q

صوت الألم كان يعلو في أرجاء مكة، كان الظلام دامسا إلى أبعد الحدود ومكة متشحة بالسواد.. كانت الأوجاع متراكمة وراء النوافذ والأرواح قاسية إلى أبعد الحدود، أخذت القسوة مساحة شاسعة في المجتمع حيث لم يكن باستطاعة ألف قنديل إضاءتها، كانت ثمة امرأة تموت خجلا من فعلتها وكأنها فعلت حراماً لأنها أنجبت طفلة والبنت كانت تُدفن لأنها تعد ضمن قائمة الممسوخات في ذلك المجتمع، لم يتسع لها مكان سوى تحت أطنان من التراب لتغطي وجهها وقدرها المشؤوم!.

كانت تدفن كي لا يصاب المجتمع بلعنة أبدية من وجودها !وكان الأب يرفع رأسهُ بشموخ أمام بني جلدته لأنه دفن بنته وعاد من المقبرة للتو.

القسوة ارتدت ثوبها الأسود وبدأت رحلتها في الأرجاء كي تقضي على الجميع، رائحة الموت بدأت تفوح أكثر من ذي قبل والقسوة بدأت تمزج كل الألوان كي تحولها إلى لون واحد هو الألم، لا يُسمع صوت للحياة ولا للأحياء ولا أثر للحب ولا للمحبين، ضجيج الذكور وسكوت الإناث أشعل نار الفتنة أكثر من ذي قبل، بدأت القلوب تتمرد لما وجدت عليها آباءها وكأنها استرجعت ذاكرتها للتو وتذكرت بأنها في جسم إنسان وجُعلت لتشعر بالآخرين وآلامهم، سعادتهم، حتى حبهم .

بينما السحب السوداء كانت تخيم فوق سماء مكة، أصبح الظلام الموحش يترقب الناس بمخالبه القاسية ويقضي عليهم واحد تلو الآخر، ومن وسط تلك الجبال الشامخة التي كانت توحي بالرعب والقلوب التي كانت كالحجارة أو أشد قسوة، أزهرت ريحانة النبي وزهرة الحياة وأشرقت مكة بنور فاطمة وقرت عين نبي الإنسانية وخديجة بقدوم تلك الراضية المرضية الحوراء الإنسية، بها فتح الله كتاب الإيجاد والوجود وتوفر فيها مجموعة من المزايا والمواهب والفضائل والكرم ما لم تجتمع في أية امرأة في العالم من حيث النسب الشريف الأرفع، والروحانية والقدسية، ومن حيث بدء خلقها ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله، وعبادتها وعلمها وديانتها، وزهدها وتقواها وطهارتها وطينتها وشخصيتها وزوجها وأولادها والتسعة المعصومين من ذريتها.

أخذت القلوب تحن رويداً إلى بعضهما البعض وجعلت للمرأة مكانة عالية في المجتمع وأخذت المحبة تسكن في قلوب الآباء شيئا فشيئا ليكرّموا بناتهم، ولدت فاطمة كي تضيء الجاهلية بنورها، وكي تعلم المرأة العز والشموخ.

حديث أصحاب الكساء في فضل فاطمة

قال النبي صلى الله عليه وآله في حقها: (فاطِمَة خُلِقَتْ حورِيَّةٌ فِيْ صورة إنسيّة)-1-

(فاطِمَة بَضْعَةُ مِنّي يُغْضِبُني ما يُغْضِبُها وَيَبْسُطُني ما يَبْسَطُها)-2-

(فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي وَهِيَ قَلْبِيْ وَهِيَ روُحِي التي بَيْنَ جَنْبِيّ) -3-

(فاطِمَة سيِّدَةُ نِساءِ أُمَّتِي) -4-

وفي البحار عن المناقب قال علي (عليه السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.

وعن الإمام الحسن بن علي عليه السلام قال: "رأيت أمي فاطمة عليها السلام قائمة في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء فقلت لها: يا أماه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار"-5-.

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء لأخته زينب (عليها السلام): (أبي خير منّي، وأمي خير منّي، وأخي خير مني) الحديث(6).

أسماء فاطمة الزهراء وألقابها

- الزهراء: هناك أقوال بأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية. إذ كانت العرب تسمي الأبيض المشرّب بالحمرة بالأزهر ومؤنثه الزهراء، وهناك من يقول أن النبي محمد صل الله عليه وآله هو من سماها بالزهراء لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض وذلك لزهدها وورعها واجتهادها في العبادة، وفي ذلك ينقل بعض المحدثين وأصحاب السير عنها عباداتٍ وأدعيةً وأوراداً خاصة انفردت بها، مثل: تسبيح الزهراء ودعاء الزهراء، صلاة الزهراء وغير ذلك.

- الحوراء الإنسية: فاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة.

وجاء الحديث برواية عائشة وهو: (إنّي لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريلُ الجنّة فناولني منها تفّاحة، فأكلتُها فصارت نُطفةً في صُلبي، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء إنسيّة، كلمّا اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتُها).

- الصديقة: لأنها لم تكذب قط.

- المباركة: لظهور بركتها.

- الزكية: لأنها كانت أزكى أنثى عرفتها البشرية.

- المرضية: لأن الله سيرضيها بمنحها حق الشفاعة.

- المحدثة: لأن الملائكة كانت تحدثها.

- البتول: لأنها تبتلت عن دماء النساء.

- الحانية: لأنها كانت تحن حنان الأم على أبيها النبي وبعلها وأولادها عليهم السلام والأيتام والمساكين.

- أم الأئمة.

- الطاهرة.

- المنصورة.

- الصادقة.

- الريحانة.

- البضعة.

- أم أبيها.

ولدت فاطمة الزهراء لتتعلم المرأة باستطاعتها أن ترتقي إلى أعلى عليين وترسخ اسمها على جدران ذاكرة الدهر وتصل إلى القمة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 296.
2- الصواعق المحرقة ص 188/ قريب من لفظه في مستدرك الصحيحين ج 3 ص 172/ الجامع الصغير ج 2 ص 653 ح 5859.
3- نور الأبصار ص 52.
4- سير أعلام النبلاء ج 2 ص 127/صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب فاطمة/مجمع الزوائد ج 2 ص 201/إسعاف الراغبين ص 187.
5- بحار الأنوار: 43 / 81 ـ 82.
6- الارشاد: ج2 ص93، وراجع مثير الأحزان: ص49 وإعلام الورى: 239، وفيها: (وان أبي خير مني وأخي خير مني).

اضف تعليق