q

في ظل التطرف الديني الذي باتت تعيشه دول العالم والمجتمع الإسلامي وخصوصاً في الفترة الاخيرة، نلاحظ بان مفاهيم التعبير عن الدين اخذت منحنىً آخر بعيد عن رسالة الإسلام السامية التي تُعرض مفاهيم السلم والحرية والتطور بشكل صريح.

نستطيع ان نقول بان المفهوم الديني يعيش حالة من التشوش الخطير، على الرغم من ان الدين خلق من اجل اسعاد البشرية وتنظيم حياتهم، ولكنه في الآونة الأخيرة بات لا يعكس اسلوب الحياة بصورة واضحة.

والاسباب غالباً ما تعود الى التوتر الأمني والسياسي الذي تعيشه البلدان، اضاف الى الأيدي الخبيثة التي تحاول جاهدة عكس صورة غير حقيقة عن الدين وبالتحديد الإسلام!، اضافة الى الجهات الارهابية التي استغلت التوتر الحاصل لتعميق الفكر الإرهابي بإسم الدين.

كما ان هنالك بعض الجهات الدينية المتطرفة، امتازت بالتعقيد وحرمت حلال الله واخذت منهجاً بعيد تماما عما اتى الله به الى البشرية، فجعلت من الدين البؤرة التي يقضي فيها الانسان حياته بمضمون ان كل شيء حرام ولا يجوز، على الرغم من ان الله سبحانه وتعالى ذكر هذه الحالة في الآية الكريمة: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (المائدة 87).

وهنالك الكثير ممن يربط التخلف والتعقيد بالدين، مع ان الدين هو اصل العلم والتطور والتنمية، وفي صدد هذا الموضوع وجهت شبكة النبأ المعلوماتية سؤالها (هل الدين عزلة عن الحرام ام عن الحياة)، الى شريحة مختلفة من الناس فكان جوابهم كالآتي:

قالت (هدى احمد): "الدين هو عزلة عن الحرام وليس عن الحياة، اتمنى لو ان هذه العبارة تخط تحتها ثلاثة خطوط حمراء وتعلق على باب كل مسجد وحسينية، علها تنفع البعض وتكون تذكرة لهم. خصوصاً لمن عزل نفسه عن الحياة ولمن اعتبر بان الراحة لا تجوز مع الدين، ولو اخذنا الموضوع بجدية وفكرنا بعمق، بان الله لو اراد منا ان نقوم بفرائض الدين بطريقة معقدة ونترك حياتنا ومعيشتنا لما قال سبحانه في كتابه العزيز: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا".

ويبقى اساس تنزيل الدين هو لينعم الإنسان بحياة هانئة مطمئنة وسعيدة، وليس ليشقى ويخاف ويترصده الله بالعقاب والجزاء، فالدين مرتبط بالحياة بصورة مباشرة، فمن فهم الدين والتزم بتعاليمه تنعم بحياة هانئة وسعيدة مملوءة بالراحة، اما من انغلق عن الحلال سيعيش عيشة ظنكا".

اما رأي (هاشم عطية) في هذا الموضوع كان: "ان الدين لم يكتفِ بحياة ذات امدٍ قصير، بل يهدف الى حياة ذات امدٍ طويل.. وهي الآخرة، لذلك من المستحيل ان نقول بأن الدين عزلة عن الحياة".

وقالت (نجوى محمد): "بلاشك الدين هو اسلوب حياة، ولكن هنالك جهات ارهابية كثيرة خرجت بإسم الدين ورسمت صورة خاطئة عنه في اذهان العالم، فمثلاً آخر حالة مر به العالم وهو الداعش الارهابي الذي خرج بإسم الدين الاسلامي على الرغم من عدم ارتباطه بالاسلام قيد شعرة، ولكنه رسم للعالم وخصوصاً الشعوب الغربية المعتنقة لأديان اخرى صورة أن الاسلام هو دين التخلف والقتل والعنف، ودفع ثمن هذه الحركة الخبيثة المسلمون الذين لا ذنب لهم من كل ما حصل، فاصبحت اصابع الاتهام تتجه نحو كل شخص يعتنق الدين الاسلامي على انه ارهابي متخلف ومجرم".

بكل الاحوال يبقى الدين هو الدستور الالهي الذي انزله الله (سبحانه وتعالى) على بني البشر ليتعايشوا فيما بينهم بالمودة والقسط،، وعلى الرغم من التداعيات الخاطئة التي توجهها الجهات المتطرفة، الى عامة الشعب ومع كل ما نمر به من التوتر في الوضع السياسي والأمني تبقى المهمة الاولى والمسؤولية الكبرى بيد الجهات الدينية المعتدلة على تبيان الحقيقة وتوضيح رسالة الدين السامية، امّا وظيفة الإعلام هي ابراز الصورة الصحيحة التي جاءت بها الاديان السماوية وخصوصاً القرآن الكريم، وتوضيح فكرة الإرهاب بانه لا دين له، ومن غير الممكن ان ننسب الأعمال الارهابية التي تقوم بها هذه الجهات وخصوصاً داعش الى الدين، لأن جميع الاديان السماوية بريئة مما تفعله هذه الجهات الارهابية.

ولتوسعة المفاهيم وتوضيح النكات المهمة كان لشبكة النبأ المعلوماتية حوار مع الباحثة الإسلامية " مايا عبد الخالق" من لبنان حيث قالت:

"فكرة ان الدين هو عزلة عن الحياة تكمن بالنظرة العقائدية الخاطئة التي رسمت للناس، يعني ان الدين لا يمنع ابداً الحياة، انما يمنع تشويه الحياة، اذ ان التكاليف الدينية لا تقول للإنسان اذهب واغلق على نفسك وازهد بكل شيء وليس لك شيء من حياة الدنيا وطيباتها، هذا غير صحيح ابداً، لأن الله تعالى خلق هذا الوجود كله للمؤمنين، لأن المؤمن هو اعز خلق الله تعالى وكل ما دونه يجب ان يكون تحت خدمته، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" (الأعراف/96).

يعني الايمان الحقيقي هو مقدمة لتخرج الارض خيراتها، وتكون مسخرة لطاعة وخدمة المؤمنين وكل ما هو في الوجود مسخر لخدمة المؤمن الحقيقي، لان الانسان المؤمن يعتبر الهدف الحقيقي من خلق هذا العالم.

ولكن المشكلة ان الناس تريد زينة الحياة بالغصب والسرقة وليس بالطريقة التي اختارها الله تعالى لهم، فعلى سبيل المثال لو اعتبرنا ان هذه الدنيا هي غرفة ولها مفتاح، لرأيت الانسان الجاهل يحاول فتحها بمفتاح اخر غير المفتاح المخصص لها، ولكنه وبلاشك لن يتمكن من ذلك.

فيشقى ويتعب ويحاول كسر الباب وخلعه وكل انواع الاحتيال والقوة ليفتح الباب، مع العلم ان كل ما عليه فعله هو ان يذهب ويعود بالمفتاح الصحيح فتنفتح له الدنيا بما فيها، ولكنه اختار طريق الشقاء والتعب.

والشبهة هي ان اهل الايمان الظاهري وليس الحقيقي يعتبرون ان الدنيا ليست لهم، وانها مذمومة، اي انها للكفار فقط. وهنا تكمن الشبهة.. فالدنيا هي من مراتب هذا الوجود وهي من خلق الله تعالى فبالتالي ليست مذمومة بحد ذاتها بل على العكس هي دار للتكامل، والشيء المذموم فيها هو حب الدنيا الذي يتغلب على الانسان ويجعل القوى الحيوانية هي المسيطرة عليه كالشهوات والملذات الزائفة وغيرها، وهذه الشهوات تكون مذمومة لانها محصورة بالماديات فقط، دون اي ابعاد نفسية وعقلية، مع العلم ان الادراك يكون بالعقل وليس بالحس، وامير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبته يقول: (غرتك الدنيا ام انت اغتررت بها) وفي ذلك اشارة الى ان الدنيا ليست مخادعة ولا تغر احد لا، بل على العكس هي واضحة وتري الانسان كل شيء فيرى فيها الصحة والمرض والفقر والغنى والعافية والابتلاء والجميل والقبيح.

فالدنيا لم تخفي علينا المرض والقبح والابتلاء والموت لا بل على العكس نرى فيها كل الوجوه والاحتمالات الواضحة، والعبرة تكون في اختياراتنا لذلك يقول الأمير (صلوات الله عليه) ام انت اغتررت بها يعني الانسان من جهله تغافل عن جزء وركز في جزء واحد، وغبائه هو الذي اوصله للاغترار بالدنيا، امّا الدنيا ففيها من الطيبات والملذات للذين امنوا وخالصة يوم الاخرة يعني الله خلق ملذات هذه الدنيا للمؤمنين بالاصل يأخذونها في هذا العالم وتكون لهم خالصة يوم الاخرة.

امّا في هذه المرتبة الوجودية تكون الملذات غير خالصة، اي لا تكون بأتم مرتبتها التكاملية لان هذه المرتبة هي ادنى مرتبة لذلك سميت ب (الدنيا) لانها اوطأ مرتبة، وبالتالي الملذات فيها ذو شائبة، وكلما ارتفعنا في المراتب كلما قلت الشوائب حتى تصبح مصفاة خالصة من اي شائبة.

والتكاليف الدينية والحدود الشرعية انما جاءت لنا كنوع من الدليل او الخريطة على حقول الالغام في هذه الدنيا، يعني هي عبارة عن دستور للنجاح والاستمتاع بالدنيا بنفس الوقت دون عواقب سيئة، فالدين والتكاليف عبارة عن قواعد علينا اتباعها للوصول الى مرحلة النجاح، والمشكلة ان الانسان يعتقد ان الفاسق سعيد في حياة الدنيا ويغرف من الحياة وملذاتها ما يشاء، ولكن لا يدرك ان البركة واللذة هما مفهومان الهيان، فعلى سبيل المثال اذا كان هنالك شخص غني يجلس على سفرة فيها ما لذ وطاب من المأكولات ولكنه لا يستمتع بالطعام لانه مسلوب البركة واللذة، وفقير يأكل طعام جدا بسيط من صنف واحد قد يجد فيه لذة كبيرة وذلك لان البركة واللذة لا ارتباط لهما بالمادة نفسها انما بالادراك، وهما من النعم الالهية على المؤمنين لذلك نجد في دول الغرب نسب الإنتحار عالية جدا علماً ان لديهم كل الكماليات الدنيوية، كما ان ابواب الشهوات مشرعة امامهم، ولكنهم مفتقدين الإحساس بالبركة واللذة لذلك ليس لديهم اي حس بالحياة فيميلون الى الانتحار لان الحس عندهم اصلاً ميت والحس الظاهري هو فقط الحي فيميلون الى قتل الظاهر ليتناسب مع الحس الميت.

والسبب وراء ذلك هو انه ليس لديهم فكرة عن دستور السعادة والنجاح في الحياة الذي يسير وفق التكاليف والحدود الشرعية التي نهجها الله. وعلى اساسه يعد التكليف حرية للانسان وليس قيد، لانه يحرره من عبودية الدنيا والشهوات والمال والسلطة ويجعله عبدا لله وحده فقط، وهذه العبودية هي تحرر من كل ما دونه.

ولكن مشكلة الانسان انه يفضل ان يكون عبداً لنفسه على ان يكون عبداً لله تعالى ولذلك يعتقد بأن التكاليف الدينية تقيده وتحرمه من الاستمتاع بالحياة. وبكل الاحوال الحرية هي حرية من صنم الأنا ومن عبودية الاهواء والانطلاق نحو الكمال المطلق الذي لا قيود فيه من حيث التكامل والسعادة.

واضافت الباحثة:

السبب وراء ظهور الدين بزي التعقيد يعود الى المفاهيم المشوهة والمنحرفة التي يحاول الغرب دسها في العالم الاسلامي، وهذه هي خطة ابليس فهو لم يقل بأنه سيدمر الصراط والدين، انما قال لأقعدن لهم صراطك المستقيم بمعنى انه سيحرف الصراط ويشوه المفاهيم، كما اننا لانرى بان احد استطاع ان يأتي ويقول ان القرآن ليس كتاب الهي ولكننا نجد من يأتي ويفسر القرآن برأيه ويشوه المفاهيم، وهذه هي لعبة ابليس حتى يصل الى مبتغاه، والوسيلة هي الغزو الثقافي والفكري الذي احتل العقول وحاول تشويه المفاهيم وعمل على انحلال المبادىء الاسلامية واظهارها بالطريقة الخاطئة".

