q

رغم أن الفساد كان من الدوافع الرئيسية وراء الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قبل خمس سنوات، لا تزال تونس -البلد الصغير الذي يعاني اقتصاده من انكماش خانق- ترزح تحت وطأة تفشي الفساد والتهرب الضريبي والكسب غير المشروع، وفق مراقبين، وكان البنك الدولي قد حذر في تقارير سابقة من أن حجم الفساد يظل مصدر قلق كبير ليس فقط من جهة الأموال التي فقدتها تونس إثر فساد الشركات المملوكة لأسرة الرئيس المخلوع أثناء حكمه طيلة 23 عاما، بل أيضا نتيجة الضرر الذي لا يزال يلحق بالدولة بسبب استمرار الفساد، وينظر مراقبون بقلق إلى تراجع النمو وعدم تحقق مطالب التونسيين في التشغيل والتنمية في وقت خفضت فيه منظمة الشفافية الدولية ترتيب تونس في مؤشر الفساد لعام 2015 حيث جاءت في المركز 76 من بين 168 دولة مسجلة تراجعا بثلاث مراتب مقارنة بعام 2014.

حيث خرج آلاف التونسيين إلى الشارع الرئيسي بالعاصمة تونس للاحتجاج على مشروع قانون اقتصادي مثير للجدل يهدف للمصالحة مع مسؤولين ورجال أعمال من نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي متهمين بالفساد في تصعيد للاحتجاجات ضد الحكومة، ويأتي الاحتجاج بينما تواجه الحكومة ضغوطا قوية وموجة احتجاجات في تطاوين وقبلي جنوب البلاد للمطالبة بالتشغيل ونصيب من الثروات الطبيعية من النفط والغاز.

وقد بدأ البرلمان التونسي مناقشة مشروع قانون للمصالحة في قضايا اقتصادية مع مسؤولين ورجال أعمال من نظام بن علي وسط موجة رفض قوي من أحزاب ومنظمات وحدت جهودها للتصدي لهذا المشروع الذي وصفته بأنه "تبييض للفساد"، وكان المشروع أحيل في 2015 للبرلمان لكن موجة الرفض الشعبي أجلت مناقشته عدة مرات، ويتيح مشروع القانون لرجال الأعمال رد الأموال المنهوبة بفائدة لا تتجاوز الخمسة بالمئة على أن تجري تبرئتهم إذا أعادوا ما نهبوه من أموال إلى خزينة الدولة، ورغم التوافق السياسي الواسع الذي حظي بإشادة دولية وساهم في انتقال ديمقراطي سلس في تونس مهد انتفاضات الربيع العربي فإن مشروع القانون هذا ما زال يثير انقساما حادا بين التونسيين الذين يرى بعضهم طي صفحة الماضي في حين يرفض آخرون مسامحة رموز فساد نظام بن علي.

ويأمل المسؤولون من خلال القانون في إنعاش الاقتصاد بمليارات الدولارات وإعطاء إشارات إيجابية للمستثمرين في الداخل والخارج لضخ أموالهم. وتعاني تونس من عجز مالي كبير في ظل تراجع مواردها وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 1.1 بالمئة في 2016، اذ تذكر هيئة مكافحة الفساد إن المحسوبية والفساد التي أنهت 23 عاما من حكم زين العابدين بن علي قد استشرت في تونس وتغلغلت في العديد من القطاعات بعد انتفاضة 2011 وإنها تكلف البلاد خسارة مليارات الدولارات.

برلمان تونس يقر قانون الإبلاغ عن الفساد

صادق برلمان تونس على قانون يتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه، في خطوة ذكرت الحكومة انها ستساعدها في "مكافحة" هذه الافة المتفاقمة التي تنخر الاقتصاد.

وصوت كل الحاضرين على "القانون الأساسي المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه"، ويجرّم القانون الجديد "الانتقام" من المبلّغين عن الفساد خصوصا اذا كانوا من موظفي القطاع العام، ويوفر القانون لهؤلاء "حماية" من "المضايقات" و"الاجراءات التأديبية كالعزل أو الإعفاء (من الوظيفة) أو رفض الترقية أو رفض طلب النقل (من مكان العمل) أو النقل التعسّفية".

كما يجرم "تهديد" المبلغين عن الفساد، ومؤخرا أعلن شوقي الطبيب رئيس "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" ان المبلغين عن الفساد من موظفي الادارات العمومية يتعرضون الى "التنكيل" من رؤساهم في العمل، وحوالي 90 بالمئة من ملفات الفساد هي ضد الادارات العمومية، كما أن معظم المبلغين عن الفساد هم موظفون بهذه الادارات، وفق منظمة "أنا يقظ" فرع الشفافية الدولية في تونس.

وبحسب المنظمة، تعرض كثير من الموظفين الذين نددوا بحالات الفساد في اداراتهم الى "التجميد" في الرتب الوظيفية أو عقوبات تأديبية وحتى محاكمات بحجة "إفشاء اسرار مهنية"، وبسبب "الخوف من الانتقام" وغياب قانون يحمي المبلّغين، يبلّغ 5 بالمئة فقط من التونسيين عن حالات فساد تعرضوا لها او رصدوها بحسب دراسة لمنظمة الشفافية الدولية نشرت منتصف 2016، وسنويا، تخسر تونس نقطتين في الناتج المحلي الاجمالي بسبب الفساد، ومثلهما بسبب "اللاحوكمة"، وفق البنك الدولي، بعد الثورة التي اطاحت مطلع 2011 بنظام بن علي "تفاقم" الفساد في تونس (وفق البنك الدولي) رغم انه كان أحد الاسباب الرئيسية للثورة، وتراجع ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من المرتبة 59 في 2010 الى المرتبة 75 في 2016.

منظمات تونسية تدعو إلى سحب مشروع قانون "تبييض الفساد والفاسدين"

دعت منظمات غير حكومية تونسية ودولية الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إلى "السحب الفوري والنهائي" لمشروع قانون يقضي بالعفو عن آلاف من موظفي الدولة ورجال الأعمال، الذين نهبوا أموالاً عامة زمن الدكتاتور زين العابدين بن علي، شرط إرجاعها مع فوائد، وفي بيانٍ مشترك، دعت 20 منظمة بينها "محامون بلا حدود" والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى "السحب الفوري والنهائي" لمشروع القانون، الذي اقترحه الرئيس التونسي منذ 2015، وشرعت "لجنة التشريع العام" بالبرلمان التونسي الأربعاء في مناقشة "مشروع قانون أساسي يتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي"، بحضور سليم العزابي مدير ديوان الرئيس التونسي، وأضافت المنظمات أن مشروع القانون يهدف إلى "تبييض الفساد والفاسدين" و"يهدد مسار الانتقال الديمقراطي" في البلاد.

وأحيل مشروع القانون، منتصف يوليو/تموز 2015، إلى البرلمان الذي شرع في مناقشته، نهاية يونيو/حزيران 2016، قبل أن يوقفها إثر تظاهرات نظمتها أحزاب ومنظمات رافضة للمشروع، وذكر سليم العزابي أمام لجنة التشريع العام إن عدد موظفي الدولة الذين سيشملهم مشروع القانون "يتراوح بين 4 آلاف و8 آلاف"، وإنه سيشمل أيضاً "ما بين ألفين وثلاثة آلاف مواطن"، في إشارة على ما يبدو إلى رجال الأعمال المتورطين في نهب المال العام، وفي بيانها، حذَّرت المنظمات من أن مشروع القانون يمثّل "خطوة إلى الوراء تتعارض مع بناء دولة القانون، ويعطي إشارة قوية للسماح بالإفلات من العقاب، وهو ما أكدته كل من لجنة البندقية والمقرر الخاص للأمم المتحدة لدعم الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار"، وكانت منظمة الشفافية الدولية دعت البرلمان التونسي إلى "عدم المصادقة" على مشروع القانون، محذرة من أنه "سيشجع" على الفساد و"اختلاس المال العام" في حال تمريره، حيث تراجع ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من المرتبة 59 في 2010 إلى المرتبة 75 في 2016.

