q

محمود بوزارسلان

 

ديار بكر، تركيا – عقب محاولة الانقلاب السنة الماضية، برزت ادّعاءات كثيرة بشأن انتهاكات لحقوق الانسان في السجون التركيّة بينما وُضع آلاف الانقلابيّين والمنشقّين السياسيّين والصحافيّين خلف القضبان. وفي كانون الثاني/ديسمبر، قال مسؤول بارز في الأمم المتّحدة إنّ التعذيب كان "منتشراً" على ما يبدو في الأيّام التالية لمحاولة الانقلاب، فيما لا تزال تقارير تصدر حتّى اليوم عن سوء المعاملة، بما في ذلك ازدحام الجناحات ورفض تقديم الرعاية الطبيّة وكميّات كافية من الطعام إلى السجناء.

وتصدّرت قصّة المعطف الخاصّة بصحيفة "جمهورييت" وكاتب العمود في "المونيتور"، قدري غورسل – الذي اعتُقل في تشرين الأول/أكتوبر ولا يزال ينتظر إدانته – عناوين الأخبار في وسائل الإعلام التركيّة والأجنبيّة. لقد أرادت زوجة غورسل مساعدته على البقاء دافئاً، فاضطرّت إلى شراء معاطف متعدّدة قبل أن تشتري المعطف المناسب لأنّ سلطات السجن رفضت المعاطف بسبب لونها أو قبّعتها أو شكل أزرارها. ووُضع صحافيّ بارز آخر، هو أحمد سيك، في السجن الانفراديّ وحُرم من شرب الماء لثلاثة أيّام، وفقاً لمحاميه.

وتصدر تقارير مشابهة من محامين وأقرباء في مختلف أنحاء البلاد. في ديار بكر، المدينة الكبرى في جنوب شرق البلاد ذي الأكثريّة الكرديّة، أخبر رجل لديه شقيق مسجون "المونيتور" بأنّ سلطات السجن منعت الزائرين الذين يرتدون ملابس خضراء أو كحليّة اللون، لتمييزهم على الأرجح عن الحرّاس والعسكريّين في السجن. وقال الرجل، طالباً عدم الكشف عن اسمه: "جاء زائر مرّة يرتدي قميصاً أخضر، وأجبروه على خلعه والذهب لرؤية نسيبه وهو نصف عار في برد الشتاء. ولم يُسمح لي أنا أيضاً بارتداء معطف كحليّ". وأضاف أنّ أخذ كتب للسجناء يطرح أيضاً مشكلة.

واشتكى السجناء من إجبارهم على التعرّي من أجل تفتيشهم، وفرض قيود تعسفيّة على الوقت الذي يستطيعون قضاءه في الأماكن المشتركة، والقطع المتعمّد للتدفئة والمياه الساخنة، وتجاهل سلطات السجون لطلباتهم، والطعام السيّئ وغير الكافي، والطعام المكلف والبالي في مقاصف السجن، ورفض معالجة السجناء الذين يمرضون بسبب ذلك الطعام بالتحديد، ورفض تقديم الرعاية الطبيّة بشكل عامّ.

وفي 31 آذار/مارس، تطرّق النائب عن حزب الشعب الجمهوريّ المعارض، سيزغين تانريكولو، إلى ادّعاء فظيع عن امرأة حامل معتقلة في أنقرة تُركت لتلد طفلها بمفردها في مركز الشرطة. وفي سؤال برلمانيّ خطيّ موجّه إلى رئيس الوزراء، اطّلع عليه "المونيتور، طالب النائب بمعلومات عن "تقارير تفيد بأنّ المرأة ولدت طفلها لوحدها وهي تصرخ من الألم، من دون وجود أيّ طبيب أو ممرّضة ومن دون مياه للتنظيف، وبأنّ أشخاصاً محتجزين في الغرفة المجاورة سمعوا صراخها الذي دوّى في مركز الشرطة طوال الليل، وبأنّ الشرطيّين لم يهتمّوا للأمر... وأخذوا المرأة إلى الطبيب بعد أن ولدت بمفردها".

وفي اليوم نفسه، لفت نائب آخر عن حزب الشعب الجمهوريّ، وهو باريس ياركاداس، الأنظار إلى مثلين آخرين على ما أسماه "انفجاراً" لانتهاكات حقوق الانسان في السجون. فنقل النائب معلومات عن عائلات سجناء اتّصلت به من أجل المساعدة، مشيراً إلى مدّعٍ عامّ مكسور المعصمين موضوع في الحبس الانفراديّ في سجن بالقرب من أنقرة، وتتجاهل إدارة السجن مطالبه بوضع سجين معه ليساعده في حاجاته اليوميّة. وفي اسطنبول، سُجنت امرأة مع طفلها البالغ من العمر 8 أشهر، وترفض سلطات السجن حتّى إدخال ألعاب للطفل، بحسب ما قال النائب.

في هذا الجوّ بالذات، أطلق عشرات السجناء الأكراد، المتّهمون أو المدانون ببناء علاقات مع حزب العمّال الكردستانيّ الخارج عن القانون، إضراباً عن الطعام في ستّة سجون في البلاد في شباط/فبراير، احتجاجاً على القمع والممارسات غير القانونيّة التي تقوم بها سلطات السجون. لكنّ شيئاً لم يتغيّر، وفي 30 آذار/مارس، أعلن سياسيّون أكراد بارزون انضمامهم إلى الإضراب عن الطعام. ومن بين هؤلاء صلاح الدين دميرتاش، زعيم حزب الشعوب الديمقراطيّ، الموجود خلف القضبان منذ تشرين الثاني/نوفمبر، بالإضافة إلى نحو اثني عشر نائباً آخر من الحزب نفسه.

وقال دميرتاش والمشرّع عبدالله زيدان من حزب الشعوب الديمقراطيّ، في بيان مشترك من سجن ذي إجراءات د مشدّدة في محافظة أدرنة شمال غربي تركيا، إنّهما يحتجّان على "الممارسات غير الانسانيّة" التي تقوم بها سلطات السجن و"عدم وجود نيّة حسنة" لديها لإنهاء الإضرابات عن الطعام. وكانت هذه الصرخة الأبرز التي أُطلقت من السجون التركيّة، وكان مفعولها سريعاً جداً. ففي اليوم التالي، أعلن دميرتاش أنّ الإضراب عن الطعام في سجن أدرنة قد انتهى بعد موافقة إدارة السجن على الحوار من أجل حلّ المشاكل.

لكنّ الإضرابات عن الطعام مستمّرة في السجون الأخرى. وفي اليوم نفسه الذي انتهى فيه الإضراب في سجن أدرنة، أعلن السجناء في سجن في هاتاي إطلاقهم إضراباً عن الطعام. ولا يزال نحو 85 سجيناً في أربعة سجون مضربين عن الطعام.

وقال رئيس نقابة المحامين في ديار بكر، أحمد أوزمن، إنّ السجناء السياسيّين هم الضحايا الأوائل لانتهاكات حقوق الانسان، وحضّ السلطات على اتّخاذ خطوات لإنهاء الإضرابات عن الطعام.

وقال لـ "المونيتور" إنّ السجون أصبحت مزدحمة بسبب الإجراءات الصارمة التي تلت محاولة الانقلاب. وحمّلت أنقرة أتباع الشيخ فتح الله كولن المتمركز في الولايات المتّحدة مسؤوليّة الانقلاب، مسمّية إيّاهم منظّمة فتح الله كولن الإرهابيّة، لكنّ إجراءات القمع الصارمة طالت معارضي الحكومة من كلّ الأطياف.

وقال أوزمن: "يضمّ سجن يتّسع لـ 750 شخصاً مثلاً نحو 1700 سجين. ويشغل ثمانية أشخاص زنزانات تتّسع لثلاثة أو أربعة سجناء، مع فرش مرميّة على الأرض أو أسرّة موضوعة فوق بعضها محشورة في غرف صغيرة". وأضاف أنّ الشكاوى الأكثر شيوعاً كانت التوافر المحدود للمياه الساخنة والطعام السيّئ وغير الكافي.

ولفت إلى مرسوم تشريعيّ أصدرته الحكومة بعد الانقلاب يشترط وجود مسؤول من السجن أثناء اجتماعات المشتبه بهم التابعين لمنظّمة فتح الله كولن الإرهابيّة مع أقربائهم ومحاميهم، بالإضافة إلى تسجيلات صوتيّة وبصريّة لتلك الاجتماعات. وأشار إلى أنّ بعض السجون طبّقت هذه الممارسات على جميع السجناء، وباتت الكاميرات عنصراً دائماً في غرف الاجتماعات فيها، بحسب أوزمن.

وقال أوزمن إنّ ذلك يساوي "القضاء على حقّ الدفاع"، مضيفاً أنّه "يجب حلّ مشكلة الازدحام في أقرب وقت ممكن، ويجب ضمان الخصوصيّة في الاجتماعات بين المحامين وموكّليهم".

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق