q

تمخضت القمة العربية – الإسلامية – الأمريكي عن "إعلان نوايا" بتأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، هدفه بالطبع، محاربة الإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار والسلم في الإقليم والعالم، سيجري العمل على استكمال إجراءات تأسيسه طوال السنة الحالية والقادمة، وستتوفر له قوة من 34 ألف جندي، تقوم بمهامها في سوريا والعراق كما ورد في إعلان الرياض، ويسانده في أداء مهامه مركز لرصد ومحاربة ثقافة التطرف والغلو "اعتدال"، ومركز آخر لتجفيف منابع التمويل المالي للجماعات الإرهابية، والمركزان سيتخذان من الرياض مقراً لهما.

ثمة أسئلة وتساؤلات عديدة، لم تجب القمة ولا إعلانها الختامي عليها، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: لماذا يتخذ التحالف من "الشرق الأوسط" نطاقاً جغرافياً له، في العادة يجري تسمية تحالفات من هذا النوع بالعربي أو الإسلامي... مفهوم أن يجري توسيع النطاق الجغرافي للتحالف، ليشمل دولاً غير عربية، تركيا ودول آسيوية وأفريقية، وهذا أدعى لأن يكون التحالف تحالفاً إسلامياً استراتيجياً ، طالما أن جميع من شارك في القمة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي... أما أن يقال "شرق أوسطياً" فأحسب أنه يفتح الباب لنظرية ترامب التي تحدث فيها عن "ناتو" عربي – إسلامي – أمريكي – بمشاركة إسرائيلية تتقرر وتحدد ملامحها لاحقاً، وليس من لحظة البدء بالضرورة... وجود الولايات المتحدة في هذا الحلف، لا يجعل منها حلفاً شرق أوسطياً، فالولايات المتحدة خارج هذا النطاق، وربما كان ممكناً "تفهم" تسميته بالحلف الاستراتيجي العالمي، باعتبار أن محاربة الإرهاب قضية كونية أولاً، ولدرء الشبهة التحضير لضم إسرائيل للحلف، أو للقول بأنها صمم بهدف ضمها إليه ثانياً... على أية حال، تصريحات ترامب في إسرائيل عن "النظرة الإيجابية" التي يحتفظ بها قادة دول عربية عديدة لإسرائيل، تفسر التسمية أكثر من غيرها، وعلى نحو لا لبس فيه ولا غموض.

ثانياً: لماذا إرجاء تشكيل القوة العسكرية لهذا الحلف حتى العام 2018 وعدم تشكيلها الآن وفوراً... وما الذي يحتاجه أمر كهذا، في ظل توفر الدول المرشحة لعضوية التحالف على ملايين الجنود، تحت السلاح... ولماذا 34 ألف بالضبط، وليس 35 ألف مثلاً أو أربعين أو ثلاثين ألفاً... يوحي الرقم بأنه دقيق ومدروس للغاية، ويلبي احتياجات خاصة لعمليات ومهام مقرة سلفاً، مع أن الأمر ليس كذلك، وكان يمكن الحديث بأرقام تقريبية يترك أمر تحديدها لمشاورات لاحقة... ومن يضمن أن يكون مصير هذه القوة مغايراً لمصائر القوة العربية المشتركة، التي تقرر إنشاؤها قبل بضع سنوات ولم تر النور حتى يومنا هذا... أين سيكون مقر هذه القوة ومن هي قيادتها وممن ستتشكل وأي تفويض ستحظى بها... أسئلة مفتوحة.

ثالثاُ: قيل في إعلان الرياض، أن هذه القوة ستقاتل في سوريا والعراق إن تطلب الأمر... حسناً، وهل الإرهاب وعدم الاستقرار حكراً على هاتين الدولتين، أليس اليمن وليبيا أولى بالرعاية في هذا المجال... ثم، من قال إن داعش سيبقى في العراق وسوريا حتى نهاية العام 2018، وبفرض بقائه من قال أن الدولتين ستقبلان بنشر قوة من هذا النوع، وما هي تداعيات انتشارها على مسارات الأزمتين المفتوحتين... وهل تكفي قوة كهذه، لإلحاق الهزيمة بالإرهاب في البلدين، علماً بأن القوات العسكرية المشتبكة مع داعش هذه الأيام، تفوق بأضعاف مضاعفة هذا العدد المحدود من الجنود... هل يمكن للحكومة العراقية، التي يسيرها التحالف الوطني الشيعي، وميليشيات الحشد الشعبي التي تكاد تكون جيشاً موازياً، ولإيران وحلفائها أن تسلم بدخول قوات تحت الراية السعودية الأمريكية، إلى العراق؟... هل تقبل موسكو وطهران ودمشق، ومن دار في أفلاك هذه العواصم من قوات رديفة وحليفة، بدخول هذا الجيش إلى سوريا، أين وكيف ومتى ينتشر وما هي خريطة الأهداف... أسئلة أخرى مفتوحة.

رابعاً: هل عرفت الدول المشاركة في القمة، أنها مرشحة لعضوية هذا التحالف، أم أنها فوجئت به كما فوجئ بعضها بالتحالف الإسلامي ضد الإرهاب؟... لبنان على الأقل، قال إنه تفاجأ بالأمر، ورئيس حكومته وليس وزير خارجيته فقط، قال إن حكومته ليست ملزمة به... ماذا عن الدول الأخرى؟... هل تقبل تركيا بالانضواء إلى حلف كهذا، وهي التي اكتفت بتمثيل متدن نسبياً في القمة، وترى في نفسها قيادة للعالم الإسلام السني على الأقل؟... هل تقبل مصر بالانضواء في عضوية هذا التحالف، وقد غرّد رئيسها خارج سرب الكلمات التي ألقيت في مؤتمر الرياض، وقبلها في البحر الميت، فتجاهل "الخطر الإيراني" وركز في كلمته على ضرورة عزل ومعاقبة الدول الراعية لإرهاب جماعة الإخوان المسلمين، ويقصد من دون لف أو دوران، تركيا وقطر؟...

عن أي حلف شرق أوسطي نتحدث فيما الحرائق تشتعل داخل الحلقة الأضيق لهذا الحلف، دول مجلس التعاون، بعد القنبلة التي انفجرت إثر تصريحات الأمير القطري الأخيرة، بصرف النظر عمّا إذا كانت حقيقية أم مفبركة ومنسوبة للرجل؟... هل توقف أحدُ أمام تجربة الحلفين السابقين، العربي في الحرب على اليمن والإسلامي في الحرب على الإرهاب؟... هل سيقال مرة أخرى، وعن تجربة الحلف الشرق أوسطي هذه المرة، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى؟

خامساً: من قال إن المشاركين المحتملين في "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" يقرأون من الكتاب ذاته وهم يتحدثون عن التطرف والإرهاب، من قال إن لديهم فهم واحد أو مشترك لمعنى الاعتدال والوسطية في الإسلام، وهل في الإسلام متطرفين أصلاً، يعترفون بتطرفهم وغلوهم؟... ومن قال إن هذه الدول لديها ثقة متبادلة تمكنها من التعاون في كشف مصادر التمويل وشبكات التغذية... أوليست الأطراف الأكثر حماسة للتحالف العتيد، هي ذاتها الأطراف التي يشار دوماً إلى مسؤوليتها عن نشر أكثر القراءات تشدداً للإسلام، وأنها هي ذاتها، رسمياً وغالباً أهلياً، هي منابع المال الدافق لمختلف جماعات الإسلام السياسي؟.... ومن قال إن جدران الثقة بين هذه الدول، ستمكنها من تفتيح قنوات تبادل المعلومات عن الشبكات الإرهابية وقد اكتشفنا خلال الأيام القليلة أن بعض قادتها يحتفظون بسيوفهم وخناجرهم تحت وسائدهم، قبل أن يخلدوا للنوم، بانتظار معاركهم القائمة والقادمة، بعضهم ضد بعض، وليس ضد الجماعات الإرهابية.

إلى أن يُجاب على الغيض من فيض التساؤلات، سنتريث في الحكم على تجربة التحالف الجديد، وسنظل ننظر إليه بوصفه مجرد "إعلان نوايا" لتحقيق أغراض أخرى: الابتعاد عن خط سير البلدوزر الأمريكي الجارف، الذي يتحرك على غير هدى وبلا بوصلة أو سائق، وأحسب أن الضيف الأمريكي الكبير، الذي أشغل دول المنطقة لعدة أيام، تنتظره في موطنه مشاغل ومتاعب، ستجعل من الصعب عليه تذكر أسماء من التقاهم في عواصمها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق