q

افتتح الرئيس الصيني شي جينبينغ الاحد في بكين قمة دولية حول "طرق الحرير الجديدة" تطمح الى تعزيز علاقات بكين التجارية مع اوراسيا وافريقيا، وتهدف هذه القمة الى إحياء طريق الحرير القديمة التي كانت تستخدم لنقل منتجات امبراطورية الوسط الى اوروبا والعكس بالعكس، عبر آسيا الوسطى، على ظهور الجمال، وتقضي دورة 2017 التي دعت اليها الصين، الى مناقشة مجموعة من الاستثمارات في مشاريع للسكك الحديد والطرق السريعة والمرافىء والطاقة.

وتعقد هذه القمة فيما أجرت كوريا الشمالية من افتتاح القمة، تجربة على صاروخ بالستي، كما ذكر الجيش الكوري الجنوبي، وهذه اول تجربة تجريها منذ انتخاب الرئيس الكوري الجنوبي الجديد.

واغتنم رئيس ثاني اقتصاد عالمي هذه الفرصة، ليظهر مرة أخرى مدافعا كبيرا عن التبادل الحر والعولمة فيما تريد اميركا في عهد دونالد ترامب العودة على ما يبدو الى تطبيق سياسة الحماية، واكد الرئيس الصيني الذي تطرق الى ذكرى تجار مثل ماركو بولو سلكوا الطريق التجارية القديمة، ان "روح طريق الحرير اصبحت تراثا كبيرا للحضارة الانسانية، واضاف ان "طريق الحرير القديمة قد أزهرت في زمن السلام لكنها فقدت قوتها في زمن الحرب، واستمرار مبادرة طرق الحرير الجديدة يتطلب بيئة سلمية ومستقرة، وحضر ايضا الى بكين رئيسا الحكومة الاسباني ماريانو راخوي والمجري فيكتور اوربان، على غرار رئيسي الوزراء الايطالي باولو جنتيلوني واليوناني الكسيس تسيبراس. لكن معظم المسؤولين الغربيين لم يحضروا.

مشروع "طريق الحرير" الصيني

كانت المبادرة قد اعلن عنها للمرة الأولى في عام 2013، حيث كانت تحمل اسم "حزام واحد وطريق واحد"، وتتضمن انفاق الصين مليارات الدولارات عن طريق استثمارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، والمبادرة هي بالأساس استراتيجية تنموية طرحها الرئيس الصيني تتمحور حول التواصل والتعاون بين الدول، وخصوصا بين الصين ودول أوراسيا، تتضمن فرعين رئيسيين، وهما "حزام طريق الحرير الاقتصادي" البري و"طريق الحرير البحري."

وتنفق الصين حاليا حوالي 150 مليار دولار سنويا في الدول الـ 68 التي وافقت على المشاركة في المبادرة، وشارك في القمة أكبر عدد من الزعماء الاجانب الذين يقصدون بكين منذ دورة الالعاب الأولمبية التي استضافتها العاصمة الصينية في عام 2008، وذكر وانغ شياوتاو، نائب رئيس مفوضية التنمية والاصلاح الوطنية الصينية إن الغرض من القمة "هو تأسيس قاعدة أكثر انفتاحا وكفاءة للتعاون الدولي، وشبكة أكثر قوة من الشراكات مع الدول المختلفة، والدفع باتجاه انشاء نظام دولي أكثر عدلا وعقلانية واتزانا."

وتعد القمة منبرا للتوصل الى برامج عمل تهدف لتنفيذ بنود المبادرة في مجالات البنى التحتية والطاقة والموارد الطبيعية والطاقة الانتاجية والنشاط التجاري والاستثمارات، كما تهدف القمة أيضا الى توفير فرص للتوقيع على اتفاقيات تعاون مع دول ومنظمات دولية في مجالات التعاون المالي والعلوم والتكنولوجيا والبيئة وتبادل الخبرات، وجغرافيا، يتضمن الفرع البري من المبادرة 6 ممرات اضافة الى طريق الحرير البحري.

وهذه الممرات هي:

الجسر البري الأوراسي الجديد الذي يمتد من غربي الصين الى روسيا الغربية.

ممر الصين - مونغوليا - روسيا الذي يمتد من شمالي الصين الى الشرق الروسي.

ممر الصين - آسيا الوسطى - آسيا الغربية الذي يمتد من غربي الصين الى تركيا.

ممر الصين - شبه جزيرة الهند الصينية الذي يمتد من جنوبي الصين الى سنغافورة.

ممر الصين - باكستان الذي يمتد من جنوب غربي الصين الى باكستان.

ممر بنغلاديش - الصين - الهند - ميانمار الذي يمتد من جنوبي الصين الى الهند.

طريق الحرير البحري الذي يمتد من الساحل الصيني عبر سنغافورة والهند باتجاه البحر المتوسط.

يذكر ان كثيرا من الدول التي انضمت الى المبادرة سبق لها ان انضمت الى البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية الذي اقترحت الصين تأسيسه في عام 2013. وكانت بكين قالت في عام 2015 إن أكثر من 160 مليار دولار من الاستثمارات هي قيد الدراسة او التنفيذ بتمويل من البنك، وتذكر المصادر إن الانتاج الصناعي الصيني الفائض يعد احد أهم الدوافع التي تقف خلف المبادرة. فعلى سبيل المثال، تنتج الصين نحو 1,1 مليار طن من الفولاذ سنويا (وهي كمية تعادل تلك التي تنتجها كل دول العالم الأخرى)، ولكنها لا تستهلك داخليا الا 800 مليون طن. ويقدر اتحاد غرف التجارة الأوروبية ان المبادرة ستستوعب 30 مليون طن من هذا الانتاج الفائض فقط.

الصين تتعهد بتخصيص 124 مليار دولار لطريق الحرير الجديد

تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتخصيص 124 مليار دولار لخطة طريق الحرير الجديد ليكون طريقا للسلام ولم الشمل والتجارة الحرة ودعا لنبذ النماذج القديمة للتنافس ودبلوماسية ألعاب القوة، وتروج الصين لما تطلق عليه رسميا مبادرة الحزام والطريق كسبيل جديد لدعم التنمية العالمية منذ أن كشف شي النقاب عن الخطة الطموح في 2013 بهدف تعزيز الروابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا وما وراء ذلك من خلال استثمارات في البنية التحتية بمليارات الدولارات.

ويمنح أهم حدث دبلوماسي في الصين هذا العام، قمة مشروع طريق الحرير التي تستمر يومين ويشارك فيها زعماء 29 دولة، شي فرصة جديدة لتعزيز طموحات الصين في قيادة العالم بينما يروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمبدأ "أمريكا أولا" ويشكك في مبادرات التجارة الحرة العالمية الحالية مثل نافتا، وتابع أنه ينبغي على العالم تهيئة الظروف لدعم التنمية الحرة وتشجيع وضع أنظمة "عادلة ومقبولة وشفافة للتجارة العالمية وقواعد الاستثمار".

وتعهد شي بتمويل ضخم لطريق الحرير الجديد يشمل 100 مليار يوان إضافية (14.50 مليار دولار) لصندوق طريق الحرير القائم و380 مليار يوان قروضا من بنكين كبيرين و60 مليار يوان مساعدات للدول النامية والمؤسسات الدولية في دول طريق الحرير الجديد، وإلى جانب ذلك سيشجع شي المؤسسات المالية على التوسع بأنشطة التمويل باليوان في الخارج بما يصل إلى 300 مليار يوان.

الصين تطرح نفسها ضد سياسة الحمائية

طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ نفسه سدا منيعا بوجه سياسة الحمائية وذلك خلال لقاء مع عدد من رؤساء الدول الذين توافدوا الى بكين للاحتفال بمشروعه "طرق الحرير الجديدة"، وفي اليوم الثاني من قمة شارك فيها حوالى ثلاثين مسؤولا بينهم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، وعدد قليل من كبار المسؤولين الغربيين، قال شي جينبينغ ان "العولمة تواجه رياحا معاكسة".

وأعلن المشاركون في القمة في البيان الختامي الذي صدر عنهم انهم "يرفضون كل اشكال الحمائية"، وكان الرئيس الصيني أطلق في 2013 مبادرة طرق الحرير الجديدة التي تتضمن مجموعة من مشاريع البنى التحتية، تمهيدا لربط آسيا بأوروبا وافريقيا، على غرار القوافل التي كانت تعبر آسيا الوسطى في العصور القديمة، وفي خطاب لافت دافع شي جينبينغ عن التبادل الحر والعولمة في مطلع السنة في منتدى دافوس الاقتصادي (سويسرا) وتزامن كلامه مع وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض والتخوف الذي بدأ يظهر من اتجاه نحو الحمائية في الولايات المتحدة.

واذا كان الرئيس الاميركي جعل من الصين واحدا من اهدافه المفضلة خلال حملته الانتخابية، متهما بكين بـ "سرقة" ملايين فرص العمل في الولايات المتحدة، فقد بدا اقل تهجما عليها منذ وصوله الى البيت الابيض. حتى ان بكين وواشنطن اعلنتا الاسبوع الماضي عن اتفاق تجاري حول اللحوم والغاز الطبيعي وبعض الخدمات المالية، ولم يزر دونالد ترامب بكين للمشاركة في هذه القمة. وباستثناء رئيس الوزراء الايطالي باولو جنتيلوني، لم يشارك أي من قادة مجموعة السبع في القمة، ما أوحى أن البلدان الغربية تتخوف من ان تسعى الصين قبل اي بلد آخر الى ان تستأثر بالتجارة الدولية.

ورفض عدد كبير من البلدان الاوروبية الموافقة على بيان حول التجارة أعدته الصين، ورأت هذه الدول، ومنها المانيا واستونيا والمجر، ان هذا البيان لا يتطرق بشكل واف الى هواجس الاوروبيين على صعيد شفافية الاسواق العامة او المعايير الاجتماعية والبيئية، وأبدت الصين التي تسعى الى ترسيخ علاقاتها التجارية مع الاجزاء الاخرى من العالم، استعدادها للقيام باستثمارات كبيرة في مشاريع طرق الحرير الجديدة، وقد أعلن الرئيس الصيني لدى افتتاح القمة الأحد عن تخصيص مبلغ جديد بقيمة 113 مليار يورو لهذه المشاريع الموزعة على حوالى ستين بلدا: طرق للسكك الحديد ومرافىء ومجمعات صناعية، وقد سبق ان اعلن بنك الصين للتنمية وحده، تخصيص اكثر من 800 مليار يورو لاستثمارات موزعة على 900 مشروع.

وتؤكد بكين ان مبادرتها منفتحة على الجميع، ودعت الى القمة ممثلين عن الاميركيتين مثل رئيسي التشيلي والارجنتين. ورحب المشاركون بهذه المبادرة، وفي اطار عمليات الخصخصة التي تفرضها الجهات الدائنة على اليونان التي تعاني من أزمة مالية واقتصادية، اضطرت اثينا الى التخلي لرؤوس اموال صينية عن الاشراف على مرفأ بيرايوس. وكان تسيبراس تصدى في البداية لهذا المشروع، لكنه انتهى الى تأييده. ويأمل هؤلاء المستثمرون الصينيون في ان يجعلوا من بيرايوس "جسرا بين آسيا واوروبا"، واكد وزير المال البريطاني فيليب هاموند الذي تطرق الى خروج بلاده من الاتحاد الاوروبي وضرورة ان تجد لندن شركاء تجاريين جددا، استعداد بريطانيا "للعمل من اجل إنجاح هذه المبادرة مع جميع الشركاء في طرق الحرير الجديدة".

تمويل رخيص وديون كثيرة ومخاطر متنامية خلف رؤية الصين لطريق الحرير

يكمن خلف سعي الصين لبناء طريق الحرير الحديث بتكلفة تريليون دولار برنامج كبير للإقراض على نحو لم يسبق له مثيل، سيساعد في بناء موانئ وطرق وشبكات للسكك الحديدية، لكنه أيضا قد يترك بعض البنوك والكثير من الدول تعاني من تداعيات، وفي قلب هذا الإنفاق الذي يتسم بالبذخ يقف بنكان من كبار البنوك الصينية، وهما بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني، واللذان قدما بالفعل معا قروضا بقيمة 200 مليار دولار في أنحاء آسيا والشرق الأوسط وحتى افريقيا.

ومن المنتظر أن يقدما 55 مليارا إضافية على الأقل، بحسب إعلانات صدرت أثناء قمة الحزام والطريق التي عقدت على مدى يومين في بكين، وبفضل التمويل الرخيص، ساهم بنك التنمية الصيني وبنك الصادرات والواردات الصيني في إزاحة ما أطلق عليه الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الأحد "تحديا بارزا" أمام طريق الحرير وهو مشكلة التمويل، لكن مصرفيين ومحللين ذكروا إنه مع نمو مشروع الحزام والطريق، تزداد المخاطر التي تواجه البنكان الكبيران، والبنوك التجارية والمقترضين، المشتركون معا في مشاريع تثير شكوكا حول جدوى النشاط.

كما ذكر مصرفيون ومحللون إنه حتى الآن فإن المفاوضات المتعلقة بقروض مشروعات البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق تتم بشكل أساسي بين الحكومات، مع أسعار فائدة تقل عن تلك التي تقدمها البنوك التجارية ومع تمديد مواعيد السداد، وتبقي عمليات ضخ رأسمال حكومي ضخم، والسندات التي يجرى تسعيرها كديون سيادية والوصول إلى برنامج الإقراض التكميلي الذي تعهد به البنك المركزي، تكاليف التمويل من بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني عند مستويات قياسية متدنية.

وفي اندونيسيا، قدم بنك التنمية الصيني قرضا ميسرا لمدة 40 سنة، دون أن يطلب ضمانات دين حكومية، لتمويل 75 بالمئة من خط للسكك الحديدية بين جاكرتا وباندونج تبلغ تكلفته 5.29 مليار دولار، وهو أول خط للسكك الحديدية الفائقة السرعة في اندونيسيا ونموذج لمشاريع البنية التحتية لجهود مبادرة الحزام والحرير الصينية، وتبلغ فترة السماح للقروض عشر سنوات. ويتضمن القرض حصة بنسبة 60 بالمئة مقومة بالدولار الأمريكي بفائدة 2 بالمئة، ويتم حساب الحصة المتبقية البالغة 40 في المئة باليوان الصيني، بحسب مذكرة صادرة عن بنك تشاينا انترناشونال.

معوقات نجاح طريق الحرير

بحسب المصادر الصينية، تقوم المبادرة على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، كالاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمنفعة المتبادلة، كما أن المبادئ الحاكمة لتطبيق المبادرة ترتكز على التنسيق السياسي بين الدول وتعزيز التواصل والحوار والتجارة دون عوائق والتكامل المالي من خلال البنك الآسيوي للتنمية وبنك دول بريكس وصندوق طريق الحرير بالإضافة إلى توفير الدعم الشعبي لضمان نجاح المبادرة.

ويرى مراقبون أنه بالتوازي مع بزوغ نجم الصين قوة دولية فإن الهجوم الاقتصادي الناعم الذي تشنه عبر مبادرتها لا بد أن يحمل في طياته أيضا مخاوف سياسية وأمنية لقوى إقليمية ودولية كثيرة خاصة لدول الجوار وما تشهده علاقاتها مع بعض هذه الدول من توترات ونزاعات، ولذلك يبقى نجاح هذه المبادرة مرتبطا بقدرة الصين على طمأنة جيرانها وحل خلافاتها معهم بالحوار والطرق السلمية.

اضف تعليق