q

الخلافات الخليجية–الخليجية قديم قدم الكيانات في هذه المنطقة، فقد دخلت امارات وقبائل الخليج العربية في صدامات وحروب وغارات عديدة، على الاراضي والغنائم، وكان الانكليز اهم طرف محرض على الفتن بينهم من اجل ابقاء سيطرتهم على المنطقة، ولكن بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة عام 1970، واستقلال امارات الخليج العربية بدا نوعا من الهدوء بينها، الا انه كان هدوءً مؤقتا تتخلله بعض المشاكل بين الحين والآخر.

واهم هذه الحوادث كانت حوادث على الحدود، كالخلاف السعودي الاماراتي، السعودي والقطري، وبين البحرين وقطر، وبين عمان والامارات، وبين الكويت والسعودية، وكادت هذه الحوادث ان تقود الى حرب بينهما، واهم هذه الحوادث المصادمات بين الامارات والسعودية حول منطقة (واحة البريمي العين حاليا) وبين الاخيرة وقطر حول مخفر (الخفوس) الحدودي، وبين قطر والبحرين حول جزر (منطقة الزبارة وجزر حوار وفشت الدبل)، الا ان تدخل بعض الدول العربية وبريطانيا كان يهدئ من الامر.

ولم تكن الخلافات الحدودية هي الوحيدة بين هذه الدول بل كان البحث عن دور لها في المنطقة العربية والاقليمية هو سبب آخر لأسباب التنافس بينهما، فقد كان لأحداث الربيع العربي عام 2011، بداية التسابق بين دول الخليج لأخذ دور -يفوق قدرات وامكانيات بعض هذه الدول- في احداث المنطقة بدءً من سوريا الى ليبيا واليمن والعراق ومصر، فكان السباق مزدوجا، البحث عن نفوذ من جهة وارضاء الاطراف الدولية التي حاولت زج دول الخليج العربية في اتون مشاكل المنطقة من جهة اخرى، فدخلت هذه الدول مباشرة او بصورة غير مباشرة في احداث المنطقة، ودعمت تيارات سلفية وارهابية متطرفة، وتيارات مدنية على السواء، وتحالفت مع دول اقليمية غير عربية ضد دول عربية، واصبحت تتصرف في امور الجامعة العربية من غير رادع او مانع، مثل تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، وهي اقدم من دول الخليج العربية تأسيسا، وهي عضوا مؤسسا للجامعة العربية، والمساهمة في اسقاط نظام الرئيس الليبي السابق (معمر القذافي) بحجة الديمقراطية التي يعاقب على من يدعو لها في دول الخليج العربية.

فكان السباق بين هذه الدول غير المهيأ له، وغير المتزن، مع ضعف خبراتها في القضايا الخارجية، سببا لحصول أزمات بين هذه الدول بل وصل الامر الى التنافس المحموم، والمشاكل التي بدأت تظهر على السطح واهمها الخلافات بين قطر ودول الخليج الاخرى.

ان الخلاف القطري السعودي خلاف قديم، كان في بدايته على الحدود ثم تطور الى خلاف على النفوذ والسيادة في المنطقة، خاصة وان قطر من اهم داعمي الاخوان المسلمين في المنطقة العربية، وتستضيف على اراضيها عدد كبير من قيادات الاخوان ومنهم (يوسف القرضاوي)، كما ان تصريحات امير قطر (تميم بن حمد) التي قال فيها "انه من غير الحكمة معاداة ايران، ورفض تصعيد الموقف معها، كما وادان وضع حزب الله وحركة حماس على قائمة الارهاب، معتبرا انهما حركتا مقاومة" لم تكن الاولى، فموقف قطر من ايران معروفا من زمن، وهو عدم التصعيد معها، بل توجد روابط كثيرة بينهما واهمها حقول الغاز المشتركة والتجارة بين البلدين، وهناك زيارات متبادلة بين مسؤولي الدولتين.

لهذا فإن هجوم الامارات على قطر بحجة تفضيلها ايران على دول الخليج غير مبرر، لان علاقة الامارات بإيران راسخة وقوية، فالميزان التجاري بين الدولتين يفوق الميزان التجاري بين ايران ودول الخليج الاخرى مجتمعة، وتوجد شركات ايرانية كبيرة وكثيرة في الامارات، اضافة الى جالية ايرانية فيها، كما ان حجة السعودية ضد قطر غير واقعية ايضا، فعمان مثلا هي دولة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي ولها علاقات مع ايران واتفاقيات دفاع مشترك، الا ان لم نرى موقفا سلبيا للسعودية من عمان وحكومتها، حتى تصريحات امير قطر من اسرائيل امر غير خافي على احد ولا يمكن للسعودية ان تحذر منه فهناك علاقات تجارية إسرائيلية مع البحرين والامارات، والاردن ومصر والمغرب لها علاقات مع اسرائيل، وهذا غير خافي على السعودية.

من مما تقدم يدرك البعض ان الخلاف الخليجي القطري لم يكن سببه تصريحات امير قطر وتقاربها مع ايران، بل هناك عدد من الامور القديمة والحديثة اجتمعت لتنتج هذا الموقف الخليجي الذي قد يقود الى اشعال نار في المنطقة، من هذه الاسباب هي:

1- زيارة الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) للمنطقة، الذي شارك في ثلاث قمم هي قمة مع السعودية صاحبة الارض، وقمة مع دول الخليج العربية، وقمة (البيعة الكبرى) مع اكثر من خمسين دولة عربية واسلامية، تركزت اغلبها على مكافحة الارهاب، والدول الراعية له، اذ عدت ايران احدى الدول الداعمة للإرهاب، لهذا فان امريكا وبعد ميل بعض الدول العربية والاسلامية الى عدم تصديق الروايات الغربية حول علاقة ايران بالإرهاب، لهذا اتجهت الى اضافة دولة اخرى معها من اجل زيادة الاحتقان في المنطقة من جهة، وضرب دول المنطقة بعضها ببعض من جهة اخرى، هنا بدأت بعض وسائل الاعلام تتناقل عن احتمال فرض عقوبات امريكية على قطر، وهو ما يبين الدور الامريكي في هذا الخلاف.

2- التنافس الامريكي البريطاني، ان النفوذ البريطاني في الخليج هو قديم ويعود الى بداية حركة الاستعمار الاوربية، اذ كانت اغلب دول الخليج الحالية امارات تحت النفوذ الانكليزي، الا ان انسحاب بريطانيا عام 1970 من المنطقة فتح المجال لأمريكا لتحل محلها في المنطقة، بل واصبحت سيدة الموقف فيها، الا ان انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوربي وزيارة رئيسة الوزراء (تريزا ماي) لدول الخليج ولقاءها قادته، ووقوفها معهم ضد التهديدات الايرانية –حسب قولها- كل هذا كان دليل على عودة النفوذ البريطاني للمنطقة بصورة اكثر صراحة من الماضي، لهذا فإن امريكا ادركت الموقف وبدأت بجمع اكثر من خمسين دولة اسلامية في السعودية للحصول على التأييد لها، لذا نرى ان هذا التنافس بين الدولتين هو من الاسباب الاخرى للخلاف الخليجي القطري.

3- وقوف بعض الدول العربية التي لها مواقف سابقة من قطر الى جانب السعودية والامارات، ومنها مصر التي تتهم قطر بدعم حركة الاخوان المصرية وتستضيف بعض قادتها في الدوحة، اذ حجبت هذه الدول بعض القنوات والصحف القطرية، وهو ما شجع دول الخليج الاخرى في التشدد في موقفها من قطر.

4- الدور الاقليمي، ان ثورات الربيع العربي حركت بعض دول الخليج العربية ومنها قطر للبحث عن دور اقليمي لها بعيدا عن السعودية، وهو ما لم تهضمه السعودية التي تريد ان تكون سياسات دول المنطقة تتلاءم مع سياساتها، أي تكون قائدا لدول الخليج العربية، كما ان وقوف قطر مع حركة الاخوان المسلمين التي تعدها السعودية والامارات حركة مسيسة (ارهابية) هو ما جذر الخلاف بين الدولتين.

5- ان تصريحات امير قطر الحالي حول ايران هي نابعة من نظرتها الواقعية للأمور البعيدة عن التعبئة الطائفية الضيقة، فقد ابصرت قطر ما لم تبصره السعودية، فعلى الرغم من احتضان قطر لحركة الاخوان المسلمين وامتلاكها قنوات ذات نبرة طائفية، الا انها تنظر الى الامور في المنطقة نظرة واقعية، وتنظر الى دور ايران الظاهر للعيان، وخاصة بعد الاتفاق النووي مع الغرب، الذي باركته قطر قبل غيرها، وهو ما جعل السعودية تحمل الحقد عليها، ان نظرة السعودية ضد ايران وامكانية مواجهتها، سوى بالمقاطعة الاقتصادية او الاعتماد على امريكا والغرب اثبتت فشلها لدى قطر وبعض دول المنطقة، هذا ما جعل السعودية تتخبط في سياساتها ضد الدول الاخرى وتتهمها بالعمالة لإيران بل وحتى بالإرهاب.

6- الحساسية القطرية من الدعم السعودي المتواصل للمعارضة القطرية وخاصة بعد محاولاتها عودة امير قطر السابق (خليفة بن حمد ال ثاني) للحكم بعد الانقلاب عليه عام 1995، اذ اتهمت قطر السعودية بتدبير انقلاب ضد الامير السابق (حمد بن خليفة) عام 1996، من هذه النقطة كان الحذر القطري من السعودية والوقوف ضدها في بعض القضايا الاقليمية والدولية.

7- انتقاد الرياض لقاء وزير الخارجية القطري بالقادة الإسرائيليين وزياراته السرية المتكررة لتل أبيب، وهو ما يقلل من شأن الجهود التي تبذلها السعودية لإنهاء المشكلة الفلسطينية، التي تريد ان يكون للسعودية دورا محوريا فيها، كما تتهم قطر بتحويل الدوحة إلى قاعدة للاستخبارات الإسرائيلية، للتجسس على دول الخليج.

بعد الشد والجذب بين قطر من جهة والسعودية والامارات والبحرين من جهة اخرى فإن هذا الخلاف سوف يقود الى عدة سيناريوهات وهي سوف تحدد نهاية هذا الخلاف، سوى بالحل السلمي او امور اخرى، ومنها:

1- السيناريو الاول، استمرار الخلاف مع التصعيد، تصاعد الخلاف بين قطري وكلا من السعودي والامارات في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، وهو ما ينذر بتصعيد غير مسبوق في الخلافات الخليجية، حتى وصل حد التهديد بقطع العلاقات بينهما، مما قد يتسبب هذا الخلاف من انفراط عقد مجلس التعاون الخليجي، خاصة بعد ان اصبحت السعودية تتحكم في مجلس التعاون الخليجي وحتى الجامعة العربية، اذ ان تجميد عضوية سورية في الجامعة كان بدفع من الرياض، لهذا لا يمكن استبعاد تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي او الجامعة العربية، كما ذكرت بعض وسائل الاعلام بتهديد بعض المسؤولين السعوديين لنظرائهم القطريين باحتلال دولتهم إذا لم يكفوا عن التصعيد خاصة وان هناك مطالب سعودية بقطر باعتبارها جزأً من اقليم الاحساء، والاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول مقتل القيادي في حماس المقيم في الامارات (محمود المبحوح) عام 2010.

وللتأثير السعودي على بعض دول الخليج والدول العربية والاسلامية فقد تلجأ الى معاقبة قطر من خلال سحب سفراء بعض الدول منها، وتحجيم التعاون الاقتصادي معها، اضافة الى عقوبات قد تشمل قطاعات الغاز القطر الذي يعد عصب الحياة فيها، وقطر من جانبها ايضا بدأت باستثمار وسائل ضد السعودية من خلال قنواتها الفضائية واسعة الانتشار من خلال تقارير ضد العائلة المالكة في السعودية، واستضافة معارضين للحكم السعودي، كما ان أي تباعد بين قطر ودول الخليج سيصب في صالح ايران التي ستجعل من قطر قاعدة مهمة للانطلاق نحو البحرين وشرق السعودية، بل هناك دول اخرى ستكون حاضرة في هذا الخلاف لمصالحها الخاصة مثل تركيا التي لها خلافات مع الرياض، واسرائيل التي تريد لها موطئ قدم في المنطقة المهمة، لهذا لا نستبعد توتر العلاقات بين الطرفين واشتدادها، الا انها لن تصل الى مرحلة الحرب مفتوحة وطويلة، قد تكون مناوشات بسيطة كما حصل بين قطر والسعودية عام 1992، وبين الامارات والسعودية عام 2010، لان كلا الطرفين غير مستعدين للحرب الشاملة والواسعة.

2- السيناريو الثاني، هو استمرار الخلاف مع عدم التصعيد، ان اكثر الخلافات في المنطقة هي بين الدول العربية نفسها، وهي حالة طبيعية وموجودة بين اغلب الدول العربية، حتى بين دول المغرب العربي هناك خلافات بين الجزائر والمغرب، والجزائر وتونس، وموريتانيا والمغرب، وان خوف الدول العربية من بعضها البعض يفوق خوفها من الدول الاقليمية والعالمية الاخرى، وهذا جاء عن تجارب بينهم، فقد ساهمت الدول العربية في الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، والفوضى في ليبيا والحرب في اليمن وسوريا، ومحاولة اثارة الفوضى في مصر، وعلى هذا فان الخلاف القطري الخليجي ليس الاول ولن يكون الاخير، كما ان التشدد السعودي الاماراتي ضد قطر من خلال الحرب الاعلامية، واغلاق الحدود بينهما سوف يقود الى استمرار الخلاف، الا ان التصعيد سوف يقف على التراشق الاعلامي وتبادل الاتهامات فقط من دون أي تصعيد عسكري بينهما، لان كلا الطرفين غير راغبة او جادة في التصعيد، خاصة وان الاوضاع في المنطقة بشكل عام غير مستقرة، ولا تتحمل أي تصعيد اخر، وان السعودية والامارات تخوضان حربا في اليمن منذ سنتين بدون أي تقدم على الارض، لهذا فان فتح أي جبهة جديدة ليس في صالحهما، بل سوف تستفاد منه دول اخرى في المنطقة، لهذا ان الخلاف قد يبقى بينهما، ولكن لن يكون خلافا عميقا ودائما.

3- السيناريو الثالث، هو الحل السلمي للخلاف، ان الخلافات الخليجية-الخليجية مستمرة وقديمة وتحدث بين مدة واخرى بين هذه الدول، قبلها حدثت خلافات بين السعودية والامارات وصلت ايضا الى تراشق اعلامي واتهامات بين الطرفين، والخلاف بين عمان والسعودية حول قضايا المنطقة والعلاقة مع ايران، لهذا فان هذه الخلافات طبيعية وتاريخية تظهر بين الفينة والاخرى، كما ان هناك وساطات من دول اخرى لحل هذه الخلافات ومنها –حسب ما ذكرت بعض وسائل الاعلام- وساطة دولة الكويت، بعد زيارة امير قطر للكويت والتباحث مع امير الكويت.

كما ان قطر ومنذ بداية الازمة تحاول التخفيف منها ابتداءً من تكذيب تصريحات نسبت لأمير قطر، وانه موقع وكالة الانباء القطرية تعرض لقرصنة الكترونية، كما ان وزير خارجية قطر اكد على اهمية العلاقات مع دول الخليج، واندهاشه من الهجوم الخليجي على قطر، حتى ان ايران وعلى لسان رئيسها (حسن روحاني) اكد لأمير قطر ان ايران تريد علاقات مستقرة مع دول الخليج العربية، وهي تصريحات تنم على تهدئة الموقف في المنطقة، كما وان لا يمكن لقطر ان تقف وحدها في مواجهة دول الخليج الاخرى، خاصة بعد زيارة الرئيس الامريكي للمنطقة، الذي فيما يبدوا اعطى الضوء الاخضر لدولها للتحرك بحرية في المنطقة، وهو ما تخشاه قطر من يكون هناك تحركا ضدها ايضا، لهذا فان احتمال حل القضية سلميا بين قطر ودول الخليج العربية هو احتمال وارد.

الخلافات الخليجية في حالة استمرارها سوف تقود الى الفوضى في المنطقة من خلال سياسة التحريض الامريكية لدول المنطقة ضد قطر كخطوة اولى، يتبعها خلافات اخرى بين السعودية ودول خليجية اخرى كعمان والامارات لإدخال المنطقة في الفوضى، هذه السياسة تذكر بسياسة امراء الاندلس المسلمين وتحالفهم مع ملك قشتالة لقتال بعضهم البعض الاخر الى ان انتهت بهزيمة العرب واخراجهم من الاندلس، هنا ستكون هذه حرب مفتوحة ضد قطر التي وصفها الاعلام السعودي شوكة في خاصرة العرب الخليجيين، وانها سوف تدفع الثمن، لهذا على دول الخليج العربية ان تدرك الخطر الداهم عليها وان تعي ان الخلافات بينها سوف تصب في مصلحة دول اخرى في المنطقة، لهذا سوف تدرك هذه الدول عاجلا ام اجلا خطورة الموقف، والبحث عن حلول لمشاكلها خاصة وان هذه المشاكل هي مشاكل بسيطة اذا ما قورنت مع مشاكل المنطقة الاخرى.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017

www.fcdrs.com

اضف تعليق