q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

بعد الموت النهائي لـ 8 و14 آذار

إلى أين تتجه الخريطة الحزبيّة في لبنان؟

في الذكرى السنوية الحادية عشرة لانطلاقة ما سمي «تحالفي قوى 8 و14 آذار» عام 2005، يمكن الجزم اليوم بأن هذين التحالفين قد ماتا نهائياً، رغم عدم إقامة مجالس الفاتحة والعزاء لروحهما أو الإعلان الرسمي للوفاة.

وقد مرت ذكرى 8 و14 آذار هذا العام دون أي احتفال شعبي أو رسمي، في حين أننا بدأنا نشهد بروز تحالفات ثنائية جديدة بين القوى السياسية والحزبية، إضافة إلى محاولة إطلاق تجمعات أو تجارب حزبية جديدة تحاول أن يكون لها موقعها في الواقع الحزبي والشعبي اللبناني. كذلك تسعى بعض الأحزاب العريقة إلى إعادة تجديد موقعها ودورها كالحزب الشيوعي والجماعة الإسلامية والحزب التقدمي الاشتراكي من خلال عقد المؤتمرات العامة وانتخاب قيادات جديدة أو طرح مشاريع سياسية لمواجهة التحديات المستجدة.

فلماذا انتهت تجربتا 8 و14 آذار؟ وما هي طبيعة الخريطة السياسية والحزبية التي بدأت تتشكل حالياً أو يمكن أن نشهدها في المرحلة المقبلة؟

نهاية 8 و14 آذار

بداية ما هي الأسباب التي أدت الى نهاية تحالفي قوى 8 و14 آذار؟ وماذا بقي من هذه التحالفات السياسية والشعبية؟

لا بدّ من التذكير بداية بأنّ هذين التحالفين انطلقا في آذار 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والقرار بالانسحاب العسكري السوري من لبنان، فقام حزب الله وحلفاؤه بتنظيم تظاهرة شعبية ضخمة تحت عنوان «شكراً سوريا» في 8 آذار 2005، وكان الرد من القوى المعارضة لهم وللوجود السوري، بتنظيم تظاهرة شعبية كبرى في الرابع عشر من آذار من العام نفسه، ما شكل منطلقاً لتشكل ما سمي تحالف «قوى 14 آذار» الذي ضم «تيار المستقبل» و«الحزب التقديم الاشتراكي» والعونيون والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وشخصيات وقوى أخرى مستقلة.

لكن تطور الأوضاع السياسية الداخلية ولا سيما بعد الانتخابات اللبنانية عام 2005 وتشكل التحالف الرباعي ما بين الحزب التقدمي وحركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، أدى إلى خروج التيار الوطني الحر من قوى 14 آذار، ومن ثم نشأ التحالف بين التيار الحر وحزب الله، فيما حافظت قوى 14 آذار على بعض تماسكها لمرحلة من الزمن، ومع الوقت بدأت هذه القوى تتآكل وتخرج منها الأحزاب والشخصيات الى عام 2016 وبروز الخلاف الكبير بين «تيار المستقبل» من جهة وكل من حزب الكتائب و«القوات اللبنانية» حول الانتخابات الرئاسية، وبروز التحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ما أدى إلى انفراط قوى 14 آذار بشكل نهائي واعلان المنسق العام للأمانة العامة لهذه القوى الدكتور فارس سعيد وقف الاجتماعات الدورية للأمانة العامة.

أما قوى 8 آذار التي لم تكن تجمعها صيغة تنظيمية ثابتة، فقد دبَّت الخلافات بين أركانها، رغم حرص مكوناتها على إقامة علاقات ثنائية في ما بينها، ولا سيما بين حزب الله وحركة أمل وبين الحزب والتيار الوطني الحر.

واليوم يمكن القول بشكل نهائي وحاسم إنه لم يعد هناك «تحالف 14 آذار» أو «تحالف 8 آذار»، لأن الظروف السياسية تغيرت، فضلاً عن قيام بعض «قوى 14 آذار» بدعم العماد ميشال عون (أحد أركان 8 آذار) للوصول إلى رئاسة الجمهورية، وتشكل تحالفات ثنائية جديدة بديلاً من التحالفات المشتركة.

