q

لم تنتهي الحكومة العراقية بعد من أزمة تنظيم "داعش" حتى بدأت بعض الأزمات تطفو على السطح ولعل أزمة رفع علم كردستان فوق المباني الحكومية في محافظة كركوك أثارت أولى الأزمات لمرحلة ما بعد "داعش".

إصرار القوى السياسية الكردستانية على رفع علم الإقليم في محافظة كركوك هو تحدي واضح للحكومة المركزية وقفز على الاتفاقات السياسية والدستور العراقي، وأن توقيت رفع العلم العراقي الذي جاء بالتزامن مع قرب الانتهاء من تحرير مدينة الموصل، قد يضع البلاد والحكومة امام أزمة جديدة، ربما تشتت الجهود الداخلية لمحاربة تنظيم "داعش".

أزمة كركوك تنذر بتداعيات داخلية وإقليمية، وأن لجوء بعض المكونات العراقية المتواجدة في المحافظة إلى حالة التصعيد المماثلة ورفع إعلامها الخاصة ولجوئها إلى دول إقليمية مثل (تركيا وإيران) من أجل الضغط على القوى الكردستانية وإنزال علمها ينذر بأزمات أخرى، لاسيما فيما يتعلق بالهوية الوطنية وضعف الإرادة الداخلية؛ وذلك لأن المكونات القومية تعد خطوة رفع العلم الكردي في مدينة متعددة المكونات والقوميات خطوة للتفرد ومصادرة الإرادات الأخرى المشتركة في إدارة المحافظة، لاسيما المكونين العربي والتركماني.

رفع العلم الكردي جاء بقرار فجائي من القوى السياسية الكردستانية، لاسيما بالنسبة لحزب الاتحاد الوطني "الرافض" قبل ذلك لسياسة مسعود برزاني وتوجهاته السياسية والحزبية الانفصالية وطريقة إدارته وتفرده في السلطة، والأقرب سياسيا إلى طهران من أنقره، وأن بعض التفسيرات السياسية تشير إلى دور طهران في تحريك هذا الملف في الوقت الحالي، وربما تريده طهران أن يكون بمثابة ورقة ضغط على التحركات السياسية الداخلية والدولية التي قامت بها الحكومة العراقية مؤخراً، سواء فيما يتعلق بزيارة وزير الخارجية السعودي إلى بغداد والخطوات الإيجابية السليمة التي أعلن عنها الطرفان في التقارب بين بغداد والرياض، وطي صفحة الخلافات السياسية السابقة او ما يتعلق منها بزيارة السيد رئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن من أجل تنشيط العلاقات بين البلدين وتطمين الجانب الأمريكي بتوجهات الحكومة العراقية لمرحلة ما بعد "داعش"، لا سيما في ظل التصعيد السياسي والإعلامي بين واشنطن وطهران، على الرغم من أن طهران رفضت بشكل علني قرار مجلس محافظة كركوك برفع العلم العراقي وعدتها بأنها خطوة غير قانونية ولا تنسجم مع الدستور العراقي، إلا أن التصريحات الإعلامية شيء والمواقف السياسية التي تطبخ في الغرف المظلمة شيءٍ اخر.

فضلاَ عن ذلك فإن هناك تفسيرات سياسية أخرى لقرار رفع العلم الكردي في الوقت الحالي، تتعلق بالحلم الكردي في الاستقلال واستغلالها انتخابياً، والقرب من انتهاء ازمة تنظيم "داعش" التي اخفت بعض الأزمات الداخلية سواء كانت تلك الأزمات العالقة بين الإقليم والمركز أو أزمات كل طرف على حده.

لكن بالمجمل ومهما كان القصد والدوافع من وراء رفع العلم فوق المباني الحكومية في محافظة كركوك، لا يمكن الاحتكام إلى منطق القوة والمناوشات السياسية والإعلامية التي قد تثير أزمات أخرى بين المركز والإقليم، ويمكن الاحتكام إلى أدوات سياسية اخرى أكثر فاعلية في حل الأزمة والحفاظ على وحدة العراق من التقسيم في ظل ضعف الحكومة المركزية واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، لاسيما بعد أن قرر مجلس محافظة كركوك يوم الثلاثاء 4نيسان/أبريل 2017 في جلسته التي عقدت لمناقشة قرار رفع علم كردستان من عدمه بأن ينظم استفتاء شعبي يدعو فيه إلى الانفصال عن بغداد وضم المحافظة إلى إقليم كردستان.

وأن تفعيل وتنشيط هذه الأدوات يتوقف على ذكاء وحنكة صانع القرار العراقي في تحريك المواقف الدولية والإقليمية وكسب ودها السياسي لجانب الحكومة العراقية، لاسيما فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة الأمريكية، والمواقف الإقليمية بالنسبة لطهران وأنقره. فكلا الدولتين (تركيا وإيران) تعارض بقوة انفصال إقليم كردستان عن بغداد؛ لما فيه من تداعيات على الأمن القومي بالنسبة للبلدين، إلا أن هناك اعتقاد كبير بالنسبة للولايات المتحدة "وقد يكون الأمر مختلفاً بالنسبة لواشنطن عن الموقف الإقليمي"؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تدعم الحكومة العراقية وتوجهاتها السياسية بعراق موحد بعيداً عن التقسيم، وأن الأكراد لا يمكنهم الانفصال عن بغداد إلا بموافقة أمريكية؛ وذلك لأسباب عدة تتعلق بمستقبل الدولة الكردية.

إلا أن الموافقة الأمريكية تتوقف إلى حداً ما على السلوك السياسي للحكومة العراقية وطريقة استجابتها للازمات وحنكة صانع القرار في التعاطي مع الإدارة الأمريكية والمواقف الدولية والإقليمية والبيئة الداخلية، وهل بإمكان الحكومة العراقية أن تكسب الثقة الأمريكية؟ وأن تصبح حليف موثوق به بالنسبة للأمريكان سواء فيما يتعلق بعلاقاتها مع واشنطن والدول العربية والإقليمية أو فيما يتعلق بالترتيبات الداخلية للوضع العراقي الداخلي وتصفير الأزمات الداخلية وإنهاء الصراع السياسي بين القوى السياسي.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق