q

أُعتُبر موقف محافظ ومجلس محافظة كركوك تصعيديا إلى حدّ بعيد كونه تضمّن تمردا على قرارات وهيبة مؤسسات الدولة الاتحادية، في وقت ارتفعت فيه نبرة إستقلال إقليم كرُدستان عن العراق بشكل غير مسبوق، تجاوبا وتماشيا مع ظروف محلّية وإقليمية كرّست دورا كرُديا أكبر وأكثر أهمية في ملفات المنطقة، وعلى رأسها الحرب على تنظيم داعش التي شاركت فيها قوات كرُدية في كلّ من سوريا والعراق، وتمكّنت خلالها من بسط سيطرة ميدانية على عدّة مناطق في البلدين.

وقبل فترة صرح مسعود بارزاني رئيس إقليم كرُدستان العراق المختلف حول شرعيته داخل الإقليم والمعترف بها في بغداد والمنطقة والعالم تصريحا كان فحواه "أن قوات البيشمرگه لن تنسحب من المناطق التي حررتها". مما يؤكد أن أكراد العراق لم يكفوا يوماً عن المطالبة بضم مدن ومناطق متنازع عليها لم تحسم دستوريا إلى إقليم كرُدستان العراق، إما بالتفاوض مع الحكومة العراقية أو بالقوة العسكرية والمراهنة على وجود تهديدات قائمة على تخوم هذه المناطق مثلما حصل في مدينة خانقين وسنجار وكركوك تحت معيار فرض الواقع، إقليم كرُدستان العراق توافقت مصالحه بالاستقلال والانفصال مع وجود طرح تقسيم المنطقة على رأي أمريكا ودولا أخرى عبر بوابة داعش التي كانت أول الممر.

إستثمر الأكراد شعار محاربة داعش والمراهنة عليه عن طريق الإسهام في تحرير مناطق معينة ثم الإستيلاء على هذه المناطق وضمها إليها وإعادة التموضع فيها وخلق مسارات سياسية وجغرافية وإجتماعية جديدة، وبالتالي المضي في مخطط الإنفصال. وهذا ما أكده مؤخرا، رفع إقليم كرُدستان في كركوك فرمزية رفع العلم تُعبر عن الوقائع على الأرض التي تنطق بحقائق لا ينطق بها الساسة، فالأراضي التي يقول أكراد العراق أنهم حرروها من داعش هي الأراضي التي كانوا طوال السنوات الأخيرة يريدون ضمها الى إقليم كرُدستان العراق والتي تقع ضمن الأراضي المتنازع عليها، وعندما لم ينجحوا في ضمها عن طريق التفاوض مع السلطة المركزية في بغداد سيتم ضمها بالإستعانة بمنطق فرض الأمر الواقع.

وهذا المشهد يعد مكشوفا، ولهذا يتحرك مسعود ونيجيرفان بارزاني والآن حزب الاتحاد الوطني الكرُدستاني إلى مشهد إنتزاع قبول من الولايات المتحدة وتركيا وإيران لإعلان ضم المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك ليؤدي الإقليم دور بيضة القبان في المنطقة بما يشكل ضمانات للمصالح الأمريكية والتركية والإيرانية كمنطقة نفوذ حيوية في العراق، بدلا من بغداد.

المشهد الذي أتوقعه أن يحصل الإقليم على المناطق المتنازع عليها التي حررت بعد داعش مقابل سيناريو الإنفصال وإعادة توزيع السلطة والقوة بين الأحزاب الكرُدية مع ضمان ولائها الخارجي كما كانت لإعادة الاستقرار في الإقليم والضغط أكثر على بغداد وأطراف أخرى بأي ملفات مقبلة.

عودا إلى رفع العلم الكرُدي في كركوك، التُركمان أوضحوا أن المسألة ترتبط بالصراعات داخل الإقليم على موارد النفط وأسلوب الإدارة، وأراد حزب المحافظ إيصال رسالة مزدوجة إلى بغداد التي تتفاوض مع الحزب الديمقراطي متجاهلة حزب الإتحاد دوما في قضايا الحرب ضد داعش وإدارة حقول وواردات النفط، ورسالة أخرى إلى مسعود بارزاني لإشعاره بأنه لم يعد يمتلك نفوذا واسعا بعد الاختلاف حول شرعيته، وأن كركوك من الممكن أن تصبح ورقة مساومة لصالح حزب الإتحاد ولصالح إيران ضد أمريكا وتركيا.

لهذا توأمت المصالح -على حد تقديري-، وإضطر مسعود البارزاني إلى تأييد الإجراء مما يفتح حيز أكبر للحزبين بفرض مطالب أوسع وأكثر من إيران وأمريكا وتركيا وبغداد وهذه مناورة ذكية.

إن تقييم فرص تحقيق إختراق لاحق على رفع العلم الكرُدي في كركوك تبدو ضعيفة، إذ لا مقومات يمتلكها الإقليم لإقامة دولة كرُدية مادام المناخ الإقليمي والدولي يرفض ذلك، ولا فرص مؤكدة لضم كركوك للإقليم بدون الرجوع للسياقات الدستورية والتفاهمات مع كل الأطراف واهما الحكومة الإتحادية والقوى السياسية الفاعلة والمكونات كافة.

بعد إدانة السفير الأمريكي في بغداد لهذه الخطوة وإعتبارها خطوة مشتتة لجهود مكافحة الإرهاب كما أعربت الأمم المتحدة مخاوفها وقلقها من هذه الخطوة لأنها تضرب التعايش السلمي والتنوع القومي والأثني، وتركيا تؤيد كركوك عراقية بهوية تركمانية وإيران التي قد توظف مسألة رفع العلم لمصلحتها لكن على المستوى الإعلامي والتفاوضي دون أن يصبح هذا الإجراء واقعي وحقيقي؛ لأنه قد يضعف نفوذها داخل الإقليم أو الدولة الكرُدية المزمع قيامها.

يبقى أن أوضح التكييف والوضع الدستوري والقانوني لمسألة رفع العلم وقرار مجلس النواب العراقي بخصوص رفض ذلك، فطبقا للمادة ١٤٠من الدستور لازالت كركوك منطقة متنازع عليها لم تطبق فيها إجراءات هذه المادة المتعلقة بالتطبيع والإحصاء والاستفتاء ولهذا هي لازالت تابعة للحكومة الاتحادية وفق الدستور ووفق قانون مجالس المحافظات رقم ٢١ لسنه ٢٠٠٨ المعدل عام ٢٠١٠ بإعتبار كركوك محافظة غير منتظمة بإقليم.

كذلك المادة ١٢٢ من الدستور حددت عمل مجالس المحافظات وفق اللامركزية التي تتضمن حق تقديم الخدمات وليس حق التصرف بالمسائل والقضايا السيادية والسياسية التي هي من إختصاصات الحكومة الإتحادية كما فعل مجلس محافظة كركوك.

إضافة إلى ذلك فإن قرار البرلمان الإتحادي برفض رفع العلم وإنزاله دستوري وفق المادة ٥٩ التي خولت البرلمان صلاحية إصدار قرارات في أي موضوع أو مسألة وهذا ينسحب على كركوك. كما أن قرار البرلمان العراقي يوافق المادة ١٢ من الدستور التي توضح أن مسألة العلم تنظم بقانون مشرع من البرلمان الإتحادي وليس بقرار من مجلس المحافظة.

ولهذا أدعو الحكومة إلى اتخاذ إجراءات إدارية وإقتصادية بحق المحافظ والمصوتين في مجلس المحافظة والدوائر التي نفذت القرار وهي لا ترتبط بمجلس المحافظة أو المحافظة لأن تداعيات رفع العلم ستهدد التعايش السلمي وقد تؤدي إلى حرب أهلية في هذه المحافظة أو تقسيم هذه المحافظة إلى منطقتين كرُدية وعربية تركمانية مما ينسحب على بقية المناطق المتنازع عليها بل يهدد العراق كافة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001-Ⓒ2017
http://mcsr.net

اضف تعليق