q

لم تناقض نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر تكهنات المتابعين للشأن الجزائري، وكما كان متوقعا فاز حزب جبهة التحرير الوطني، وهو حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بأغلبية المقاعد رغم تراجعه مقارنة بالانتخابات السابقة. وحل غريمه التجمع الوطني الديمقراطي ثانيا، ورفع من عدد مقاعده لتصل إلى 97 مقعدا، فيما جاء تحالف حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير في المرتبة الثالثة، وهو نفس ترتيب الانتخابات السابقة.

تعد هذه الانتخابات أول انتخابات تشريعية تجريها الجزائر منذ أن تبنت البلاد العام الماضي إصلاحات دستورية توسع من صلاحيات المجلس التشريعي، هذه الانتخابات وكما يرى بعض المراقبين التي سيشترك فيها بحسب لجنة تنظم الإنتخابات ما يقارب من 11 ألف مرشح يتنافسون على 462 مقعد في المجلس الشعبي الوطني، وتجري في ظل حراسة أمنية مشددة، إذ ينتشر 45 ألف شرطي في المدن، إضافة الى الدرك الوطني في المناطق الريفية لتأمين اكثر من 53 ألف مركز اقتراع. قد لاتختلف من حيث النتائج عن الانتخابات السابقة، حيث تشير التوقعات ان الأحزاب الكبيرة تستبقى في الصدارة مع حدوث تغير طفيف. خصوصا وان البعض تخوف من عزوف الناخبين بعد حملة انتخابية باهتة. بسبب عدم تعويل الناس على أي تغيير نتيجة الانتخابات، يتوقع الا تسجل نسبة مشاركة كبيرة. وسجلت انتخابات 2012 نسبة مشاركة بلغت 43.14%، بينما لم تتعد 35.65% في 2007، وتشهد الجزائر أزمة اقتصادية كبيرة بعد ان شحت مواردها المالية بسبب انهيار اسعار النفط.

والجديد في هذه الانتخابات كما نقلت بعض المصادر، هو تشكيل الهيئة المستقلة العليا لمراقبة الانتخابات برئاسة عبد الوهاب دربال التي انبثقت عن الدستور الجديد في فبراير/شباط 2016. وتتشكل الهيئة من 410 أعضاء، منهم 205 قضاة و205 شخصيات من المجتمع المدني، وقال دربال إنها وجهت أكثر من 400 إشعار بسبب بعض التجاوزات القانونية خلال حملات الانتخابات التشريعية.

ويبدو حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة جمال ولد عباس في طريقه للحفاظ على الأكثرية مع حليفه في الحكومة التجمع الوطني الديمقراطي، حزب مدير ديوان الرئاسة ورئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى. ويشارك الإسلاميون في الانتخابات بتحالفين، يضم أحدهما ثلاثة أحزاب هي العدالة والبناء والنهضة، ويضم الآخر حزبين هما حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير.

ويأمل الإسلاميون الذين تفرقت صفوفهم أن يحققوا نتيجة أفضل من انتخابات 2012 عندما كانوا يأملون السير على خطى الأحزاب الإسلامية التي اكتسحت البرلمان في حينه في الدولتين المجاورتين تونس والمغرب. وتأتي المفاجأة من الوافد الجديد على الانتخابات، حزب تجمع أمل الجزائر (تاج) برئاسة الوزير السابق عمار غول المنشق عن حركة مجتمع السلم وأحد أكبر المدافعين عن الرئيس بوتفليقة.

ويقاطع هذه الانتخابات حزبا طلائع الحريات برئاسة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس الخاسر في الانتخابات الرئاسية سنة 2014، وحزب "جيل جديد" برئاسة سفيان جيلالي، وكلاهما يرى أن "الانتخابات التشريعية القادمة لن تحمل أي تغيير".

قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية

نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية كانت متوقعة، مثلما كان متوقعا عزوف الناخب الجزائري، إذ لم تتعد نسبة المشاركة 38 بالمائة، أي أضعف من انتخابات عام 2012.

نتائج الانتخابات كشفت أيضا عن إستراتيجية النظام القائمة على الحفاظ على الوضع كما هو عليه، والحفاظ على السلطة ومواصلة نفس النهج تحضيرا لمرحلة مابعد بوتفليقة التي بات واضحا أنها لن تنتهي إلا برحيله، وأن الحديث عن مرحلة انتقالية أصبح من الماضي، وأن الوضع السياسي الحالي هو تحضير لولاية جديدة بعد سنتين عندما يحين موعد الانتخابات الرئاسية، وأن الطامعين والطامحين لحكم الجزائر عليهم أن يتريثوا ويتحلوا بالصبر.

نتائج التشريعيات كشفت أيضا عن فشل ذريع للمعارضة التي لم تحصد سوى نتائج إستراتيجيتها التي قامت على مبدأ المشاركة في الحكم رغم اختلافها مع السلطة وطعنها في شرعيتها ومطالبتها برحيل الرئيس وإعلان حالة الشغور أثناء رحلة علاج بوتفليقة، معارضة لم تتمكن من تحقيق إجماع حول برنامجها وفقدت كل مصداقية لدى الناخب الجزائري الذي يضعها في نفس السلة مع النظام الحاكم، ويعتبر أن من يمثلون هذه المعارضة هم في الواقع من النظام ولا يختلفون عن أحزاب الموالاة، ولهم نفس الأهداف بما فيها البحث عن الانتفاع واقتسام الريع.

من بين ماكشفت عنه نتائج هذه الانتخابات أيضا الصراع الذي بات مكشوفا بين سلال وأويحيى، صراع من أجل خلافة بوتفليقة أو على الأقل التموقع في انتظار اللحظة المناسبة، لكن هل فعلا ينحصر الصراع بين هذين الشخصين أم أن من يدير فعلا دفة الحكم له تصور آخر لجزائر مابعد بوتفليقة؟ سؤال يطرح لأن تاريخ الجزائر المستقلة شهد ذلك من قبل، فلا أحد كان يعرف الشاذلي بن جديد قبل أن يحكم الجزائر ويستمر في الحكم 12 عاما، كما أن اليامين زروال كان جنرالا مغمورا قبل أن يصبح رئيسا للجزائر، لذلك فإن مايجري يمكن أن يكون تمويها أو إشارة خاطئة قدمت لأويحيى وسلال لإلهائهما وإلهاء من يسير في فلكهما.

حزب الحركة الشعبية الجزائرية برئاسة عمارة بن يونس ضاعف عدد مقاعده، وهو حزب محسوب على الموالاة كون عمارة بن يونس مقرب من شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، ويتوقع أن يلعب دورا في المرحلة المقبلة، مثله مثل حزب "تاج" (تجمع أمل الجزائر) بقيادة الوزير السابق وعضو مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي عمار غول الذي حصد 19 مقعدا ويتوقع أيضا أن يكون له دور خلال السنوات القادمة، وهذان الحزبان مثل أحزاب صغيرة أخرى تدور في فلك السلطة، ومقاعدها ستكون في خدمة الأغلبية الحاكمة.

حزبا الإرسيدي (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) والأفافاس (جبهة القوى الاشتراكية) دفعا ثمن مشاركتهما في الانتخابات بسبب العزوف الكبير الذي عرفته منطقة القبائل التي تعد الخزان الانتخابي لهذين الحزبين، وربما كان الخاسر الأكبر في هذا الاستحقاق هو حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي أسسه الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد والذي دفع ثمن انشقاق صفوفه، وإستراتيجية الحزب القائمة على المشاركة والتي خدمت أهداف السلطة التي دائما ما تراهن على هذه التشكيلة لإضفاء بعض المصداقية على العملية الانتخابية.

بالنسبة للأحزاب الإسلامية، وإن ظفرت بعد تحالفاتها على مقاعد إضافية إلا أنها تبقى خارج دائرة التأثير، وما حذر منه البعض أن السلطة بصدد استعمال هذه الأحزاب في العملية الانتخابية بات أمرا واقعا، فنتائج هذه الانتخابات تعد نكسة لأحزاب تريد أن تلعب دورا سياسيا في البلاد، بل ستساهم في إضعاف أسهمها أكثر على الساحة السياسية، وتضرب مصداقية خطابها الذي لم يعد له الصدى الذي كان قبل سنوات بسبب الانقسامات السياسية، وبسبب المحيط الإقليمي والدولي الذي شهد تراجعا للطرح الإسلامي.

مايمكن استنتاجه من هذه النتائج هو تمكن السلطة الحاكمة من إبقاء الوضع كما هو، ومواصلة محاولات ضمان البقاء في السلطة، فبالإضافة إلى التحدي الاقتصادي بسبب انهيار أسعار النفط فإن السلطة لا تريد أن تفتح على نفسها جبهة أخرى على المستوى السياسي، ولم يكن أمامها من خيار سوى العمل على بقاء الحال على ماهو عليه، فالبرلمان الذي تمخض عن هذه الانتخابات سيكون صورة طبق الأصل لسابقه، مع فارق بسيط هو عودة الحديث عن المال الفاسد وتوغله إلى قبة البرلمان.

نسبة المشاركة

وفي هذا الشأن يتوجه الناخبون الجزائريون الى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات تشريعية، ينتظر ان يحافظ فيها حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحلفاؤه على الاغلبية، بينما الرهان الاهم بالنسبة للحكومة هو نسبة المشاركة. وقامت الحكومة بحملة واسعة عبر وسائل الاعلام وفي المساحات الاعلانية للدعوة الى التصويت تحت شعار "سمع صوتك" من أجل "الحفاظ على أمن واستقرار البلاد"، كما طلبت من الائمة في المساجد حث المصلين على مشاركة كثيفة في الانتخابات.

وشارك بوتفليقة في حملة الدعوة الى التصويت بقوة بمناسبة انطلاق الاقتراع بالنسبة لحوالى مليون جزائري في الخارج (763 الف ناخب في فرنسا). ودعا الجزائريين للمشاركة في الانتخابات لأنها "تسهم في استقرار البلاد" وطمأنهم بأن "المسؤولين والأعوان العموميين" المكلفين بتنظيم الانتخابات، سيتحلون "بالحياد التام". ويبدو حزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة في طريقه للحفاظ على الاكثرية مع حليفه في الحكومة التجمع الوطني الديموقراطي، حزب مدير ديوان الرئاسة ورئيس الوزراء الاسبق أحمد اويحيى.

وقال الامين العام لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس صراحة ان حزبه سيحكم البلاد "مئة سنة أخرى على الاقل"، لأنه هو الذي استلم السلطة من المستعمر الفرنسي في 1962 ولم يتركها ابدا. وفي انتخابات 2012، حصل حزب الرئيس بوتفليقة على 221 مقعدا من اصل 462، وتلاه التجمع الوطني الديموقراطي ب70 مقعدا، في حين حلت قائمة الجزائر الخضراء (إسلاميون) في المركز الثالث بحصولها على 47 مقعدا. وبلغت نسبة المشاركة 42,9 في المئة.

ويقول المحلل السياسي شريف دريس "اننا نتجه نحو الحفاظ على هذا الترتيب لكن بتقليص الفارق بين حزبي السلطة"، أي التجمع الوطني وجبهة التحرير. ومنذ استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي في 1962، ظل حزب جبهة التحرير الوطني مسيطرا على السلطة كحزب وحيد الى 1989، ثم كحزب الاغلبية منذ بدء العمل بالتعددية الحزبية الى اليوم، باستثناء الفترة الممتدة بين 1997 و2002 التي حصل خلالها التجمع الديمقراطي على الاكثرية. وكان هذا الحزب نشأ في خضم الحرب الاهلية "العشرية" بدفع من الرئيس اليامين زروال. وجاء فوزه بعد خمس سنوات من إلغاء الجيش انتخابات فاز بدورتها الاولى الاسلاميون المتشددون، ما تسبب بدخول البلاد حربا سقط فيها 200 ألف قتيل.

وسلكت أغلب الاحزاب الجزائرية منحى الحكومة ذاته، لجهة التركيز في الحملة الانتخابية التي دامت ثلاثة اسابيع من دون ان تشكل ضجة كبيرة، على ضرورة المشاركة في عملية الاقتراع. فقد دعا معظم رؤساء الاحزاب الستين المشاركة في الانتخابات، الى المشاركة القوية من دون تقديم اي برامج بارزة. ويشير شريف دريس الى ان "أغلب الاحزاب تبنت برنامج رئيس الجمهورية، ما يعني انها مقتنعة بأن البرلمان لا دور له وان السلطة التنفيذية (ممثلة في رئيس الجمهورية) هي الاساس".

ويقاطع هذه الانتخابات حزبا طلائع الحريات برئاسة رئيس الحكومة الاسبق علي بن فليس الخاسر في الانتخابات الرئاسية سنة 2014 ، وحزب "جيل جديد" برئاسة سفيان جيلالي، وكلاهما يعتبر ان "الانتخابات التشريعية القادمة لن تحمل أي تغيير". أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي قاطع انتخابات 2012، فعاد للمشاركة لينافس حزب جبهة القوى الاشتراكية (27 نائبا حاليا) في منطقة القبائل التي تضم خمس دوائر انتخابية.

ويشكل النواب الاسلاميون حاليا أكبر قوة معارضة في البرلمان المنتهية ولايته (حوالى 60 نائبا)، ويشاركون في الانتخابات بتحالفين يضم أحدهما ثلاثة أحزاب هي العدالة والبناء، والنهضة، ويضم الآخر حزبين هما حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير. ويتشكل البرلمان الجزائري من غرفتين، المجلس الشعبي الوطني ويضم 462 نائبا يتم انتخابهم كل خمس سنوات بالاقتراع السري والمباشر في دورة واحدة، ومجلس الامة الذي يتم اختيار اعضائه بالاقتراع غير المباشر بالنسبة للثلثين، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث الاخير.

ويشارك في الانتخابات حوالى ألف قائمة. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين 23 مليونا ناخبا من 40 مليونا هو عدد سكان البلاد، نسبة 45% منهم نساء، بحسب ما اعلنت الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات. وتجري لانتخابات في وقت يبقى بوتفليقة (80 سنة) منذ خمس سنوات شبه غائب عن الاحداث العلنية، بسبب تعرضه لجلطة دماغية أقعدته وأضعفت قدرته على الكلام. بحسب فرانس برس.

وكان وعد في آخر خطاب له باجراء اصلاحات سياسية وبتسليم المشعل للشباب. وللدلالة على ان نسبة المشاركة قد تحدد الى حد بعيد نتائج الانتخابات القادمة، فقد حصل شريط فيديو أعده شاب جزائري ينادي بمقاطعة الانتخابات، على أكثر من مليوني مشاهدة في أقل من ثلاثة ايام. كما يندد الشريط بعدم وفاء الحكومة بوعودها في الصحة والسكن والتعليم.

حزبي السلطة والإسلاميين

الى جانب ذلك ارتفعت أصوات المقاطعة عاليا في حملة الانتخابات التشريعية في الجزائر، لكن عدد الأحزاب السياسية وقوائم المستقلين المشاركين فيها أكبر من الانتخابات السابقة. الرئيس عبد العزيز بوتفليقة غائب عن الساحة السياسية، بسبب المرض لمدة طويلة عززت شكوك المعارضة في قدرته على إدارة شؤون البلاد والحملة الانتخابية شهدت تراشقا بالكلام بين الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحي، والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، رأى فيه مراقبون تلميحا للتنافس المسبق على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقدم حزب الجبهة الوطنية الجزائرية في ولاية الشلف، غربي البلاد، قائمة استثنائية للترشح للانتخابات التشريعية، إذ إن كل أعضائها نساء، ولا يوجد بينهن رجل.

أحزاب سياسية حجبت صور بعض المرشحات في ملصقاتها الدعائية في الحملة الانتخابية فأثارت جدلا دعا لجنة تنظيم الانتخابات إلى إمهالها 48 ساعة لنشر الصور تحت طائلة إسقاط القوائم المعنية والتعديلات الدستورية الأخيرة تحتم على رئيس الجمهورية استشارة البرلمان في تعيين رئيس الوزراء، وتحدد تشرح رئيس الجمهورية بفترتين اثنتين، إذ يشارك في الانتخابات 63 حزبا و15 قائمة لمرشحين مستقلين، ولكن أغلب هذه الأحزاب يُطلق عليها الجزائريون اسم "الأحزاب المجهرية"، لأنها لا تظهر إلا في المواعيد الانتخابية، وحظها من أصوات الناخبين، الذين يبلغ عددهم 23،2 مليون، ضئيل.

كما يتهم بعضهم في المعارضة قوائم المستقلين بأنها غالبا ما تكون رافدا للسلطة، ومشتتا لحصة المعارضة في البرلمان. فقد حدث أن انضم نواب من القوائم المستقلة إلى كتلة حزب جبهة التحرير، بعدما دخلوا البرلمان، مثلما أشار مرشح تحالف النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، عن الحملة الانتخابية وحظوظ تياره فيها. وقد وفرت مواقع التواصل الاجتماعي لدعاة المقاطعة فضاء للتعبير عن رفضهم للانتخابات، التي يرونها بلا طائل، ويتهمون السلطة بتزويرها مسبقا.

أما الحكومة فسخرت جميع وسائلها لتشجيع الناخبين وحضهم على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية، مثلما فعل رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، في تجمع شعبي بولاية سطيف، إذ حرض النساء، مازحا، على "ضرب أزواجهن، وعدم تحضير الفطور لهم" إذا لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات. ويتنافس في الانتخابات التشريعية الجزائرية حزبان رئيسيان، هما جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي على مقاعد المجلس الشعبي الوطني.

ويصفهما الجزائريون بأنهما حزبا السلطة، لارتباطهما بالحكم، ولا ينكر المسؤولون في الحزبين هذا الارتباط بل يؤكدانه "باعتزاز وفخر"، كما يردده المسؤولون عن الحزبين في التجمعات الشعبية، والمؤتمرات الصحفية التي يعقدونها. فحزب جبهة التحرير الوطني، الذي يقوده اليوم الوزير السابق، جمال ولد عباس، هو الحزب الذي قاد ثورة التحرير ضد المحتل الفرنسي في عام 1954، وهو الذي تولى قيادة البلاد لوحده منذ الاستقلال، حتى إقرار التعددية، في أعقاب انتفاضة 1988 الشعبية.

وتأسس التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، ومدير ديوان الرئيس حاليا، أحمد أويحي، عشية الانتخابات التشريعية عام 1997، وهي الأولى بعد إلغاء الجيش للانتخابات التشريعية التي فازت بمرحلتها الأولى الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1991. وتستأثر جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بأغلبية مطلقة في البرلمان، تسمح لهما بتشكيل حكومة دون الحاجة إلى تحالف.

ففي الانتخابات السابقة عام 2012 حصل حزب جبهة التحرير الوطني على 220 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني، وهو الغرفة الأولى في البرلمان، من أصل 462 مقعدا، موزعين على 48 ولاية والجالية المقيمة بالخارج، التي خصصت لها أربعة مقاعد. وحصل التجمع الوطني الديمقراطي على 68 مقعدا. ويتدافع الحزبان من أجل افتكاك أكبر حصة من المقاعد، ولكنهما في النهاية يتحالفان لتشكيل الأغلبية البرلمانية التي لم تستطع المعارضة حتى الآن تفكيكها.

وشاركت المعارضة رسميا في أول حكومة ائتلافية شكلها الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، عام 1999 وضمت حركة مجتمع السلم والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ثم في حكومة "التحالف الرئاسي" عام 2004. وعلى الرغم من "التحالف الطبيعي" بين جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فإن الحملة الانتخابية شهدت تراشقا بالكلام بين ولد عباس وأويحيى في التجمعات الشعبية، إذ ينسب كل منهما برنامج الرئيس لحزبه.

ويصف الوزير السابق، ومرشح تجمع حركة مجتمع السلم، عبد المجيد مناصرة، هذا التراشق بأنه شبيه "شجار الضرائر"، وينتقد إقحامهما للرئيس في الحملة الانتخابية، لأن رئيس الجمهورية، على حد تعبيره، رئيس لكل الجزائريين وليس لحزب معين. ومني الإسلاميون في انتخابات 2012 بخسارة غير مسبوقة هزت أركانهم، وجعلتهم يعيدون التفكير في منهجهم السياسي وأهدافهم الاستراتيجية، إذ لم يحصل تجمع الجزائر الخضراء، الذي ضم حركة مجتمع السلم، وحركة الإصلاح الوطني وحركة النهضة إلا على 44 مقعدا.

ودخل الإسلاميون هذه الانتخابات التشريعية في تحالفين، الأول يحمل اسم النهضة والعدالة والبناء، والثاني يجمع حركة مجتمع السلم وحركة التغيير، التي انشقت عن "مجتمع السلم" سابقا. ويقول لخضر بن خلاف، عن تحالف النهضة والعدالة والبناء، إنه استراتيجي اندماجي، ولا يخص الانتخابات فحسب، وإن شعاره في هذه الانتخابات التشريعية هو "الحفاظ على الوطن وحماية المصلحة العامة".

ويشكك بن خلاف، كغيره من المسؤولين في أحزاب المعارضة، في نزاهة الانتخابات، ويلح على المطالبة بهيئة مستلقة لتنظيم الانتخابات، بدل تلك التي يعينها رئيس الجمهورية. ويقول إنه قرار المشاركة تم من أجل "المقاومة السياسية وفضح السياسيات الخاطئة والفساد من داخل البرلمان".

التيار العلماني والبربري إذا كان الإسلاميون يسعون للاستفاقة من انتكاسة 2012 واستعادة الثقة بأنفسهم في الانتخابات، فإن أحزاب التيار العلماني والبربري تواجه تحديات منها استجابة السلطة، في تعديلين دستوريين، إلى مطالبها الأساسية، وهي إعلان اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في البلاد.

فلم تعد لهذه الأحزاب "المظلومية" التي كانت تحشد لهم الدعم الهائل من أصوات في ولايتي تيزي وزو، وبجاية تحديدا. ويمثل التيار البربري والمطالب اللغوية والثقافية الأمازيغية في الجزائر حزبان أساسيان هما جبهة القوى الاشتراكية، بقيادة، عبد المالك بوشافة، والتجمع من أجل الديمقراطية، ويقوده، محسن بلعباس، بعد تنحي مؤسسه التاريخي، سعيد سعدي. ودأب الحزبان منذ انتخابات 1997 على تناوب المشاركة والمقاطعة بينهما، وهو ما جعل الحزب المشارك منهما يحصد أغلب المقاعد في معقل التيار البربري بالولايتين.

ولكن مشاركتهما معا في هذه الانتخابات تجعل المنافسة على تلك المقاعد أشد على كل منهما وعلى الأحزاب الأخرى، خاصة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، والأحزاب الإسلامية، التي تسعى إلى افتكاك نصيبها في المنطقة. ويقول رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، محسن بلعباس، إنه حزبه يعرف أن الانتخابات "ستكون مزورة"، ولكنه يستثني ولايات بجاية وتيزي وزو، والبويرة، التي يقول إن المواطن فيها "يحمي النزاهة والشفافية". ويبرر بلعباس المشاركة في الانتخابات، على الرغم من تشكيكه في نزاهتها، برغبة حزبه في استغلال الحملة الانتخابية للتواصل مع المواطنين وعرض أفكاره عليهم.

ويقترح رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية تقسيما إداريا جديدا في الجزائر، يمنح صلاحيات واسعة للأقاليم وتشكيل حكومات محلية في نظام شبيه بما هو موجود حاليا في إسبانيا، وتبقى السياسة الخارجية والدفاع بيد السلطة المركزية. ويراهن دعاة المقاطعة لتحقيق مبتغاهم على اليأس من التغيير الذي يشعر به الكثير من الجزائريين، من انتخابات لأخرى عبر الأعوام. ويستثمر المقاطعون أيضا في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي تفاقمت منذ انهيار أسعار، وعدم قدرة الحكومة على إطلاق وعود انتخابية مثل التي كانت تطلقها في أعوام الرخاء المالي. بحسب بي بي سي.

وتشارك أغلب الأحزاب السياسية التقليدية وذات الشعبية في هذه الانتخابات، ولم يقاطعها إلا عدد من الشخصيات السياسية وبعض الأحزاب الصغيرة. ولعل أبرز وجوه المقاطعة رئيس الحكومة السابق، علي بن فليس، الذي تحول إلى المعارضة منذ 14 عاما، بعد خلاف مع الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة. ويبلغ بن فليس من العمر 71 عاما، وترشح للانتخابات الرئاسية في 2004 و2014، وخسر أمام عبد العزيز بوتفليقة. عندما سألته عن مبررات دعوته لمقاطعة الانتخابات، قال بن فليس إنها لن تغير الأوضاع وليست هي الحل لأزمة الجزائر لأن "الشعب الجزائري مسلوب في سيادته ومسلوب في وطنيته". ويرى رئيس الحكومة السابق الذي أشرف على انتخابات سابقة وصفتها المعارضة أيضا بأنها مزورة وغير نزيهة، أن أزمة الجزائر في نظام "هرم وشاخ". وإن الجزائر بحاجة إلى وفاق واتفاق سياسي بين المعارضة بكل أطيافها والسلطة، يفضي إلى انتخابات تديرها لجنة مستقلة. وتنبثق عن الانتخابات حكومة وحدة وطنية تدير مرحلة انتقالية، وتكتب مع البرلمان دستورا جديدا يلتزم به الجميع بضمان من الجيش.

الانتخابات واهتمام سكان

من جهة اخرى وفي حي سيدي امحمد الواقع في الضاحية الجنوبية الغربية للعاصمة الجزائرية، ترتفع بعض اللافتات حول الانتخابات التشريعية، لكن سكان أكبر حي في العاصمة لا يبالون كثيرا بالانتخابات التي يعتقدون انها لن تغير شيئا. وعبرت سعيدة، في الاربعين من العمر، عن غضبها واقتناعها بان التصويت لن يغير شيئا في وضعها. "الاجير غير قادر على إكمال الشهر دون ان يستدين بسبب غلاء الاسعار"، واصفة الانتخابات بانه "لا حدث".

وفي مجمع تم تدشينه قبل ست سنوات ويضم ثلاثة آلاف مسكن، يعيش السكان "جحيما"، بحسب قول البعض، بسبب أعمال عنف شهدتها المنطقة، و"لم تكن شرطة مكافحة الشغب قادرة على وقفها"، بحسب ما تقول حليمة، في الستينات من العمر، القاطنة في الحي. وكانت حليمة تسكن حي سيدي يحيى الراقي، قبل ان يتم نقلها لأن الدولة هدمت عمارتها لحاجتها الى الارض التي كانت مبنية عليها. وبسبب ذلك تفرقت العائلة، فغادر ابنا حليمة للعيش مع عمتهما في ضواحي العاصمة الجزائرية. بينما تعيش هي مع زوجها في المجمع.

ولا تنوي حليمة المشاركة في التصويت "لنواب يتقاضون أجورا خيالية مقابل رفع ايديهم خلال التصويت دون ان يفكروا في الشعب". وكانت هذه المنطقة عبارة عن اراض زراعية قبل ان تخرج منها هذه البنايات "البشعة"، بحسب ما تصفها فاطمة المولودة في المنطقة والتي تعيش في الجوار مع عائلة زوجها. وقررت فاطمة (50 عاما) التي تعمل في التطريز، المشاركة في التصويت "باعتبار ذلك واجبا، لكنني لا أعلق آمالا" على الانتخابات التي لا يذكر بها سوى بعض العبارات على الجدران واللوحات الاعلانية التي وضعتها البلدية لنشر قوائم المرشحين.

ومنذ وقت قصير، بذلت السلطات جهودا لتجمّل وجه هذا الحي، الاكبر في العاصمة الجزائرية. فتم طلاء الابنية بألوان هادئة وظهرت مساحات خضراء مزينة بالازهار، وحتى حوض اسماك يتكفل رجل سبعيني باطعامها يوميا. وبالنسبة الى السكان، لا تعني عودة الهدوء نهاية المواجهات التي حصلت خلال العقد السابق. وكانت عبارة عن اعمال عنف بين مجموعات مختلفة شهدتها خصوصا الضواحي والاحياء السكنية الكبيرة وغذاها الفقر والتكدس السكاني.

ويحلم حميد (19 عاما) بمغادرة البلاد نحو مكان افضل "من أجل العيش"، من دون ان يعرف كيف سيحقق ذلك وهو بلا مال ولا شهادة. في المقابل، ينتقد رشيد، متقاعد (75 سنة)، حالة "انعدام التسييس والانعزال" في المجتمع. ويتساءل كيف ان "الناس في السابق كانوا مسيسين رغم انهم غير متعلمين، بينما اليوم يعجز الشباب عن التفكير بالرغم انهم يحملون شهادات جامعية؟".

ويتأسف الرجل صاحب الذي يضع نظارات ويحمل جريدة في يده، لصعوبة تحقيق التعايش في الحي الذي يشهد ارتفاع بناء جديد ملاصق للابنية الاخرى. ويقول "آلاف الاشخاص يعيشون هنا دون ان يتبادلوا الحديث. كل واحد متخندق في بيته" في حي "بلا روح". ويعبر أحمد، الاستاذ المتقاعد، من جهته عن "عدم فهمه لمنطق هؤلاء الذين يريد تغيير الامور مع البقاء في بيوتهم". ويقول الرجل السبعيني غاضبا "انتهى عهد المعجزات، يجب النضال والانتخاب من اجل تحريك الامور". بحسب فرانس برس.

لكن كلامه لا يجد صدى لدى جزء كبير من محيطه. ويقول كثيرون إنهم لم يشاركوا من قبل في اي عملية تصويت لا في الانتخابات التشريعية ولا البلدية. وبالنسبة لريم (50 عاما)، "لا أصوّت إلا في الانتخابات الرئاسية لأن الرئيس هو وحده له سلطة التغيير، بينما النائب لا يستطيع فعل شيء". وتعمل المرأة التي زوجها متقاعد ولديها كطباخة في الافراح من اجل المساعدة في مصاريف البيت.

ملصقات بلا وجوه

في السياق ذاته علق حزبان إسلاميان معارضان في الجزائر ملصقات تحمل صورا لمرشحاتهما للانتخابات التشريعية حجبا فيها وجوههن مما أغضب السلطات التي أمرتهما بإظهار الوجوه وإلا سيمنعان من خوض الانتخابات. ويعبر الخلاف عن خوف بين كثير من الجزائريين من صعود الإسلام السياسي من جديد في بلد يعيد فيه الاتجاه الديني المحافظ للأذهان ذكريات الحرب الأليمة في التسعينيات ضد جماعات إسلامية مسلحة قتل فيها 200 ألف شخص.

وأبلغ مسؤولو مراقبة الانتخابات الحزبين الإسلاميين المعارضين بأن أمامهما 48 ساعة لإظهار وجوه المرشحات على ملصقات الدعاية الانتخابية وإلا ستستبعد قوائمهما من انتخابات. وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عبد الوهاب دربال "على المرشحات إظهار وجوههن". وانتقد زعماء عدة أحزاب إسلامية قرار دربال وقالوا إنه غير عادل ويخالف الدستور.

وقال زعيم حزب الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي لوسائل إعلام محلية "مرشحات الحزب سياسيات لا عارضات أزياء. وأضاف "لن أطلب من مرشحاتي إظهار وجوههن على الملصقات أو المنشورات الدعائية." وقالت نعيمة الصالحي وهي زعيمة سياسية أخرى تحمل ملصقات الدعاية الانتخابية لحزبها صور مرشحات حجبت وجوههن "على السلطات أن تحترم الأعراف الدينية الجزائرية." وفي إحدى قوائم المرشحين بولاية أدرار تظهر مرشحتان تم إخفاء وجهيهما ولا يرد عنهما سوى الاسم والمهنة. في قائمة أخرى حذف وجه واسم عائلة إحدى المرشحات.

وسجلت معظم الحالات في المناطق الريفية حيث يسود الاتجاه الديني المحافظ أكثر من الجزائر العاصمة والمدن الأخرى. وامتد الجدل بشأن الملصقات الدعائية إلى مواقع التواصل الاجتماعي فيقول المحافظون إن موقف السلفيين هو أن الإسلام يحظر كشف وجه المرأة إلا أمام محارمها حتى في الملصقات. بينما تهكم آخرون على نفس المواقع على المرشحات ووصفوهن "بالأشباح". بحسب رويترز.

وينص قانون الانتخابات الجزائري على أنه لابد أن تشمل كل قائمة للمرشحين نسبة 15 في المئة على الأقل من النساء وهو شرط يهدف لزيادة مشاركة المرأة في العمل السياسي. وتساءلت رابطة معنية بالدفاع عن حقوق وكرامة النساء الجزائريات كيف سيتسنى لهؤلاء المرشحات التواصل مع الناخبين دون أن تكون صورهن واضحة وقالت إنه لا يمكن التهاون مع خطوة من هذا النوع تقوض كرامة النساء الجزائريات.

اضف تعليق