q
إنسانيات - مجتمع

شعوذة العيون

ورد في قصص الأساطير: ظهرت حورية البحر أمام شخصين طلبت من أحدهما أن يذكر أمنيته لتتحقق ثم بينت بأنه سوف يحظى صاحبه ضعف ما يتمنى، فكر الرجل بالأمر وبات الأمر شبه صدمة له لأنه كان يكره صاحبه ويحسده دائما، عندها بدأت نار الحسد تشتعل في قلبه أكثر من ذي قبل وأجاب قائلاً أتمنى أن تأخذين عيناً واحدة مني! .

هذه حال كثيرين ممن حولنا تتغير نظراتهم وملامح وجوههم وحتى أسلوبهم عندما يجدون صاحبهم يتمتع بنعمة ما، لذلك عرف الحسد بأنه شعور عاطفي بتمني زوال قوة أو إنجاز أو ملك أو ميزة من شخص آخر والحصول عليها أو يكتفي الحاسد بالرغبة في زوالها من الآخرين. وهو بخلاف الغبطة فإنها تمنّي مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط.

قال الفيلسوف الشهير بيرتراند راسل: إن الحسد أحد أقوى أسباب التعاسة ولا تقتصر التعاسة على الشخص الحاسد بسبب حسده بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق مصائب بالآخرين.

‎لقد اعتقد الإنسان منذ بدء الخليقة بأثر العين وقدرتها على التأثير في حياته، رسم المصريون القدماء عيناً من ذهب على وجه صندوق (توت عنخ آمون) كما حمل الرومان واليونان والصينيون والعرب والكنعانيون والهنود التعاويذ والحجب إيمانا منهم بقوة الحسد وضرورة حمل ما يقي من تأثير الحاسدين وأصبح الحسد كغول يخشى الجميع ظهوره أمامهم، من هنا نجد الآن الحسد في مجتمعنا أصبح ناراً تلتهم التفوق والنجاح وبدأت تقضي على الجمال شيئا فشيئا وأصبحت آفة تقضي على بنيان العلاقات المتينة.

مخاوف كبيرة من الحسد

لذلك كانت لـ (شبكة النبأ المعلوماتية) جولة إستطلاعية للتعرف على مخاوف الناس واعتقاداتهم بهذه الصفة وكان سؤالنا كالتالي: ما رأيكم بالحسد وهل أصابكم مكروه منه؟.

قالت (ست جنان مديرة المدرسة): كل ذي نعمة محسود.. بالتأكيد اصابنا اذى من الحسد وما زال يصيبنا نحمد الله ونشكره الناس الذين يرون نعم عند الاخرين ولا يصلون على النبي محمد *ص* لعيونهم حق وتضر الاخرين بالنسبة لي ولعائلة مجربين اذى الحسد، الحسد صفة مكروهه.. وهو مذكور في القران الكريم .النبي محمد *ص* وهو معصوم اصابه اذى الحسد، فكيف نحن. والآيات المذكورة في سورتي المعوذتين خير دليل على ذلك وفيها شفاء وحرز لنا من اذى الحسد نعيذكم بالله من شره.

السيدة ام مصطفى (مدرسة علوم دينية) كانت تتألم من جرح يدها وأشارت بأن الآيات القرآنية تشير الى ذلك بكل وضوح وما جاءنا عن السنة النبوية هو حينما ذهب الرسول صلوات الله وسلامه عليه الى المقبرة وقال ان ثلثي هؤلاء ماتوا من العين والآيات والروايات في هذا الباب كثيرة (ام يحسدون الناس) والدليل الواضح على ذلك الاحراز والادعية المأثورة عن الرسول وأئمة اهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين في هذا الباب.

وكان لي تجربة مؤلمة في هذا المضمار حيث أعجبت إحداهن بخاتمي ونظرت نظرة غريبة إلى الخاتم في يدي وعندما رجعت إلى البيت شعرت بألم في نفس الإصبع ولكن لم أهتم ومن ثم ازداد الألم وظهرت جروح على إصبعي دون سبب ولكن تذكرت تلك النظرة وعلمت حينها بأني مصابة بالعين وهذا عين الحال.

وقال (المهندس محمد العطار): بالتأكيد الحسد موجود كما اشارت إليه الديانات ومنها الاسلام ولكن أشعر بأن الناس يبالغون بعض الشيء في هذا المجال ويلجأ الناس لذلك نتيجة ضعف. يقول القرآن أن ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون وإنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. فمن لا يؤمن بالتوكل على الله يتأثر بأي كلمة أو ربما يصدر هذا الشي نتيجة أفكار وانتظار ردود الأفعال.

السيدة فريال الشيباني (معلمة): تقول الحسد موجود لاختلاف النفوس واختلاف تقسيم الأرزاق من حيث المال والجمال، فهناك نفوس ضعيفة وحاسده تبغض الآخرين ولا تحب الخير لغيرها، وان تسألين هل أصابتني عين حاسد، نعم هذا العمر الذي مررت به رأيت كثيرا من الناس الحاسد والحاقد والمبغض واللئيم وتعاملنا معهم

ورأينا كثير من المحبين المتقين الذين يخافون الله حق مخافته والذين يؤثرون على أنفسهم ولو بخصاصة، وأخيرا عرفت ان هذا التقسيم من الله فإن الله هو الفاعل وهو المقدر وهو خالق الخير والشر فلا اعتراض على حكمه لذلك لا يرتاح الحسود أبداً.

وكانت السيدة (ابتهال) مستاءة جداً وقالت: عانيت كثيراً من عين الحساد، كانت حياتنا سعيدة وكنا في نعيم وراحة وحالتنا المادية جيدة جدا ولكن حدثت مواقف وبدأ الناس يقولون هنيالكم كلما نظروا إلينا، كان لدى زوجي معمل مواد غذائية ومعجون بندورة ومربيات ولكن فقدها كلها ولا زلنا تحت المجهر.

أما الدكتورة (حنان السلامية أخصائية علم النفس) فقالت: إن ظاهرة الحسد من ظواهر السلوك المثيرة للجدل لأننا لا زلنا نبحث عن تعريف معين لها، مثيرة للجدل من حيث تحديد معناها ومدى انتشارها بين الناس والإيمان بقوة تأثيرها هناك من يُؤْمِن به وهناك من يبالغ في الاهتمام وهناك من لا يعتني أبداً ولا شك بأن الحاسد غير سوي لأن الحسد ينبع عن مشاكل نفسية من اعماق الانسان والانسان الحسود يعاني من اختلالات ومشاكل تؤدي إلى عدم الارتياح على الدوام ومراقبة الناس في جميع الأوقات، إن الحسد ظاهرة سلبية تفرق بين الناس وتخلق بينهم البغضاء والعداوة لأن الحسود يسعى من خلال أنانيته ومرضه إلحاق الأذى بمن حوله لذلك الحسد ليس فقط فكرة سيئة بل تنتهي في بعض الأحيان إلى أفعال سيئة أيضاً والحسد ورد في القرآن الكريم كظاهرة سلبية في المجتمع حيث يقترن ذكر الحسد بالشر.

ولكن هناك من يبالغ في الاهتمام بهذه الظاهرة ويبقى خائفا على الدوام ويبتعد عن المجتمع كي لا يصيب بالأذى يجب أن يتذكر الانسان بأن لا يسيء الظن بالآخرين في هذا المجال ويتعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم ويحافظ على قراءة المعوذتين كما ورد في النصوص الدينية ويتذكر بأن الله معه وأنه لا يضر مع اسمه حاسد ولا حسد وهناك أمر مهم يجب أن يشار اليه ان المتوقع آت وكلما ينتظره الفرد سوف يجد طريقه إليه إذن انتظروا الخير ولا تدققوا كثيراً في هذا الكلام وفِيما يقوله الناس.

نظرية علمية لتفسير الحسد والعين

قدم اليابانيون شرحا يعتمد على طاقة خفيّة تنبعث من بؤرات تعرف ب "شاكرا"، وقد ميَّز الياباني "هيروشي موتوياما" بين الشخص العادي والشخص غير عادي بأن الأخير لديه قدرة وطاقة نفسية داخلية تجعله صاحب عين ضارة. واستطاع أن يصمم أجهزة دقيقة لقياس الطاقة أثبت أن هناك انبعاثاً للطاقة من جسد هذا الشخص، هي التي تسبب التأثير على الشخص العادي. وأشار إلى ان هذه الطاقة تنبعث من بؤرات سماها "شاكرا" CHAKRA توجد على امتداد الحبل الشوكي مع المحور الطولي للإنسان، وإن أشدها نشاطاً هي البؤرة الموجودة بين العينين والتي تقابل تماماً الغدة النخامية فيه، وهي الغدة المايسترو الموجودة داخل الجمجمة. وهذه تسيطر بدورها على كل غدد الجسم الأخرى. وخلص "هيروشي موتوياما" إلى أن الأشخاص العاديين غير قادرين على بعث هذه الطاقة، أما الأشخاص الذين يمتلكون هذه القدرة فيمكنهم إيقاظ انبعاث تلك الطاقة ذات الشفرة الخاصة عن طريق التركيز، أو أثناء انفعالاتهم الداخلية الناتجة عن حالة نفسية غير مستقرة نتيجة تمني زوال النعمة وعدم الرضا النفسي، لتؤثر على الشخص المصاب بالعين فتفسد انسياب الطاقة في جهازه العصبي أو غيره. ويصاحب ذلك خلل قد يؤدي إلى مرض أو ألم أو فساد أو ضعف أو غير ذلك.

خطوات للوقاية من الحسد

1- الاستعاذه بالله من شر الحسد والحاسد.

2- تقوى الله عز وجل وهى اقوى سبيل لدفع الحسد عنك "حفظ الله يحفظك".

3- الصبر على الحاسد والعفو عنه.

4- صدق التوكل على الله.

5- لا يخاف من الحاسد ولا يملأ قلبه بالفكر فيه وهذا من انفع الأدوية .

6- الإخلاص والإقبال على الله.

7- التوبة من الذنوب لأنها تُسلط عليك من تستحقره وتسلط عليك أعدائك. "وما أصابكم من مُصيبة فبما كسبت أيديكُم ويعفوا عن كثير".

8- الصدقه "داوا مرضاكم بالصدقة".

وأن تعطي للحاسد من الصدقة فربما تكون دافعا لعدم الحسد او لعدم حسدك.

علاج الحسد

1- قوة الإيمان والخوف من الله التي تمنع صاحبها من الحسد ؛ خشية الإثم وضياع الحسنات.

2- التسليم بقضاء الله وقدره.

3- العقل الذي يستقبح به نتائج الحسد .

4- أن يتفكر في نفور الناس منه وكراهيتهم له .

5- أن يترك الحسد طلباً للراحة النفسية .

6- أن يزهد في الدنيا وأن يعلم أنها أقل شأناً من إثارة الحسد عليها فهي حطام فانٍ زائل.

7- أن يتفكر في ما يتعلق بالنعمة التي عند صاحبه من هموم الدنيا وحساب الآخرة فيتسلى بذلك .

إن الانسان لا يستطيع أن يغير نوايا الناس ونفوسهم ولكن باستطاعته الوقاية والمحافظة على خصوصياته وكما ورد في أحوال نبينا يوسف عليه السلام، عندما رأىٰ ذلك المنام قال له نبينا يعقوب عليه السلام لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إذا الإخوة لا يتحملون رؤية النعم على بعضهم البعض فما بال الغرباء اذن؟.

ولكن الأمر الأهم لا يجلس الفرد مكتوف الأيدي ويبقى خائفاً وراء الحجاب بسبب الخوف من الحسد بل يجب أن يتوكل على الله ويدخل إلى الساحة دون قلق. ترك الحسد يؤدي إلى السعادة في الدنيا قبل الآخرة، فتمنَّ لغيرك الخير كي يعرف الخير عنوانك من حسن نواياك.

اضف تعليق