كبيرة من حكومة بغداد المركزية، معتبرة أن الاستفتاء أمر "غير دستوري"، ويخلّ بالعقد الاجتماعي الذي تم التوافق عليه عام 2005، من خلال الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في كل أنحاء العراق.

ونشأ إقليم كردستان العراق بحدوده الحالية عام 1992، بعد غزو الكويت، حيث قرّرت الحكومة العراقية آنذاك سحب أجهزتها الإدارية والحكومية من ثلاث محافظات؛ هي أربيل ودهوك والسليمانية، وهو ما أدّى إلى قيام إدارة ذاتية للأكراد حظيت بحماية أمريكية فرنسية بريطانية، من خلال حظر الطيران العراقي فوق هذه المناطق.

ومنذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، وللكرد نصيب وافر من الحكم، فرئيس الجمهورية "كردي سني"، كما أنهم يمثلون ثقلاً لدعم السنة الذين يواجهون حملة ضارية من قبل الحكومة الشيعية، والاستقلال في هذه الحالة يعني- كما يرى الباحث في الشؤون الكردية مفيد يوكسل- سوف ينعكس سلباً على "السنة العراقيين". "يوكسل" أوضح في حديث لـ "الخليج أونلاين" أن "استقلال الأكراد سيضرب المكون السني العراقي، وسيتركهم في أيدي طهران، التي لا تنوي لهم الخير أبداً، وسيكون لذلك تداعيات على العراق تودي باستقراره الهش". ولم يخف الباحث في الشؤون الكردية مخاوفه صراحة من اندلاع حرب أهلية بين السنة والشيعة من جهة، وبين الأكراد أنفسهم، حيث لفت إلى أن "العديد من القبائل الكردية ترفض الانفصال عن حكومة بغداد، وترى في العرب السنة مكملاً لهم".

وحول الحديث عن "مظلومية الكرد"، والاضطهاد الذي تعرضوا له خلال الأعوام المئة الماضية في نضالهم لتحقيق "الدولة المستقلة"، أشار يوكسل إلى أن "أمان الكرد يكمن في بقائهم متحدين في دولة واحدة مع إخوانهم العرب والترك"، مشدداً على أن "المكاسب التي حصلوا عليها في العراق تنهي مسألة المظلومية، ويجب عليهم المحافظة على تلك المكاسب والبقاء في عمقهم السني الضامن لأمنهم ومستقبلهم".

خطوة إقليم كردستان قوبلت بمخاوف دولية من أن تؤدّي إلى نزاع عسكري بين الإقليم والحكومة المركزية، وهو ما سيؤدّي لزيادة نفوذ تنظيم الدولة، أو الجماعات المتشددة التي تتبنّى خطّه الفكري، بحسب ما يقول المعارضون للانفصال، الذين يؤكدون بأن تعطل الجهود الدولية في هذا المجال سيقود لزيادة الاضطرابات في المنطقة. وينسحب على انفصال إقليم كردستان في حال تحقّقه، زيادة مشاعر القومية لدى أكراد جوار العراق؛ ورغبتهم بالقيام بالأمر نفسه، وهو ما تعده دولهم محاولة للمساس بسيادتها.

فالولايات المتحدة، الحليف الرئيس لأكراد العراق على مدار عقود، حذّرت في أكثر من مناسبة من أن إجراء الاستفتاء الذي قد يشتّت الانتباه عن محاربة تنظيم "داعش"، ويهدد استقرار المنطقة. من جهتها عبّرت ألمانيا عن القلق من أن خطط استقلال إقليم كردستان، قد تؤجّج التوتّر في المنطقة. لكن مفيد يوكسل، وهو أيضاً مؤرخ في الشأن الكردي، اعتبر المخاوف الأوروبية مجرد "إبر مخدرة" لدول جوار إقليم كردستان العراق، متهماً كلاً من أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بتشجيع حكومة الإقليم، بزعامة مسعود بارزاني، على المضي قدماً في الاستقلال.

وأوضح "يوكسل" أن هدف الدول المذكورة هو "تعزيز الانقسام العرقي والطائفي الحاصل في المنطقة، وإشعال المزيد من الحروب لضمان أن شعوب الشرق المسلمة لن تتعافى لقرن على أقل تقدير"، كما قال. وشدد الباحث الكردي على ضرورة المحافظة على الإقليم الكردي كما هو، "للوقوف في وجه المخططات التي تحاول تمزيق المنطقة أكثر"، على حد تعبيره.

اضف تعليق