q

التحالف الجديد الذي أعلنته السعودية من دول اسلامية (سنّية) وبرعاية أمريكية مباشرة، قد لا يختلف في النتائج العملية عمّا سبقه قبيل الحرب على اليمن، لكنه كان ضرورياً للسعودية، كي تظهر إنها مازالت قادرة على قيادة (العالم الإسلامي) كما إنها رسالة موجهة الى روسيا وإيران ودول أوروبا، بأنها ليست وحدها، بل يقف وراءها كمّ كبير من الدول (السنّية)، كذلك إنها مازالت قادرة على حشد القوى التي تقاتل إرهاباً تتهم السعودية بدعمه وتشجيعه.

السعودية التي وجهت إليها اتهامات مباشرة من أكثر من دولة أوربية كما جاء على لسان نائب المستشارة الألمانية، والهجوم الذي شنته وسائل إعلام أوربية مختلفة على السعودية، إضافة الى اللافتات التي ربطت بينها وبين داعش، ومع عدم نجاح جهودها في اليمن وتخلي الحلفاء عنها ومن ثم اضطرارها للاستعانة بشركات خاصة من كولومبيا وأمريكا من دون فائدة، وجدت نفسها في موقف حرج، فلا دعمها للمجموعات المسلحة نجح في إسقاط النظام السوري بعد ست سنوات، ولا العلميات الإرهابية الكثيفة في العراق منذ أكثر من عشر سنوات، أفلحت في إسقاط العملية السياسية.

حتى ظهور داعش السريع بكل اندفاعه، ورغم تزويد الشركات السعودية وحلفائها له، بما يقرب من (60) ألف سيارة رباعية الدفع من طراز تويوتا –حسب بيان الشركة المصنعة ذاتها– لم ينجح في اختراق مناطق الخصم المذهبي، بل تراجع حتى في المناطق التي احتلها، ومن ثم ألحق ضرراً بالغاً في العرب السنّة، فإنخرط الكثير منهم للقتال ضده، فيما أصبحت أكثرية السكان هناك، نازحة في مناطق مختلفة من العراق لا سيطرة لداعش عليها.

السعودية بعد سلسلة الإخفاقات التي عانتها، بدأت تفقد موقعها تدريجياً، ومن ثم لم تعد لها أهمية سوى في كتلتها المالية التي مازالت تستطيع تجييرها لشراء ولاءات دول أو إثارة الاضطراب في المجتمعات.

أمام هذه المعطيات مجتمعة، سارعت السعودية بالإعلان عن ذلك التحالف لتجديد أهمية تتراجع بإطراد.

أما أمريكا، فهي رابحة في الحالتين، فمن ناحية تحاول إيهام روسيا وإيران وسوريا، بأن مواجهة تحالف بهذا التنوع والإمتداد ليس سهلاً، وبما ان دوله حليفة لأمريكا، فبإمكان الأخيرة استخدامه لصالحها في تنافسها مع روسيا، ومن ناحية أخرى تستنزف المزيد من الكتلة النقدية للسعودية وتزجها في المزيد من ((المعارك)) غير الناجحة كما في اليمن.

ترامب الأمريكي وخادم الصالة السعودي

أمريكا بحاجة إلى الإسلام المتشدد لابتزاز حلفائها الأوربيين، فالدول الأوربية كانت بحاجة إلى الحماية الأمريكية من (الاتحاد السوفييتي) وحلف وارسو بأنظمته الشمولية (الشيوعية) التي تتناقض والأنظمة الديمقراطية التي تتبعها أوربا الغربية.

نجح ذلك في تغذية الهواجس الأوربية طوال الحرب الباردة، لكن وبعد سقوط الأنظمة الشيوعية وإتباعها نهجاً ديمقراطياً بما فيها روسيا، بدأت أوربا تحاول فكّ ارتباطها مع أمريكا، فأنشأت عملتها الخاصة الموحدة (اليورو) وقطعت شوطاً في تمتين الإتحاد الأوربي، من هنا شعرت أمريكا بالقلق نحو ما يمكن أن يتطور موقف الاوربيين في المستقبل، خاصة بعد أن تلعب الجغرافيا والمصالح دوراً في اقتراب أوربا نحو روسيا التي ترتبط معها بمصالح متشابكة ومتبادلة منها الغاز والنفط والتعاون في مجالات عديدة أخرى.

انطلاقاً من ذلك، بدأت أمريكا بالتجسس على أقرب حلفائها كما أثير قضية المستشارة الألمانية وقبلها في الرئاسة الفرنسية، لكن ذلك لم يكن مجدياً في وقف التوجهات الأوربية الآخذة بالابتعاد عن قيادة أمريكا، وربما جاءت الدعوات الأخيرة لإعادة النظر في طبيعة التحالفات الأوربية، بمثابة جرس إنذار لأمريكا.

على ذلك كان لابد من ايجاد عدو شرس بديلا للشيوعية، عدو لايتوانى عن الضرب في قلب العواصم الأوربية ومن ثم زجها في رعب يجبر أوربا للعودة الى بيت الطاعة الأمريكي.

رغم إن ذلك العدو (الإرهاب) أعلن عن نفسه بضرب أمريكا أولاً، ومازال يشاغب هناك، إلا انه لايشكل خطراً استراتيجياً على أمريكا كما هو في أوربا، التي تستعيد تاريخ التصادم مع الإسلام منذ احتلال الأندلس ومعركة بواتيية والخطر العثماني الذي كان يطرق أبواب أوربا، بل وتوغل في قلبها وصولا الى مشارف فيينا..

السعودية التي وضعت باعتبارها ابتزاز الدول –بما فيه السنيّة منها– بعد أن نشرت عقيدتها على مساحات واسعة من العالم، واخترقت فيها مجتمعات عديدة ومتنوعة، من خلال مجاميع باتت تتكاثر ذاتياً، لذا تبدو السعودية مطمئنة في نجاح استراتيجيتها، فمحاربة هذا النوع من الإرهاب المتغلغل في المجتمعات، باتت تزداد صعوبة الا بعمليات بتر تبدو شديدة الإيلام، إذ يتطلب ذلك تغييرات جذرية في توجهات ودساتير دول دفعت الكثير من أجل إقرارها، ورغم إن العالم بات يدرك دور السعودية في نشر التشدد، الا إن ضربها أو إسقاط نظامها، قد يزيد في وتيرة الإرهاب –وإن لسنوات قادمة– إذ سيفسر بأنه بمثابة حرب على الإسلام كله باستهداف مقدساته، وهكذا تجدد السعودية دورها بإرسال رسالة للعالم مفادها إنها قادرة على جعل الإرهاب ينحسر كما جعلته ينتشر.

على هذا الحسابات، أعلنت السعودية عن تحالفها الذي ضم الكثير من الدول (السنيّة) فبدا المشهد إن الأمور بالنسبة للسعودية تسير على مايرام، لكن الحسابات تكشف عن معطيات أخرى قد لاتصّب في مصلحتها، فهي بإعلانها هذا قد كشفت حقيقة توجهاتها ودورها، ومن ثم وضحت رسالتها الضمنية الى العالم (كما نشرته أستطيع جمعه).

لكنها في هذا المعطى، وقعت في مطب ستحصد نتائجه السلبية لاحقاً، فقد جمعت المعسكر الذي تشكل مجتمعاته حواضن الإرهاب ومنتجه، وهذا ماكان ينتظره العالم: إعلان الإرهاب عن نفسه رسمياً كي يسهل التحالف ضده رسمياً كذلك.

إن الفخ الذي نُصب للسعودية يبدو متقناً بما يكفي، فهي إن كانت جادة في محاربة الإرهاب، ستحدث مشاكل كبيرة في مجتمعها الداعم بأكثريته لداعش أو المحبذ لاستمرارها، وإن لم تكن جادة كما هو متوقع، فذلك يعني استمرار الإرهاب بوتائر أعلى، ومن ثم تفقد السعودية آخر دعائم وجودها، عندها ستضطر الى الإعلان عن حقيقة ذلك التحالف بأنه يستهدف تنظيمات هي خارج إطار التصنيف بالإرهاب كالحشد الشعبي وحزب الله وغيرها، كما استهدفت الحوثيين، عندها سيعيد العالم اصطفافه مع (أهون الشّرين) إن جاز القول.

المؤشرات على ذلك الإختيار ظهرت في الإجراءات الأمريكية والأوربية على المساجد والمؤسسات الدينية في تلك البلدان، فقد رفعت المراقبة عن المؤسسات والمساجد الشيعية بدعوى ان مراقبتها لم تظهر تبنيها لدعاوى العنف والحضّ على الكراهية، كما هي المساجد والمؤسسات التي تدعمها السعودية، وكان قد تخرج منها العديد ممن انخرطوا في عمليات إرهابية.

الإجراءات ضد المؤسسات المدعومة من السعودية، لم تقتصر على بلدان الغرب وحسب، بل اتخذته كذلك بلدان إسلامية كمصر التي أغلقت الكثير من تلك المؤسسات وحصرتها بالأزهر، كما ألزمت جميع أئمة المساجد بالخطب الدينية المقرة من الأوقاف المصرية، لمنع انتشار الوهابية، بعد أن بدأت مصر تعاني من الإرهاب بدورها.

وهكذا بدت الصورة بعد مؤتمر جدة، لاتختلف في مشهديتها كثيرا عما قبله، سوى إن السعودية هذه المرة، دفعت أموالاً طائلة، لتكون تحت الوصاية الأمريكية المباشرة، ومن ثم قبلت بدور (خادم الصالة).

* الدكتور علي السعدي، كاتب وباحث، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق