q

الكثير من التوتر شاب العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية وحليفها التقليدي في الشرق الاوسط، السعودية، العلاقة التي كانت توصف في السابق، بأكثر من ممتازة، لم تعد كذلك، في ادارة الرئيس الامريكي "باراك اوباما"، وكانت العديد من نقاط الخلاف طفت على سطح الخلافات، منها ما ارتبط بخلفيات تتعلق بأحداث سابقة، كاتهام اطراف داخل السعودية بدعم تنظيم القاعدة الذي شن هجمات استهدفت الولايات المتحدة الامريكية في 11/سبتمبر عام 2001 ، ومنها ما استجد على صعيد الشرق الاوسط، في عهد الرئيس الامريكي الحالي، خصوصا فيما يتعلق بالتقارب الامريكي- الايراني والمفاوضات حول ملفها النووي الذي وصل الى مراحل متقدمة من التفاهمات، كما ان الفتور في العلاقات السعودية- الامريكية تواصل بعد خلافات سياسية واضحة حول عدة ملفات مهمة، منها ما يتعلق بالأزمة السورية، اضافة الى الخلافات التي اعقبت سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر على يد "السيسي" الذي دعمته السعودية بقوة، ورفضته الولايات المتحدة الامريكية.

وقبل وفاة الملك السعودي السابق "عبد الله بن عبد العزيز" بأشهر، زار الرئيس الامريكي، الملك في مقر اقامته، في محاولة لتقريب وجهات النظر وكسر الجمود في العلاقات بين البلدين، ومع ان التصريحات الرسمية عبرت عن نجاح اللقاء، الا انها كانت تصريحات دبلوماسية الى حد بعيد، فقد القى نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، خطابا في جامعة هارفارد حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط اتهم فيه السعودية (اضافة الى دول اخرى) بدعم الارهاب والجماعات المتطرفة، من اجل تطبيق اجنداتها الخاصة، حيث قال إن "مشكلتنا الكبرى كانت حلفاؤنا في المنطقة، الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها، لكن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لذلك شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد"، وهو كلام لا ينم عن دبلوماسية او مجاملة، بل كانت فيه من الصراحة الشيء الكثير، على الرغم من الاعتذار اللاحق الذي قدمة "بايدن" لجميع الحلفاء، الا ان الرسالة التي ارادت الولايات المتحدة الامريكية ارسالها الى الاطراف المعنية قد وصلت.

ويبدو ان خوف الولايات المتحدة الامريكية من وصول المتشددين الى السلطة في السعودية، بعد وفاة الملك السابق، قد تحقق بوصول الملك "سلمان بن عبد العزيز" او "السديريين"، ومع ان الرئيس الامريكي قطع رحلته الى الهند وتوجه الى السعودية للمشاركة في مراسيم عزاء الملك والحديث مع الملك الجديد، الا ان ملامح الفتور السياسي بين الطرفين لم تشهد اي تغيير، بل قد تشهد المزيد من التنافر في ظل التوقعات بممارسة المملكة السعودية المزيد من سياسية التشدد الديني ودعم الجماعات المسلحة، من اجل المحافظة على مصالحها الداخلية والخارجية، ما يعني الدخول بمواجهة حقيقية مع الولايات المتحدة الامريكية واستراتيجية الرئيس الامريكي "باراك اوباما" بمحاربة التطرف الديني، ولعل كشف ملفات الارهاب ودعم التنظيمات المتطرفة التي تحاول الادارة الامريكية اماطة اللثام عنها تأتي في سياق الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على حليفها التقليدي من اجل الحد من هذه النشاطات.     

فقد قال البيت الأبيض إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدرس ما اذا كانت سترفع السرية عن أجزاء لا تزال سرية من تحقيق أجراه الكونجرس عن هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 بحث دعما سعوديا للإسلاميين المتشددين، وزاد الاهتمام بالجزء الذي يقع في 28 صفحة من التقرير بعد أن قال العضو السابق بتنظيم القاعدة زكريا موسوي والمسجون حاليا في شهادة مكتوبة قدمت مؤخرا إن اكثر من 12 شخصية سعودية كبيرة تبرعت للتنظيم في أواخر التسعينات، ونفى مسؤولون سعوديون هذا، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست للصحفيين إنه عقب طلب من الكونجرس العام الماضي تجري أجهزة المخابرات مراجعة لقرار فرض السرية على هذا الجزء، ولم يذكر متى قد يكتمل هذا الإجراء، وسعى ايرنست لتبديد أي مخاوف بشأن العلاقات الحالية بين الولايات المتحدة والسعودية وقال "العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب قوية وهي عنصر أساسي في شراكتنا الواسعة والاستراتيجية".

وقال موسوي إن قائمة من المتبرعين من أواخر التسعينات وضعها في عهد زعيم تنظيم القاعدة الراحل اسامة بن لادن شملت بعض المسؤولين السعوديين "المشهورين للغاية" ومنهم الأمير تركي الفيصل آل سعود وهو رئيس سابق للمخابرات السعودية، واختلف مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون مطلعون على الجزء السري من التقرير على ما اذا كان ينبغي رفع السرية عنه، ويوثق هذا الجزء ضلوع أفراد وكيانات سعودية في تمويل الإرهاب، وقال البعض إنه يجب عدم نشره لأنه يحتوي على مواد لم تبحث باستفاضة بينما ذكر آخرون طلبوا عدم نشر اسمائهم أنه لا يوجد سبب يدعو للإبقاء على سريته، وقالت شخصيات مطلعة على التقرير إن معظم المادة التي لا تزال سرية مصدرها مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي)، وقال فيليب زيليكو الرئيس التنفيذي السابق للجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر وهو تحقيق منفصل أجرته الحكومة الأمريكية في الهجمات إن من المناسب أن تظل المادة سرية وإنه ربما تكون هناك أسباب لحجبها، وأضاف "لم تجر مقابلات مع أي من الشخصيات المعنية ولم تتم بعد مراجعة الكثير من الوثائق ذات الصلة. بحسب رويترز.

من جانب اخر أبلغ عضو سابق في تنظيم القاعدة حكم عليه بالسجن مدى الحياة لدوره في هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 لمحامي ضحايا الهجمات إن أعضاء في العائلة المالكة في السعودية ساندوا هذا التنظيم المتشدد، وأدلى العضو زكريا موسوي بهذه الأقوال في شهادة قدمها في محكمة مانهاتن الاتحادية محامون عن ضحايا الهجمات يتهمون السعودية في دعوى قضائية بتقديم دعم مادي لتنظيم القاعدة، وقال موسوي إن قائمة المانحين من أواخر التسعينات التي أعدها أثناء قيادة أسامة بن لادن للتنظيم حوت بعضا من "أشهر" المسؤولين السعوديين ومنهم الأمير تركي الفيصل آل سعود الرئيس السابق للمخابرات السعودية، وقال موسوي -وهو مواطن فرنسي عمره 46 عاما أقر بأنه مذنب بتهم الإرهاب في عام 2005- "الشيخ أسامة كان يريد الاحتفاظ بسجل لمن قدموا أموالا لأنه، من يجب الاستماع إليه أو من يساهم في الجهاد"، وقال موسوي إنه التقى في قندهار مع مسؤول من سفارة السعودية في واشنطن، واضاف موسوي قوله إنهما كانا من المفترض أن يذهبا إلى واشنطن معا لإيجاد مكان "مناسب لشن هجوم بصاروخ ستينجر" على طائرة الرئاسة الأمريكية.

وفي واشنطن قالت السفارة السعودية إن مزاعم موسوى تهدف فيما يبدو إلى تقويض العلاقات السعودية الأمريكية وتتناقض مع النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر في عام 2004 والتي تقول إنه لا دليل على تمويل السعودية للقاعدة، وقال بيان السفارة السعودية "موسوي مجرم مختل قدم محاموه أدلة على أنه مختل عقليا، وليس لكلماته أي مصداقية"، وتم تقديم شهادة موسوي إلى المحكمة ردا على أحدث محاولة من جانب السعودية لتفنيد دعاوى بدأ تقديمها منذ أكثر من عقد، وكان موسوي أدلى بهذه الأقوال في أكتوبر تشرين الأول في سجن يخضع لإجراءات أمن مشددة في فلورنس بولاية كولورادو المودع فيه موسوي منذ الحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2006، وكتب رسالة يعرض فيها الإدلاء بشهادته، وتزعم أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 أن السعودية ومؤسسة خيرية تابعة للحكومة قدموا عن علم تمويلا وأشكالا أخرى من الدعم المادي لتنظيم القاعدة ساعدته على تنفيذ الهجمات، ويتضمن المدعون أسر قرابة 3000 شخص لقوا حتفهم في الهجمات وشركات تأمين قامت بتغطية خسائر تكبدها اصحاب المباني ومؤسسات الأعمال، وكان معظم منفذي هجمات 11 سبتمبر سعوديين خطفوا طائرات وصدموا بها برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك والبنتاجون قرب واشنطن العاصمة وسقطت إحداها في حقل في بنسلفانيا.

المدارس الدينية وتغذية الإرهاب

الى ذلك ورغم ارتباط السعودية وباكستان بعلاقات جيدة طويلة، الا ان تصميم اسلام اباد الجديد على محاربة الاسباب الجذرية للتطرف تسببت في انتقادات نادرة للمملكة المحافظة لأسباب من بينها دعمها للمدارس الدينية في باكستان، ويرتبط البلدان اللذان يدين غالبية سكانهما بالإسلام السني، بروابط دينية اسلامية مشتركة، كما تقدم السعودية مساعدات مالية لباكستان، ويقدم الجيش الباكستاني المساعدة للسعودية، الا ان المذبحة التي ارتكبتها حركة طالبان في مدرسة يديرها الجيش وراح ضحيتها اكثر من 150 شخصا في كانون الاول/ديسمبر معظمهم من الاطفال، دفعت الحكومة الى شن حملة للقضاء على المسلحين، واطلقت اقتراحات بتشديد الرقابة على المدارس الدينية في باكستان، والان بدأ الاعلام الباكستاني وحتى الوزراء في مناقشة ما اذا كان الدعم السعودي للمدارس الدينية المعروفة في باكستان باسم "مدارس"، يغذي التطرف العنيف، ما يتسبب في توتر العلاقات بين البلدين لاول مرة.

واصدرت السفارة السعودية بيانا قالت فيه ان جميع التبرعات للمدارس الدينية تحصل على موافقة من الحكومة، بعد ان اتهم وزير باكستاني الحكومة السعودية بزعزعة الاستقرار في العالم الاسلامي، وردت وزارة الخارجية الباكستانية بالقول ان التمويل الذي يقدمه افراد بصفتهم الخاصة عبر "قنوات غير رسمية" سيخضع لمراقبة اشد لمحاولة وقف تمويل الجماعات الارهابية، ورغم ان الوزارة تجنبت في بيانها ذكر السعودية تحديدا، الا ان ذلك اعتبر انتقادا لها، واضافة الى دعم المدارس الدينية، انتشرت انتقادات كذلك لقرار السماح لأفراد من العائلة المالكة السعودية بصيد طيور الحباري النادرة في ولايتي السند وبلوشستان الجنوبيتين، وسمح المسؤولون الباكستانيون بصيد تلك الطيور التي يعتبرها الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة ضمن "القائمة الحمراء" للانواع المهددة بالانقراض، وذلك رغم امر اصدرته محكمة باكستانية بمنع الصيد، ما اثار مزاعم بان الحكومة تضع علاقاتها مع الرياض فوق مصلحة الحفاظ على البيئة.

وقال بدر علام محرر مجلة "هيرالد" الباكستانية الشهرية المرموقة ان موجة الانتقادات الاخيرة كانت "غير مسبوقة"، واضاف ان "للسعودية مصالح تجارية واقتصادية واسعة في باكستان، وتطرح العديد من الاسئلة حول هذه العلاقة"، واضاف "في السابق لم يكن احد يطرح اية اسئلة باية طريقة، ولكن الان حتى الصحافة الاوردية تطرح اسئلة"، ويتهم المانحون في السعودية بتمويل الجماعات الارهابية المتعاطفة مع المذهب السني المتشدد من الاسلام، وجاء في برقيات دبلوماسية مسربة لوزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون في 2009 ان المانحين السعوديين "هم اكبر مصدر لتمويل الجماعات السنية الارهابية في العالم"، وقالت البرقية ان من بين هذه الجماعات التي يصلها التمويل حركة طالبان وجماعة عسكر جنقوي، ويرتبط بهذا التمويل النزاع الجيوستراتيجي الطويل مع ايران، القوة الشيعية الكبيرة في المنطقة، ويرتبط نواز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني الحالي، بعلاقات وثيقة بشكل خاص مع العائلة السعودية المالكة التي استضافته لنحو عشر سنوات عندما كان منفيا من باكستان في اعقاب الاطاحة به من قبل الحاكم العسكري في ذلك الوقت برويز مشرف، والعام الماضي قالت الحكومة انها تلقت "هدية" بقيمة 1,5 مليار دولار من بلد مسلم صديق، ويعتقد الخبراء ان ذلك المبلغ كان في الحقيقة قرضا من السعودية، الا ان نجم الدين شيخ، وزير الخارجية والسفير السابق، قال ان الهجوم على المدرسة التي يديرها الجيش في بيشاور في كانون الاول/ديسمبر الماضي فتح الباب امام الانتقادات. بحسب فرانس برس.

وقال ان "تلك الانتقادات اثارها هجوم بيشاور والشعور القوي ان معظم الارهاب هنا يحصل على تمويل من دول خارجية"، واكد ان "دولا مثل الكويت والامارات وقطر يجب ان تبذل جهودا اكبر بكثير داخليا لمنع ذلك"، الا انه اضاف ان اية جهود لخفض التمويل الخارجي للمدارس الدينية المتطرفة يجب ان يرافقه جهود مماثلة داخل باكستان، وقال ان ذلك يجب ان يشمل تخلي الدولة عن علاقاتها مع جماعات استخدمها الجيش الباكستاني تاريخيا لتحقيق اهداف استراتيجية في افغانستان والجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير، واضاف ان "جمع الاموال داخل باكستان لا يزال يحدث دون اية عوائق، اذا اردت ان يبذل الخارج مزيدا من الجهود عليك ان تبذل المزيد من الجهود داخل البلاد"، واعرب مسؤول حكومي بارز طلب عدم الكشف عن اسمه عن توافقه مع ذلك، وقال "لم نكن بحاجة الى السعوديين لنشر التطرف في صفوفنا، لقد وجهنا انفسنا بذلك الاتجاه"، ورغم ان الجو العام يميل الى انتقاد السعودية، الا ان المسؤول قال ان العلاقات الطويلة بين البلدين مهمة جدا ومفيدة جدا لباكستان لدرجة لا تسمح بتعريضها للخطر، واوضح "لا يوجد تغيير في السياسة، فحكومة شريف والجيش متفقان جدا مع السعوديين، ومن غير المرجح ان تتغير السياسة الفعلية" لباكستان تجاه السعودية.

 

اضف تعليق