q

ارتفعت العملات العالمية التي تعتبر ملاذات آمنة إلى مستويات عالية بسبب الفضيحة السياسية المتفاقمة بشأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وارتفع الين الياباني 0.7% خلال تعاملات اليوم الأربعاء ليسجل أعلى مستوياته في أسبوعين، إذ بلغ سعر الدولار مقابله نحو 112.2 ينا، وسجل الفرنك السويسري أعلى سعر له في سبعة أسابيع، إذ بلغ الدولار مقابله 0.982 فرنك، ويعد الين الياباني والفرنك السويسري من أبرز الأصول الآمنة في الأسواق المالية.

أما اليورو فقد سجل أعلى مستوياته في أكثر من ستة أشهر، متجاوزا 1.11 دولار، وذكرت مصادر أميركية أن ترمب كشف معلومات استخبارية خطيرة خلال لقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وترددت أيضا أنباء تقول إن ترمب طلب من رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي قبل عزله أن ينهي تحقيق المكتب في وجود علاقات بين مستشار الأمن القومي السابق للبيت الأبيض مايكل فلين وروسيا، وتساور المستثمرين حاليا شكوك في قدرة ترمب على نيل دعم الكونغرس الأميركي للسياسات التي تعهد باتباعها، وقد فقد الدولار كل المكاسب التي سجلها منذ فوز ترمب المفاجئ في انتخابات الرئاسة التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

فوز ماكرون يمنح اليورو فرصة للبقاء

حصلت العملة الأوروبية الموحدة اليورو على فرصة جديدة لإثبات جدواها وتحسين سمعتها بعد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا ، وترى مصادر إنه على الرغم من رفض أغلبية الناخبين الفرنسيين المرشحة المنافسة مارين لوبان التي وعدت بالتخلي عن اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي فإن ذلك لا يعني أن حالة اليورو تبعث على الرضا، ولكنهم خافوا من عواقب ذلك التغيير الذي سيخفض قيمة أموالهم ويزيد معدل التضخم.

ومن المفارقة أن انتقاد لوبان لليورو والاتحاد الأوروبي كان في محله كما ترى المصادر، فالعملة الأوروبية في حالة من الجمود ومعها قواعد صارمة للميزانية يفرضها الاتحاد الأوروبي على كل أعضائه على الرغم من الاختلاف الشديد بين أحوال دولة وأخرى، أن منطقة اليورو اليوم أشبه بمبنى يقع على صدع زلزالي، وأمام ماكرون خمس سنوات لتدعيم هذا المبنى عن طريق تحسين الحكومة والروابط الاقتصادية، وإلا فإن المبنى سيكون في خطر وقد يصعد تيار أقصى اليمين مجددا للدعوة إلى طريق للنجاة، وقد ارتفع سعر اليورو من نحو 1.059 دولار قبل شهر ليصل إلى نحو 1.095 دولار في تداولات اليوم الاثنين، أي أنه زاد بنحو 3.5% في تلك الفترة مع تلاشي المخاوف التي أثارها برنامج لوبان في الأسواق.

خبير أميركي: منطقة اليورو ستتفكك خلال سنوات

توقع جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الأميركي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد تفكك منطقة العملة الأوروبية الموحدة المكونة حاليا من 19 دولة خلال سنوات قليلة قادمة، معتبرا عملية تفكك هذه المنطقة بدأت بالفعل بإيطاليا التي تعاني أزمة اقتصادية عميقة، وتوقف اقتصادها منذ عشر سنوات عن النمو، وعزا ستيغليتز سيناريو أسود رسمه لمنطقة اليورو، إلى افتقاد دولها الإرادة السياسية لإجراء إصلاحات جذرية وللحسم والتضامن فيما بينها.