والاكثر جدلاً في الوقت الحالي بأننا نشاهد هذه الصورة الخاطئة مزروعة في اذهان الجيل الجديد، ويعتبر هذا السبب الاول لإتجاه الشباب نحو الافكار العلمانية والالحادية، لأن تصور لهم بأن الدنيا هي سجن الإنسان ومخصصة للعبادة فقط، وكل شيء له علاقة بالملذات والطيبات هو حرام!، وبلا شك يعود ذلك الى التصوير الخاطىء للدين واظهاره بهذه الصورة المعقده.

وعندما نقول كلمة دين، نحتاج الى من يمثل الدين.. وبلا شك سيرتاد الى اذهننا رجال الدين، الذين يعتبرون المسرح الذي يعرض عليه تفاصيل وعمق الدين الى البشرية، فهل استطاعوا رجال الدين من طرح ماهية الدين والغرض من خلقه، بالطريقة التي تحبب الانسان بالدين وتعمق علاقة العابد بالمعبود!.

في الحقيقة هنالك بعض الجهات كانوا السبب الاول في تشويه بعض المبادىء الانسانية التي اتى به الدين الحنيف، ومثل هذه المؤامرات تحاك من قبل الايادي الخفية التي تحاول تشويه الدين بطريقة تكتيكية ومن الداخل، وهذا يعد نوع من انواع التضليل الذي تمارسه الجهات المعادية للإسلام.

وتصحيح هذه الصورة تقع على عاتق رجال الدين، اذ تعتبر المنابر افضل وسيلة تصل رجل الدين بالناس ومن خلاله يستطيع ان يقدم لهم الدين بالطريقة الصحيحة ويوضح كل النقاط المهمة والاسلوب الحياتي الذي خلق من اجله الدين، ويدمر التضليل الذي يهدف الى زعزعة المفهوم الديني الصحيح.

وهنالك بعض النقاط المهمة التي تقي الانسان من الوقوع في مصيدة التضليل واظهار الدين بالإسلوب الصحيح الذي خلق من اجله وهي:

1- صد الجهات المضللة التي تحاول تشويه مبادىء الاسلامية السامية والعمل على اظهار الدين بصورته الصحيحة.

2- استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر مفاهيم الدين والاعتدال، لأنها تعتبر الطريقة الفضلى بإيصال الصوت الى العالم بطريقة اسرع واوسع.

3- الإهتمام بالمناهج التعليمية وخصوصاً المادة الاسلامية وقتل اي افكار خاطئة تحاول زرع مفاهيم سيئة عن الدين في نفوس الطلاب.

4- التأكد من صحة خلفية المدرسين، لأن تعصب المدرس او انخراطه لمفهوم خاطىء سيؤثر على الطلاب بصورة مباشرة وستزرع في عقل الطالب فكرة غير صحيحة عن الدين من الممكن ان تعقده ويصبح على اثره فريسة سهلة للأفكار الالحادية!.

5- اهتمام الاسرة في توضيح الدين للأطفال منذ الصغر، لتنشأ الفكرة الصحيحة معهم الى ان يكبروا ويعرفوا بأن الدين خلق من اجل خدمة الانسان وفق منهج حياتي سليم.

6- التوسع في نشر الوعي الاسلامي ودحر الافكار التي تحث على التعصب في المؤتمرات والاجتماعات، والالتزام بمفهوم الاعتدال والتركيز عليه ضمن نطاق واسع.

وفي كل الاحوال يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (الكهف/46)، وفي هذه الآية استخدمت كلمة الزينة لتشمل كل مباهج الحياة ومتاعها، باعتبار انها موجودة من قبل الله سبحانه وتعالى، وانها تضفي على حياة الانسان الالفة والتعايش الانساني وتعتبر الزينة هي من نعم الله على عباده والتي بها تستقيم امور المجتمع الانساني وتستمر حضارته وتطوره، ومن يصوم عن الزينة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لرفاه الانسان فأنه يحرم حلال الله ويخالف الطبيعة الكونية.

اضف تعليق