q
اقتصاد - تقارير اقتصادية

الاقتصاد الإقليمي والنمو الاحتوائي

تحليل لاقتصادات منطقة الأسكوا للعام 2017

ان أجواء عدم اليقين الناجمة عن الصراعات في العراق وليبيا وسوريا واليمن تتسبب في ضعف الثقة، بينما يؤثر انخفاض أسعار النفط على الصادرات والنشاط الاقتصادي في البلدان المصدرة للنفط. وتستفيد البلدان المستوردة للنفط من انخفاض أسعاره، وإن كان تراجع التحويلات التي تتلقاها يعادل جانبا من هذا الأثر. وستحقق المنطقة نموا متواضعا هذا العام بمعدل قدره 4.3%، مع تحسن طفيف متوقع في عام 2017. لكن هذه التنبؤات تتسم بقدر كبير من عدم اليقين بسبب تقلب أسعار النفط وخطر الصراعات الإقليمية. ويتعين تحقيق تحولات هيكلية في مختلف بلدان المنطقة لتحسين آفاق المدى المتوسط وخلق فرص عمل جديدة

رغم الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط – المحرك الأساسي لآفاق الاقتصاد في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان – تشير التوقعات إلى بقاء هذه الأسعار منخفضة في السنوات القادمة. ومن المتوقع أن يتباطأ النشاط الاقتصادي هذا العام في منطقة مجلس التعاون الخليجي رغم استمرار التوسع في إنتاج الهيدروكربونات. فمن المتوقع أن يؤدي تشديد سياسة المالية العامة وتناقص السيولة في القطاع المالي إلى تخفيض النمو غير النفطي في مجلس التعاون الخليجي إلى 1.75% في 2016، هبوطا من 3.75% في العام الماضي. ومن المتوقع أن يتحسن النمو غير النفطي في مجلس التعاون الخليجي إلى 3% في العام القادم توقع أن يؤدي تراجع العبء الضريبي والتحسن الجزئي في أسعار النفط إلى ارتفاع النمو غير النفطي في مجلس ُ مع انخفاض وتيرة التقشف المالي. وعلى المدى المتوسط، ي التعاون الخليجي إلى 3.5%، وهو أقل بكثير من متوسط الفترة 2000-2014 الذي بلغ 7%. وقد تم رفع توقعات النمو الكلي في إيران إلى 4.5% هذا العام، نظرا لزيادات الإنتاج النفطي التي تحققت بسرعة تجاوزت التوقعات في أعقاب رفع العقوبات الدولية. ولا تزال الآفاق المتوقعة للعراق وليبيا واليمن مرهونة بانحسار الصراعات الدائرة هناك.

ويرجح ميزان المخاطر كفة التطورات السلبية في المنطقة. فقد تؤدي إجراءات الضبط المالي ونقص السيولة إلى تأثير سلبي أكبر من المتوقع على النمو. وقد تزداد كثافة الصراعات الإقليمية الحالية، كما يمكن أن يزداد عمق التباطؤ الاقتصادي في الصين مما يزيد من انخفاض أسعار السلع الأولية، بينما يؤدي تشديد السياسة النقدية ري السندات ذات التصنيف الائتماني المنخفض. ِدْصُ الأمريكية بسرعة تفوق التوقعات إلى زيادة التقلب المالي العالمي، ومن ثم يقل التمويل الدولي المتاح، ولا سيما لم ويخضع النمو متوسط الأجل لاحتمالات مغايرة للتوقعات على الجانبين السلبي والإيجابي. فقد تحقق السلطات تقدما أسرع من المتوقع في تنفيذ خطط الإصلاح الهيكلي. غير أن هذه الخطط يمكن أن تصادف عقبات بسبب النطاق الواسع الذي يشمله التحول الاقتصادي المتوخى، مما يمكن أن يسبب إرهاقا من كثرة الإصلاح.

توقع أن يتحسن عجز المالية العامة غير النفطي الإجمالي لعام 2016 بنسبة تتجاوز 5% من ُ ولا تزال الجهود جارية منذ العام الماضي لتخفيض العجز المالي الكبير، حيث ي إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. ومن المتوقع أن يظل العجز كبيرا رغم الإجراءات التقشفية التي اتخذت مؤخرا، بما في ذلك إصلاحات أسعار الطاقة المحلية التي تستحق توقع أن تسجل كل البلدان عجزا ماليا قياسيا هذا العام، ولا تتحقق فوائض إلا في العراق والكويت والإمارات العربية المتحدة بحلول عام 2021. وهناك ُ بالترحيب - إذ ي حاجة لمزيد من التصحيح المالي، مما سيتطلب مواجهة خيارات صعبة على مستوى السياسات واعتماد تدابير موزونة بدقة لحماية محدودي الدخل، وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تعجل البلدان بإجراء إصلاحات هيكلية لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن الهيدروكربونات، وتعزيز دور القطاع الخاص، وخلق فرص عمل لقوتها العاملة المتنامية بمعدل سريع. وسيتطلب الأمر وقتا حتى يتحقق التحول الاقتصادي المتوخى كما تحدده خطط التنويع لدى البلدان، مع أهمية التنفيذ الدقيق والمطرد كمفتاح للنجاح. ومع التقدم في تنويع الاقتصاد، ستظهر الحاجة لمهارات جديدة تهيئ سبيل النجاح للعمالة الجديدة والحالية. وعند تحديث برامج التعليم والتدريب ينبغي التركيز على الحد من عدم اتساق المهارات مع متطلبات سوق العمل، مع استشراف الاحتياجات المستقبلية للقطاع الخاص.

ساعدت الإصلاحات وانخفاض أسعار النفط مؤخرا على تحسين استقرار الاقتصاد الكلي في البلدان المستوردة للنفط في المنطقة. لكن النمو لا يزال ضعيفا وهشا، حيث توقع أن يبلغ 3.5% هذا العام ثم يرتفع إلى 4.25% في 2017. ومن المتوقع أن يتعزز التعافي الجاري بدعم من التقدم المستمر في الإصلاحات المخططة، وانخفاض العبء ُي قي النمو منخفضا على المدى المتوسط بدرجة لا تساعد ْبُ الضريبي، وزيادة الطلب الخارجي، وخاصة من منطقة اليورو. غير أن المعوقات الهيكلية الباقية من المرجح أن ت على معالجة البطالة المرتفعة وتعزيز احتوائية النمو.

وبالإضافة إلى ذلك، تخيم على الآفاق بعض المخاطر. فبطء التحسن في خلق فرص العمل ومستويات المعيشة يمكن أن يفاقم الاحتكاكات الاجتماعية-السياسية، كما يمكن أن يضعف التعافي الجاري إذا حدثت نكسات في عمليات التحول السياسي ومسيرة تنفيذ الإصلاحات. وقد يتسبب احتدام الصراعات الإقليمية في تكثيف التداعيات المعاكسة. كذلك يمكن أن ينخفض التمويل المتاح بسبب ضيق الأوضاع المالية العالمية – في سياق جهود الصين لاستعادة توازن النمو، وعودة أسعار الفائدة الأمريكية إلى مستوياتها الطبيعية، و/أو تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن حيث احتمالات تجاوز التوقعات، يمكن أن تزداد الصادرات بسرعة أكبر من المتوقع إذا ما حدث تقدم في المعاهدات التجارية مع الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال. وقد تتسع أيضا فرص التصدير الموجه للاستهلاك مع استعادة توازن النمو في الصين.

ومن الضروري تعجيل زخم الإصلاح في هذه البيئة المليئة بالتحديات. وقد أتاحت إصلاحات دعم الطاقة ومبادرات زيادة الإيرادات مساحة أكبر للإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم، بالإضافة إلى المساعدات الاجتماعية الموجهة للمستحقين. لكن زيادة الاستثمار والإنتاجية لا تزال أبطأ مما يسمح بدعم النمو، ولا يزال الحيز المالي محدودا بسبب ارتفاع تكاليف خدمة الدين وضخامة فاتورة الأجور، كما أن مواضع الانكشاف للمخاطر الخارجية لا تزال كبيرة في بعض الحالات. وهناك حاجة لضبط أوضاع المالية العامة من أجل تحسين مواصفات الدين العام وتعزيز الاحتياطيات الوقائية. ويمكن التركيز في هذا السياق على الإجراءات الموجهة المتعلقة بالإيرادات – إلغاء الإعفاءات الضريبية، وزيادة تصاعدية ضرائب الدخل، وتعزيز التحصيل الضريبي – إلى جانب الاستمرار في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق بتحويل التركيز من دعم الطاقة المعمم إلى المساعدات الاجتماعية الموجهة للمستحقين والاستثمارات وغيرها من المجالات الداعمة للنمو. ومن شأن زيادة مرونة أسعار الصرف أن تساعد في دعم التنافسية. وهناك حاجة أيضا لإجراء إصلاحات هيكلية – وخاصة في مجالات الأعمال والتجارة وسوق العمل والأسواق المالية – لتشجيع توسع القطاع الخاص وخلق فرص العمل.

اضف تعليق