q

في سنة واحدة تحول الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون من رجل معروف قليلاً في فرنسا ومجهول خارجها إلى محط أنظار العالم، كقائدٍ غير متوقع للدفاع عن وحدة فرنسا وأوروبا، قبل ذلك قدم ماكرون نفسه على أنه وجه سياسي جديد يتمتع بتوجه خاص وندد بأنه لا يميني ولا يساري، داعياً الفرنسيين إلى الالتحاق به.

ففي 26 مايو/آيار من العام الماضي انطلق شباب الحركة "إلى الإمام" التي أسسها ماكرون في القرى والبلدات الفرنسية يطرقون الابواب ويشرحون أهداف الحركة الوليدة، وفي يوليو الماضي وسط العاصمة الفرنسية باريس ولأول مرة عقد ماكرون أمام أربعة الاف مناصر، تجمعه الأول للحركة ليعلن في 16 من نوفمبر الماضي نفسه مرشحاً عن الحركة، وفي العاشر من ديسمبر أمام تجمع حضره 16 ألفاً، عرض رؤيته لفرنسا الجديدة معلناً عن دينامية سياسية جديدة لحكم فرنسا، وفي 17 من فبراير الماضي في مدينة ليون كشف عن أبرز محاور مشروعه الانتخابي، وفي 23 من أبريل تأهل ماكرون إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، إلا أن خطابه في تلك الليلة، كان خطاباً رئاسياً قفز به اسبوعين إلى الإمام، وكان بمثابة إعلان الفوز برئاسة فرنسا، وفي السابع من أيار الجاري تمكن ماكرون من الفوز بالانتخابات الرئاسية الفرنسية بشكل رسمي على حساب منافسته اليمينة مارين لوبان، ليصبح رئيساً لفرنسا لمدة خمس سنوات قادمة.

إن النظام السياسي الفرنسي يعطي للرئيس المنتخب ديناميكية معينة، فهذا الفوز يفترض أن يلتحق به فوز في الانتخابات البرلمانية، وبالتأكيد فإن مهمة ماكرون ليست سهلة كما كانت مهمة شيراك وساركوزي وحتى هولاند؛ لأنه لا يمتلك حزبا تقليديا كبيرا، على الرغم من المعركة الرئاسية التي خاضته الحركة في مجمل الانتخابات الرئاسية، ولهذا فــإن أمام الرئيس الفرنسي الجديد مجموعة تحديات كبيرة "داخلية وخارجية" يتعين عليه التغلب عليها، لا سيما وأن اغلب المصوتين لماكرون هم من غير المقتنعين ببرنامجه الانتخابي لكنهم صوتوا له لقطع الطريق إمام منافسته المتطرفة مارين لوبان، أو صوتوا بالضد منها.

ومن أهم هذه التحديات هي:

1. الأغلبية البرلمانية: وهي أولى التحديات التي ستواجه ماكرون؛ لأن الفوز الرئاسي الذي حققه ماكرون في الانتخابات الرئاسية يفترض أن يلتحق به فوز في الانتخابات التشريعية التي ستجري في يونيو/حزيران المقبل، إذ يتعين علية تأمين أغلبية حاكمة في الجمعية الوطنية تمكنه من تنفيذ برنامجه، لاسيما وأنه لا يملك حزباً ولا يعرف أن كان سيحول حركته إلى حزب سياسي. وستبقى الانتخابات التشريعية هي المعركة الأساسية التي يتحتم على ماكرون كسبها. وهي واحدة من أبرز التحديات المقبلة التي ستواجه الرئيس الجديد، والتي على اساسها يمكن أن يشكل حكومته بأغلبية سياسية أو حكومة ائتلافية.

2. البرنامج الاقتصادي الليبرالي: الرهان الثاني الذي سيواجه ماكرون يتمثل في قدرته على اقناع الفرنسيين بأن برنامجه السياسي والاقتصادي كفيل بإخراج البلاد من المشاكل؛ لأن غالبية الشعب الفرنسي لا يؤيدون برنامجه الاقتصادي الليبرالي، وأولى التحديات التي ستواجهه في هذا الصدد هي النقابات العمالية، التي من الصعب أن تقبل ببرنامجه الاقتصادي والذي تصفه بـ"المتوحش".

3. الانقسام الداخلي الفرنسي: يتعين على الرئيس الجديد أن يعيد اللحمة بين الفرنسيين المنقسمين سياسيا وفكرياً، وأن يقنع باقي الفرنسيين الذين لم يصوتوا له والذين صوتوا له أيضاً، لاسيما مسلمي فرنسا الذين صوتوا لماكرون ليس حباً به وإنما بغضاً بمنافسته المتطرفة مارين لوبان، وهذا التصويت الذي حصل عليه ماكرون في الانتخابات الرئاسية قد يتغير في الانتخابات التشريعية، وقد لا يصب في مصلحته.

4. الاتحاد الأوروبي: أوروبيا، مطالب ماكرون بأن يجد اجواء جديد للاتحاد الأوروبي بالاشتراك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والدول الفاعلة في النادي الأوروبي، لكن مع الدفاع عن الرؤية الفرنسية وتجنب التماهي من المواقف الألمانية؛ لمواجهة الاصوات الداخلية المعارضة للاتحاد الأوروبي، لاسيما من قبل الجبهة الوطنية التي تقودها مارين لوبان.

5. دولياً: ستكون العلاقة مع واشنطن أكبر التحديات التي ستواجه الرئيس الفرنسي على الصعيد الدولي، وهي بمثابة اختبار لمدى قوته في فرض وجهة النظر الفرنسية، لاسيما في مجلس الأمن، وكذلك العلاقة بين باريس وواشنطن في حضرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المؤيد لمنافسته لوبان والقريب منها أيديولوجيا.

6. ملفات الشرق الأوسط: سيكون الملف السوري الامتحان الصعب والرهان الأكبر في المنطقة أمام ماكرون، لاسيما امام الرغبة الروسية التي تساند الرئيس السوري بشار الأسد، وقد تزداد صعوبة ماكرون مع تعثر مفاوضات جنيف وإصرار الدب الروسي وحلفاءه على مصالحهم في المنطقة.

7. العلاقة مع الدول الأفريقية: الرئيس الفرنسي الجديد يتحتم عليه بناء علاقة سياسة مختلفة مع الدول الأفريقية، ولا بد له من فتح صفحة جديدة معها على غرار العلاقة الجيدة مع الجزائر، لاسيما وأن اغلب الفرنسيين المجنسين هم أفارقة، وهذا ربما يساهم في الحفاظ على التركيبة الاجتماعية الفرنسية أمام التحديات الإرهابية المعاصرة التي تضرب فرنسا بين الحين والآخر.

8. فضلاً عن ذلك: ستكون مشكلة البطالة والإرهاب الذي يضرب فرنسا بين الحين والأخر، والهجرة وقضية اللاجئين والنمو الاقتصادي من المشاكل التي تمثل عقبة كبيرة بالنسبة لماكرون في ترسيخ مشروعه السياسي والاقتصادي.

وعليه سيحاول ماكرون، في حال لم يكسب الانتخابات البرلمانية أن يبني تكتلا واسعا فيه قيادة كبيرة من الوسط الفرنسي السيد فرانسوا بايرو "الذي قدم له دعم كبير ومنحه دعماً ثميناً قبل الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية"، وفيه أيضاً عناصر من اليمين والوسط وعناصر من الحزب الاشتراكي والجمهوري. ولربما يلعب السيد ماكرون لعبة التجميع، وخلق حكومة أشبه بحكومة الوحدة الوطنية، وأن تكون لها أكثرية. وهذا سيضطره إلى تقديم تنازلات واضعاف لموقعه الرئاسي لكن دون تعطيله، ومن خلال قوة التشكيلة الحكومية التي سيخرج بها الرئيس الجديد، وبغض النظر عما إذا كانت حكومة أغلبية او ائتلافية، إلا أن هذه التشكيلة أو التركيبة الحكومية، هل ستمكنه من تذلل العقبات الداخلية والخارجية، لاسيما على الصعيد الدولي أم ستكون تحدي آخر إمام الرئيس الجديد؟

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق