q

لم يعد الفوز الذي حققه الرئيس الفرنسي الوسطي الشاب إيمانويل ماكرون في الـ 7 مايو/ أيار على منافسته المتطرفة مارين لوبان مريحاً كما كان يظهر للجميع في ظل ترقبه لمعركة جديدة تفرض عليه أن يأتي بانتصار حاسم في الانتخابات التشريعية المقبلة، إلى جانب مواجهة تحديات ومشكلات اجتماعية واقتصادية تعاني منها فرنسا.

إضافة إلى كل هذا، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن ماكرون كان الأقل نصيباً من ناحية ثقة ناخبيه بقدرته على حل مشكلاتهم، إذ تقول هذه الاستطلاعات التي أجرتها "مؤسسة إيلاب" أن 45% من الناخبين يثقون في قدرة الرئيس إيمانويل ماكرون على حل المشكلات التي تواجهها البلاد، بينما يثق 36% فقط برئيس وزرائه إدوار فيليب.

في حين أن نسبة الثقة في رؤساء الوزراء السابقين بعد اختيارهم لمناصبهم كانت تتراوح بين 50 إلى 59 %، فهناك فرق كبير.

وهذا ما يؤيد فكرة أن غالبية الفرنسين الذين اختاروا ماكرون رئيساً لهم كانوا مجبرين على اختياره لمنع منافسته المتطرفة مارين لوبان من الوصول إلى رئاسة البلاد، وفقاً لاستطلاع مؤسسة هاريس إنتر.

لماذا فيليب اليميني؟

عين ماكرون السياسي المحافظ إدوار فيليب رئيسا للوزراء في خطوة قيل أنها تستهدف توسيع قاعدته السياسية وإضعاف خصومه قبل الانتخابات التشريعية المقررة في يونيو حزيران، ومن المحتمل أن يجتذب تعيينه المزيد من السياسيين المنشقين عن حزب الجمهوريين.

وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ السياسي المعاصر لفرنسا التي يعين فيها رئيس الجمهورية رئيسا للوزراء من خارج معسكره السياسي من دون أن تجبره على ذلك هزيمة في الانتخابات البرلمانية.

وفيليب (46 عاما) نائب في الجمعية الوطنية (البرلمان) ورئيس بلدية مدينة لوهافر الساحلية وينتمي للجناح المعتدل بحزب الجمهوريين الذي يمثل يمين الوسط وسيشكل ثقلا موازنا للنواب الاشتراكيين السابقين الذين انضموا إلى معسكر ماكرون.

وكان فيليب مساعداً مقرباً من رئيس الوزراء الفرنسي السابق "ألان جوبيه" الذي يقود الجناح المعتدل في حزب الجمهوريين والذي كان قد ألمح إلى أنه يفضل دعم ماكرون.

وعمل رئيس الوزراء الجديد، وهو محام ذو خبرة، كمدير للعلاقات العامة لمجموعة أريفا النووية الحكومية بين عامي 2007 و2010 قبل أن يصبح عضوا في البرلمان عام 2012 ثم رئيسا لبلدية لوهافر عام 2014.

حكومة ماكرون بين مؤيد ورافض

كما وتضم تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة لماكرون أسماءً من تيارات سياسية مختلفة، وذلك في إطار التجديد السياسي الذي تعهد به خلال حملته الانتخابية.

لكن ردود أفعال الأحزاب السياسية الفرنسية جاءت بين مؤيد لهذه التشكيلة ورافض لها لكونها "حكومة يمينية" لا "تجديد" فيها.

وتضم الحكومة الجديدة برئاسة إدوار فيليب ثلاثة وزراء وسطيين من "الحركة الديمقراطية" هم فرنسوا بايرو (العدل) وسيلفي غولار (الجيوش) وماريال سارنيز (الشؤون الأوروبية)، ووزيرين منبثقين من حزب "الجمهوريون" اليميني هما برونو لومير (الاقتصاد) وجيرال دارمانان (الحسابات العامة).

إضافة إلى خمسة وزراء ينبثقون من اليسار بينهما اثنان من الحكومة السابقة وهم: وزير الدفاع الاشتراكي السابق، السياسي المخضرم جان إيف لودريان (69 عاما) الذي تسلم وزارة الخارجية، وأنيك جيراردان من حزب "اليسار الراديكالي" التي انتقلت من وزارة الوظيفة العامة إلى وزارة ما وراء البحار.

وهناك ايضا جيرار كولومب (69 عاما) الشخصية الاشتراكية المعروفة الذي دعم إيمانويل ماكرون منذ بداية صعوده، وبات وزيرا للداخلية، في حين تسلم النائب الاشتراكي ريشار فيران، أبرز وجوه حملة ماكرون الانتخابية، وزارة جديدة هي "تماسك الأراضي".

أما الوزير الخامس من اليسار فهو السناتور في حزب "اليسار الراديكالي" جاك ميزار الذي عين وزيرا للزراعة.

الفوز بأغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية

اما تحدي الانتخابات التشريعية القادمة في يونيو حزيران المقبل، فإن التوقعات تتحدث عن فوز ماكرون بـ "280 و300 مقعد من أصل 535 مقعدا للبر الرئيسي بالجمعية الوطنية".

ويحتاج الحزب إلى الفوز بمقاعد يبلغ عددها 289 لتأمين أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية وعدد مقاعدها الإجمالي 577 بما يشمل ممثلين عن كورسيكا.

وتقدم بذلك حزب ماكرون على حزب الجمهوريين المحافظ وحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف إذ حصل كل منهما على 20% فيما حصل حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف على 14% والحزب الاشتراكي على 11% وفقاً للاستطلاع الذي أجري لصالح صحيفة ليزيكو وراديو كلاسيك.

وتنصرف الأحزاب إلى رسم خطط تكتيكية لتكسب هذه الانتخابات، في حين أعلن رئيس الوزراء الاشتراكي السابق مانويل فالس انضمامه الى الأغلبية التي يمثلها ماكرون وانسحبت مؤقتا من العمل السياسي ماريون ماريشال-لوبن الوجه الصاعد في الجبهة الوطنية بعد هزيمة خالتها مارين لوبن.

وتوصل زعيم "الحركة الديمقراطية" فرانسوا بايرو مع حركة "الجمهورية إلى الأمام" إلى مشروع "اتفاق صلب ومتوازن"، وفق ما أعلن الجمعة الماية، وذلك بعد أزمة بين بايرو والرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون بشأن قائمة المرشحين للانتخابات التشريعية المرتقبة.

مرشحي ماكرون بلا "خبرة سياسية"

وكشف الأمين العام لحركة "الجمهورية إلى الأمام" ريشار فيران خلال مؤتمر صحافي في باريس عن لائحة مرشحي ماكرون للانتخابات التشريعية وتضم 428 مرشحا: أكثر من نصفهم من المجتمع المدني وبدون أي خبرة سياسية، نصفهم نساء، ولا يوجد عليها اسم رئيس الوزراء السابق الاشتراكي مانويل فالس.

وتعمل الأحزاب السياسية الفرنسية على إعادة ترتيب أوضاعها واختيار مسارها قبل شهر من الانتخابات التشريعية بعد البلبلة التي أحدثها في صفوفها فوز الوسطي ايمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية.

والانتخابات التشريعية ستكون حاسمة بالنسبة لماكرون وعليه أن يقنع الفرنسيين بأنه يستحق الحصول على الأغلبية ليتمكن من الحكم وإدخال الإصلاحات التي وعد بها في بلد منقسم يحتاج فيه لتأييد شخصيات منبثقة من اليمين ومن اليسار المعتدل.

أحزاب عجوزة

وضمن أجواء الاستعدادات للانتخابات التشريعية، عنونت صحيفة "صوت الشمال" الفرنسية معلقة على مرشحي ماكرون: "الرئيس الشاب والأحزاب العجوزة" ملخصة بذلك الصراع الجديد في فرنسا بعد وصول الرئيس الشاب إلى قصر الإليزيه.

فمن جهة هناك رئيساً يبلغ من العمر 39 عاما لا ينتمي إلى أي حزب وليس له خبرة في الانتخابات، ومن جهة أخرى، هناك هيكليات مشتتة وترفضها القاعدة الناخبة لكنها رسمت الحياة السياسية الفرنسية في السنوات الأربعين الماضية ولا تزال تحظى بروابط محلية قوية.

ولهذا السبب تبدو معركة الانتخابات التشريعية ذات أهمية كبرى بالنسبة لولاية الرئيس الممتدة على خمس سنوات.

وقال الخبير السياسي لوك روبان لوكالة الأنباء الفرنسية "كل شيء سيكون رهنا بالانتخابات التشريعية وبفرص حصول إيمانويل ماكرون على غالبية متماسكة في الجمعية الوطنية وهذا ليس مضمونا".

وأما في أوساط الحزب الاشتراكي، الذي لم يحقق سوى نسبة 6,36% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، فإن خطر التفكك قائم.

اضف تعليق