وذكر إن حل منطقة اليورو أو تجزئتها لاثنتين، واحدة لدول شمال اليورو الغنية وأخرى لجنوبه الفقير، يعد الإمكانية الوحيدة لتحريك الاقتصاد المشلول بالقارة العجوز، واعتبر ستيغليتز أن السياسة الأوروبية الحالية عاجزة عن إنقاذ المنطقة المهتزة لعملتها الموحدة. وأوضح أن السياسيين الأوروبيين يتفقون على ما يتوجب اتخاذه من قرارات مهمة، ثم يعطلون هذه القرارات أو يسوفون بتنفيذها كسبا للوقت "مثلما جرى مع مسألة إقامة اتحاد بنكي أوروبي أو تأسيس آلية جماعية أوروبية لضمان المدخرات"، ورجح عالم الاقتصاد الأميركي تمزق منطقة اليورو نهاية صيغتها الراهنة خلال عشر سنوات. وإنه يمكنه التوقع بسهولة من سيغادر المنطقة، لكنه يجد صعوبة بتحديد من سيبقي فيها. وتوقع أن تكون إيطاليا المثقلة بجبل هائل من الديون يزيد عن تريليوني يورو أول المرشحين للخروج.

وقد دعا في السابق اليونان والبرتغال للخروج من منطقة العملة الأوروبية الموحدة- ورجح عدم بقاء منطقة اليورو بوضعها الراهن خلال سنوات قليلة، مؤكدا أن عدد الدول الأعضاء بالمنطقة سيتقلص ولن يكون من بينها إيطاليا بحال، وقد بين ستيغليتز-الذي رأس لسنوات قسم الاقتصاد بالبنك الدولي- إن إيطاليا تعاني أزمة عميقة، لتوقف اقتصادها منذ أكثر من عشر سنوات عن النمو، ومكافحة بنوكها تداعيات حجم ضخم من قروضها المعدومة. وأوضح أن انطباعه من أحاديث كثيرة مع الإيطاليين أنهم باتوا مصدومين بشدة من اليورو، وأشار أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا الأميركية أن هذه الصدمة بين الإيطاليين باتت منتشرة على نطاق واسع، خاصة بين العلماء والقادة السياسيين الذين تقبلوا الآن بصعوبة حقيقة فشل بلدهم مع اليورو التي تجاهلوها طويلا.

وحمل ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل بالاقتصاد عام 2001، اليورو كعملة موحدة، وسياسة التقشف التي تلزم بها الحكومة الألمانية دول جنوب أوروبا المأزومة، مسؤولية المشكلات التي تعاني منها أوروبا.

واتفق البروفسور سباستيان دولين رئيس لجنة خبراء الاستثمار بالاتحاد الأوروبي مع ستيغليتز بتحميل سياسة التقشف الحاد التي تصر ألمانيا على إلزام الدول الأوروبية المأزومة بتنفيذها، مسؤولية المشكلات الاقتصادية بالاتحاد الأوروبي، وذكر دولين إن هذه السياسة أطالت الأزمة الراهنة وأسهمت بتراجع تأييد الشعوب الأوروبية لليورو، ويرى الخبير الاقتصادي الألماني أن خروج دول أخرى من الاتحاد الأوروبي كالمجر مثلا لن يخلق مشكلة كبيرة، مشيرا إلى أن المشكلات الكبيرة التي تواجهها بريطانيا بعد تصويت مواطنيها على الخروج من الاتحاد، صعبت على دول أوروبية أخرى أن تقدم على خطوة مماثلة.

ولفت الأستاذ بمدرسة برلين العليا للاقتصاد والتقنية إلى أن الخروج من منطقة اليورو من شأنه -عكس الخروج من الاتحاد الأوروبي- أن يخلق مشكلة ضخمة تضر بالنظام المصرفي الأوروبي كله، ويرى دولين بالمقابل أن الخروج من اليورو أو الاتحاد الأوروبي لن يمسا بكيان الأخير. ورغم عدم استبعاده خروج إيطاليا من منطقة اليورو، فإنه اعتبر أن المصرف المركزي الأوروبي ما زال يمكنه استخدام أدوات كثيرة للعلاج بإيطاليا، إن أراد تجنب تحول هذه الدولة ليونان ثانية، وأرجع دولين توقعه باحتمال خروج إيطاليا ودول أخرى من اليورو، إلى استمرار كثير من المشكلات بمنطقة العملة الأوروبية الموحدة دون حل، وتواصل ارتفاع معدلات البطالة فيها لمستويات قياسية، وصعود تيارات اليمين الشعبوي.

اضف تعليق