q

انطلقت في إيران بعد أن أعلن مجلس صيانة الدستور الموافقة على ستة مرشحين ورفض نحو 1630 آخرين أبرزهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. الحملة للانتخابات الرئاسية المقررة في 19 أيار/مايو 2017، هذه الانتخابات وكما يرى بعض المراقبين ستدخل ايران في حرب انتخابية شرسة بين الجناح المتشدد الذي يسعى الى كسب المعركة وبين التيار المعتدل الذي يحاول الحفاظ على مكاسبه الحالية، ومع غياب صورة واضحة للمشهد الانتخابي بسبب عدم وجود استطلاعات لرأي الشارع الإيراني، فقد توقع العديد من الخبراء مفاجآت غير متوقعة، يمكن ان تسهم بتغير اختيار الناخب الايراني، الذي قد يتحول من التصويت لصالح المرشحين المتشددين إلى المرشحين المعتدلين او بالعكس كما حدث سابقا.

ويبدو ان الرئيس الروحاني هو الأوفر حظا للفوز بولاية ثانية من أربع سنوات، قبل شهر على الاستحقاق. وفي العام 2013 انتخب روحاني (68 عاما) بسهولة من الدورة الأولى بفضل دعم كبير من المعتدلين والإصلاحيين. خصوصا مع عجز التيار المحافظ هذه المرة أيضا وكما نقلت بعض المصادر، عن الاصطفاف خلف مرشح واحد فطرحوا ثلاثة أسماء. في المقابل، لم يكن مفاجئا منع مجلس صيانة الدستور الخاضع لهيمنة رجال الدين المحافظين، الرئيس المتشدد السابق أحمدي نجاد من خوض الانتخابات.

وتقدم نحو 1636 مرشحا، بينهم 137 امرأة بطلب الترشح لخوض الانتخابات. لكن مجلس صيانة الدستور لم يقبل في نهاية المطاف سوى ترشيح ستة رجال. وشكل إعلان المجلس بدء الحملة الانتخابية على الفور مفاجأة، بينما كان انطلاقها مقررا أصلا في الثامن والعشرين من نيسان/أبريل. لذلك لم تكن أي أنشطة انتخابية معينة مقررة الجمعة في طهران.

وفي هذه الانتخابات يترتب على روحاني بذل جهود كبيرة للدفاع عن حصيلة ولايته التي يراها الكثير من الإيرانيين متفاوتة خصوصا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وفيما تلقى جهوده لتطبيع العلاقات مع الغرب تأييدا واسعا، بقيت عاجزة عن تعزيز النمو الضعيف إلى درجة تحول دون تقليص نسبة البطالة التي فاقت 12%. في معسكر المحافظين يبرز رجل الدين والنجم الصاعد في السلطة إبراهيم رئيسي (56 عاما). ويعتبر المرشح المغمور مقربا من المرشد الأعلى الذي عينه في 2016 على رأس مؤسسة "أستان قدس رضوي" الخيرية في مدينة مشهد شمال شرق إيران. وأكد منظم جولات سياحية في مدينة يزد (جنوب) أن رئيسي "يبدو شخصا صالحا وهادئا جدا، لكن الذين يحيطون به يثيرون المخاوف".

يتوقع البعض انسحاب رئيسي في اللحظة الأخيرة لصالح رئيس بلدية طهران المحافظ محمد باقر قاليباف، الذي حل ثانيا في 2013 خلف روحاني. وقد يصبح هذا المحارب القديم والقائد السابق لجهاز حرس الثورة وكذلك الشرطة الوطنية، المرشح الذي يوحد صفوف المحافظين. في المقابل يمثل معسكر المعتدلين والإصلاحيين النائب الأول لروحاني إسحق جهانغيري الذي يعتبر مرشح دعم لروحاني خصوصا للدفاع عن حصيلة حكومته في المناظرات. كما قبل مجلس صيانة الدستور ترشح الإصلاحي المغمور مصطفى هاشمي طبا. وكانت ردود فعل الإيرانيين متفاوتة على إلغاء ترشح أحمدي نجاد الذي ما زال يتمتع بشعبية لدى الطبقات الفقيرة رغم حصيلته الاقتصادية السلبية بشكل عام..

مفاجآت اللحظة الاخيرة

وفي هذا الشأن وقبل أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية الايرانية، تعد فرص الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني للفوز بولاية ثانية كبيرة، لكن الاقتراعات السابقة أحدثت مفاجآت في اللحظة الاخيرة. وتقول دبلوماسية غربية "عندما انظر الى برقيات سفارتنا قبل اسابيع من اقتراع 2013، لم يكن أحد يتوقع فوز حسن روحاني". وكان روحاني، رجل الدين المعتدل، فاز بالانتخابات في الدورة الاولى بعد انسحاب المرشح الاصلاحي محمد رضا عارف وتعبئة الاحزاب المعتدلة والاصلاحية لصالحه.

وخلال ولايته الاولى، خفف قليلا من القيود الاجتماعية والثقافية وحاول تطبيع العلاقات مع الغرب بالاتفاق المبرم في 2015 حول الملف النووي. ويبدو انه اليوم في موقع جيد للفوز بولاية رئاسية ثانية. لكن روحاني يواجه مرشحين محافظين نافذين هما رجل الدين ابراهيم رئيسي ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف. ويتساءل الايرانيون ما اذا كانت الانتخابات ستفضي مجددا الى نتيجة غير متوقعة.

في الواقع غالبا ما حملت الانتخابات السابقة في ايران مفاجآت. وتفاجأ النظام المحافظ في 1997 بالفوز الساحق للإصلاحي محمد خاتمي امام المرشح المحافظ علي اكبر ناطق نوري. ويقول المؤرخ مايكل اكسوورثي، مؤلف كتب عدة عن ايران، "السياسيون الايرانيون لا يقيمون دائما الرأي العام واحيانا يفاجأون بخياراته". وفي 2005، أثار انتخاب المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد مفاجأة، بسبب عدم توقع فوزه على أكبر هاشمي رفسنجاني الذي اضطلع باستمرار بدور اساسي منذ الثورة الاسلامية في 1979.

وكانت الصدمة أكبر في 2009 مع اعادة انتخاب أحمدي نجاد، في حين ان الناخبين الاصلاحيين في المدن كانوا ضده، ما اثار تظاهرات واتهامات بالتزوير. ويقول الاستاذ الايراني في جامعة فيرجينيا تيك في الولايات المتحدة جواد صالحي افسهاني "لم يكتب الكثير عن ايران. يتم التحدث كثيرا عن الحرس الثوري والعلاقات مع الولايات المتحدة، لكننا نعرف القليل عما يحصل في المدن الصغيرة واهمية احمدي نجاد بالنسبة الى اشخاص عاديين".

ورغم النظرة المريبة والساخرة للكثير من الايرانيين الى القضايا السياسية، الا ان هذه المفاجآت غيرت اتجاه البلاد. وانتخب روحاني بغالبية نحو 51%، ولو لم يفز، لما كان تم التوصل الى الاتفاق النووي. ويقول اكسوورثي "كل شيء يتم بشكل متوقع داخل النظام، لكن كل اربع سنوات هناك انفجار للديموقراطية". ويزيد غياب استطلاعات الرأي من صعوبة التوقعات. ويضيف المؤرخ "يستند المراقبون الاجانب عموما الى ما يسمعونه في الاحياء (الغنية الميالة الى الغرب) في شمال طهران ولا يلتفتون بتاتا الى ما يحصل في باقي البلاد". بحسب فرانس برس.

هذه المرة ايضا التكهنات كثيرة في الاعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. ويؤكد البعض ان رئيسي في موقع جيد ليخلف يوما المرشد الاعلى علي خامنئي وسيتم التركيز على عدم مواجهته وضعا محرجا. ويؤكد آخرون انه سيتخلى عن السباق في اللحظة الاخيرة لصالح رئيس بلدية طهران. ويقول غيرهم ان هدف السلطات هو التعبئة الانتخابية الكبيرة لتجنب إعطاء صورة سيئة عن البلاد. لكن، بغض النظر عن التكهنات، فإن روحاني في موقع جيد، لان جميع الرؤساء الايرانيين حكموا لولايتين منذ بداية الثمانينات. ويقول اكسوورثي "بالنسبة الى السلطة، الانتخابات وسيلة لاظهار الاستقرار ودعم (الناخبين) للجمهورية الاسلامية".

المناظرات الانتخابية

الى جانب ذلك قررت السلطات الانتخابية في ايران السماح بنقل المناظرات التلفزيونية للانتخابات الرئاسية مباشرة على الهواء لتعود بذلك عن قرار سابق انتقده المرشحون والناخبون، وفق ما نقلت وكالة ارنا الرسمية للانباء. وقال مسؤول في وزارة الداخلية "انطلاقا من مطالب الشعب والمرشحين (...) سيسمح بنقل المناظرات التلفزيونية مباشرة على الهواء".

وكان الرئيس المعتدل حسن روحاني الذي يخوض المعركة لولاية ثانية والمرشحان المحافظان ابراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف انتقدوا القرار السابق للجنة الدعاية الانتخابية الذي سمح فقط بمناظرات مسجلة مسبقا. وفي وقت سابق اعتبر وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فاضلي ان حظر النقل المباشر للمناظرات سيحول دون تبادل المرشحين "اتهامات" كاذبة.

لكن عددا كبيرا من الايرانيين انتقدوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عدم امكان حصول تواصل مباشر بين المرشحين. وتجري المناظرة في حضور المرشحين الستة الذين تمت الموافقة عليهم، وفق ما نقلت وكالة ايسنا عن رئيس لجنة الدعاية الانتخابية. ووافق مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون على ترشح ستة اشخاص. ويمثل ثلاثة مرشحين الجناح الاصلاحي والمعتدل وهم روحاني ونائبه اسحق جهانغيري والوزير السابق مصطفى هاشمي طبا، في حين يمثل الجناح المحافظ رجل الدين ابراهيم رئيسي ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف ومصطفى ميرسليم رئيس اقدم حزب ايراني محافظ. بحسب فرانس برس.

وكان لاولى المناظرات التلفزيونية المباشرة في انتخابات 2009 و2013 تأثير كبير على مسار الانتخابات. ففي 2009، اطلق الرئيس السابق المحافظ المتشدد محمود احمدي نجاد الذي رفض ترشحه اخيرا اتهامات غير مسبوقة بحق مير حسين موسوي الذي كان يدعمه الاصلاحيون ولم يوفر مسؤولين في السلطة. ولا يزال موسوي والمرشح الاصلاحي الاخر انذاك مهدي كروبي يخضعان للاقامة الجبرية بعدما اتهما بتدبير الاحتجاجات التي اعقبت انتخاب احمدي نجاد في 2009. وفي 2013 صبت المناظرات لصالح روحاني الذي ركز على الماضي العسكري لمرشح المحافظين الابرز محمد باقر قاليباف، متهما اياه بانه طالب بقمع الحركة الطالبية في 1999.

نجاد لن يؤيد احد

على صعيد متصل أعلن الرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد أنه لن يؤيد أيا من المرشحين للانتخابات الرئاسية الشهر المقبل بعد منعه ونائبه السابق من الترشح. وقال في رسالة وقعها مع نائبه السابق حميد بقائي الذي كان ترشح بدوره، "نعلن بوضوح أننا لم ولن ندعم أي مرشح في الانتخابات المقبلة". وكان مجلس صيانة الدستور الخاضع لهيمنة المحافظين منع الخميس الرئيس السابق المتشدد ونائبه من خوض الانتخابات. بحسب فرانس برس.

واعتبر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن ترشح أحمدي نجاد سيؤدي إلى حالة "استقطاب" في البلاد. ولكن المتحدث باسم المجلس قال إن منعه من الترشح غير مرتبط بموقف المرشد الأعلى. ودفعت خطابات أحمدي نجاد المعادية لاسرائيل وطموحاته النووية إلى عزل ايران على الصعيد الدولي. إلا أنه لا يزال يتمتع بشعبية في أوساط الفقراء الذين أعجبوا بسياساته الشعبوية مثل توزيعه معونات مالية عليهم شهريا خلال ولايته الرئاسية.

من جانب اخر دعا الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجّاد الجميع إلى الخروج من سوريا والجلوس حول طاولة مفاوضات لحل أزمتها،. وقال نجاد، بحسب مصادر اعلامية، حول ما يجري في سوريا ودور إيران فيها: إن الأهم هو خروج الجميع من سوريا والجلوس إلى طاولة المفاوضات والحوار من أجل حل الأزمة، مؤكدا أن حل الأزمة في سوريا واليمن والبحرين لا يصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل.

ونصح الرئيس الإيراني الأسبق السعودية وقطر والكويت والإمارات والبحرين وعمان وسوريا والعراق وتركيا وإيران بتغيير سياساتها، ووقف الحرب التي تفرض عليها من الخارج والجلوس للحوار وإرساء السلام، اعتمادا على القواسم المشتركة بينها، معتبرا أن ما يجري في المنطقة حاليا هو من "خيانات" الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

وقال نجاد، قبل إعلان رفض ترشحه بقليل، إنه لا يرى سببا لرفض أهليته للترشح من قبل المجلس في غياب أي حجة أو سبب، موضحا أنه سيتعامل مع الرفض وفقا للظروف وسيتخذ القرار بشأن ذلك. ووصف نجاد الاتفاق النووي بأنه وثيقة قانونية أساسا، معتبرا أن الإيرانيين التزموا بما تعهدوا به لكن الأطراف الأخرى لم تلتزم، مشيرا إلى أن الشعب الإيراني لا ينظر للاتفاق على أنه إنجاز عظيم، وذكر أن الاتفاق يعاني إبهاما ما وينبغي إزالته.

وبشأن رأيه في الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، قال نجاد: "نحن لا نحكم على الأشخاص في أمريكا، فالرؤساء هناك ليسوا هم من يصنعون سياسة واشنطن الخارجية وإنما هم مجرد منفذين". واعتبر أن ترمب سيكمل سياسات أمريكا الرامية إلى السيطرة على العالم من خلال إشعال الحروب حيث يقوم الإقتصاد الأمريكي على الحروب. وقال إن "هناك الآن محاولات أميركية لتخريب اقتصاد اليابان والصين، وهناك محاولات واضحة لتخريب سوريا، ودعوات لتقسيم السعودية وتركيا والعراق وإضعاف إيران وتدمير مصر".

اضف تعليق