q

لا يزال العالم وعلى الرغم من المشكلات والازمات الاقتصادية الكبيرة التي اثرت سلباً على العديد من مناحي الحياة، يعيش حمى سباق التسلح وبناء القدرات العسكرية بمختلف انواعها والتي ازدادت بشكل كبير في السنوات الاخيرة، بسبب ازدياد التوترات والصراعات السياسية والعسكرية وانعدام الثقة وانتشار المجاميع الارهابية المسلحة في مختلف دول العالم كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على ان قضايا التسليح تعد من اخطر القضايا العالمية لما لها من تهديد مباشر على الامن والاستقرار الدولي، خصوصا مع دخول دول جديدة في هذا الميدان بهدف تغيير ميزان القوى والخريطة الدولية والخارطة الجيوسياسية، وهو ما قد تكون له الكثير من الانعكاسات السلبية، وبحسب بعض التقارير الخاصة فلايزال سباق التسلح يتصدر ميزانية الحكومات إذ تتربع أميركا على رأس قائمة الدول الأكثر إنفاقا على نظامها الدفاعي الذي وصل إلى 682 مليار دولار. وفي عام 2013 بلغ الانفاق العسكري لـ 171 دولة من حول العالم ما يقارب 1 تريليون و739 مليار دولار وذلك بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي يصدر نشراته بهذا الخصوص منذ عام 1988.

وسباق التسلح كما تشير بعض المصادر، هو مصطلح يصف صراع أو سباق بين دولتين متحاربتين، غالباً دول متعادية، في سبيل التفوق العسكري. وذلك عن طريق الحصول على عدد أكبر من الأسلحة، وقوات مسلحة أكبر، والتمكن من تصنيع معدات ذات تقنية عسكرية أفضل، وأفضل مثال على ذلك هو سباق التسلح الذي كان موجودا فيما عرف باسم الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي (روسيا) والولايات المتحدة الأمريكية.

ارتفاع مبيعات روسيا

وفي هذا الشأن فقد قال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن مبيعات شركات السلاح الروسية ارتفعت بشدة عام 2013 رغم تباطؤها في البلدان الأخرى فيما يرجع بدرجة كبيرة إلى سعي الكرملين لتحديث الجيش. وقال سايمون ويزيمان الباحث بالمعهد إن الأرقام الروسية كانت قوية على نحو أتاح الحد من هبوط مستمر منذ ثلاث سنوات في مبيعات السلاح العالمية لأسباب أهمها انسحاب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان والأزمة الاقتصادية في أوروبا.

وأضاف "الزيادات الملحوظة في مبيعات الشركات الروسية من الأسلحة في عامي 2012 و2013 ترجع في جانب كبير منها إلى الاستثمارات المستمرة في المشتريات العسكرية من جانب الحكومة الروسية خلال القرن الحادي والعشرين." وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد زاد من الإنفاق الدفاعي منذ توليه الرئاسة عام 2000 معتبرا أن إعادة بناء القوات المسلحة عنصر محوري في مساعيه لاستعادة وضع روسيا على الساحة العالمية.

وأظهر المسح الذي أجراه معهد ستوكهولم وشمل أكبر 100 شركة سلاح في العالم -مع استبعاد الشركات الصينية- أن حجم المبيعات الإجمالي تباطأ بنسبة اثنين في المئة إلى 402 مليار دولار في 2013 مقارنة مع تباطؤ بنسبة أربعة في المئة في 2012. وواصلت مبيعات بعض أكبر موردي العالم في الولايات المتحدة وكندا الهبوط في حين كانت الصورة مختلطة في غرب أوروبا مع صعود المبيعات في فرنسا وثباتها في بريطانيا ونزولها في أسبانيا وإيطاليا. وصرح ويزيمان بأن جانبا من الانخفاضات الأخيرة في أوروبا نجم عن الإحساس بانحسار التهديد العسكري.

وأضاف "في 2014 بدأ الإحساس بالتهديد يتغير وأيقظت التحركات الروسية كثيرا من البلدان الأوروبية... وسيترجم ذلك على الأرجح إلى مشتريات إضافية اعتبارا من 2015." وكانت روسيا قد ضمت منطقة القرم الأوكرانية في مارس آذار الماضي واتهمتها القوى الغربية بدعم وتسليح المتمردين الانفصاليين في شرق أوكرانيا وهو ما تنفيه موسكو. وأظهر المسح أن مؤسسة الصواريخ التكتيكية الروسية حققت أكبر نمو بالبلاد إذ بلغت نسبة النمو 118 في المئة. بحسب رويترز.

وعلى قمة الترتيب العالمي تأتي شركة لوكهيد مارتن تليها بوينج -وكلتاهما أمريكيتان- وفي المرتبة الثالثة بي.إيه.إي سيستمز البريطانية. وسجل معهد ستوكهولم نموا قويا في بعض شركات التوريد في الأسواق الناشئة ومنها كوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا. ولم يدرج المعهد في المسح الشركات التي يقع مقرها في الصين بسبب ما وصفه بعدم توافر بيانات يعول عليها.

الشبح الصينية

على صعيد متصل قال رئيس أكبر شركة لصناعة الطائرات في الصين إن مقاتلة الشبح الصينية الجديدة يمكنها بالتأكيد "اسقاط" غريمتها في الجو في إشارة إلى نظيرتها الأمريكية. وأدلى لين تشوه مينغ رئيس شركة صناعة الطيران الصينية التي طورت الطائرة المقاتلة الشبح جيه-31 بهذا التصريح في مقابلة مع تلفزيون الصين المركزي (سي.سي.تي.في). وقال لين "عندما تنطلق في السماء يمكنها قطعا اسقاطها" في إشارة إلى المقاتلة إف-35 أمريكية الصنع.

وأكد لين على رغبة الشركة في منافسة الولايات المتحدة في الأسواق الجديدة لاسيما في الدول التي لا تبيع لها واشنطن معدات عسكرية فضلا عن الدول التي لا تتحمل ثمن المقاتلة إف-35 الأعلى سعرا. وأضاف "لا سبيل أمام القوات الجوية في الجيل التالي غير القادرة على شراء إف-35 لبناء نفسها. نعتقد أن هذا الوضع يجب الا يستمر. "لا بد ان يكون العالم متوازنا... يجب ألا تقتصر الاشياء الجيدة على طرف واحد." وكشفت الصين عن المقاتلة ذات المحركين التي طال انتظارها في معرض جوي الشهر الماضي في استعراض للقوة اثناء زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للبلاد.

الولايات المتحدة

في السياق ذاته وضعت الحكومة الأمريكية سياسة لتصدير الطائرات بدون طيار العسكرية والتجارية بما في ذلك الطائرات المسلحة وقالت إنها تعتزم العمل مع دول أخرى لصياغة معايير دولية لاستخدام تلك الأسلحة المثيرة للجدل. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها ستسمح بتصدير الطائرات الحربية الأمريكية بدون طيار الفتاكة بموجب شروط صارمة بينها أن تتم المبيعات من خلال برامج حكومية وأن توافق الدول المستقبلة للطائرات على بعض "تطمينات الاستخدام النهائي".

ولا تزال تفاصيل السياسة سرية وتأتي بعد مراجعة استغرقت عامين وسط طلب متزايد من حلفاء الولايات المتحدة على النوع الجديد من الأسلحة الذي لعب دورا رئيسيا في التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق واليمن. وقد تساعد السياسة الجديدة الشركات الأمريكية على تعزيز مبيعاتها من الطائرات العسكرية والتجارية بدون طيار في سوق عالمية تحتدم فيه المنافسة بشكل متزايد.

وطالما حثت شركة جنرال أتوميكس الخاصة التي تصنع طائرات بدون طيار من طراز بريداتور وريبر وشركة نورثروب جرومان كورب وشركة تيكسترون وشركات الأسلحة الأخرى واشنطن على تخفيف القيود الصارمة على الصادرات التي يقولون إنها أدت إلى خسارة أوامر توريد لإسرائيل ولدول أخرى. وقال ريمي ناثان نائب رئيس جمعية صناعات الفضاء إن السياسة الجديدة ستساعد على نحو مثالي الصناعة على تحسين فهمها لعملية المراجعة المعقدة الحالية لصادرات الطائرات بدون طيار.

وأضاف أن الجمعية طلبت إفادة خاصة بشأن السياسة الجديدة. جاء التحول بعد أيام من اقتراح أجهزة تنظيم الطيران الأمريكية قواعد من شأنها رفع القيود على استخدام الطائرات بدون طيار للأغراض التجارية لكنها في الوقت نفسه ستقيد أنشطة مثل عمليات مراقبة خطوط أنابيب النفط. يأتي التغيير أيضا بعد تحذيرات صارمة من كبار المسؤولين الأمريكيين من التقدم السريع الذي احرزته الصين وروسيا وخصوم محتملون آخرون في تكنولوجيا الأسلحة بما في ذلك نظم الطائرات بدون طيار.

باكستان اكبر مستورد

الى جانب ذلك تراهن باكستان، اكبر مستورد للتجهيزات العسكرية، على نموذج جديد من طائرتها القتالية "جاي اف-17" لتصبح مصدرا كبيرا للأسلحة وتدعم اقتصادها الهش. والجيش الباكستاني الكبير الذي يعتبر المؤسسة الاكثر نفوذا في البلاد، استورد لوقت طويل القسم الاكبر من عتاده العسكري من الخارج، مقتربا في السنوات الاخيرة من الصين بعد ان تعامل طيلة عقود مع الولايات المتحدة.

ويأمل الجيش الان في قلب هذا الاتجاه مع دباباته وطائراته الاستطلاعية من دون طيار، وكذلك مع نموذجه الجديد لطائرة "جاي اف-17" التي تم تصميمها وتطويرها بمساعدة بكين. والطائرة الجديدة التي صنعت في المجمع الوطني لصناعة الطيران في محيط العاصمة اسلام اباد، كانت احد نجوم المعرض الدولي للتجهيزات العسكرية في كراتشي العاصمة المالية للبلد المسلم الوحيد الذي يملك السلاح الذري.

وسيتم تسليمها في بادىء الامر لسلاح الجو الباكستاني الذي يقصف بكثافة منذ اشهر عدة مواقع لحركة طالبان وغيرها من المجموعات المتمردة الاسلامية المسلحة في المناطق القبلية شمال غرب البلاد، الحدودية مع افغانستان. واعلن رئيس المجمع الوطني لصناعة الطيران الماريشال جواد احمد "سنسلم القوات المسلحة 16 طائرة جاي اف-17 (النموذج الجديد) سنويا". واوضح ان الطائرات الخمس الاولى ستخرج من المصانع التي تتمتع بطاقة انتاج 25 طائرة في السنة.

وبدا الجيش الباكستاني في 2010 باستخدام اولى طائراته من طراز "جاي اف-17". الا انه لم يستخدمها في غاراته الجوية الاخيرة في شمال غرب البلاد مفضلا عليها الطائرات الحربية الكلاسيكية اف-16 الاميركية الصنع. ولم يكشف الماريشال عن سعر الطائرة الجديدة "جاي اف-17". لكن "عددا من الدول النامية ابدت اهتماها" بالطائرة الحربية الباكستانية الجديدة، كما قال. ولم يذكر الماريشال اسماء هذه الدول، لكن مصادر مقربة من الملف اشارت الى دول في اسيا الوسطى واميركا الجنوبية وافريقيا.

وطائرة "جاي اف-17" الجديدة مزودة خصوصا بقدرة كبيرة على حمل الصواريخ وبنظام افضل للتزود بالوقود جوا، كما اوضح الماريشال احمد الذي يصف الطائرة على انها طائرة خفيفة تفوق سرعتها سرعة الصوت ومتعددة المهمات قادرة على العمل حتى علو يقارب 17 الف متر. وراى المحلل والاختصاصي الباكستاني في مسائل الدفاع حسن عسكري، ان باكستان تامل في اقناع زبائنها المحتملين بالرابط الجيد بين نوعية الطائرة وسعرها، وهي تقصد خصوصا دول الخليج التي تدعمها عسكريا.

وعلى الرغم من ان السلطات تجنبت حتى الان الكشف عن سعر الطائرة، الا ان الخبراء في القطاع يتوقعون ان يكون دون ثمن الاف-16 الاميركية الذي يراوح بين 16 و18 مليون دولار (13 الى 14,6 مليون يورو). ولفت عسكري الى انه مع بيع هذه الطائرة "تضطلع باكستان بدور جديد" في تزويد التكنولوجيات المتقدمة ذات معدلات الارباح العالية.

الهند

في السياق ذاته اعلن رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي خلال معرض الدفاع والطيران في بنغالور ان الهند لا تريد ان تظل المستورد الاول للأسلحة في العالم وتريد ان ترفع الى 70% نسبة المعدات العسكرية المصنعة على ارضها بحلول خمس سنوات. واكد مودي الذي كان تعهد خلال حملته الانتخابية بزيادة الاستثمارات ان الحكومة ستشجع المزودين الذين يصنعون على اراضيها عند التوقيع على عقود.

وصرح في معرض ايروانديا الذي ينظم كل عامين في بنغالور "نحن معروفون باننا المستورد الاول للمعدات العسكرية في العالم". وتابع بحضور مئات الصناعيين من الهند والخارج "ربما الموضوع ليس جديدا بالنسبة الى البعض منكم هناك لكنه مجال نريد ان نكون فيه في الصدارة". واضاف "نقوم بإصلاح سياسة التزود بالمعدات الدفاعية وسنعطي تفضيلا واضحا لكل ما يتم تصنيعه في الهند".

وتبدي الهند منذ عقود رغبة في الحد من استيراد الاسلحة لكن دون ان تتوصل الى تحقيق ذلك اذ تواجه الدولة ايضا مشكلة تقادم المعدات الموجودة لديها. ومنذ توليه الحكم في ايار/مايو، رفع مودي الى 49% نسبة مساهمة مستثمر اجنبي في مجموعة دفاعية في الهند. واعرب مودي عن الامل في رفع نسبة المعدات العسكرية المصنعة في الهند من 40 الى 70% بحلول 2020. وقال ان "امة لديها صناعة عسكرية قوية ستستفيد ليس فقط على صعيد الاستقرار بل على صعيد الاقتصاد ايضا".

ومضى يقول "60% تقريبا من معداتنا العسكرية مستورد ونحن ننفق عشرات مليارات الدولارات لشرائه من الخارج"، مشيرا الى ان "بعض الدراسات تظهر ان خفض وارداتنا ب20 الى 25% يمكن ان يؤدي الى توفير بين 100 و120 الف وظيفة لذوي التخصصات في الهند". وتشارك في معرض بنغالور مئات المجموعات الدفاعية والجوية لا سيما داسو وايرباص وبوينغ. وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الاولى مع تمثيلها من قبل 64 شركة تليها فرنسا وبريطانيا وروسيا واسرائيل. بحسب فرانس برس.

ومن بين المقاتلات المعروضة طائرة رافال من تصنيع داسو التي وقعت عقدها الاول للتصدير مع مصر. وتخوض الهند مفاوضات حصرية مع داسو منذ ثلاث سنوات لشراء 126 مقاتلة رافال الا ان المحادثات تتعثر خصوصا حول مسالة المسؤولية في حال بروز مشاكل في الطائرات ال 108 التي سيتم تصنيعها في الهند. وتعتبر الولايات المتحدة المزود الاول للهند بالأسلحة منذ 2013 متجاوزة بذلك روسيا الحليفة التقليدية للهند.

تنظيم تجارة السلاح

الى جانب ذلك بدأ سريان معاهدة عالمية لتجارة السلاح لتنظيم تجارة قيمتها 85 مليار دولار ومنع وصول الأسلحة إلى منتهكي حقوق الإنسان والمجرمين لكن مجلس الشيوخ الأمريكي لم يصدق عليها بعد. ورحب مؤيدو المعاهدة بهذه الخطوة لكنهم قالوا إنها تأخرت كثيرا. وقالوا إن المعاهدة التي وقعتها الولايات المتحدة عام 2013 ستفرض على مصدري السلاح في العالم معايير صارمة للتصدير مقارنة بالمطبقة بالفعل في الولايات المتحدة وديمقراطيات غربية أخرى.

وقالت آنا ماكدونالد مديرة جماعة الضغط المعروفة باسم (الحد من الأسلحة) "الناشطون يضغطون من أجل مجيء هذه اللحظة منذ عشر سنوات." وأضافت أن هذا سيكون "فجر حقبة جديدة." وقالت "هذه المعاهدة إذا طبقت بهمة قادرة على إنقاذ الكثير من الارواح وتوفر حماية مطلوبة لمدنيين مهددين في أنحاء العالم. أخيرا أصبح الآن وضع السلاح في يدي منتهكي حقوق الإنسان والمستبدين مخالفا للقانون الدولي." بحسب رويترز.

ووقعت 130 دولة على المعاهدة لكن لم يصدق عليها سوى 60 فقط. وكان سريان المعاهدة يحتاج إلى تصديق 50 دولة. ووقعت الولايات المتحدة أكبر مصدر للسلاح في العالم معاهدة تجارة السلاح في سبتمبر أيلول عام 2013 لكن مجلس الشيوخ لم يصدق عليها بعد. وتعارض الرابطة الوطنية للبنادق وهي جماعة ضغط أمريكية قوية التصديق على المعاهدة على الرغم من انها متعلقة فقط بتصدير السلاح لا بمبيعاته في الداخل. ولم توقع دول من كبار مصدري السلاح مثل روسيا والصين والهند وباكستان على المعاهدة. ومن بين كبار الدول المصدرة للسلاح التي وقعت عليها بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

اضف تعليق