q

لم يعد الانقسام الفلسطيني مصلحة لأولئك الذين أسسوا له ودعموه وخططوا له وإن ما زالت فئة قليلة مستفيدة من استمراره في غزة؛ فرياح الحراك العربي وما عقبها من أعاصير وأحداث جرفت التحالفات الإقليمية المؤقتة لصالح تحالفات استراتيجية مصيرية عليا، ولم يعد الانقسام الفلسطيني ضمن المشاريع الحيوية للتحالفات الجديدة خاصة بعد وصول ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.

وإسرائيل نفسها التي كانت أحد مؤسسيه وداعميه وأكثر المستفيدين من استمراره خاصة بتمرير سياستها الاستيطانية بالضفة الغربية والقدس أصبحت تدرك أن استمراره وإن كان يشكل مصلحة على المدى القريب فإنه على المدى البعيد قد يشكل عبء وخطر ترفض تحمله خاصة مع زيادة تسليح المقاومة الفلسطينية بغزة، وهي تدرك تماماً الآن أنها استنفذت معظم فوائده، فعلى صعيد القدس والضفة الغربية نفذت سياساتها الاستيطانية وتهربت من استحقاقات العملية السلمية، وعلى صعيد قطاع غزة حققت معادلة ردع لا زالت قائمة وقد تبقى لوقت طويل وتمكنت من إحداث شرخ في الحركة الوطنية في شطري الوطن، وأجبرت ألد أعداءها حركة حماس على تغيير برنامجه السياسي وقبولها بتسوية على حدود 67، ولولا الانقسام لما حصلت اسرائيل على هذا الهدوء المنقطع النظير الذي يدخل عامه الثالث عقب عدوان 2014 على غزة.

ويبدو أن الانقسام الفلسطيني اليوم قد بات في الرمق الأخير يلفظ آخر أنفاسه، والقارئ للمشهد اليوم يدرك أن الانقسام الفلسطيني الذي حدث قبل عشر سنوات قد فقد كثيراً من مقومات بقائه واستنفذ أسباب وجوده في ظل المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية المتسارعة والتي استثمرتها اسرائيل في إيجاد موطأ قدم استراتيجي في خارطة التحالفات الاقليمية الجديدة بتوسيع علاقاتها خاصة مع الدول العربية تحت غطاء الخطر الايراني، وهنا الخاسر الأكبر من كل هذا قطاع غزة، ولا أحد اليوم راغب أن يمد يده إلى غزة أو يتحمل خسائرها أو ينقذها مما هي فيه خاصة وأن سياسة عربية جديدة توصف بالحكيمة باتت تتبلور داخل منظومة العمل العربي المشترك تتضمن إنهاء التناقض في السياسات بين دولها للتركيز في الأهداف الاستراتيجية للتحالف العربي النامي، ويبدو أن هذه السياسة تعتمد في الأساس على اعتماد وتدعيم الأنظمة الشرعية والرسمية العربية كواجهة وحيدة في رسم أي استراتيجيات حالية أو مستقبلية.

وعليه فإن على حماس أن تدرك جيداً أن خياراتها اليوم باتت شبه منعدمة في ظل ما آلت إليه أوضاع المنطقة والتي تعطي شرعية مضاعفة للسلطة الفلسطينية بصفتها جزء مهم من التحالف العربي الرسمي الجديد، وهي تدرك اليوم أن قطار التسوية السلمية الذي يقوده ترامب جاد في الوصول إلى محطته الأخيرة وهو ما سرع في نضوج وثيقة حماس السياسية والتي تقبل من خلالها دولة في حدود67 وهو ما يعد اعترافاً ضمنياً بالقرار 242، وقد يكفي هذا حماس في الوقت الراهن لتنخرط ضمن النظام السياسي الرسمي الفلسطيني دون اعتراض اسرائيلي وبدعم اقليمي وعربي، وهو ما يفضله النظام الرسمي العربي الذي يلعب دوراً مركزياً في مفاوضات التسوية القادمة، وعلى ما يبدو أنه قد حسم أمره في ضرورة أن يكون وفد فلسطين ممثلاً للضفة وغزة معاً، لأن لا أحد راغب في تحمل عواقب تسوية بدون غزة.

ومن الواضح أن اجتماعات القمة العربية في الأردن قد قررت اتخاذ الاجراءات العملية لإنهاء الانقسام، ومشهد إنهاء الانقسام سيدار بحرفية عالية وبموافقة عربية ودولية، وفي المقابل علينا أن ننتظر المفاجئات غير المتوقعة خلال الأسابيع القادمة والتي ستكون مؤلمة لأهل غزة إذا لم تتجاوب حركة حماس مع اللجنة السداسية المشكلة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح.

* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق