q

حتى وقت قريب، لم تكن حملة القضاء على المذهب "الشيعي" موجودة بهذا الحجم المرعب لدرجة أن تشترك فيها كبرى دول العالم، إذ قفزت إلى المشهد السياسي خلال العقود الأخيرة، وتحديداً في الألفية الثانية بعد أن نمت المواجهة بين الشيعة والمذاهب المناوئة لهم.

كانت المواجهة لا تخرج عن إطار كتابة مقال لرد شبهة.. أو تأليف كتاب للدفاع عن عقيدة أو فكرة ما، ثم تحولت إلى مناظرات تلفزيونية ساخنة، إلى أن صارت شيئاً فشيئاً حرباً عسكرية علنية بعد أن تقمص تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين دور المنتفضين والمحامين عن المذهب السني، والثائرين لشرف الصحابة وزوجات النبي وذرائع أخرى.

لكن المواجهة المباشرة التي اختارها ما يعرف بـ "الحركات التكفيرية" وأجبر عليها الشيعة، أتت بنتائج عكسية على المجموعات المسلحة التابعة لهذه الحركات ومنيت بهزائم ساحقة في مناطق متفرقة أبرزها العراق وسوريا، وهي نتيجة طبيعية لأن الشيعة يتميزون بروح ثورية عالية ويعتبرون الحرب ومواجهة الظلم إجراء في غاية الرحمة.

غير أن عطش هذه الحركات للمزيد من الدم الشيعي لم يهدأ، فحوّل استراتيجية الاستهداف من المواجهة المباشرة إلى شن هجمات "فردية" وبدأت تتخلى تدريجياً عن فكرة المواجهة العسكرية الميدانية والاستحواذ على المدن وعادت مرة أخرى إلى اعتماد أسلوب السيارات الملغمة والانتحاريين وغيرها من ادوات الموت التي تستخدمها هذه التنظيمات.

في ذاكرتنا القريبة جملة من العمليات الإرهابية التي شنتها هذه التنظيمات ضد المدنيين الشيعة في دول مختلفة على مدار الأسابيع والأشهر الماضية فقط.

في باكستان.. لا مكان للشيعة!

أقربها ما حدث يوم الثلاثاء شمال باكستان، إذ أعلنت حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عن مقتل العشرات في استهداف لحافلة صغيرة تقل ركاباً من الشيعة في إقليم ناءٍ شمال البلاد عبر عبوة ناسفة زرعت على الطريق.

وقال متحدث باسم جماعة الأحرار التابعة لطالبان الباكستانية إن العبوة الناسفة كانت تستهدف أفرادا من الأقلية الشيعية وعاملين في مشروع للتعداد السكاني بالمنطقة.

وقال المتحدث أسد منصور "كان هدفنا الطائفة الشيعية وفريق التعداد السكاني في المنطقة."

وفي وقت سابق، اعترفت ثلاث باكستانيات بقتل شيعي اتهم بالتجديف –ازدراء الأديان- بالرصاص في منزله وأكدت عائلته أنه ضحية جريمة كراهية دينية، وفق الشرطة.

وقال المسؤول في الشرطة ان فضل عباس الذي كان في الخمسين من عمره وينتمي الى الأقلية الشيعية هرب من باكستان العام 2004 بعد اتهامه بالتجديف لكنه عاد هذه السنة ليدافع عن نفسه وحصل على كفالة.

وقال عمه أزهر شمسي ان فضل عباس قتل ضحية قضية تجديف اتهم بها لأنه ينتمي الى الأقلية الشيعية التي تمثل 20% من سكان باكستان وعددهم 200 مليون نسمة.

وفي الأشهر الأخيرة من العام الماضي، قتل أربعة شيعة في تجمع ديني للشيعة في كراتشي كبرى المدن الباكستانية واعلن حينها ما يعرف ب "فصيل العلمي التابع لجماعة عسكر جنجوي" المسؤولية عن الهجوم.

وقالت الجماعة الإرهابية في بيانها عقب الهجوم: "لا مكان لأعداء صحابة النبي محمد في باكستان."

وقالت الشرطة الباكستانية إن مسلحين يستقلون دراجتين ناريتين قتلوا أربعة أشخاص على الأقل في تجمع ديني للشيعة في كراتشي.

سوريا.. استهداف زوار شيعة قبل أدائهم الصلاة

وفي دمشق، استهدف زواراً شيعة من العراق كانوا في محطة حافلات وصلوا إليها للتوجه إلى مقبرة باب الصغير القريبة التي سميت باسم أحد أبواب دمشق السبعة القديمة.

وآنذاك، قالت وزارة الخارجية العراقية إن هجوما مزدوجا استهدف زوارا شيعة في دمشق وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 عراقيا وإصابة 120 آخرين كانوا في طريقهم لمزار قريب.

في ذلك الوقت، أظهرت لقطات بثها التلفزيون السوري الرسمي حافلتين لحقت بهما أضرار بالغة ولقطات لدماء متناثرة وأحذية مبعثرة على الأرض.

وكان من المقرر أن يؤدي الزوار قبل استهدافهم الصلاة في المقبرة بعد زيارة مقام السيدة زينب خارج دمشق مباشرة.

حسن شحاته في مصر

وأخيراً.. في فبراير/ شباط من العام الحالي، أصدر القضاء المصري حكماً بسجن تسعة رجال لمدة 14 عاماً بعد قتلهم أربعة شيعة بينهم رجل الدين الشيعي حسن شحاته في حادثة شهيرة وقعت عام 2013.

وقتل رجل الدين الشيعي حسن شحاتة وثلاثة آخرين في يونيو حزيران 2013 عندما هاجم مسلمون سُنة منزلاً في قرية عزبة أبو مسلم التابعة لمحافظة الجيزة قرب القاهرة والذي كان يتجمع فيه عدد من الشيعة للاحتفال بمناسبة دينية.

في طريق العودة.. 100 إيراني يقتلهم داعش

أما في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، قتل أكثر من 100 شخص أغلبهم زوار شيعة إيرانيون في تفجير انتحاري بشاحنة ملغومة عند محطة للوقود بمدينة الحلة على بعد 100 كيلومتر جنوبي بغداد وتبنى تنظيم داعش الإرهابي الهجوم.

وقالت المصادر الطبية إن الزوار كانوا في طريق عودتهم إلى إيران من مراسم إحياء ذكرى أربعينية الحسين في كربلاء.

استهداف الشيعة في مساجد أفغانستان

وسبق هذا الهجوم بشهر واحد فقط، قتل تسعة قاصرين من أقلية الهزارة الشيعية في ولاية بغلان في شمال افغانستان.

وقال فايز محمد اميري حاكم اقليم تالة وبرفك، في ولاية بغلان، ان الضحايا كانوا عائدين من منجم للفحم حيث يعملون "عندما اوقفت مجموعة من المسلحين السيارة التي كانوا يستقلونها".

واضاف "جميع الضحايا من الهزارة الشيعة" مضيفا انه "اضافة الى عمال المناجم التسعة الذين قتلوا اصيب اربعة اخرون بجروح".

وفي كابول، استهدف تنظيم داعش الإرهابي مسجداً مزدحماً للشيعة وقتل في الهجوم نحو 30 شخصاً وأصيب العشرات.

وقال مسؤولون إن المهاجم دخل مسجد باقر العلوم بعد فترة الظهر بفترة قصيرة عقب تجمع للمصلين لإحياء أربعينية الإمام الحسين.

وقال شاهد عيان يدعى سيد علي إنه ساعد في نقل ما بين 30 و35 جثة من المسجد ويعتقد أنه ربما أصيب مئة شخص آخرين.

ولشيعة نيجيريا نصيب أيضاً..

وفي الشهر نفسه، قتلت الشرطة النيجيرية تسعة أشخاص من الشيعة كانوا في موكب ديني كبير في مدينة كانو.

ونقلت وسائل إعلام أن الاشتباكات وقعت على أطراف مدينة كانو لدى تنظيم أعضاء من الحركة الإسلامية في نيجيريا التي تمثل أكبر جماعة شيعية في البلاد موكبا سنويا إلى زاريا في ولاية كادونا المجاورة.

وفي كانون الاول/ديسمبر 2015، القت السلطات النيجيرية القبض على رجل الدين الشيعي الشيخ ابراهيم الزكزكي وزوجته في في زاريا بشمال نيجيريا اثر اشتباكات دامية مع الجيش النيجيري فقد خلالها الزعيم الشيعي احدى عينيه واصيب بشلل جزئي.

والشيعة في نيجيريا اقلية صغيرة والغالبية العظمى من المسلمين من السنة. ويشكل المسلمون نصف سكان نيجيريا ويعيشون في شمالها.

أخيراً، التاريخ يفرض وجود الأديان والمذاهب بقوة كبيرة، فلم تستطع أي قوة في العالم أن تقضي على ديانة أو مذهب بشكل كامل مهما كانت أفكاره، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمذهب ينمو ويكبر كلما سال المزيد من دمه.

اضف تعليق