حكم جديد بسجن بن علي ست سنوات في قضية فساد

أصدرت محكمة في تونس أحكاما بالسجن بحق ثمانية متهمين ، بينهم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وصهره عماد الطرابلسي، وذلك على خلفية اتهامات بالفساد في قضية تعرف إعلاميا باسم قضية "حفلات ماريا كاري" ليضاف حكم جديد للأحكام الصادرة بحق بن علي منذ الثورة التي أطاحت بنظامه عام 2011، وأصدرت محكمة في تونس حكما غيابيا بالسجن لمدة ست سنوات بحق الرئيس السابق زين العابدين بن علي، المنفي في السعودية، بعدما أدانته بقضية فساد، كما أعلنت النيابة العامة.

وصرح المتحدث باسم النيابة العامة سفيان السليطي أن الدائرة الجنائية الرابعة بالمحكمة الابتدائية في تونس أصدرت أحكاما حضورية وأخرى غيابية بحق ثمانية متهمين بينهم بن علي وصهره عماد الطرابلسي في القضية المعروفة إعلاميا باسم "حفلات ماريا كاري" نسبة إلى المغنية الأمريكية الشهيرة، وبحسب المصادر فان "تجاوزات" شابت الحفلين الغنائيين اللذين أقامتهما كاري في تونس في 2006 وكان يفترض بأن يذهب قسم من عائداتهما إلى صندوق التضامن الوطني 26-26 لكنه ذهب بدلا من ذلك إلى أمكنة أخرى.

وأوضح المتحدث أن المحكمة قضت بسجن المتهمين جميعا في هذه القضية ست سنوات في حين أضافت إلى هذه العقوبة خمس سنوات أخرى لصهر الرئيس المخلوع بتهمة الفساد، ليصبح مجموع العقوبة التي أنزلتها بالطرابلسي السجن لمدة 11 عاما، ويقيم زين العابدين بن علي في منفاه بالسعودية منذ فر من بلاده في مطلع 2011 حين أطاحت ثورة بنظامه. ومذاك صدرت أحكام قضائية عديدة بحقه ولا سيما في قضايا فساد. كما أنه محكوم عليه بالسجن مدى الحياة في قضية القمع الدموي للمتظاهرين ضده أثناء الثورة (أكثر من 300 قتيل).

المصالحة مع الفساد

يرى الكثير ضرورة اعادة النظر في الدعوات الصادرة من مستويات سياسية رفيعة تونسية للمصالحة مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد إبان النظام السابق، مع استمرار عدم استقرار الوضع الاقتصادي في البلاد بعد مضي أكثر من عامين على ثورة 2011، اذ وفي وقت سابق وفي افتتاح "الحوار الوطني لدفع الاقتصاد" طالب الرئيس التونسي المرزوقي بالإسراع في تحقيق المصالحة مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد وتسوية وضعهم في إطار العدالة، مشيرا إلى أن من شأن ذلك أن يدعم اقتصاد تونس، وأعرب المرزوقي عن التمسك في نفس الوقت بتحريك ملف الفساد واسترجاع أموال الشعب المنهوبة، وبين إن ذلك لا يتعارض مع المضي قدما وفورا بوفاق وطني نحو إرساء آلية للمصالحة مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد باعتماد الشفافية وفي إطار احترام العدالة والقانون.

اذ لفت إلى أن رجال الأعمال التونسيين المتهمين بالفساد لا يمثلون سوى نسبة لا تتعدى 0.4% من مجموع رجال الأعمال في البلاد، ودعا المرزوقي إلى إعادة تأهيل العاملين في الإعلام. وكانت وسائل الإعلام ذكرت أن عدد رجال الأعمال المتهمين بالفساد يتراوح بين 400 و2000 من دون تحديد طبيعة التجاوزات التي ارتكبوها، بدوره، وقد أيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر رفع الحظر عن رجال الأعمال، كما تحدث رئيس الوزراء التونسي علي العريض عن مشروع قانون يهدف إلى تشجيع الاستثمار، ملاحظا أن تقدما كبيرا أحرز على الصعيد الأمني في البلاد، وهو ما يخدم الاقتصاد.

اضف تعليق