q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

لا تترك أخطاءك تطمس تأريخك

في ذكرى استشهاد السيد حسن الشيرازي

كثيرة هي الكلمات في أبجدية اللغة، ومع ذلك قد تكون عاجزة عن تلبية حق شخصية شجاعة متميزة وعملية كشخصية السيد الشهيد حسن الشيرازي، وما يثير غصة في الصدور أن أيادي الغدر البعثية قد طالت روح الشهيد الشيرازي في بيروت قبل عقود غابرة من الزمن، في عملية غادرة لا يُقدم عليها سوى ضعاف النفوس والأخلاق والإيمان، لكن سراجه المشعّ لم يخبُ حتى هذه اللحظة ولن ينطفئ ما بقيت الحياة، كتلك الشخصيات الخالدة التي أسهمت بجهودها العظيمة في تنوير الإنسان ودفع البشرية جمعاء خطوات حثيثة الى أمام.

وهكذا نجد أنه مما قاله آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي - رضوان الله عليه- من روعة الكلام معنى وتعبيرا وتأثيرا ما يلي: (لا تترك أخطاءك تطمس تأريخك/ موسوعة الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي/ الجزء الثالث)، ولعل هذه الجملة التي لا تتجاوز كلماتها الخمس مفردات تعبر أفضل تعبير عن الرؤية الثاقبة التي يمتلكها الرجال الذين صنعوا التاريخ في أنصع صوره ومواقفه، ولهذا قيل في حق الشهيد الشيرازي شهادات كبيرة تمثل أبسط الاستحقاقات لما قدمه للبشرية من أفضال فكرية تربوية سياسية أخلاقية أدبية إبداعية لا تقدَّر بثمن.

فقد امتلأت خزائن الذكريات بمئات بل آلاف المواقف العظيمة عن هذه الشخصية الفذة، وفصّلت تلك الذكريات المهمة بعضا مما امتاز به الشهيد السيد حسن الشيرازي، سواء في كربلاء المقدسة، أو بخصوص الصراع بين الحوزة والمد الأحمر (الشيوعي)، وكذلك عن علاقة السيد الشهيد مع الأدب الإسلامي ذي النزعة الإنسانية الساطعة، فضلا عن جهاده المستمر والمؤثر في المهجر، وسعيه الدائب في بناء المجتمع.

فليس بالأمر الهيّن لحديث عن شخصية نادرة مثل شخصية الشهيد الشيرازي، نظرا لتعدد مواهبه، ومجالات عمله، وتنوعه أصلا، وامتلاكه لإرادة لا يمكن أن تُصاب بالوهن أو التوقف عن حالات الإقدام ولو لمجرد سحب الأنفاس، أو ما يسمى اصطلاحا بإعادة التنظيم، لأنه ببساطة يتحلى بشخصية لا يمكن أن تشبهها شخصية أخرى، إذ أنه باختصار شديد المجاهد الشهيد السيد حسن الشيرازي – رضوان الله عليه- هذه الشخصية التي جمعت الى كونها صرحا دينيا وفكريا شامخا، كونها شخصية جهادية وأدبية وسياسية، وقد تطول الشهادات والكلمات دون بلوغ الغاية أو المراد منها، فضلا عن كونه – رضوان الله عليه- يمثل طرازا متقدما من رجالات المجتمع، لما يتحلى به من خصال ومزايا وملَكات لا تتوافر قط، إلا لمن تُخلَق معه وتستوطن ذاته منذ أن وطأ هذه الأرض لأول مرة.

إن التأريخ العظيم الذي دوَّن فيه الشهيد الشيرازي أنصع المواقف، وأعظم الأعمال في ميادين متنوعة وكثيرة، تجعله يقف في طليعة الشخصيات العظيمة التي لم تألُ جهدا في مواصلة نضالها وعطائها على نحو لا يقبل النضوب، فهو صاحب المنجزات الكبرى التي تم تسجيلها في سجله التاريخي المشرق، لذلك وعى أهمية أن يبقي الإنسان على تأريخه ناصعا ونظيفا وأن لا يطفئه بالأفعال الطائشة والمواقف المترددة.

ولعل إقدام الشهيد الشيرازي على تأسيس الحوزة العلمية في سوريا يعد من الأعمال والخطوات الخالدة التي باشرت بنشر الفكر الحسيني ومبادئ أئمة أهل البيت على نطاق واسع، فانتعش المذهب الشيعي أيما انتعاش، بفضل هذه الخطوة التي تعد في ذلك الوقت فوق طاقة الفرد، لكن الإرادة العظيمة التي تتركز في شخصية الشهيد الشيرازي جعلته ذا قدرة نادرة تؤهله على اتخاذ قرارات عظيمة من هذا النوع، يقول الإمام الشيرازي عن هذه الخطوة:

(أسس السيد الشهيد – رضوان الله عليه- في سوريا – ولأول مرة – حوزة علمية عند مقام السيدة زينب –عليها السلام- وسماها باسم (الحوزة العلمية الزينبية) وقد أصبحت منطقة السيدة زينب –عليها السلام- تستوعب أكثر من ألف رجل دين من مختلف البلاد الإسلامية، كما أنه – رضوان الله عليه- أسس في لبنان مدرسة وحوزة الإمام المهدي - عجل الله تعالى فرجه الشريف-). وتحدث الإمام الشيرازي في مذكراته عن نضال السيد الشهيد أبان وجود الشيوعيين والقوميين وحكم البعثيين، وعن اعتقال السيد الشهيد وأساليب التعذيب الوحشية التي تعرض لها، وعن الهدف من اعتقال السيد الشهيد يقول الإمام الشيرازي في ذكرياته:

(كان الهدف من اعتقال السيد حسن – رضوان الله عليه- هو إخماد الحركات الشيعية الإصلاحية، والانتقام من أحفاد قادة ثورة العشرين، وكانت قصيدته التي ألقاها في حفل مولد الإمام أمير المؤمنين الإمام علي - عليه السلام- والتي هاجم فيها البعث، هي الحجة التي اتخذها البكر ورفاقه لاعتقاله وسجنه)، لذلك فإن التاريخ الناصع والمشرق بالمواقف النضالية الخالدة يجعله حاضرا في الذاكرة الإنسانية والشيعية على مر الأجيال، نظرا للخدمات الجليلة، والبصمات الراسخة التي طبعها بأعماله وأفكاره ومنجزاته في مسيرته الحافلة بالعطاء والإقدام والمثابرة، من دون تردد أو تفكير بالعواقب، فالمهم عند الشهيد الشيرازي إنجاز ما كان يؤمن به، خاصة عندما يؤمن بأنه يقوّض عروش الاستبداد، ويهز كراسي الحكام الخونة الظالمين من بعثيين أو غيرهم، ممن حكموا الدول الإسلامية والعربية بالحديد والنار كما هو الحال في العراق حيث كان البعثيون يعيثون فسادا في أرض السواد.

لهذه الأسباب وسواها الكثير، رسخت شخصية الشهيد حسن الشيرازي في قلوب ونفوس وعقول من عاصره، ومن عاش معه عن قرب، ولاحظ بأمّ عينه حالات الإقدام والشجاعة التي كانت تميز جميع خطواته وأعمال، فصنعت له تاريخا يفخر به جميع المنصفين والشرفاء في العالم، وكما يبدو أن الشهيد الشيرازي كان جادا وساعيا الى الحفاظ على تاريخه الناصع، لهذا حذر الجميع من الإساءة الى تاريخهم بالأفعال والأقوال والمواقف المسيئة لتاريخهم.

ومن أعماله الخالدة صنعه لذلك الرهط المتنور من طلاب الحوزة العلمية، وهم اليوم من الذين قادوا ويقودون المذهب الشيعي من نجاح الى نجاح، فيما قال عنه الدكتور السيد محسن القزويني: (كان آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي - رضوان الله عليه- شخصية نادرة، حيث تلحظ الأبعاد العديدة في شخصيته التي يصعب اجتماعها عند أشخاص عديدين، فكيف في شخص واحد؟/ المصدر السابق نفسه).

ومن الأقوال الخالدة التي تعطينا أدلة قاطعة على تميّز شخصية الشهيد حسن الشيرازي، ما ورد عنه بخصوص العفو ومسامحة الأقوياء لمن هو أقل منهم قدرة وحصانة، فقد قال الشهيد الشيرازي: (لا يمكن العقاب على كل خطأ، فالأقوياء يسامحون، والضعفاء يحقدون)، هكذا يحدد الشهيد الشيرازي رؤيته للقوة والضعف، فهو يرى القوة تكمن في المواقف المتميزة التي يتخذها القوي عندما يعامل بها من هو أقل قدرة منه.

إن رحلتنا القصيرة والسريعة هذه، مع شخصية ومنجزات الشهيد السيد حسن الشيرازي، بالتأكيد لا تفيه حقه، فنحن لو ألّفنا مجلدات ومجلدات في هذه السيرة العطرة الخالدة، لا نظن بأنها تساوي ما قدمه للمذهب الشيعي والمسلمين والإنسانية جمعاء من مواقف، لا يرقى إليها سوى الكبار الخالدين لهذا نجد أن حياة السيد الشهيد حسن الشيرازي وتنوعها وتعددها على محاور ثقافية، وأدبية، ودينية، وسياسية، أعطتها نكهة خاصة، تتميز بالتفرد والاختلاف وذلك بسبب دورها الحيوي وتأثيرها في أحداث عصرها، وهذا ما يجعلنا ندقق كثيرا في قوله المتميز الذي اتخذناه عنوانا لهذه الكلمة.

اضف تعليق