q

عندما قامت دول شرق آسيا بتطوير ستراتيجية الذي جاء متأخراً، لم تنظر قط الى الجامعات على أنها وكالات للابتكار بل واكثر من هذا لم تنظر اليها كوكالات لتكوين رأس المال البشري، بل تم النظر للجامعات على أنها مؤسسات اعداد موادر متقدمة وأنها بنيت واُسست على نطاق أوسع مما سبقها، ومن 1950 وحتى 2000 صمم اقتصاد دول شرقي آسيا نموذج صناعي ناجح وفريد في ذاته حيث كان التركيز فيه على العلم والتكنولوجيا كقوة أولى منتجة، والفكرة كانت ان اقتصاد تلك الدول بأعتباره جاء متاخراً، ركز تطورها الصناعي على اقتناص جهود سابقة مستهدفة بعينها: صناعة بصناعة وتكنولوجيا بتكنولوجيا، مستغلة ً في ذلك قاعدة المعرفة المتراكمة في دول الغرب المتقدمة الرائدة في هذا المجال.

لقد تطور النموذج الاول في اليابان ثم تبنته بسرعة كل من كوريا وتايوان والصين، والتقطته بعد ذلك سنغافورة لينتشر بعد ذلك الى دول أخرى في جنوب شرق آسيا، ان هذا النموذج كان صيغة القرن العشرين من ستراتيجيات قنص النمو التي كانت قد استكملت في القرن التاسع عشر على يد الأمم الاوروبية التي جاءت متاخرة مثل المانيا، والذي وصفه بدقة (جيرشنكرون 1962-1970) في واحد من أشهر وأهم كتب علم الاجتماع في القرن العشرين.

يدعو مدخل (جيرشنكرون) الى التركيز على القضايا ذات الاهمية القصوى، وهي بالدرجة الأولى تأسيس معاهد جديدة ومؤسسات جديدة وتعقب الستراتيجيات استناداً الى الموقف الذي تحاول فيه الدولة دفع تطورها الى الامام. ويبقى السؤال ما هي هذه المؤسسات؟

من المؤكد ان تختلف باختلاف الدول والزمن، الا أن الاستخدام الستراتيجي للمؤسسات للتغلب على مثالب المجيء المتاخر، يكون له عادةً آثاره الهامة على التطور والتنمية، ومع كل دخول متعاقب لدولة تأتي متأخرة الى مصاف العالم الصناعي، تتغير حواجز الدخول وينشأ موقف جديد مختلف امام الدول القادمة. ومن ثم يكون عليها أن تصمم ستراتيجيات تتسم بالحداثة للالتفاف حول الحواجز والموانع الجديدة.

ومن هذا المنطلق يجب استبعاد المؤسسات والممارسات التي تتجاوز عمرها الافتراضي لتجنب الوقوع في فخ السماح للشركات بالاعتماد عليها، اذ تقوم الشركات التي جاءت متأخرة باستغلال هذا المجيء المتأخر في التكنولوجيا المتقدمة بدلاً من من تكرار نفس المسار التكنولوجي السابق، أي أنها تبدأ من حيث أنتهى الاخرون، وهي تستطيع أن تراكم مجهوداتها في الأخذ والتعلم من الاخرين من خلال عميات تعاونية وبمساعدة أجهزة ووكالات الدولة ومن ثم تجنب المشاكل التنظيمية والقصور الذاتي الذي يعرقل حركة المنافسين.

ومن هنا فأن تلك الشركات تبني ستراتيجتها على أساس الامكانات والاحتمالات القائمة في وضعها كاقتصاد جاء متأخراً، والهدف الستراتيجي لهذا جاء متأخراً واضح تماماً: هو محاولة اللحاق بالشركات المتقدمة والتحرك بأسرع ما يمكن من التقليد والمحاكاة الى الابتكار والتجديد، ان هذه الستراتيجية لم توضع محل التنفيذ والممارسة الا على يد دول شرق آسيا الذي مارسوا فيه تراكم التطور الصناعي.

ويمكن النظر الى عملية التطور الصناعي في شرق آسيا على أنها عملية واحدة تنطوي على اختيارات عديدة او هي سلسلة من الاختيارات ينظر اليها على أنها ممارسات ستراتيجية في مشروع استثماري جماعي متكامل، وهذه الشراكة الاستثمارية هيأت إطار العمل المناسب لتأصيل ستراتيجية التنمية والتطور، مع حفظ التوازن المناسب بين الاحتياجات الجماعية والاحتياجات الفردية للتطور.

وتسعى الشركات التي جاءت متأخرة لتعويض النقص في التكنولوجيا والسوق المعقدة من خلال الابتكار المؤسس تحت إشراف وكالات التنمية والتطوير وتخلق حلولاً مؤسسية كلما واجهتها المشاكل، وتتضمن الامثلة استخدام مناطق اعداد للتصدير ولتنمية الاستثمار الاجنبي المباشر في أنشطة التصنيع، وكذلك ايضاً استخدام معاهد البحث العامة (الحكومية) مثل معهد بحث تكنولوجيا المعلومات في تايوان، وذلك للعمل كبناة للتكنولوجيا وبناة للكفاءات التكنولوجية الوطنية.

الدور القادم للجامعات ومعاهد البحث في شرقي آسيا

سعت الكثير من الدول الاسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان نحو منح الجامعات ومعاهد البحث العامة فيها طاقات أكبر لتستفيد من مبادرات توليد الملكية الفكرية، وبهذه الروح قامت تايوان على سبيل المثال في 1999 بإصدار قانون أساسي للعلوم والتكنولوجيا يعترف بدور معاهد البحث العامة بين المؤسسات الحكومية وخاصة بالنسبة لمعاهد البحث العامو وانجازات البحث والتطوير في مجال العلم والتكنولوجيا التي تمول وتدعم من قبل الحكومة كلياً أو جزئياً، والتي تعطي أو يخول استخدامها من قبل معاهد البحث أو المشروعات الاستثمارية.

اذ ارتفع عدد اتقاقات التراخيص التكنولوجية الى 1340في 2004 بعد إن كان 40 اتفاق في 2001، كذلك ارتفعت عائدات التراخيص لتصل الى 4.6 مليون دولار في 2004. وعلى الرغم من أن دور الجامعات في البحث والتطوير يهدف الى خلق وتوليد الأفكار والابتكار، الا أن دور معاهد البحث العامة مثل معهد البحث في الصناعة والتكنولوجيا يركز بالدرجة الاولى على تطبيق وبث النشاط الابتكاري والمشروعات الجديدة، ولقد عرف معهد البحث في الصناعة والتكنولوجيا أنه محور الارتكاز التكنولوجي في تايوان، كما أن مكاتب الترخيص التكنولوجي في جامعة تايوان الوطنية وجامعة تشياو تونك الوطنية وجامعة تنسجها الوطنية المدعومة من قبل المجلس الوطني للعلوم تعمل بكفاءة واخلاص.

اضف تعليق