q

عرفت التجارة عبر الزمن بأنواعها المختلفة، بأنها عملية تبادل السلع او الخدمات لغرض تقليب المال بهدف الربح، ومنذ بزوغ ثورة المعرفة المعلوماتية في تسعينيات القرن الماضي تغير مفهوم التجارة نتيجة للتطورات المتسارعة في التقانة والمعلوماتية في عصر الانترنت، فانتقل مفهوم التجارة من صفتها المادية والمتاجرة بالسلع الملموسة الى تجارة معنوية ذات اهداف إستثمارية وربحية لها اجندة خاصة بإستخدام أساليب الدعاية والإعلان، لترسيخ عادات وسلوكيات استهلاكية تبهر المستخدم في طريقة انتاجها وتسويقها، إذ تصل حد الإدمان على استهلاكها من لدن المستخدمين.

في ظل هذا التقدم الإيجابي بالتجارة الحديثة، وعلى غرار تجارة الأجهزة التكنولوجية والهواتف الذكية، ظهرت أنواع جديدة من التجارة السلبية، مثال ذلك تجارة الأسلحة والمخدرات والأعضاء البشرية وغيرها، ومنذ تدمير برجيّ التجارة العالمية في 11 سبتمبر 2001 بأمريكا، بدأت هناك تجارة جديدة ذات أغراض سياسية وايدلوجية لترسيخ مفهوم الإرهاب، بإستخدام تنظيم القاعدة والمجاميع المسلحة في سوريا، وأخيرا تنظيم داعش الإرهابي، كأدوات إستعمارية ذات اجندة محددة، لتصبح التجارة الجديدة التي يستثمر فيها كبار الدول العالمية، مقابل خلق فوضى وعدم استقرار امني وسياسي في البلدان المستهدَفة، لاسيما بلدان الشرق الاوسط.

وتطرح المعطيات آنفة الذكر تساؤلات مهمة، وربما كبيرة، ابرزها كيف ظهرت تجارة مفهوم الإرهاب؟، وكيف تم الترويج لها عبر أساليب الدعاية؟، وكيف ساهمت هذه التجارة في تجنيد وغسيل ادمغة الارهابيين؟.

جل هذه التساؤلات وثمة غيرها.. تجيب عنها التطورات والمسارات والاحداث العالمية المتسارعة، فمثلا عند ظهور ملامح التنظيمات إلارهابية المتشددة، تم ترسيخ مفهوم الإرهاب عبر وسائل الاعلام، وسعي بعض الاطراف المستفيدة من تنامي الارهاب، من خلال إذكاء العنف والفوضى في بعض البلدان غير المستقرة سياسيا، فقد تم تكريس أساليب الحرب النفسية، واهمها الشائعة، وغسيل الدماغ، والدعاية، بالاضافة الى ترسيخ فكرة المؤامرات وزرع حس المؤامرة بين الأطراف المتنازعة فيما بينها، علما أن تربة الاختلافات خصبة فيها، مما يجعل اثارة الفتن والصراعات بين مكوناتها وطوائفها أمرا غاية في السرعة والسهولة.

وهناك الكثير من الشواهد والاساليب التي جيرت لتكريس مفهوم الارهاب، حتى بات واقعا ملموسا ومفروضا على الجميع، فشكّل بذلك معضلةً باتت تهدد أمن واستقرار العالم اجمع، وكما يبدو لنا من افرازات ساحة الصراع العالمي، أن التجارة الاشد فتكا بالعالم هي التي تُنسَب انتاجيا الى القاعدة وداعش، حيث تتم صناعة بضاعتهم من (المقاتلين) بصورة اسرع من سواهم، وتكون أهم صفات هذا المنتَج هي الولاء والتضحية وغيرها من الصفات التي تمثل غسيلا ناجحا للدماغ.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو، كيف يتم تجنيد الارهابيين وغرز براثن التطرف والعنف والكراهية فيهم، حتى على ابناء جلدتهم، بإسم الإسلام، إذ يتم اقناعهم على انهم يقاتلون في سبيل الله، وان الذي سيقتل سيذهب الى الجنة، وسوف يكون بجوار الأنبياء والصالحين، وهكذا من خلال هذه الطريقة البسيطة والسهلة ينتج القاعدة وداعش ومعظم الجماعات المتطرفة، بضاعتهم ولن يتبقى لهم سوى إعطاءهم السلاح والمعلومات، عن المكان الذي سيدمرونه ويخربونه على أساس الجهات التي تدفع مبالغ اكثر.

وعليه ففي ظل اضمحلال الانسانية والتجارة بالارهاب وما يشهده العالم اليوم من متغيرات واحداث متسارعة، جميعها عوامل تمهد لظهور تجارات ربما ستكون اكثر فتكا ودمارا ووبالا على العالم كله، ويرى مراقبون أن مثل هذه التوقعات قد لا تتطلب فترة زمنية طويلة، بل يرى البعض أن العالم ربما سيواجه اكبر موجة ارهاب عاتية في المستقبل القريب؟!.

اضف تعليق