وهناك عدة أسباب تقف وراء نهاية هذين التحالفين يمكن إيرادها بشكل سريع:

1- غياب المشروع السياسي الإصلاحي والمتكامل لكل من التحالفين وقيام تحالفات سياسية على أساس المصالح أو المواقف السياسية الآتية:

2- عدم تحولهما إلى إطار سياسي منظم له هيكلية واضحة، مع أن قوى 14 آذار سعت إلى إيجاد هيكليات متعددة لتنظيم أوضاعها، لكن تفاوت دور القوى والأحزاب والشخصيات السياسية التي كان يضمها تحالف «قوى 14 آذار» أدى إلى حصول خلافات دائمة حول الهيكلية وتنظيم العمل.

3- تغير الظروف السياسية الداخلية والخارجية وعدم وجود رؤية موحدة تجاه المتغيرات، إضافة إلى التطورات التي شهدتها سوريا وانعكاسها على الوضع اللبناني.

ويمكن القول إن المرحلة اليوم تشبه الى حد بعيد مرحلة ما بعد عام 1982 التي أدت إلى نهاية تجربتي الحركة الوطنية اللبنانية والجبهة اللبنانية، وتشكل أطر وقوى سياسية وحزبية جديدة.

الخريطة الحزبية الجديدة

لكن ما هي طبيعة الخريطة الحزبية الجديدة التي قد يشهدها الوضع اللبناني في المرحلة المقبلة؟ وهل سنشهد تحالفات تشبه تحالفي قوى 8 و14 آذار؟

المراقب للساحة الحزبية اللبنانية اليوم يلحظ بوضوح أننا أمام مرحلة انتقالية، سواء على صعيد إعادة تشكيل قوى سياسية وحزبية جديدة، أو لجهة التحالفات والعلاقات بين هذه القوى، ولا سيما في ظل عدم حسم الصيغة النهائية لقانون الانتخابات وعدم وضوح الرؤية بشأن التحالفات والعلاقات بين مختلف القوى. لكن يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

1- إن معظم القوى الحزبية التقليدية أو الطائفية أو العقائدية تحاول اليوم إعادة تجديد بنيتها التنظيمية أو ترتيب أوضاعها الداخلية من أجل مواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، إن من خلال عقد المؤتمرات العامة أو اعادة ترتيب هيكلياتها الداخلية.

2- بدأنا نشهد بروز أطر أو اتجاهات حزبية أو شعبية جديدة تسعى إلى أن يكون لها دور في الواقع السياسي الداخلي، ومنها «تيار الوزير السابق أشرف ريفي»، «حزب السبعة» (وهو إطار شبابي جديد)، لقاء سيدة الجبل برئاسة النائب السابق الدكتور فارس سعيد، الشخصيات المستقلة في قوى 14 آذار، بعض التيارات اليسارية أو الشعبية في مختلف المناطق، هيئات وتيارات المجتمع المدني التي تبرز بين مرة وأخرى.

3- بروز التحالفات الثنائية بدلاً من التحالفات المشتركة، فحزب الله يحافظ على تحالفاته الثنائية مع حركة أمل ومع التيار الوطني الحر، إضافة إلى علاقاته مع بقية الأحزاب الوطنية.

أما التيار الوطني الحر، فتحالفه مع حزب الله لم يمنعه من إقامة تحالف ثنائي مع القوات اللبنانية، وهناك جهد مستمر لإقامة وثيقة مشتركة مع حركة أمل، وهو يسعى إلى ترتيب علاقاته مع تيار المستقبل.

و«تيار المستقبل» يسعى إلى ترتيب أوضاعه إن على صعيد الساحة الإسلامية السنّية أو لجهة العلاقة مع حلفائه السابقين وذلك تحضيراً لخوض الانتخابات النيابية.

في حين ان الحزب التقدمي الاشتراكي لم يحسم خياراته التحالفية حتى الآن.

4- لم يعد هناك مشاريع سياسية مشتركة تجمع مختلف القوى السياسية والحزبية، وقد تلتقي قوى سياسية على ملف معين وتختلف على ملفات أخرى، ما يجعل من الصعوبة إيجاد تكتلات سياسية على المستوى الوطني.

في ضوء هذه الملاحظات وبانتظار تبلور الصيغة النهائية لقانون الانتخابات النيابية الجديد الذي سيفرز واقعاً سياسياً جديداً، يبدو أن الواقع السياسي والحزبي سيشهد المزيد من الحراك والمتغيرات في المرحلة المقبلة، لكن يمكن التأكيد أن مرحلة «8 و14 آذار» انتهت وأننا سنكون أمام خريطة سياسية وحزبية جديدة في المرحلة المقبلة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق