q

الصراع في سورية أصبح اليوم أكثر تعقيدا بسبب التدخلات الإقليمية والدولية اختلاف المصالح والأهداف. فالتطورات الأخيرة التي تشهدها سوريا وكما يقول بعض المراقبين، يمكن ان تكون سبباً في خلق صراع جديد قد يمتد ليشمل اطراف ودول اخرى تحاول الحصول على مكاسب إضافية في هذا البلد المهم الذي تحول الى ساحة حرب دولية، ففي الوقت الذي تسعى فيه جميع الاطراف وكما معلن تكثيف جهودها لانهاء تواجد تنيم داعش الارهابي وباقي التنظيمات الاسلامية المتشددة، تحاول بعض الدول ومنها تركيا التي دخلت بشكل مباشر في هذه الحرب فرض سيطرتها على مناطق اخرى في سوريا، بهدف اقامة منطقة أمنة لمنع قيام دولة كردية على حدودها. وهو ما يتعارض مع خطط وتوجهات بعض حلفائها وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية، الداعم الاول للفصائل الكردية المسلحة التي حققت اجازات مهمة في هذه المعركة ضد تنظيم داعش الارهابي، ويرى بعض الخبراء ان مدينة منبج السورية ستكون نقطقة خلاف جيدة في هذا الصراع، ففي الثاني عشر من فبراير/ شباط صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان للصحفيين بأن الجيش التركي سيضغط على معقل تنظيم داعش في الرقة، وقال إن معركة الباب انتهت، وستكون مدينة منبج الهدف القادم.

وقد نجح الجيش التركي والجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة في السيطرة الكاملة على مدينة الباب الاستراتيجية في شمال سوريا. وفي البداية أطلقت تركيا عملية درع الفرات وكما نقلت بعض المصادر، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، هي تطهير منطقة شمال سوريا من تنظيم داعش الدموي الذي نفذ هجمات وحشية داخل تركيا وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية ومنع وحدات حماية الشعب الكردية من إقامة منطقة حكم ذاتي على حدود تركيا.

ولتحقيق هذه الأهداف لم تكن استعادة السيطرة على الباب كافية؛ ولهذا أعلن أردوغان أن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا ستقيم منطقة آمنة مساحتها 5000 كم، ولتحقيق ذلك تحتاج تركيا إلى أن تتوغل في الرقة ومنبج. فيما يتعلق بتركيا تعد منبج الهدف الحتمي القادم لسببين رئيسين: الأول أن منبج احتلتها قوات سوريا الديمقراطي العام الماضي، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة، لكن تركيا تصنفها بوصفها جماعة إرهابية منبثقة عن حزب العمال الكردستاني المحظور. السبب الثاني أن دعم إدارة أوباما للقوى الكردية وزعمها أنها أكثر قوة وفعالية في قتال داعش كان تجاهلا واضحا للمخاوف التركية، وهدد علاقات الولايات المتحدة الاستراتيجية بحليفتها الرئيسة في المنطقة. وعلى ذلك كانت منبج أول اختبار حقيقي للتغيير المزعوم في سياسة واشنطن في سوريا في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وتحوّلت مدينة منبج في الفترة الاخيرة الى نقطة مواجهة بين جميع اللاعبين في سوريا، بسبب موقعها الجغرافي الذي يتقاطع مع أكثر من خط ويجمع الجهات الأربع في الخريطة السورية. وربما ايضاً لأنّها مركز عبور الخط الرئيسي الذي يجمع العراق وسوريا وتركيا. وربما، وهنا الاحتمال الأهم، أن تكون نقطة أساسية في المشروع الكردي لشمال سوريا الذي تمّ التفاهم حوله، على ما يبدو، بين واشنطن وموسكو من وراء ظهر تركيا التي كشفت عن كثير من خططها وأهدافها للأميركيين والروس فبنوا استراتيجياتهم على أساس ذلك لتعطيل الخطة التركية في سوريا.

منبج والحماية الامريكا

وفي هذا الشأن قال مجلس منبج العسكري إن مدينة منبج السورية أصبحت تحت حماية قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش بعد زيادة "التهديدات التركية" للمدينة. وعادت منبج إلى دائرة الضوء منذ أعلنت تركيا أنها الهدف القادم لحملة عسكرية تشنها مع مقاتلي معارضة سوريين في شمال سوريا على كل من تنظيم داعش ومسلحين أكراد يساعدون الولايات المتحدة. ومجلس منبج العسكري جزء من تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تدعمه الولايات المتحدة وتهيمن عليه وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يحمل السلاح ضد الحكومة في تركيا.

وقال المجلس في بيان "نطمئن أهلنا في منبج وريفها أنهم تحت حماية مجلس منبج العسكري والتحالف الدولي الذي كثف من تواجده في منبج وريفها بعد تزايد التهديدات التركية باحتلال المدينة." وقال المتحدث باسم المجلس شرفان درويش "عززوا دورياتهم وجلبوا مصفحات ومدرعات. "لم نطلب حتى الآن أي مؤازرة لا من قوات سوريا الديمقراطية ولا من وحدات حماية الشعب أو أي مرجع آخر."

وتقول الحكومة التركية إن وحدات حماية الشعب ما زالت في منبج على الرغم من أن الوحدات تقول إنها انسحبت من المدينة العام الماضي بعد انتزاع قوات سوريا الديمقراطية السيطرة عليها من داعش في هجوم بدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة. وأضاف بيان مجلس منبج العسكري "إننا في المجلس العسكري لمنبج وريفها نؤكد مجددا أن منبج وريفها هي تحت حماية قوات مجلس منبج العسكري وتحت رعاية التحالف الدولي وحمايته." بحسب رويترز.

وبعد اشتباكات مع الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا غربي منبج أعلن المجلس عقد اتفاق مع روسيا لتسليم القرى على الخط الأمامي مع القوات التركية إلى الحكومة السورية. وقال درويش إن هناك تباطؤا في تنفيذ الاتفاق لكنه لا يزال قائما. وأضاف أن شحنة "رمزية" من المساعدات الإنسانية الروسية كانت قد سلمت إلى سلطات منبج في الثالث من مارس آذار جنوبي المدينة من خلال ممر افتتح حديثا من الغرب الذي تسيطر عليه الحكومة السورية. وأضاف أن المساعدات الروسية هي عبارة عن حمولة مركبة أو اثنتين فقط. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا في تركيا.

انتشار امريكي

الى جانب ذلك اعلن البنتاغون ان عسكريين اميركيين نشروا في سوريا قرب مدينة منبج رافعين العلم الاميركي على آلياتهم تفاديا لوقوع معارك بين مختلف القوات الموجودة في المنطقة. وتنتشر قوات اميركية في سوريا منذ تشرين الاول/اكتوبر 2015 لتقديم المشورة للقوات التي تقاتل تنظيم داعش خصوصا لقوات سوريا الديموقراطية، وهو تحالف عربي-كردي. لكن هذه القوات تفادت حتى الان التنقل بشكل واضح.

وهذه المرة اختارت القيادة العسكرية الاميركية في الشرق الاوسط ان يكون وجودها واضحا لتجنب تدهور الوضع في مدينة منبج التي استعادتها في اب/اغسطس قوات سوريا الديموقراطية من قبضة تنظيم داعش، بدعم من الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس "لقد نشرنا قوات اضافية في مهمة هدفها الطمأنة والردع". واضاف ان القوات الاميركية منتشرة "بشكل واضح للتأكيد على ان العدو (تنظيم داعش) طرد من منبج وان لا حاجة لتقدم قوات اخرى لتحرير المدينة". بحسب فرانس برس.

واوضح "نريد ثني الاطراف من مهاجمة اي عدو آخر غير التنظيم ". ورفض الاشارة الى عدد الجنود الاميركيين المنتشرين لتولي هذه المهمة. وتخشى الادارة الاميركية من تقدم القوات التركية وحلفائها في المعارضة السورية الى منبج. واعربت انقرة مرارا عن نيتها طرد قوات سوريا الديموقراطية من منبج لانها تعتبرها واجهة لقوات وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها تركيا منظمة ارهابية. وقال البنتاغون ان قافلة "انسانية" على الاقل ارسلها النظام الى نواحي منبج. وتواكب هذه القافلة آليات نقل مدرعة تابعة للقوات الروسية "لحمايتها" كما ذكر البنتاغون. وبحسب مسؤول اميركي في البنتاغون لا يمكن للقافلة الدخول حاليا الى المدينة اذ ان المسؤولين المحليين في قوات سوريا الديموقراطية يعارضون ذلك.

وفي وقت سابق قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن بلاده لا تخطط لحملة عسكرية على بلدة منبج السورية من دون التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا اللتين لهما وجود عسكري في المنطقة. وأضاف لتلفزيون خبر "(من دون تنسيق من هذا القبيل) لن تكون هناك نتيجة تذكر وقد تزداد الأمور تعقيدا" مضيفا أن محادثات تجرى على المستوى العسكري. وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال إن منبج ستكون الهدف التالي في الحملة العسكرية التي تشنها تركيا إلى جانب قوات من المعارضة السورية في شمال البلاد ضد كل من تنظيم داعش وفصائل كردية مسلحة.

اسوار وطائرات وألغام

على صعيد متصل بعد أن دأب المقاتلون والمهربون على اختراق الحدود التركية مع سوريا تحكم أنقرة السيطرة الآن على حدودها بالأسوار وحقول الألغام والخنادق وجدار سيمر حتى عبر المناطق الجبلية الأكثر وعورة. وتحصين الحدود التي يبلغ طولها 911 كيلومترا في ظل توغل الجيش التركي في شمال سوريا منذ أغسطس آب الماضي يساعد على تضييق الخناق على مقاتلي تنظيم داعش فضلا عن كبح الجماعات الكردية المسلحة.

وذات يوم كان مسلحو جماعات المعارضة المختلفة في الحرب السورية بمن فيهم المقاتلون الأجانب الذين انضموا لداعش يتسللون بسهولة عبر الحدود. وقام التنظيم المتشدد أيضا بتهريب البضائع بما في ذلك القطع الأثرية المنهوبة من أجل جمع الأموال لتحقيق مآربه. والآن مع محاصرة مقاتلين من المعارضة تدعمهم الولايات المتحدة لمعقل داعش في الرقة لم يعد التسلل في الاتجاهين سهلا. كما حدت الإجراءات أيضا من تدفق اللاجئين السوريين الذين يحاولون الفرار من الحرب الأهلية.

وقال الكولونيل البارسلان كيلينج "يمكنني الآن أن أبلغك أنه لا يمكن لأي شخص بسيارة أو على حصان عبور حدودنا (بشكل غير شرعي)" مشيرا إلى قطاع حدودي بطول 169 كيلومترا تراقبه وحدته العسكرية من موقع هويوك العسكري إلى بلدة قرقميش الحدودية التركية. وأضاف "ليس ممكنا فحسب. لا تزال هناك محاولات لأشخاص لعبور الحدود سيرا على الأقدام ونتدخل في ذلك."

وفي هويوك على بعد حوالي 80 كيلومترا إلى الشمال الغربي من مدينة حلب السورية يظهر الجنود الأتراك استعدادهم. وينظر أحدهم بمنظار إلى الأراضي السورية من برج مراقبة في محيط مجمع صغير محاط بأسوار. ودعت القوات إلى توخي الحيطة والانبطاح أرضا أو الركض إلى موقع حصين أو ركوب عربة مصفحة. ويعمل المهندسون على وضع إجراءات معقدة على الأراضي التي تضم سهولا وجبالا.

وفي البدء يأتي جدار بارتفاع ثلاثة أمتار وهو الآن شبه مكتمل ثم حقل ألغام. وخلف ذلك هناك خنادق وأسوار حصينة وهي منطقة يقوم فيها الجنود بدوريات على مدار الساعة وتراقبها كاميرات حرارية مثبتة على أعمدة معدنية ارتفاع الواحد منها 25 مترا بهدف رصد المتسللين ليلا. وتستخدم الطائرات بدون طيار في عمليات الاستطلاع. ونتيجة لذلك قال كيلينج إن عدد محاولات التهريب التي بلغت ذروتها في عام 2014 عند 3474 واقعة انخفض إلى 77 فقط في العام الماضي. وانخفض عدد محاولات العبور غير الشرعي إلى 8531 من ما يربو على 12 ألفا خلال نفس الفترة.

وأغلب هؤلاء من اللاجئين المحتملين على الرغم من إقامة مخيمات لهم على الجانب السوري من الحدود. لكن 424 مواطنا غير سوري جرى احتجازهم في 2015 ويُعتقد أن أغلبهم من مقاتلي الدولة الإسلامية. وفي العام الماضي انخفض الرقم إلى 210 علاوة على 45 مسلحا من المقاتلين الأكراد.

وتواجه أنقرة اتهامات من بعض الحلفاء الغربيين بأنها تباطأت كثيرا في وقت تدفق المقاتلين الأجانب على تنظيم داعش في سوريا والعراق في السنوات الأولى من صعود التنظيم المتشدد. وترفض تركيا هذا وتقول إنها تحتاج إلى مزيد من تبادل معلومات المخابرات مع الحلفاء لاعتراض سبيل المتشددين الراغبين في الانضمام للتنظيم. وعززت أنقرة الأمن وبدأت حملة عسكرية في سوريا تحت اسم "درع الفرات" لطرد التنظيم بعيدا عن الحدود التركية.

وقال سام هيلر الباحث لدى مؤسسة سينشري والمقيم في بيروت إن إغلاق الحدود كان ناجحا لكن تنفيذه استغرق وقتا. وأضاف "يبدو أن الأتراك أغلقوا أخيرا وبنجاح آخر شريط من الحدود مع تنظيم الدولة الإسلامية. "ربما كان بوسعهم فعل الأمر مبكرا عن ذلك.. لكن هذا كان شيئا يخضع لحسابات واعتبارات سياسية أخرى." وتابع قوله إن أنقرة تعتبر خطر الفصائل الكردية المسلحة مماثلا على الأقل لخطر التنظيم إن لم يكن أعظم منه.

وسيطرت الحملة التركية على بلدة جرابلس السورية على نهر الفرات وطردت مقاتلي داعش من قطاع بطول حوالي 100 كيلومتر من الحدود ثم تحركت جنوبا إلى بلدة الباب الاستراتيجية حيث سيطرت عليها تقريبا. وردا على سؤال بشأن مرور المقاتلين الأجانب عبر الحدود قال كيلينج "لم يعد موجودا تقريبا. من يحاولون العبور من هنا كانوا يتجهون إلى أماكن مثل الباب من قبل. هذه الأماكن خاوية الآن." وكان القطاع الذي يشرف عليه كيلينج واحدا من أكثر المناطق سخونة على الحدود حيث كان يجاور أراضي سيطر عليها التنظيم لسنوات إلى أن بدأت عملية درع الفرات. ولا يزال موقع هويوك مركزا للتوتر على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من بلدة يسيطر عليها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية.

وقال قائد عسكري آخر إنه لا توجد حتى الآن اشتباكات بين القوات المتمركزة في الموقعين ووحدات حماية الشعب. لكنه أضاف أن جنوده في حالة تأهب دائما. وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب ذراعا سورية لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل الحكم الذاتي أو الانفصال عن تركيا منذ العام 1984. كما تعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. بحسب رويترز.

وبرغم ذلك فقد برزت الوحدات الكردية كشريك فعال لواشنطن ضد تنظيم داعش فيما يضع البلدان العضوان في حلف شمال الأطلسي على طرفي النقيض لا سيما فيما يتعلق بخطط لاستعادة الرقة. وتطالب تركيا أيضا بانسحاب وحدات حماية الشعب من بلدة منبج السورية على الضفة الغربية لنهر الفرات والتي سيطرت عليها القوات الكردية. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في وقت سابق إن منبج هي الهدف التالي للفصائل السورية التي تدعمها أنقرة.

ومع توقع زيادة التوغل التركي تتسارع جهود تعزيز الدفاعات والأمن على الحدود. وقال كيلينج إنه تم الانتهاء من بناء جدار بطول 94 كيلومترا ومن المتوقع الانتهاء من الجزء الباقي من القطاع التابع له وطوله 79 كيلومترا خلال ثلاثة شهور. وأضاف "حتى الجدران نصف المكتملة جيدة لردع من يريدون العبور.. وهو ما يجعل مهمتنا أسهل." وتابع قوله "الأمن الخارجي لبلد ما يبدأ من الحماية الجيدة لحدوده."

اضف تعليق