q

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية 2017، تعيش فرنسا أجواء خاصة مشحونة مليئة بالجدل والخلافات والمفاجآت، ولعل أبرزها كما يرى بعض المراقبين قضية الاقليات المسلمة في هذه البلاد، خصوصا وان بعض الأحزاب والشخصيات المرشحة، تسعى الى الاستفادة من الهجمات الارهابية التي شهدتها فرنسا وباقي دول العالم وأزمة اللاجئين، من اجل مهاجمة الإسلام والمسلمين وتهميشهم والترويج للعنصرية وكراهية الأجانب في سبيل تحقيق مكاسب انتخابية، الامر الذي أثار مخاوف وقلق المسلمين في هذه البلاد، حيث وجَّه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية رسالة مفتوحة إلى المرشحين الـ11 للجولة الأولى من السباق الرئاسي نحو قصر الإيليزيه، تُسلط الضوء على توقُّعات مسلمي فرنسا ومخاوفهم، وتؤكد على التزامهم بمبادئ الجمهورية العلمانية وقيمها.

وأكدت الوثيقة كما نقلتها بعض المصادر، أن المجتمع الوطني الفرنسي واحد لا يقبل التقسيم وأن مسلمي فرنسا جزء من هذا المجتمع، مشددة على أن مسلمي فرنسا يرفضون الطائفية بدليل أن الدين الذي يعتنقونه يدعو إلى السلام والعدالة والإخاء والتضامن والمحبة بغض النظر عن الدين أو اللون أو الأصل. وأشارت الرسالة الموقعة من لدن المكتب التنفيذي للمجلس إلى أن مسلمي فرنسا ملتزمون بالعلمانية بشدة، معربين عن تشبثهم بالوطن المشترك، قائلة "نعيش في جمهورية علمانية تقدم للجميع ضمانات الاختيار بين الإيمان أو الإلحاد، كما تضمن للذين آمنوا بدين معين العيش بسلام وبحرية"، متابعة "يتطلع المسلمون إلى العيش بهدوء وبشكل سلمي، في ظل احترام قيم وقوانين الجمهورية".

وطالبت ماريان لوبان، مرشحة اليمين المتطرف، بتعميم فصل الدين عن الدولة ليشمل المؤسسات الأخرى كالمدارس، بجانب من منع الحجاب بالمدارس أيضاَ، مستطردة :" تركنا المجال للمتطرفين الاسلاميين ولابد من وضع حد لذلك، وهناك خطر يواجه مجتمعنا فلم يكن هناك وجود قبل بضع سنوات للبوركينى فى السواحل". فيما رفض وزير الاقتصاد السابق في الحكومة الاشتراكية إيمانويل ماكرون، تصريحاتها، قائلاً :" لن نقبل بإجبار أى مسلمة على عدم ارتداء الحجاب"، موجهاً كلامه للوبان :"انتى تقعين فى فخ وشرك وتقومين بزعزعة استقرار مجتمع وتقسيمه وتوصمين 4 ملايين مسلم، رغم أنهم ليسوا طائفيين أو متعسفين وتودين أن تجعليهم أعداء للجمهورية الفرنسية". كما رفض مرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلانشون، تصريحات "لوبان"، قائلاً لها :"تخلقين قسمين من الفرنسيين، ولا يمكن منع أي طائفة من ارتداء الزى الذي يناسبها".

وفي وقت سابق طالب المرشح الرئاسى لليمين الفرنسى ﻓرانسوا فيون، بمحاربة جماعة الإخوان المسلمين و التيار السلفى فى فرنسا، بلا هوادة. قال فيون في هناك حركات فى بلدنا تعلن انتماءها للإخوان أو التيار السلفي.. و لا بد من حلها"، ورأى فيون أنه على المسلمين ان يثوروا ضد تصاعد التطرف وأن يساعدوا الجمهورية على وقف هذا التوجه، مؤكدا ضرورة مراقبة الأئمة و الخطب في المساجد.

