q

لقد تطوَّرت الكثير من الشعوبِ وتقدَّمت بفعلِ تكامل المنظومة العلمية لديها، إذ يُشكَّل العلم قاعدةً أساسية تنطلق من خلالها الامم نحو فضاءاتٍ أرحب وتمضي لفكِ طلاسم تعقيدات الحياة ووضع المفاتيح اللازمة لها، وذلك ما سارت وتحاول أن تسير عليه البشرية في الكثيرِ منها، وعلى العكسِ من ذلك ما يُقوَّض أُسس نهضة مجتمع هو تحركه على قاعدةٍ هشة من العلمِ، فلا توجد ركائز أساسية يتم من خلالها بناء منظومة علمية صحيحة مُمنهجة بالصورةِ المُثلى التي تضع أولويات لغرضِ رفعة المجتمع والإنسان حاضراً ومستقبلاً، ولا توجد جدَّية ووعي تام بأهميةِ العلم الرصين وما قد يفعله من دفعٍ نحو الأمام لكلِ من يؤسس له تأسيساً مُناسباً.

ولعل الازمات المُختلفة التي تتعرض لها العديد من المجتمعاتِ كفيلةٌ بأن تُعطَّل عملية المنهجة الصحيحة لعلمٍ ممكن أن ينقذ المجتمع مما هو عليه، الأمر الذي يزيد من الأمورِ تعقيداً وتكثر المشكلات دون وجود حلول ناجعة لها، بفعلِ اختلال المنظومة العلمية وتوقفها عن العملِ صوب إيجاد الحلول لتلك المشكلات والقضاء على الأزماتِ وتلافي ما هو قادم منها مستقبلاً، فالعلم والخوض به وزيادة تراكماته لا يأتي من بابِ التباهي به بقدرِ ما أن الغرض الأصيل منه منفعة الإنسان وفتح مداركه نحو تخطَّي العقبات والتأسيس لحياةٍ خالية من كلِ المُنغَّصات والتطلَّع نحو الأمام واكتشاف أسرار الكون الغامضة التي تُسهَّل الحياة وتزيدها ازدهاراً.

ولما كان هناك خواء فكري وعلمي كبير قد أطاح بعدةِ مجتمعات، فلا نتوقع بديهياً سير عجلة التقدَّم للإمام في هذهِ المجتمعات بل ستتقهقر للخلف، ولا نتوقع أيضا نشوء جيل قادر على تخطَّي الصعاب وبناء غداً أفضل، باعتبار العلم السلاح النوعي الذي من الممكن أن يستخدمه لشقِ طريقهِ في الحياةِ بسهولةٍ ويسر وتفوق، بل سيولد جيلاً عاجزاً غير قادراً على مجاراةِ التقدَّم العلمي الحادث في الشعوبِ الأخرى ولا يستطيع مواجهة أبسط الإشكاليات الحياتية القادمة ومُغيَّباً فكريا وتابعاً بشكلٍ مُخيف لإيديولوجياتٍ لا يفقه منها شيئا، بسبب تعرضه لخواءٍ علمي لا يُفعَّل ملكة النقد والتمحيص لديه ولا يضع بيديه المفاتيح الكثيرة للنفاذِ الى التطورِ، بل سيصبح مُنبهراً بكلِ مُقدَّرات العالم الخارجي والشعور بالنقصِ وعدم قدرتهِ على الوقوفِ والوصول إلى منصَّات التقدَّم الفكري والتطور.

ان كل هذا الخواء العلمي الذي سبَّبه تبعثر حلقات المنظومة العلمية والذي خلق وأسَّس لجيلٍ غير ناهض مُتكاسل وغير قادر على الانتظامِ لتغييرِ العالم الذي يعيش فيه، من شأنهِ أن يؤسس لمجتمعٍ يُعاني اضطرابات شتى في كافةِ مفاصلهِ وأزمات لا انقطاع لها وتخريبٍ عقلي وفكري دائم مع توقَّع مستقبل تتقدمه الاختلالاتِ والتحدَّيات.

وفي ذلك تكريسٌ كبير للجهلِ والتخلَّف بوجودِ أُسسٍ مغلوطة لعلمٍ زائف سيؤدي لخرابٍ مُجتمعي كبير ستطال آثاره كل مفصل من مفاصلِ حياة الفرد، وبالتالي التأسيس لقاعدةِ تسفيه العلم المنقوص الذي سيُفاقم تصدَّعات المجتمع ويسير به نحو الهاوية.

فحتى تتجنب المجتمعات كل هذهِ الإشكاليات من قصورِ عجلة العلم بتشويهها وسلخ الفائدة المرجوة منها وللطموحِ بالتطورِ والرقي، لابد من لفتِ الانتباه وبوعيٍ جاد لضرورةِ بناء قاعدة علمية مُتناسقة مُتكاملة توازن بين حاجات المجتمع وتطوره والتراكم العلمي المطلوب، للوقوفِ على تعقيداتِ الحياة وكيفية نقل المجتمع الى ما هو افضل، وايضاً لبناءِ جيل قادر على التعلَّمِ بصورةٍ صحيحة وقادراً على الإبداعِ بالتفكيرِ والتحفيز عليه دون التلقين واستبعاد كل الشوائب من المحسوبين على العلمِ وترصينه بشكلٍ يؤدي إلى السيرِ في الجادَّةِ الصواب، عندها قد نستطيع أن نضع ارجلنا على سُلَّم النجاح ولا نخشى من واقعٍ مُعاش بما فيهِ من أزماتٍ، ولا نتوقع مستقبلاً ضبابياً غامضاً بل زاهراً ومضموناً.

* الجامعة المستنصرية/كلية الآداب

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق