q

إن للإمام الشيرازي (قدس سره) نظرية كاملة، ومشروعاً واضح الأبعاد في التغيير الحضاري في الحياة. ومن تلك المشاريع مشروعه في تغيير الغرب، وضرورته وأهميته وشروطه ومستلزماته.

ولغرض الاطلاع على هذه النظرية ومعرفة أبعاد هذا المشروع، يلزمنا الاطلاع على الأمر من خلال المباحث التالية:

- المبحث الأول -
قراءة الإمام الشيرازي للإسلام عالميا

يدرك الباحث المطلع على فكر المجدد الشيرازي الثاني، أن الإسلام دين الحياة لكل العالم؛ إذْ لم يكن الإسلام في فكره، من الناحية العملية فضلاً عن الاعتقادية، ديناً منحصراً في حدود العبادات الفردية، وما أشبه، وإن كانت تلك هي من الدين، إلا أنها ليست الدين كله.

كما لم يكن الدين في نظر الإمام المجاهد (رضوان الله تعالى عليه) ديناً يمكنه أن يؤسس دولة تنْزوي وراء حدود أرض محدودة أو تُحْتَكر لقومية معينة، وإنما قرأه عملياً كما الحال نظرياً ديناً للبشرية جمعاء.

كما قرأه نظاماً يجب أن يتمتع بحلوله كل المسلمين، وترتوي من حيوية مناهجه، وتنتعش بنضارة تجاربه، كل الأمة الإسلامية، بل والبشرية جمعاء.

وكمثال على ذلك، الأمر التالي:

همَّةُ الإمام الشيرازي تطال تغيير العالم الغربي:

نجد الإمام المجدد أعلى الله مقامه يطرح الإسلام على العقل الغربي والشرقي، ويحث المفكرين والشباب الواعين على انتهاج المناهج الإسلامية الكفيلة بالضغط على العالم الغربي المترهل؛ من أجل تغييره من الداخل.

فطموح الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) أن يغير كل شيء حتى الغرب، وليس المسلمين وحدهم، وله في ذلك كتب ومناهج ونظريات مطروحة للبحث العلمي المقارن في المدارس الفكرية التي تنادي بالتحرر والتحرير.

فكتب (قدس سره) لتغيير المسلمين الذين لو تغيَّروا لغيَّروا العالم بأسره، ثم كتب فكراً وثقافة لتغيير مناهج الحكومات الإسلامية كي تقود المسلمين إلى الإسلام الحقيقي وليس القومي العربي أو الفارسي أو التركي أو الهندي وغيره.

فكتب مثلا آراءه في (الصياغة الجديدة لعالم السعادة والحرية والرفاه والسلام) وكتب منها في (السبيل إلى إنهاض المسلمين) وكتب عن (ممارسة التغيير) وكتب رؤيته في أن (الغرب يتغير) ووضع مناهج في سبيل (تغيير الغرب) كما بحث ذلك في موسوعته الفقهية الاستدلالية.

وكتب عن النهضة، وعن الإسلام، وعن المسلمين، وعن التخلف وسبل إزالته، وعن مناهج الإسلام الكفيلة بجلب السعادة للمسلمين خصوصاً وللبشرية عموماً، إلى غيرها من المناهج الفكرية والمشاريع الثقافية.

وكان من هواجسه التي راودته حتى أيامه الأخيرة - كما ذكر ذلك نجله آية الله السيد مرتضى الشيرازي، وذلك قبيل رحيل الإمام الشيرازي وإحساسه بدنو أجله-أن قال:

(لقد كانت عندي أمنيات ثلاث لم أوفق إلى تحقيقها:

الأولى: كنت أريد أن أغيِّر العالم غير المسلم إلى الإسلام.

والثانية: كنت أريد أن يكون المسلمون كلهم على مذهب أهل البيت(ع).

والثالثة: كنت أريد أن أجعل الشيعة شيعة حقيقيين لأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين).

إلا أن عواصف التخلف في الأمّة قد واجهته بعنف وشدة، فحالت بينه وبين تلك الأهداف العظام، فلم يجد وطناً يؤويه ولا أرضا يقف عليها وينطلق منها في مشروعه الحضاري الكبير الذي لم يفهمه إلا العظماء الكبار..

ومع ذلك لم ينس الإمام المجدد أن يُنظِّر للمسلمين ويكشف لهم عن آرائه في منهج تغيير الغرب من الشقاء إلى السعادة، ومن العبودية إلى الحرية والرفاه.

فكتب للمسلمين عن السبل التي يمكنهم تغيير الغرب بها، فلم يكن قد اتخذ موقع الدفاع حيال الغزو الثقافي الغربي للأمة، فضلاً عن العسكري والسياسي، بل كان يفكر في تغيير العالم الغربي نحو الإسلام، وتلك هِمَّة لم تكن عند أحد قط ممن دون المعصوم(ع).

ولذلك فقد كتب الإمام الشيرازي الراحل لمن فهمه من معاصريه، وللأجيال التي ستأتي وتفهم مقالته، وتحاكم الأجيال التي عاصرته فجهلته، وعاشرته فعارضته، وعايشته فناهضته، ثم جاورته فأحبَّها، وجاورها فناصبته العداء وبعد ذلك حاربته.

فكتب في كل شيء وبيَّن المناهج التي تمكن النهضة الإسلامية من الانطلاق؛ كي يسعى المسلمون في تغيير الغرب، ومن تلك المناهج ما يلي:

المنهج الأول: التركيز على الجانب الفطري في تغيير الغرب:

وبهذا المنهج يرى الإمام (قدس سره)، لزوم التركيز على الجانب الفطري في التعامل مع الغربيين، تلك الفطرة التي لن ترض بالفساد، وإن انساقت إليه يوما ما فستصحو في غيره، لذلك يجب التنظير والتفكير والتفريع على هذا الأصل الحضاري الذي قال به الإمام الشيرازي (قدس سره): (الإسلام بذاته ناجح لأنه دين الفطرة، ولا يحتاج إلى مؤونة زائدة لإثبات أحقيته، وهذا من أهم ما يوجب هداية الغرب إلى الإسلام.

فاللازم الاهتمام الكافي لبيان أن الإسلام دين ودنيا، ويهتم بأمور الدنيا كما يهتم بالآخرة، ويضمن سعادة كليهما، وأن الذي لا يتبع الإسلام بكامله يبتلي بما أنذر به القرآن الحكيم: من خراب الدنيا - كما نشاهده الآن في أرقى حضارات الغرب - وعذاب الآخرة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (124/طه).

فإن أسلوب القرآن في التبشير والإنذار أهم أساليب الإيصال إلى الحقيقة وتحريك العقول والعواطف نحو الصراط المستقيم.

وقد ذكرنا في كتاب (الغرب يتغيّر) تفصيلاً حول اضطراب المناهج الغربية الموجبة لاضطراب الإنسان الغربي نفسه، فكيف بالإنسان المستعمر تحت نفوذه؟

لاشك أن الإنسان يعاني من المشاكل منذ أن خلق الله العالم، وإلى اليوم، وستبقى معاناته إلى ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إلاّ أنه من غير شك أصبحت مشكلة الإنسان بسبب النظام الغربي تتفاقم أكثر فأكثر.

وزيادة المشكلة، وإن كانت بعضها بسبب تقدم السلاح ونحوه، إلاّ أنه لا إشكال في أن بعضها الأكثر بسبب عدم الإيمان بالله - إيماناً صحيحاً -، ووجود النظام غير الصحيح، حاله حال المعمل الذي يصيبه الخلل فيكون الإنتاج غير صحيح.

فمثلاً: من المعلوم أن قانوناً يبيح السفور والبغاء واللواط والأخلاّء والخليلات يوجب سقوط المرأة، وخروج العائلة عن الدفء والحرارة الزوجية والأسرية إلى البرودة وجعل العوانس بالملايين.. وكذلك زيادة الموظفين إلى حيث واحد لكل خمسة عشر، توجب كبت الحريات وإهدار الأموال والأوقات، وكثرة الرشاوى وتأخير العمران، إلى غير ذلك من المناهج الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والعائلية وغيرها.

فبيان:

1) كل ذلك من ناحية.

2) وبيان المنهج الإسلامي الصحيح من ناحية أخرى يوجب توسيع دائرة الإسلام وكثرة الإقبال عليه) (1).

وبعد تلك المقدمة يطرح لنا الإمام الشيرازي (قدس سره) منهاجاً لهداية الغرب، وفيه تفصيل غريب يوجب فيه على المسلمين أن يندبوا حظهم لعدم اهتمامهم به، وعدم اكتشافهم هذا المجدد المجهول، والمجاهد المظلوم، والنابغة المسجون، الذي لم يحصر تفكيره بتوعية المسلمين وإنما بتحرير العالم الإسلامي من قيود الاستعمار عبر النهوض الثقافي والنهضة الحضارية، وعبر التحرر من الغرب بتحريره هو من قيود التمرد على الفطرة التي جبله الله تعالى عليها.

المنهج الثاني: التركيز على أن فطرة الإنسان تكره استعباد الآخرين:

ثم نجده (قدس سره)، يفكر في تغيير الغرب إلى الإسلام، من خلال التركيز على طرح الثقافة الإسلامية الأصيلة للمجتمع الغربي الذي يكره بفطرته الإنسانية فكرة استعمار البلاد واستعباد العباد، فيحث على طرح نصاعة الإسلام للغرب الذي ما زالت دوائر الشيطان فيه تشوِّه صورة الاسلام والمسلمين، فيقول الإمام المجدد (أعلى الله مقامه):

(ليس في طبع الإنسان وفطرته أن يسمح لنفسه في الاعتداء على الآخرين والاستيلاء- عبر التآمر أو الخداع أو القوة- على ممتلكاتهم و ثرواتهم ودولهم، كما بين ذلك في علم الأخلاق، وإذا وجدت هذه الحالة العدائية في ذهنية الإنسان وسلوكه، فإنها حالة استثنائية لا أساس لها في واقع الإنسان ووجدانه.

ولذلك ترى السرّاق، وقطاع الطرق، والمجرمين وأمثالهم يُعَدُّون من شواذ المجتمع، وترى المجرم يوبخه ضميره ويؤنِّبُهُ وجدانه عندما يعود إلى وعيه وفطرته، وقد اعترف بهذا الانقلاب الباطني الكثير من المجرمين والمذنبين، حينما امتثلوا أمام القضاء وحينما ثابوا إلى رشدهم) (2).

وبهذا المنهج يحمِّل الإمام الراحل المسلمين جميعا وأهل الحول والطول والمتصدين لقيادة الأمة مسؤولية العمل على الإستنهاض الفكري والمعنوي للضمير الغربي كي يتخلص من عقدة الاستعمار المهيمنة على روحه ومجتمعه.

المنهج الثالث: الاستفادة من الضغط الشعبي الغربي على حكوماته:

وهنا يؤكد السيد المجدد (قدس سره)، في موضوع تغيير الغرب، على توعية المجتمع الغربي وإفهامه الإسلام وطبيعته وأخلاقه، وسبله في التعامل مع الحياة، فيقول رضوان الله تعالى عليه:

(من العوامل التي تدفع الغرب نحو التغيير، الضغط الجماهيري ضد حالة الاستعلاء على الشعوب الأخرى، التي أصيب بها الغرب منذ زمن بعيد وحتى اليوم، ذلك لأن الإنسان يرفض بطبعه كل من يستعلي على الأرض، ويتكثر على أبناء جنسه، ولا فرق بين أن يكون المستعلي شخصاً، أو حزباً، أو نظاماً، أو دولة) (3).

المنهج الرابع: التركيز على كشف الحريات الناقصة:

يرى الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه) أن من العوامل المؤثرة في تغيير الغرب نحو الإسلام هو تعرية الديكتاتورية الغربية المتسترة بستار الحرية، وبيان نقصان وعيوب الحريات المطروحة عند الغربيين، فيكتب في هذا المجال قائلاً:

(لا ينكر أحد أن في الغرب ألواناً من الحرية لكنها حرية ناقصة في مقابل الحريات الإسلامية الكاملة والشاملة.

ولذا فإن العديد من عقلاء الغرب يفكرون بطريقة وأخرى: بتطبيقها بالكامل، ومع أن ذلك يحتاج إلى جهد كبير، إلا أن بالإمكان تحقيق ذلك.

ويساعد على هذا التطبيق أمور كثيرة، منها: أن الله خلق الإنسان حرا إلا فيما يضر بنفسه أو بالآخرين.فمن حريته التي يصبوا إليها: الحرية في الزراعة، والتجارة، والصناعة، والعمارة، و السفر، والإقامة، وحيازة المباحات، والملبس، والمركب، والمأكل، والمنكح، والمجلس، والتحرك والسكون والاستقرار وما أشبه ذلك، قال تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (157/الأعراف)) (4).

فهل يحتاج الغرب لأن نعلمه الحرية؟

يجيب الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه)، على تساؤل يعترض أذهان من عاش الغرب من المسلمين أو سمع به من أن الغرب يعيش حالة الحرية والرفاه وأنه ليس بحاجة لأن نعلمه الحرية.

فيقول السيد المجدد أعلى الله مقامه:

(هل يوفر الغرب كل هذه الحريات بالوجه الأكمل؟.

الجواب: كلا.

فإنه لو قيست الحرية الإسلامية بالحرية الغربية لوجدنا البون الشاسع بين النموذجين.

فالإسلام أعطى الإنسان كل الحريات إلا ما يضر بنفسه ديناً ودنياً أو ما يضر بالآخرين ويعرضهم للخطر، بينما الغرب جعل قوانين لتحديد الحرية لا حسب صلاح الفرد والمجتمع، وإنما حسب أهواء الحكام والمقننين ومن إليهم) (5).

وهل عندنا من الحرية ما يحتاجها الغرب؟

ثم يقرأ الإمام الراحل الإشكالات التي ترد على ذهن القارئ أو السامع من أن في الغرب من الحريات ما لم تتوفر عند المسلمين، فهل يكون الغربيون بحاجة إلى أن ندلهَّم ونَهَبَهُم الحرية التي تعيشها بلادنا الإسلامية؟!

فيقول رضوان الله تعالى عليه:

(إن أغلب البلاد الإسلامية، التي تسير في ركب السياسة الغربية، لم تطبق الإسلام بوجهه الصحيح، بل لم تعرف من الإسلام شيئا إلا الاسم، و إن بعض حكام المسلمين أبخل من الحكام الغربيين في منح الناس حرياتهم، كما يقول المثل: السلطان يهب وخادم السلطان لا يهب) (6).

فحقيقة الإسلام غير التطبيق القائم في بلاد المسلمين، ولذلك يجب عرض الصورة الإسلامية الصحيحة عليهم.

المنهج الخامس: الضغط على مشروع التسليح:

يحث الإمام المجدد (أعلى الله مقامه) في فكره الذي يتبناه في تغيير العالم الغربي نحو الصلاح والسلام، على ضرورة توعية الأمم الغربية وتوجيهها نحو الضغط الشعبي على حكوماتها للتخفيف من مشروع التسليح ومخاطره الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية وغيرها، فيقول (رضوان الله تعالى عليه):

(إن من الأسباب التي تدعو إلى تغير الغرب عما هو عليه: هو السلاح والتسابق فيه، فانه أينما أُحْرِزَ وجود السلاح انقطعت لغة الحوار على الأغلب، فضلا عن أنه يهدر الأموال، و يفقر البلاد، و يسبب التضخم و.. وأما إذا استخدم السلاح فهو يصيب بنيرانه كافة مرافق الحياة العمرانية والاقتصادية والبيئية، فهل ذلك من العقل في شيء؟!) (7).

وهنا يُلْزِم الإمام الشيرازي (قدس سره) اتباع خطوة فضح مخاطر التسابق في التسلح، كي تضغط الشعوب الغربية على حكوماتها للحدّ منه وبذل الجهود على إسعاد البشرية المعذبة وليس على إشقائها عبر التسليح والتدمير، وتلك هي خطوة على طريق تغيير الغرب.

المنهج السادس: لو فهم الغرب حريات الإسلام لأسرع إليه:

وبعد أن يذكر الإمام الشيرازي (قدس سره) المناهج النافعة في تغيير العالم الغربي، والتي ذكرنا بعضاً منها، يلخص كلامه، ليؤكد رضوان الله تعالى عليه، لجميع الأمّة، وخصوصا الجيل الواعي لمسؤولية تغيير الغرب، على ضرورة التركيز على طرح الإسلام المقارن مع المناهج الغربية في الحياة، ليعشق المجتمع الغربي الإسلام المنقذ، فيكتب السيد المجدد قائلاً:

(إن الكلام يدور حول منهج الإسلام وقوانينه التي نزلت من السماء وبَيّنها الرسول وآله المعصومون عليهم السلام، وقام بتطبيقها الرسول الأعظم(ص)، والإمام أمير المؤمنين (ع) فترة حكومتهما) (8).

ثم يقول الإمام المجاهد رضوان الله تعالى عليه:

(وإذا وعى الغرب ذلك فإنه سيلتزم بقوانين الإسلام التي تتوفر فيها جميع الحريات، كما أخذ سلفهم بقوانين الإسلام في النظام والنظافة والمشورة، وبها توصلوا إلى، ما توصلوا إليه من التقدم الحالي) (9).

- المبحث الثاني -
طرح الإمام المجدد الإسلام على الفكر عالمياً

بعد أن قرأ الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه) الإسلام ديناً ونظاماً عالمياً، نجده وقد رتب على ذلك أثراً كبيراً في طرح الإسلام عالمياً؛ ليكون هو الحل الوحيد الذي تتعطش إليه المدنية الغربية المعذبة؛ فنراه يطرح الإسلام منهجاً كاملاً وواضحاً، لحلول مشاكل العالم فضلا عن المسلمين، مما يمكننا بيانه بما يلي:

أولاً: رؤية الإمام الشيرازي إلى مستقبل الغرب نحو الإسلام:

وهنا يتنبأ الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بمصير الحضارة الغربية كما تنبأ بانهيار روسيا من قبل ودوَّن ذلك في كتبه.

فهو يرى أن الغرب ستنهار حضارته يوماً ما، وقبل انهياره سيفكر بالخروج من تلك الأزمة، ليجد الحل في الإسلام، وعندها سيعود الغربيون إليه، وهنا يقول:

(والغرب رغم ابتعاده عن كثير من القيم المعنوية والفطرية، وتمسكه بالمظاهر المادية البحتة، سيضطر بالتالي للعودة إلى وجدانه وفطرته خوفاً على مؤسساته وحضارته من الانهيار).

ثم يقول الإمام الراحل:

(وهذا الكتاب (الغرب يتغير) إنما كتبته لبيان هذه الحقيقة التي غفلت عنها أغلب الأذهان، فإني أتصور أن الغرب سيعود إلى تصحيح بعض مناهجه لتتطابق مع الفطرة والعقل في القريب العاجل، وربما خلال عقد واحد من الزمن، وإن كان الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وأولياؤه بإذنه، إلا أن المتغيرات والمقدمات والشواهد والقرائن كلها تشير إلى هذه النتيجة المرتقبة)(10).

ثانياً: عودة الغرب إلى الإسلام مشروطة بجهود المسلمين:

يرى الإمام الشيرازي (قدس سره) (أن تغيير الغرب سوف لن يتحقق بمجيئه من طوع نفسه، وذلك لوجود الدوائر اليهودية الحاكمة على أجهزته، والمهيمنة عليه، إلا أن العود ممكنٌ بشرط توافر جهود المسلمين) كما يقول:

(وستكون عودة الغرب لتصحيح كل مناهجه مرهونة بمدى تحركنا نحن المسلمين في هذا الحقل...

والإسلام بما أنه الدين الوحيد الذي ينتهج طريق الفطرة بما للكلمة من معنى (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه)ِ (30/الروم).

حيث إن كيفية الخلقة مستندة إلى الله، و حيث أن سنن الله لا تتغير (لا تبدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) فإنه من المتوقع أن يتجه الغرب نحو الإسلام بالإضافة إلى تصحيح جملة من مناهجه و توفيقها مع الإسلام) (11).

فيكون تحقيق الأمر مرهوناً بتحرك المسلمين في مجال تغيير الغرب والعالم أجمع.

ثالثاً: يحدد الإمام الشيرازي اللازم من جهود المسلمين:

وحينما يقول الإمام الراحل لمته، فانه لم يطلقها شعاراً غير قابل للتطبيق، ولا كلاماً لا مجال للواقعية فيه، ولا منهجاً ناقصاً يتركه للزمن كي يتكامل، كما لم يتركه منهجاً تحوم حوله أسئلة حائرة تبحث عن جواب، ثم لا تجد الجواب.

ولذلك فإنه (قدس سره) كان يؤكد على أن الغرب سيتغير نحو الإسلام وسيستجيب لنداء الفطرة، بشرط جهود المسلمين.

ثم يأتي لبيان الجهود اللازمة على المسلمين تهيئتها والعمل على أساسها، فيرى:

1) أن تكون لهم تجربة إسلامية ناجحة في تطبيق الإسلام الذي سينجذب إليه الغرب الحائر.

2) ومن ثم عملِ المسلمين على نشر الإسلام في الوسط الغربي عبر التوعية الثقافية، وليس العنف أو ما ينافي الصبغة الإسلامية الطيبة.

فيقول الإمام المجدد في هذا المجال:

(لكن المسببات - كما أوضحت- مرهونة بالأسباب فان وُجِدَ رجال مخلصون بالمستوى اللائق والمطلوب، كان التغيير ممكناً و سريعاً، و إلا فإن التحرك نحو الأفضل سيكون بطيئاً وناقصاً حتى يبرز أولئك الرجال المخلصون.

وبمعنى أقرب نقول: إن القابلية موجودة والمنهج متوفر، ولا ينقصنا سوى التطبيق والعمل، وذلك لا يكون إلا بأمرين:

الأول: لابد من تطبيق الإسلام في منطقة من بلاد المسلمين ليكون أنموذجاً صالحاً يحتذي به الآخرون، فإن وجدت تلك التجربة الإسلامية الحسنة فقد بلغنا نصف التغيير، فالإنسان في طبعه تواق إلى الأفضل ومنجذب نحو الأحسن.

الثاني: لابد من أن يتحرك المسلمون المتواجدون في أوروبا وأمريكا، باتجاه هداية شعوب تلك الدول وترغيبها في مبادئ الإسلام و مناهجه وأفكاره، ومن غير المستبعد أن يكون في أوروبا وحدها زهاء عشرين مليون مسلم، وفي أمريكا عشرة ملايين آخرين، فإذا نظم أولئك المسلمون أنفسهم تنظيماً صحيحاً، وارتفعت فيهم روح العمل والمثابرة، تمكنوا من هداية الكثير من الأوربيين والأمريكيين، بل غالب الغربيين والشرقيين، إلى الإسلام وقوانينه المتطابقة مع العقل والفطرة.

هذا من ناحية العمل، وأما من ناحية العقيدة فإن الأمر لا يختلف عن ذلك، لأن الحجة والدليل مع الإسلام في أصوله لاعتماد الأصول على العقل والمنطق، وإذا ثبتت الأصول ثبتت الفروع تلقائيا.

وبذلك يمكن أن يبدأ المجتمع الغربي التطلع نحو الإسلام كمنهج واقعي للحياة، ويدخلوا في دين الله ‏ أفواجا) (12).

- المبحث الثالث -
طرح الإمام المجدد الإسلام على الواقع عالمياً

لا عمل ناجح، ولا نشاط موفق من غير نظرية واضحة المعالم، وسيدنا المجدد الشيرازي (أعلى الله مقامه) قد طرح الإسلام عالمياً في أوسع دوائره، بكونه المعالج الوحيد لمشاكل الغرب والشرق، ليس في زمن الرسول، والإمام أمير المؤمنين (ع)، أو في زمن ظهور الإمام المهدي (ع) فحسب، بل في كل زمان ومكان، لأن:

(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة) (13) فهو دين حي قابل للتطبيق على مرّ العصور.

ولذلك فقد كان الإمام المجدد (رضوان الله تعالى عليه) يسعى جاهداً لطرح الإسلام على العالم الغربي من الناحية العملية.

فدأب على تأسيس المؤسسات مباشرة، أو بِحَثِّ الآخرين من تلامذته وأتباعه وغيرهم على البناء والتأسيس، حتى تجد له في كل بقعة من الأرض مؤسسة تدعو إلى الإسلام وتعلم الناس تعاليم أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وتربي الناس عليها.

ولذلك فقد شهد القاصي والداني، المحب والمبغض، بأنه الرائد في نشر الإسلام والتشيع، وهو المرجع المعاصر الوحيد، ومرجعيته المرجعية الفريدة في التأسيس النوعي من أجل نشر الإسلام.

فكان يقترض ويؤسس، ويدعو أصحاب الفكر والتبليغ من تلامذته وتلامذتهم إلى التأسيس، ويربيهم على أن لا يجعلوا شِحَّةَ المال عقبة كئوداً، بل يأمرهم بتوفير همة التأسيس، ويعلمهم أن المال من عند الله، والمشاريع مشاريع لله تعالى، وعلى الجميع أن يجمعوا التبرعات والقروضات من أجل إحياء أمر أهل البيت صلوات الله عليهم، ونشر الإسلام.

- المبحث الرابع -
إسعاف الغرب بتغيير مناهجه

إن من يطَّلِع على فكر الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) يكتشف جديداً في كل شيء قد استنبطه، وبكل أمر يتعلق بالحضارة وفن الحياة.

وإن الغرب أعلنها حرباً صليبية في الماضي والحاضر وغزى البلاد الإسلامية، وخلَّف من بعده الويل والدمار والكوارث على صعيد الطبيعة والمصادر البشرية والموارد الاقتصادية وتزلزل الاستقرار السياسي، وغيرها من الأزمات التي ما زالت تعيشها الأمّة في الوقت الحاضر.

ورغم ذلك كله فإننا نجد الإمام الشيرازي (قدس سره) قد وضع في سُلَّم أولوياته موضوع تغيير الغرب، وتحييد مفكريه وكبار رجاله من غير الجبابرة المتغطرسين، ثم تقريبهم إلى الإسلام لكونهم ذوي مدنية تملك ما تملك من وسائل التدمير والمدنية والعلم والتكنولوجيا في آن واحد.

فمثلها كمثل السلاح الفتاك في يد رجل لا يحسن التصرف به، لفقدانه الحكمة والصواب، مما يلزم العقلاء أن يتعاملوا معه بحكمة حتى ينتْزعوا السلاح المدمر من يده، ثم يبدأون تعليمه استخدامه في السبيل السوي، بعد أن يفهم منطق الحياة وثقافتها، فينتزعون منه منطق الدمار ونَفَسَ الاستعمار من أجل تكديس المال.

فتغيير الغرب من المسائل التي بحث فيها الإمام الشيرازي وأعطاها اهتماماً واضحاً في أكثر من مرة ومرة، وأكثر من موقع وموقع، في كتبه وبحوثه الفقهية والفكرية والسياسية وغيرها.

فتراه يتساءل عن سبب الاهتمام بتغيير الغرب فيقول:

(إن تخلف هذا العالم (الإسلامي) له سببان:

السبب الأول: إن الغرب لا يدع العالم ينهض.

السبب الثاني: تخلف (العالم الإسلامي) نفسه. (فهو) كالإنسان الذي سقط في الهوّة، فـ‍ (يكون) له من الضعف ما لم يسمح له بالنهوض.

وإذا فرض أنه تمكن من النهوض، كان هناك من يصفعه حتى لا يتمكن من النهوض) (14).

إذن فالسبب الأول يكمن في عدم فهم الغرب لمنطق الحياة، فهو لا يعرف إلا الاستعمار والهيمنة، فلا يدع العالم الإسلامي ينهض؛ لأن نهوض العالم الإسلامي سيؤدي بالعالم المستَعْمِر الى خسارة أكبر موارده الرأسمالية التي يجنيها من البلاد المُسْتَعْمَرة عادة.

أما السبب الثاني فيكمن في نفس المسلمين الذين تخلفوا عن إسلامهم وأصالتهم، والذين عادة ما يرغب الاستعمار في إبقائهم متخلفين؛ ولذلك فقد وجب العمل على تغيير الغرب نحو القيم السماوية.

- المبحث الخامس -
التأثير على الغرب بتغيير مفاهيمه

يلخص لنا الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه) منهج تغيير الغرب، ضمن مشروع التحول الحضاري، الذي جعله على رأس مسؤوليات التيار الإسلامي العازم على إقامة الحكومة الإسلامية ونشر الإسلام، أو الحكومة الإسلامية نفسها إذا ما قامت.

فيرى (قدس سره) تغيير الغرب عبر إسعافه بتغيير مناهجه الاستعمارية، المندفعة بدوافع الرأسمالية الجشعة، تلك التي سلختهم من إنسانيتهم التي يشعرون بعدها بتأنيب الضمير.

لذلك يقول الإمام المجدد في أمر التأثير على الغرب وإسعافه وتخليصه وتخليصنا مما هو فيه ما يلي:

(إسعاف الغرب بتغيير مناهجه الاستعمارية المنبعثة من الرأسمالية المنسلخة عن الإنسانية، حتى يرجع الغرب إلى الإنسانية، قال سبحانه: (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) (الحشر/19)) (15).

فلابد للمسلمين من العمل ليس فقط على طرد الاستعمار من بلادهم، ولا الاكتفاء بإقامة حكومات إسلامية مستقلة، بل العمل على تغيير الغرب نحو قبول الإسلام كحضارة مسالمة ليس إلاّ.

- المبحث السادس -
أساليب التأثير في الغرب

لا يرى الإمام الراحل (قدس سره) إمكانية التأثير على الغرب وتغيير قناعاته، عبر الصياح والتهريج الإعلامي.

بل منطقه في ذلك منطق الله القائل:

(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/125).

فيقول (قدس سره) إن:

(تغيير مفاهيم الغرب ليس بالصياح والتهريج والسباب والاتهام، كما ليس بأن نصدر إليهم الأفكار والفرضيات والآراء، ونحن في بلادنا وهم في بلادهم، بل يلزم التعديل، بتشكيل (وإقامة)المؤتمرات الجامعة للإسلاميين الواعين والغربيين الباحثين (عن الحقيقة) حتى يضع كل جانب نقاطه على حروفه. وفي جو مفعم بالحب وتحري الحقيقة ينتهي المؤتمرون إلى النتائج المرضية)(16).

ولهذا فان الإمام الشيرازي يبين لنا معنى تعديل الغرب بمفاهيمه، حسب ما سنبحثه في الأمور التالية:

الأمر الأول: ليس المطلوب أسْلَمَة الغرب:

وهذا هو مفهوم جديد بذاته، ويحتاج فهمه إلى الدقة والحكمة، لكون الإمام المجدد (قدس سره) يرى أن الغاية من تغيير مفاهيم الغرب عبر عقد المؤتمرات، ليست هي دعوتهم إلى الإسلام ومطالبتهم بالتخلي عن دينهم وبلادهم، وإنما الغاية أن يفهموا الحياة كما هي حياة، ولا تكون الحياة كما هي حياة إلا أن تكون قائمة على ما أرادها الذي خلق كل شيء وقدَّره تقديراً.

ثم إن الغاية الثانية من تغيير الغرب هي أن يتخلص من وخز الضمير الناتج من استعمارهم العالم وتدميرهم الأمم والشعوب، وإبادتهم أخوتهم البشر، وتخليصهم من اليأس من طريقتهم في الحياة، وفقدانهم السعادة نتيجة سوء مناهجهم، فيقول الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه):

(وليس الكلام الآن في أن يسلم الغربيون بل في أن يشاهدوا الطريق السوي الذي ينجيهم من وخز الضمير. ومن الواضح أنه إذا حصل هذا التغيير في الغرب يكون العالم الإسلامي قد حل نصف مشكلة تخلفه) (17).

الأمر الثاني: الغرب قابل للهداية:

ورغم التردي الأخلاقي والفساد الاجتماعي عند الغرب، وتدميرهم حياتهم، إضافة إلى حياة الآخرين، مع الانهيار الكبير الذي يعانون منه، فإن الإمام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) يرى إمكانية هداية الغرب؛ ذلك لأن الهداية هي لأهل الضلال والانحراف، وليس للمؤمنين، وهذا ما يجب أن يفهمه المسلمون.

صحيح أن حكومات الغرب فرعونية جبارة لا تقبل الهداية، إلا أن فيهم من يفكر بالحياة، ولا يرضى بالغلط، وينتقد الضياع، ويبحث عن الحقيقة. كما يقول الإمام الشيرازي (قدس سره):

(الغرب ومن في فلكه، أناس قابلون للهداية؛ فإنهم بشر والبشر بفطرته يحب الخير لنفسه ولغيره، ووجود ظواهر التعصب فيهم لا يدل على أنهم متعصبون..) (18).

الأمر الثالث: دليل عدم تعصب الغربيين:

ثم يأتينا الإمام الراحل (قدس سره) بدليل يقبله أقل البشر ثقافة، وأدناهم علماً ومعرفة، لإثبات أن الغرب قابل للهداية فيقول (قدس سره):

(ودليل عدم تعصبهم (هو) قبولهم للمسيحيّة، مع أن المسيح (ع) كان شرقياً وليس غربياً، إنما هم عرفوا بعض ما للمسيح (ع) من فضائل ومعاجز، وبعض ما بقي للمسيحيّة من النقاط المضيئة فاعتنقوه بعد أن كانوا وثنيين قبل المسيحيّة.

أما اليهود فلم تنفذ فيهم؛ لعدم فاعلية الفاعل - على قول الفلاسفة - لا لعدم قابلية القابل في جميع الأحيان، فإن اليهود حملة توراة موسى(ع) زعموا أن دينهم قومي فلم يبشروا به.. هذا بالإضافة إلى المبادئ الملتوية لليهود بعد تحريفهم للتوراة) (19).

وهذا دليل عميق يدل على دقة متابعة الإمام المجدد (أعلى اللُه مَقامَهُ) وإحاطته معرفةً بأحوال الأمم والشعوب، واهتمامه بدارسة أوضاعهم النفسية وما تكمن وراءها من عوامل وأسباب.

الأمر الرابع: ليس كل الغرب عدواً للإسلام:

لا يريد الإمام الشيرازي (قدس سره) أن يجعل الغربيين كلهم في عداد القابلين للهداية، ولا كلهم من الواعين، أو الذين يعون حقيقة الحياة في الإسلام؛ ذلك لأن فيهم حكومات فرعونية لن تقبل الهداية، إلاّ إذا قبلها فرعون نفسه، فيقول في ذلك (رَفَعَ اللهُ دَرَجاته):

(لقد بذل الغربيون خلال نصف قرن، ألف مليار دولار لمحاربة الشيوعية حتى أسقطوها وجعلوها في خبر كان، وقد صرفوا هذه المبالغ على القدرات العلمية وعلى الحرب النفسية وعلى الإنفاق العسكري وعلى الجواسيس وعلى...

وفي ظن الغرب أنّهم يعيشون اليوم نشوة الانتصار، فهل سيدَعون للمسلمين فرصـة لأن يكونوا قوة عظـمى تنافسـهم) (20).

ومع ذلك فانه (أعلى اللُه مَقامَهُ) لا يرى أن كل الغربيين أعداء الإسلام، ففيهم العدو وفيهم غيره من محايد ومسلم ومسالم، ولذا فيُلْزِمَ المسلمين أن يضعوا في حساباتهم، عدم ترك العمل على تغيير الغرب، أو ترك العمل على تغيير مبادئه ومواقفه، فيقول (قدس سره):

(ومن الواضح أن هنالك محاور خاصّة فـي الغرب تعادي الإسلام والمسلمين، وليس العداء طابعاً عاماً بل هنالك الكثير مـن طبقات الشعب ومن المفكّرين من لا يحمل ذلك العداء بل إنه على استعداد، فيما لو عُرض عليه الإسلام بصورته الصحيحة، لتقبّله والاستجابة لمبادئه الإلهية) (21).

ومما تقدم من المباحث التي عرضناها باختصار، نفهم بُعد الهمة، وسعة الصدر، ودقة البصيرة، وثاقبية الرأي، عند الإمام الشيرازي (قدس سره) في مهمة التغيير الحضاري في العالم، والتي من أبرز مستلزماتها تغيير العالم الإسلامي والعالم الغربي معاً.

مقارنة موضوعية بين رؤية الإمام الشيرازي وبين غيره:

وهكذا ترى الإمام الراحل (قدس سره):

1- يضع في منهجه قضية طرح الإسلام على الفكر الغربي.

2- ثم يحمّل المسلمين السياسيين مسؤولية إقامة دولة إسلامية تكون أنموذجاً حياً للإسلام المنقذ.

3- كما يحمّل المفكرين الإسلاميين والمسلمين المقيمين والمهاجرين في بلاد الغرب مسؤولية نشر الإسلام في أوساط العالم الغربي عبر الوسائل الإعلامية المتوفرة.

وعلى هذا فلم يكن الإمام (أعلى الله مقامه) بالذي يدعو إلى تدمير الغرب، واستخدام العنف، لكونه من الأعمال التي لا توصل إلى الغرض الأسمى كما يؤكد عليه الإمام الراحل(قدس سره) في منهجه.

كما لم يكن مكتفياً بالدفاع ضد الهجوم الغربي على الإسلام والمسلمين، بل يدعو لاستيعاب الغرب وهضمه حضارياً، وذلك حينما يكون المسلمون أهل حضارة ناجحة وتجربة نافعة.

وبمقارنة بسيطة بين الفكر الشيرازي التجديدي، وغيره من المدارس والتوجهات نجد: هناك من العلماء والمفكرين من يرى عدم التدخل في شؤون السياسة فضلا عن تغيير الغرب ومجاهدة الاستعمار.

ومنهم من يرى ضرورة مواجهة الاستعمار الغربي أو الشرقي، والدفاع عن بلاد المسلمين ودحر الغزو الذي يتعرض له المسلمون في بقعة معينة دون غيرها.

ومنهم من يرى لزوم تحطيم حضارة الغرب وتدمير مدنيتهم بالعنف وما أشبه من وسائل القوة.

بينما يرى المجدد الشيرازي الثاني (أعلى الله مقامه) ضرورة تغيير الغرب نحو الإسلام، وان ذلك مرهون بجهود المسلمين الحضارية والثقافية؛ الجهود الحضارية بإيجاد تجربة حضارية إسلامية ناجحة تلبي حاجات الإنسانية المعذبة، والجهود الثقافية بعمل المسلمين المتواجدين في الغرب على نشر الثقافة الإسلامية في تلك الأوساط؛ ليفهم الغرب حلول الإسلام لمشاكل الحضارة الغربية.

* مقال منشور في مجلة النبأ العدد69-ذي القعدة1423/كانون الثاني2003

..........................
الهوامش:
(1) الإمام الشيرازي: كيف يمكن نجاة الغرب، الفصل الأول. تحت عنوان الغربيون والإسلام.
(2) الإمام الشيرازي: الغرب يتغيّر. الفصل الأول. تحت عنوان: العامل الأساسي لسقوط النموذج الغربي.
(3) الغرب يتغيّر. الفصل الأول. تحت عنوان: العامل الاساسي لسقوط النموذج الغربي.
(4) المصدر السابق.
(5) الغرب يتغيّر. الفصل الأول. تحت عنوان: العامل الاساسي لسقوط النموذج الغربي.
(6) المصدر السابق. الفصل السابق.
(7) المصدر السابق. الفصل السابق.
(8) المصدر السابق.
(9) المصدر السابق.
(10) الغرب يتغير. مقدمة الكتاب.
(11) الغرب يتغيَّر. مقدمة الكتاب.
(12) الغرب يتغيَّر. المقدمة.
(13) بصائر الدرجات، ص148.للصفار من أعلام القرن الثالث الهجري.
(14) الإمام الشيرازي: الفقه، ج102 ص24، كتاب الدولة الإسلامية.
(15) الإمام الشيرازي (قدس سره): الفقه، ج102، ص 24، كتاب الدولة الاسلامية.
(16) المصدر السابق، ص26.
(17) المصدر السابق.
(18) كتاب: سقوط بعد سقوط. الفصل الثالث، تحت عنوان النهوض الحضاري.
(19) المصدر السابق.
(20) المصدر السابق.
(21) المصدر السابق.

اضف تعليق