وأوضح أن إثارة مسألة اندماج الجالية المسلمة فى فرنسا لا يعد وصما للمسلمين، محذرا من التهديد الذى يشكله التشدد، لافتا إلى أن الغالبية العظمى من مسلمي فرنسا مندمجين فى المجتمع. وأشار إلى أن المشكلة تكمن في ازدياد التطرف الذي يهدد استقرار فرنسا وليست مع المسلمين، مطالباً برقابة تمويل المساجد للأئمة وتدريبهم، معتبراً أنهم سبب زعزعة استقرار فرنسا، مضيفاً:"على المسلمين الانتفاض قبل غيرهم ضد التطرف الديني".

اصوات مهمة

وفي هذا الشأن أكد اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والذي سيتحول اسمه رسميا إلى "مسلمو فرنسا" اعتبارا من أيار/مايو المقبل، على ثقل وأهمية أصوات المسلمين في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري دورتها الأولى في 23 نيسان/أبريل. وأعرب رئيس الاتحاد عمار لصفر عن استيائه من موقف بعض المرشحين من الإسلام والمسلمين الفرنسيين. وأكد لصفر (57 عاما) أن الاتحاد سيغير اسمه إلى "مسلمو فرنسا" خلال جمعية عامة ستعقد في 13 أيار/مايو المقبل، أي نحو أسبوع بعد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

وأشار إلى أن تغيير التسمية يدخل في سياق إصلاحات عامة عكفت عليها لجنة خاصة منذ 2013 وتطال فلسفة ومؤسسات هذه المنظمة التي اتهمها كثيرون، في فرنسا وغيرها، بأنها منبثقة من حركة "الإخوان المسلمون". "ليس لدينا أي علاقة مع حركة ‘الإخوان المسلمون‘" ولكن عمار لصفر، والذي كان محاطا بنائب الرئيس مخلوف ماميش والأمين العام عكاشة بن أحمد دو، نفى الاتهام، قائلا إن الاتحاد لا علاقة له "عضوية كانت أم إدارية" مع "الإخوان". وأوضح بأنه قد أجاب بذلك لمرشح اليمين إلى السباق الرئاسي فرانسوا فيون، الذي صرح في وقت سابق أنه في حال انتخباه رئيسا سيطلب من "مسلمو فرنسا" تحديد موقفهم من "الإخوان المسلمون". وأضاف قائلا إن مرشحة اليمين المتطرف ورئيسة حزب "الجبهة الوطنية" مارين لوبان هي وحدها من تريد حل المنظمة التي يرأسها، مشددا على أن (لوبان) لن تنال أبدا شرف الفوز بالرئاسة. بحسب فرانس برس.

وفي سياق حديثه عن السباق إلى الإليزيه، استاء عمار لصفر لعدم اكتراث المرشحين بالجالية المسلمة التي تعيش في فرنسا، بمشاكلها وتطلعاتها. وقال: "نحن مستاؤون من مواقفهم، فهم لا يفهمون شيئا من الإسلام والمسلمين وليسوا على مستوى من يسعى لتقلد منصب رئيس الجمهورية". ومحذرا في الوقت ذاته من أهمية وثقل أصوات المسلمين الذين يفوق عددهم 8 ملايين في فرنسا، مذكرا بأن التصويت الإسلامي ليس غريبا عن خسارة [الرئيس اليميني السابق] نيكولا ساركوزي في 2012 أمام الاشتراكي فرانسوا هولاند.

شرعة الإمام

الى جانب ذلك أعلن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية اعتماد "شرعة الإمام" لمساعدة المساجد على مواجهة الخطاب المتطرف بشكل أفضل. ويهدف تطبيق الشرعة لإعلان "التزام أئمة فرنسا بإسلام وسطي وبالعهد الجمهوري" كما أعلن المجلس الذي يضم الاتحادات الإسلامية الرئيسية. والمساجد مدعوة إلى أن يكون "توقيع" الشرعة "عنصرا أساسيا يؤخذ في الاعتبار عند التعاقد مع أحد الأئمة". وكان المجلس أعرب في 2015، بعد وقت قصير من اعتداءات 13 تشرين الثاني/نوفمبر في باريس، عن عزمه اقتراح مثل هذا الميثاق. بحسب فرانس برس.

وبعيدا عن "دعاة الكراهية" المستهدفين مباشرة، دفعت الحكومة المجلس إلى الرد على صعود الخطاب الأصولي. لكن المشروع لم يتخذ شكلا منذ ذلك الحين، في إشارة إلى المصاعب في تقديم مشروع "إسلام فرنسي" إلى زعماء المسلمين المنقسمين غالبا، ويعانون من تمثيل سيء. وفي فرنسا نحو 1800 إمام، بعضهم يعمل جزئيا دون مقابل وآخرون يتنقلون، يتولون الصلاة في قرابة 2500 مسجد ومصلى بحسب التقديرات. ومن هؤلاء 300 "تمت استعارتهم" من الجزائر والمغرب وتركيا، دول المنشأ الرئيسية لحوالى أربعة إلى خمسة ملايين مسلم في فرنسا، وذلك ضمن إطار اتفاقات بين باريس وهذه الدول.

بين الارهاب والعنصرية

"انتم مجموعة ارهابيين"، "لا نريدكم هنا بعد اليوم". لن تنسى حنان شريحي هذه العبارات التي اطلقها مارة فيما كانت عائلتها مجتمعة في نيس بجنوب شرق فرنسا بعد مقتل والدتها فاطمة في اعتداء 14 تموز/يوليو 2016. تقول حنان (27 عاما) التي نشرت كتابا واسست جمعية بعد مقتل والدتها "كنا نتوقع عبارات كهذه، ولكن حين يكون المرء في وداع (قريب) حاملا ورودا امام قبره فكأنه تلقى صفعة".

ولم يسبق ان واجهت حنان رفضا مماثلا رغم انها لاحظت بعض التغيير. فمنذ اول اعتداءات جهادية ضربت فرنسا في السابع من كانون الثاني/يناير 2015 واستهدفت تحديدا اسبوعية شارلي ايبدو الساخرة، توتر الوضع بالنسبة الى المسلمين وخصوصا النساء اللواتي يرتدين الحجاب، على غرار حنان. تتحدر الشابة من عائلة مغربية وصلت الى فرنسا في سبعينات القرن الماضي ولم تشعر "ابدا بانها مستثناة" في الحي الذي نشأت فيه في محيط نيس. اما في منطقة باريس حيث تقيم منذ زواجها قبل سبعة اعوام، فلم تشعر ايضا باي تمييز حيالها بسبب الحجاب. بالتأكيد، تلاحظ نظرات وخصوصا حين تتوجه الى باريس، لكنها تعبر "عن حشرية اكثر من تعبيرها عن شعور شرير".

لكن التبدل الكبير حصل حين سمعت تعليقات يوم التجمع الكبير في نيس تكريما للضحايا ال86، وبينهم والدتها، الذين قتلوا في اعتداء شنه فرنسي تونسي يقود شاحنة وتبناه تنظيم داعش. يومها، بادرها احد العابرين "لا نريدكم هنا بعد اليوم". حتى انه لم يأبه لكونها في حالة حداد على والدتها اذ اضاف "هذا افضل، لقد ماتت واحدة منهم".

انه "الالم المزدوج" بالنسبة اليها: "الخوف من داعش مثل الجميع ولكن اضافة الى ذلك الخوف من العنصريين". وتضيف حنان في شقتها في اولني-سو-بوا قرب باريس، "حين استقل المترو الى باريس لم اعد اقف على طرف الرصيف، اخاف بشدة ان يدفعني احدهم. اكذب ان قلت انني لا اشعر بالخوف". في رأيها ان السياسات تتحمل "مسؤولية هائلة" في الخلط بين المسلمين والارهابيين. وتعتبر ذلك بمثابة "هجوم" على مجتمعها في الخطابات السياسية قبل الانتخابات: "انها السرعة الفائقة في السباق الى الاليزيه. جرعة من الاسلام في السيارة تجعلها تسرع اكثر. هذا منطقي لان الجميع يخشون داعش".

تأسف ايضا لتركيز وسائل الاعلام على اقلية "لا تمثل مسلمي فرنسا بمجملهم". وتتابع حنان وهي ام لولدين ان وسائل الاعلام "تطرح اسئلة على اغبياء لم يتجاوزوا السادسة عشرة ويتفوهون باي شيء. لماذا لا يظهرون الشبان الذين تلقوا دروسهم الاسلامية في فرنسا او ائمة الجمهورية؟". وللتصدي ل"هذا الخلط" قررت حنان التي كانت تدرس الصيدلة وتحولت ربة عائلة ان ترفع الصوت. نشرت كتابا بعنوان "امي وطني" لتسليط الضوء على "اسلام السلام والاحترام والتسامح" الذي تعلمته من امها فاطمة. وتؤكد اليوم "والدتي ليست مذنبة. ليست ارهابية". بحسب فرانس برس.

تشدد ايضا على محبتها لفرنسا، وذلك بفضل والدتها التي ارادت لها "ان تجد مكانها في المجتمع". وتقول "والدتي كانت فرنسية صالحة، رغم انها لم تولد في فرنسا ولم تحمل الجنسية الفرنسية". تلقت حنان مئات رسائل الدعم بعد مقتل امها، ما شجعها على تأسيس جمعية مع شقيقها علي وشقيقتها لطيفة لتوعية الشبان على اخطار التطرف ونشر خطاب يدعو الى الوحدة.

وتختم "خسرت اعز انسان على قلبي لكنهم لم يهزموني. انه اسلوبي للثأر. ما يريده داعش بالضبط هو ان يجعلنا منقسمين".

مؤتمر هاني رمضان

على صعيد متصل اعلن مسجد مدينة روبيه في شمال فرنسا الغاء مؤتمر كان مقررا عقده في المسجد بحضور المفكر الاسلامي السويسري هاني رمضان الذي تثير مداخلاته الكثير من الجدل. وقال المسجد في صفحته على فيسبوك ان القرار اتخذ في ختام اجتماع لمجلس ادارة مسجد بلال "لقطع الطريق على اي جدال حول هذا الموضوع". وهاني رمضان هو شقيق الجامعي طارق رمضان وحفيد حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين المصرية.

وكان كزافييه برتران المسؤول اليميني عن المنطقة طلب من السلطات منع عقد المؤتمر لان هاني رمضان واريك يونس اللذين سيشاركان فيه معروفان بميولهما السلفية، وسبق ان ادليا باقوال "تتعارض تماما مع القيم الجمهورية خصوصا في ما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمراة والعلمانية". وقال برتران "لا نستطيع القبول بان تجري تجمعات عامة يروج خلالها دعاة للكراهية والفرقة، على اراضي الجمهورية الفرنسية". بحسب فرانس برس.

بدوره، اعتبر ستيف بريوي نائب رئيس الجبهة الوطنية (يمين متطرف) وهو نائب عن هذه المنطقة، انه من غير المقبول "السماح لداعية اسلامي اجنبي بدخول فرنسا، مع ان البلاد لا تزال تعيش حالة الطوارىء". وكان هاني رمضان اثار فضيحة عام 2002 عندما دافع في مقالة نشرتها صحيفة لوموند عن تطبيق الشريعة ورجم المرأة الزانية. واثر ذلك صرفته حكومة جنيف من وظيفته كمدرس للغة الفرنسية بسبب كلامه "المتعارض مع القيم الديموقراطية ومع اهداف المدرسة الرسمية". وفي ايلول/سبتمبر 2016 اعلنت مدينة نيم (جنوب شرق) حظر مؤتمر كان مقررا ان يحضره هاني رمضان بعدما اعتبرت ان تصريحاته "تتعارض مع قيم الجمهورية".

اضف تعليق