q

بعد أشهر من مقتل بائع سمك المغربي سحقا داخل شاحنة قمامة أثناء محاولته استعادة أسماكه التي صادرتها الشرطة، ماتزال مدينة الحسيمة الشمالية وبعض المدن الاخرى، تشهد احتجاجات ومظاهرات شعبية تطالب الحكومة بتحقيق بالعدالة والقضاء على الفساد، وقد حذرت أحزاب الأغلبية الحكومية في المغرب قادة احتجاجات الريف، من المساس بالتوابث والمقدسات الوطنية، من خلال ما أسمته بـ"الركوب على المطالب الاجتماعية للسكان"، مشددة على أن المغرب لا يمكنه التسامح مع ما يمس بالوحدة الترابية، ويروج لأفكار هدامة تبث الفتنة في المنطقة.

وعلى الرغم من الاحتجاجات السياسية نادرة في المغرب، غير أن التوتر في الحسيمة يحتدم منذ أكتوبر تشرين الأول وهو ما قد يسهم بحلق ازمة كبيرة في هذه البلاد، خصوصا وان قاعدة المتعاطفين مع هذا الاحتجاج الشعبي بحسب بعض المصادر، ومع وجود وسائط التواصل الاجتماعي التي كسرت طوق التعتييم الإعلامي المضروب على هذا الحراك، قد اتسعت بشكل كبير خصوصا مع وجود

حالة من التذمر والسخط على الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية في العديد من المناطق. والتي دفعت بعض الافراد الى اتباع اساليب خاصة، للتعبير عن رفضهم للواقع الحالي ولبعض القرارات الحكومية التي كانت سببا في ازدياد معاناتهم، ففي المغرب، يتزايد عدد الذين ينتحرون حرقاً أو يحاولون الانتحار بشكل مستمر، ومع الوقت، أصبحت هذه الأعمال العنيفة النادرة وسيلة شائعة للتعبير عن رفض قرارات الحكومة وسلطتها، حسب تقرير لمجلة جون أفريك الفرنسية.

ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية ودراسات ميدانية حديثة حول حوادث الانتحار في المغرب، إلا أن بعض الأرقام الصادرة من منظمة الصحة العالمية قبل سنتين كانت صادمة. وذكرت المنظمة أن المغاربة يحتلون المركز الثاني من حيث أكثر الشعوب العربية إقبالاً على الانتحار، وذلك بنسبة 5.3 في كل 100 ألف مواطن، كما أكدت أن عدد المنتحرين المغاربة تضاعف بين سنتي 2000 و2012. لكن اليوم قد تكون الأرقام فاقت هذه النسب المسجلة قبل أكثر من سنتين ونصف، حسب المتتبعين لهذه الظاهرة الذين يرون أنها حالات الانتحار في تصاعد بسبب استمرار ظواهر الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي والطلاق والتفكك الأسري، التي تؤدي كلها إلى فقدان الأمل في تحقيق الطموحات والإحساس بالقهر لدى العديد الذين يجدون في الانتحار حلاً لإنهاء حياتهم، حسب تقرير لموقع العربية.

وفي سنة 2016، سُجلت العديد من حالات الانتحار حرقاً، كان من بينها محاولة إمام حرق نفسه بعد أن سُحبت منه مسؤوليات الاعتناء بمسجد، وامرأة حاولت الانتحار بعد أن تعرضت للاغتصاب، وحالات انتحار عدة بين طلبة المعاهد. كما أثارت حادثة البائعة المتجولة، التي ماتت إثر مهاترة وقعت بينها وبين ممثلي السلطة، موجة امتعاض وغضب عارم بين أبناء الشعب المغربي.

مسيرات احتجاجية

وفي هذا الشأن شارك آلاف المغاربة في مسيرة بمدينة الحسيمة الشمالية مطالبين بالعدالة والقضاء على الفساد وذلك بعد سبعة أشهر من مقتل بائع سمك بالمدينة سحقا داخل شاحنة قمامة أثناء محاولته استعادة أسماكه التي صادرتها الشرطة. ورفع المحتجون لافتات كتب عليها "هل أنتم حكومة أم عصابة؟" و"إذا كان للوطن معنى فعليه أن يحتضن جميع أبنائه" و"الموت مرة أهون من الموت مرات وكل يوم". ومرت المسيرة السلمية في شوارع وسط الحسيمة أمام نقاط تفتيش تابعة للشرطة وقوات الأمن.

والاحتجاجات السياسية نادرة في المغرب، غير أن التوتر في الحسيمة يحتدم منذ أكتوبر تشرين الأول إثر مقتل بائع السمك محسن فكري. ومن جانبها قالت الحكومة إنها تتفهم مطالب سكان الريف بشمال البلاد. وقال مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة بعد اجتماع مجلس الوزراء إن الحكومة "تتفهم المطالب المشروعة للساكنة وتحرص على حفظ أمن واستقرار المنطقة يوازيه وعي كامل بمسؤوليتها لحفظ العيش الكريم لجميع المواطنين المغاربة". وأضاف أن الحكومة تطرقت في اجتماعها إلى "المطالب الموضوعية والمشروعة للمواطنات والمواطنين والتي ترتبط أغلبها بحياتهم اليومية".

وعرفت منطقة الريف التي خضعت للاستعمار الإسباني بعض الاحتجاجات الاجتماعية خاصة في فترة العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي قمع بشدة ثورة في الريف في عام 1958 وكان آنذاك وليا للعهد. كما انتفضت المنطقة في احتجاجات اجتماعية عام 1984 إلى جانب عدد من مناطق المغرب. وقال الناشط سعيد فنيش أثناء توجهه للحسيمة قادما من مدينة الناظور المجاورة للمشاركة في الاحتجاج إن المطالب المطروحة "مشروعة ومكفولة في الدستور وهي مطالب الشعب المغربي كافة تهم الصحة والتعليم وفك العزلة عن منطقة الريف". وأضاف "نطالب أيضا بفك العسكرة عن المنطقة. كيف يعقل لمدينة صغيرة كالحسمية أن يحضر بها كل هذا الكم من الجيوش وقوات الأمن؟ مطالبنا عادلة واحتجاجاتنا سلمية". بحسب رويترز.

وقال محمد انعيسى وهو ناشط حقوقي من الحسيمة "مقتل محسن فكري هو النقطة التي أفاضت الكأس. منطقة الريف دائما في صراع مع السلطة والدولة بالنظر للتهميش الذي تعرضت له المنطقة والأحداث التي عرفتها في سنوات 1958 و1984 وفي 2011 وأخيرا مقتل محسن فكري". وأضاف في اتصال هاتفي مع رويترز "مطالبنا اجتماعية واقتصادية وسياسية. ويمكن أن نقول إنه توجد مناطق في المغرب أكثر تهميشا من الريف". وقالت خديجة الرياضي الناشطة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تصريح لرويترز "نتضامن مع ساكنة الريف من مختلف الجهات. هذا تضامن شبه تلقائي بعد عسكرة الريف".

وتشهد المنطقة التي تعاني أصلا من عزلة طبيعية، أزمة اقتصادية كبيرة، إذ أن أموال المهاجرين لم تعد تصلها، وإنتاج القنب بات محظورا بشكل أكبر والتهريب باتجاه الجيوب الإسبانية في انخفاض. أما صيد الاسماك، وهو مصدر الغنى للريف، يواجه أزمة. تلك العوامل كلها تضاعف الشعور بالاقصاء وانعدام الثقة حيال الدولة في هذه المنطقة المعتادة على الاحتجاج، حيث يرفرف العلم بالألوان الأمازيغي أو علم جمهورية الريف الزائلة، التي أعلنت في العام 1922 بعد انتصار المقاومة بقيادة عبد الكريم الخطابي على الاستعمار الإسباني.

اخبار زائفة

الى جانب ذلك ندد والي اقليم الحسيمة في شمال المغرب بـ "الاخبار الزائفة" التي تصدر عن قادة الاحتجاجات في الحسيمة مضيفا انهم سيحاسبون "امام القضاء على دعواتهم للعنف". وقال محمد اليعقوبي "الحسيمة مدينة عادية وتعمل بشكل عادي ومؤسساتها تعمل. هناك ببساطة بين فترة واخرى تظاهرات لكن اقل عددا مما هي في باقي الجهات".

واضاف اليعقوبي اثناء مقابلة معه في مكتبه "كل شيء افتراضي. وعند رؤية حسابات فيسبوك لهؤلاء الناس يمكن ان نعتقد ان المدينة تشتعل في حين لا شيء يحدث" في الواقع. وشارك في آخر تجمع الذي اتخذ شكل حلقة ضرب على الطناجر، نحو الف شخص. بحسب فرانس برس.

ووصف الوالي "خطاب هؤلاء الناس (قادة التحرك) بسلسلة من الاخبار الزائفة. هم يقولون الشيء ونقيضه" منددا ب "دعوات للعنف" و"بخطاب نشر رعب وتوظيف". وقال والي اقليم الحسيمة "يجب رؤية دعايتهم عبر فيسبوك وما تحتويه من شتائم وتهجمات خطرة على نواب. ان هؤلاء الناس لا يقبلون اية وجهة نظر مخالفة وينعتون كل من ليسوا متفقين معهم ب +الخونة+"، مشيرا الى اضفاء بعد ديني "بغرض حشد اوسع" للناس. واضاف "هناك اجراء (قضائي) سار (..) وسيحدد القضاء من يقف وراء" هذه الاحتجاجات والتحريض.

يقول مسؤول محلي إن الأمر "سيستمر، والحراك امتد إلى كل مناطق" الريف. ويؤكد ناصر زفزافي أبرز وجوه الحراك الشعبي "لسنا انفصاليين". قال زفزافي، إن "مطالبنا اقتصادية واجتماعية ولم يطرح يوما إقامة دولة مستقلة". وأضاف هذا العاطل عن العمل البالغ من العمر 39 عاما والذي أصبح وجها للحراك الشعبي "بعدما فشلت في إضعافنا، أخرجت دولة المخزن (السلطة أو الدولة المركزية) هذه الورقة".

وفي البهو العائلي المتواضع للعائلة وتحت صورة عبد الكريم الخطابي الذي دحر المستعمر الإسباني وأسس جمهورية الريف التي لم تدم طويلا في 1922، عقد زفزافي "مؤتمرا صحافيا" جديدا تحدث فيه باللغة الأمازيغية للريف (اللهجة الريفية) وبث مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال "شجعونا على الهجرة إلى أوروبا ويحاولون تأليب السكان ضدنا، ويتهموننا بتهريب المخدرات أو بأننا أدوات للجزائر. اليوم يقولون إننا نتلقى المال من الخارج. إذا كان هناك أدلة، فليخرجوها!".

قال زفزافي "منذ ستة أشهر مطالبنا واضحة وشرعية في إطار القانون: بناء مستشفيات وجامعات وبنى تحتية، مكافحة لوبيات العقارات ومحاربة اللوبيات الذين يسرقون الثروة السمكية". وأضاف "نحن أبناء البسطاء الفقراء نقول لا للظلم لا للفساد. لا نطلب شيئا استثنائيا بل مجرد إعادة تأهيل منطقتنا المنكوبة بالكامل اليوم". وتتردد على لسان الرجل والشبان المحيطين به كلمات "ديكتاتورية" و"طغيان" و"قمع". ويدين هؤلاء بشكل متكرر "عسكرة" المنطقة، في إشارة أولا إلى الانتشار الكبير للشرطة، ثم للمطالبة بأن يسحب رسميا مرسوم صدر في 1958 ويقضي باعتبار الحسيمة منطقة عسكرية، بينما تؤكد الإدارة باستمرار أنه ألغي رسميا في 1959.

التجهيزات الطبية

على صعيد متصل أثار موت طفلة في الثالثة من عمرها بسبب نقص في التجهيزات الطبية استنكارا واسعا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي الصحافة المغربية، ما دفع وزارة الصحة لفتح تحقيق في ظروف وملابسات موت الطفلة أديا فخر الدين. وأثارت وفاة أديا فخر الدين موجة تعاطف واسعة في المملكة المغربية، واستنكارا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي الصحافة المغربية، حيث أشار البعض بأصابع الاتهام إلى عدم المساواة في التمتع بالخدمات الصحية خصوصا في المناطق النائية.

وكانت الطفلة قد سقطت في قريتها وتم نقلها إلى مستشفى مدينة تنغير (وسط) وهي المدينة الأقرب إلى قريتها. لكن تبين أن مستشفى مدينة تنغير لا يتوفر فيه جهاز مسح ضوئي (سكانير)، بحسب ما أفاد أقاربها لأسبوعية تيل كيل، فنقلت الطفلة إلى مستشفى مدينة الرشيدية الواقعة على مسافة تفوق مئة كلم شرقا حيث أخضعت إلى كشفي سكانير.

لكن وبحسب وزارة الصحة فإن التشخيص في المستشفى كانت "تنقصه الدقة"، فتقرر نقلها مجددا إلى مستشفى في مدينة فاس الواقعة على بعد نحو 330 كلم شمالا. بيد أن الطفلة توفيت لدى وصولها إلى مستشفى فاس "متأثرة بحالة ارتجاج في المخ وكسور في الأضلاع ونزيف داخلي"، بحسب موقع هوف بوست المغرب. وقالت وزارة الصحة المغربية في بيان إن نقل الطفلة إلى فاس "أملته ضرورة تعميق التشخيص" مشيرة إلى أن الطفلة توفيت "رغم الجهود التي بذلها العاملون في المستشفى". بحسب فرانس برس.

وأرسل وزير الصحة الحسين الوردي وفدا للقيام بتحقيق "دقيق لمعرفة أسباب وملابسات وفاة هذه الطفلة وتحديد المسؤوليات". وبحسب البيان قال الوزير إنه "اتصل شخصيا بأسرة الفقيدة لتقديم تعازيه". وقال المخرج السينمائي كمال هشكار، المتحدر من مدينة تنغير، "أنه من الفضيحة ألا تتوفر المنطقة على مستشفيات لائقة"، مضيفا أن العلاج "يبقى حقا من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور".

اضف تعليق