q

م. د. رنا علي الشجيري-كلية الاعلام/قسم العلاقات العامة جامعة بغداد

 

بصرف النظر عن التصنيفات السياسية والفكرية في أي مجتمع، فان الثابت والاكيد هو رغبة قطاع واسع من الجمهور في التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تغيير يفضي الى تحقيق الحد الادنى من الحرية والعدالة والكرامة الانسانية، في اطار اعتدال حقيقي في كافة مفاصل الدولة.

وبقدر تعلق الامر بالعراق كان المظهر الأبرز لأزمة الدولة العراقية ما بعد الاحتلال في العام 2003 هو الطائفية السياسية التي عوّمت الدولة ومرتكزاتها وأضعفت هيبتها ومكانتها، وحوّلتها إلى كيانات بدلاً من اعتماد مبادئ المواطنة التامة والمساواة الكاملة أساساً للحصول على الوظائف العليا، وإلغاء التمييز الطائفي والإثني والديني والعشائري والمناطقي وغير ذلك، اذ تعد المذهبية والطائفية والقومية والولاءات المرتبط بها من ابرز ماينمي حالة من التراخي بين المواطن ودولته، وتأسيس مجتمع عصبوي منغلق اجتماعيا "منكفئ ذاتيا" مما يقوض اسس الوحدة الوطنية.

لذا حاولت النخب السياسية العراقية مابعد عام 2003 استغلال الديمقراطية المزمع اقامتها عبر قانون الانتخابات لتحقيق مصالح الفئة التي تمثلها على حساب مصلحة الوطن من جهة ومصلحة الفئات المتنافسة معها من جهة اخرى. وبصورة افرزت لنا معطيات لعدم تحقيق اعتدال سياسي فاعل، ممثلا بما يلي:

أولاً، تحول الظاهرة الطائفية من التمييز إلى التسييس، بصورة تعكس فشل القوى السياسية في ادارة البلاد.

ثانياً، نظام المحاصصة الطائفية ـ العرقية، في توزيع مناصب الدولة الرئيسية على أساس مذهبي ـ قومي (رئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة).

ثالثا"، طبيعة النظام الفدرالي الذي نشأ بعد الاحتلال، يعزز ميول تقسيم الدولة العراقية على أساس طائفي ـ مذهبي ـ قومي.

ان أي تغيير مهما كان حجمه، يجب ان يبقى في اطار الدولة الواحدة ووحدة الوطن ونبذ المحاولات الانفصالية وتحت أي مسمى والا سنكون امام ديمقراطية واهية مشوهة، والسبيل الامثل للتصدي لذلك بناء مرتكزات الدولة المدنية في عراق اليوم وفق اطر اعتدال سياسي حقيقي ممثلا بما يلي: لذا فان مستقبل العراق مازال محفوفا "بالخطر ومركبا مجتمعيا" واقتصاديا "وسياسيا" لذا فلابد من مدنية الدولة التي ترقى للتغلب على تلك المخاطر عبر ما يلي:

اولا": اعادة بناء النظام السياسي والدولة وتعميق المواطنة وثقافة الانتماء للوطن.

ثانيا": اقامة جبهة داخلية موحدة تلتقي حول مشروع حداثي يدمج كل القوى المجتمعية في صلبه.

ثالثا": مزيد من توافق القوى السياسية حول تصور كيفية بناء المستقبل عبر أرضية للعمل المشترك نابعة من مستلزمات مصلحة الوطن والمواطن.

ثالثا": تحقيق اليات الحوار الدائم بين السلطة والمعارضة لتجنب الخلافات والتوترات التي من شأنها تدمير الوحدة الوطنية.

رابعا": التعويل على الداخل لا الخارج في مجال التنمية والاقتصاد وحل المشاكل المتعلقة بهما.

خامسا": المزيد من الاستقرار والذي يعد النجاح الحقيقي للتحول الديمقراطي، والذي لايمكن تحقيقه الا عبر المستويات الثلاثة الاتية:

المستوى المحلي، ضرورة ترتيب البيت العراقي اولا وقبل كل شيء، والانصراف لبناء الذات العراقية واعلاء مصلحة الوطن.

المستوى الاقليمي، تحديد مصالح العراق وتوجهاته السياسية الاقليمية بصورة تقلل من نزعة الشك وعدم الثقة في بناء علاقاته وبصورة تجعل العراق يحظى بقبول اقليمي واسع.

المستوى الدولي، تحديد صريح لأسس علاقة العراق بباقي دول العالم والابتعاد عن التذبذب الحاصل في توجهات سياسته الخارجية.

فالدولة المدنية المنشودة تدعو الى تقييم موضوعي بعيد عن أي من العصبيات، تقييم يعيد الاعتبار للمواطن والوطن والمواطنة والامة والدولة الحديثة، تقييم يعالج أي تقسيم مجتمعي بالثقافة والعلم وبالتنمية والعدالة، فما معنى شعارات الاحزاب والجماعات المتنازعة اذا ظلت في دائرة العصبيات وعاجزة عن الفعل الوطني.

* ملخص بحث مقدم الى مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة الذي يعقد بمدينة كربلاء المقدسة في 22-23/3/2017، والذي ينظم من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ومركز الفرات للتنمية للدراسات الاستراتيجية

اضف تعليق