q

في المؤتمر الصحفي الأول للرئيس المنتخب دونالد ترامب، خرج مصطلح "الأخبار الزائفة" من المناقشات الإعلامية إلى التيار العام، أشار ترامب إلى جيم أكوستا مراسل CNN قائلاً "أنت أخبار زائفة!" بينما رفض الاستماع إلى سؤاله، بحسب صحيفة The Telegraph البريطانية، منذ ذلك الحين، يتّهم رئيس الولايات المتّحدة منابر إعلامية كُبرى عدّة مراتٍ في الأسبوع بكونها مصادر "للأخبار الزائفة" من خلال حسابه على تويتر - وبالأخص CNN ونيويورك تايمز، لكن لماذا يستخدم دونالد ترامب مصطلح "الأخبار الزائفة" بكثرة هكذا؟ ومن أين جاء؟، "بعد إجبارهم على الاعتذار عن تغطيتهم السيئة وغير الدقيقة عني بعد الفوز بالانتخابات، ما زالت نيويورك تايمز صاحبة الأخبار الزائفة تائهة!".

من أين جاءت الأخبار الزائفة؟

بالتأكيد ليس ليّ عنق الحقائق من أجل المكاسب السياسية شيئاً مستحدثاً - إنّها البروباغاندا، وسجل استخداماتها يمتدّ إلى العصور القديمة، استخدم أوكتافيان حملة شهيرة من المعلومات المغلوطة لتدعيم انتصاره على مارك أنتوني في الحرب الأخيرة للجمهورية الرومانية. وفي توابعها، غيّر اسمه إلى أغسطس، ورسم صورة مُداهنة وشابة عن نفسه في أنحاء الإمبراطورية، مُستمراً في استخدامها مع تقدم عمره. وللأخبار الزائفة تاريخٌ كذلك في السياسة الأميركية، "في انتخابات 1828، أطلق مناصرو أندرو جاكسون إشاعة بأن جون كوينسي آدامز جلب فتاة أميركية لإرضاء القيصر"، "في حفل تنصيب جاكسون، اقتحم حشد البيت الأبيض محتفلاً. وكانت هناك اشتباكات بالأيدي وأضرار قدّرت بآلاف الدولارات".

بروباغاندا القرن العشرين

نمت البروباغاندا، متغذية على وسائل الإعلام، في الحجم والقوة الإقناعية أثناء اضطرابات القرن العشرين في سلسلة من الصراعات الأيديولوجية الكُبرى. في الحرب العالمية الأولى، استخدمت الحكومة البريطانية البروباغاندا بفعالية كبيرة في تحفيز الشعب ضد ألمانيا، والتي كانت تُصوّر كثيراً على أنها "قبائل الهون".

واستخدم الحزب النازي وسائل الإعلام المتنامية في بناء قاعدة قوية ثم تدعيم سلطته في ألمانيا خلال ثلاثينيات القرن العشرين، مستخدماً التنميط العنصري لتشجيع التمييز ضد اليهود، وفي بداية الحرب العالمية الثانية، استُخدمت آلة البروباغاندا بلا كلل من كل ألوان الطيف الإعلامي. حتى إن الأمر أثر على أشكالٍ خفيفة من الترفيه، ي. حتى إن الأمر أثر على أشكالٍ خفيفة من الترفيه، كالتالي: "استيقظ بطّوط في عالم نازي كاريكاتيري، في محاولة لبيع المزيد من سندات الحرب الخاصة بالولايات المتّحدة".

حصل هذا النوع من البروباغاندا على جزءٍ كبيرٍ من تمويله من الحكومات، وتحكّمت فيه بشكلٍ كبير، لكن التحيز الصارخ الذي حمله خفُتت حدته مع خفوت الصراعات الأيديولوجية. أضف إلى ذلك أن الشعوب، إذ أصبحت أكثر اعتياداً على وسائل الإعلام، تمكنّت من كشف الأكاذيب بصورة أسهل.

ثم جاء الإنترنت واقتصاد الأخبار الزائفة

كان الاتجاه المتصاعد للأخبار الزائفة في 2016 مختلفاً تماماً عن أساليب بروباغاندا القرن العشرين الواقعة بشكلٍ كبير تحت سيطرة الدولة. ما رأيناه كثيراً هنا كان مجموعاتٍ صغيرة من الناس تستغل التفاعل والخوارزميات على الشبكات الاجتماعية من خلال خلق مقالاتٍ تتسم بالغلو حول حدثٍ سياسي كبير: الانتخابات الرئاسية الأميركية.

لكن البروباغاندا وأخبار الإنترنت الزائفة تحمل عدداً من التشابهات: كلاهما وسيلة لتشويه الحقيقة من أجل الإقناع العاطفي، سعياً إلى توجيه الحِراك، وعلى الرغم من أن هذا الحراك يبدو سياسياً، إلا أن التحفيز في انتخابات 2016 لم يكن سياسياً بالضرورة. العديد من صانعيه كانوا يبحثون أكثر عن طريقٍ سريعٍ لجني الدولارات، عن طريق توزيع المحتوى وكسب جمهورٍ مستعدٍ لمشاهدة الدعاية.

أسباب انتشار الأخبار الكاذبة

قبل الإنترنت، كان نشر الأخبار الزائفة وكسب جمهور يُمكن جني المال من ورائه مستحيلاً تقريباً، وذلك لثلاثة أسباب:

1- التوزيع والتكلفة: يتطلّب توزيع المعلومات على أي نطاقٍ من أي نوع عملية لوجستية باهظة إلى حدٍ مُعجز.

2- الجمهور والثقة: بناء قاعدة حماهيرية كبيرة كان يتطلّب وقتاً أطول بكثير، ولأنّ الحصول على المعلومات وبناء الثقة عليها كان مكلّفاً، فإن نشر أخبارٍ زائفة مضرٌ بالسمعة، وبالتالي كان يحمل عواقب اقتصادية.

3- القانون والتنظيم: لأنّ توزيع المعلومات كان باهظ الثمن، كان هناك عددٌ أقل بكثير من اللاعبين على الساحة. وهؤلاء التزموا بقوانين الإعلام وأمكن تنظيمهم. نشر أخبارٍ زائفة كان على الأرجح ليؤدي إلى مقاضاة الناشر.

لكن بوابة تبادل المعلومات فُتحت في وقتٍ قريبٍ من العام 2007، مع بدايات ثورة التواصل الاجتماعي. وسمح خلق الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر للناس بتبادل المعلوماتٍ على نطاقٍ أوسع بكثير من أي وقتٍ سابق.

بينما سمحت منصات النشر مثل ووردبريس لأي شخصٍ بخلق موقعٍ ديناميكي بسهولة. باختصار، أزيلت العوائق المذكورة أعلاه في وجه صناعة الأخبار الزائفة:

1- التوزيع والتكلفة: وصلت تكاليف النشر (من خلال ووردبريس) والتوزيع (من خلال شبكات التواصل الاجتماعي) إلى ما يقرب من الصفر.

2- الجمهور والثقة: بالنظر إلى الانخفاض الهائل في النفقات، أصبحت السمعة أمراً استهلاكياً يمكن التخلص منه أكثر بكثير.

3- القانون والتنظيم: مع الانخفاض الهائل في النفقات، اشتغل أشخاصٌ أكثر بكثير في مشاركة المعلومات. وقطرات تبادل المعلومات الخاضعة للتنظيم (على الأقل بالقانون) أصبحت موجة عارمة - موجة من المستحيل تنظيمها بالكامل.

الأخبار الزائفة في حملة 2016 الانتخابية الأميركية

ومع إزالة العوائق الاقتصادية، ثبت أن 2016 كانت أرضاً أكثر خصوبة بكثير لتوليد الأخبار الزائفة من أي عامٍ سابق، مع سردية حملة 2016 الانتخابية التي وفرت خلفية موضوعية شبه مثالية. سيُناقش الحدث عالمياً، بينما النقاش كان استقطابياً بطرقٍ عديدة، ما سمح بالمزيد من الهجوم على المرشحين كليهما.

وبحسب The Telegraph، فإن دونالد ترامب يُرى كمكوّن رئيسي. فحملته لوّحت براية مناهضة للمؤسسة، مُضعفاً موقف مرشحة "الأسرة الحاكمة" هيلاري كلينتون عن طريق نعتها مراراً وتكراراً بـ"العوجاء"، ومُعلناً أنه يريد "تجفيف مستنقع" واشنطن.

"سأجعل الحكومة نزيهة مرة أخرى - صدقوني. لكن أولاً، سأضطر إلى تجفيف المستنقع في العاصمة".

كما أولى ترامب اهتماماً زائداً لنظريات المؤامرة. إذ أشار في البدء إلى تورط والد تيد كروز في اغتيال جون إف. كينيدي، وخلّد خرافة أن أوباما لم يولد في الولايات المتّحدة (والتي تراجع عنها لاحقاً) وزعم بشكلٍ متكررٍ أن التغير المناخي خدعة.

المرشّح غير المتوقّع اجتذب اهتماماً إعلامياً كبيراً، تغذّى على سلسلة من الاقتراحات السياسية المثيرة للجدل، مثل بناء جدار حدودي بين المكسيك والولايات المتّحدة، أو "حظر كامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتّحدة.

أدّت عشوائية ترامب وتغذيته الارتياب في خصومه إلى نمو الأخبار الزائفة الداعمة له. في مناخ لا يمكن فيه أبداً أن تعرف ما سيحدث لاحقاً، أو ما ينبغي عليك تصديقه، ستصبح أكثر قابلية لاستقبال الغلو وتشويه الحقيقة.

"البابا يدعم ترامب"، "هيلاري باعت الأسلحة لتنظيم داعش"، "العثور على جثة عميل بمكتب التحقيقات الفيدرالي مشتبهٌ به في تسريبات رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون" - هذه العناوين الزائفة انتشرت كلها على فيسبوك في الفترة المؤدية إلى الانتخابات، مجتذبة معدل عالٍ من التفاعلات لدرجة أن موقع BuzzFeed نشر تحليلاً عن كيفية تفوقها على الأخبار الحقيقية على موقع فيسبوك.

إلّا أن آخرين قد وجّهوا اللوم أيضاً لصعود الشبكات الاجتماعية أو ما يُسمى بـ"فقاعة الترشيح"، وهي ظاهرة أن يبرز الموقع للمستخدمين أشياء يعجبون بها أو يميلون إلى الاتفاق معها، وإخفاء الأشياء التي لا يحبونها.

يقول المنتقدون إن هذا يشوّه ساحة المنافسة الحيادية، مما يعني أن القصص الأكثر تهييجاً هي التي ستحظى بالاهتمام الأكبر، ويُمكن إنشاء موقعٍ، وشراء جمهورٍ من خلال صفحة على موقع فيسبوك، وتوزيع الأخبار الزائفة على الصفحة. وإن كان العنوان قوياً بما يكفي، يُمكن أن ينتشر، ويجلب دخلاً يقدر بآلاف الدولارات للناشر.

وإن عثر فيسبوك على أن الموقع زائف، يُمكنه تخفيض رتبة النطاق في خوارزميته، لكن مع انخفاض العوائق أمام دخول المجال إلى هذا الحد، يُمكن لناشر الأخبار الزائف ببساطة أن ينشئ موقعاً جديداً، ويبدأ العملية كلها مرة أخرى.

الأنواع الخمسة للأخبار الزائفة

يُمكن وضع القصص المصنّفة كأخبارٍ زائفة بشكلٍ عام تحت خمسة تصنيفات، إذ يحاول الخبراء تطوير طريقة لتحذير القراء مما قد يواجهونه.

مضللة عمداً

هذه أخبارٌ جديدة مصنوعة بالكلية لخداع القراء. كانت الانتخابات الأميركية في 2016 زاخرة بأمثلة تزعم أن "المشهور فلان قد دعم دونالد ترامب"، بينما لم يكن هذا حقيقياً.

نكات تؤخذ بظاهرها

تقدّم مواقع الفكاهة مثل Onion أو Daily Mash قصصاً إخبارية زائفة بهدف السخرية من الإعلام. يُمكن أن تنشأ المشاكل حين يرى القراء القصة خارج السياق ويشاركونها مع آخرين.

الخدع واسعة النطاق

أخبارٌ خادعة تُنقل بنية حسنة من قبل مصادر إخبارية شهيرة. مثالٌ حديث على ذلك هو قصة مؤسس شركة Corona للبيرة والذي جعل الجميع في قريته الأم مليونيرات في وصيته.

النقل غير الموازن للحقائق

عناصر مُختارة بانتقائية ولكنها حقيقية من قصة ما توضع جنباً إلى جنب لخدمة أجندة معينة. واحدٌ من أكثر الأمثلة الشائعة هو القصة المدفوعة من قِبل شركات العلاقات العامة عن العلم أو التغذية، مثل "الشيء الفلاني الذي ظننته غير صحي هو في الواقع جيدٌ لك".

قصصٌ فيها "الحقيقة" أمرٌ متنازع عليه

في القضايا حيث الأيديولوجيات والآراء تتصارع -مثل النزاعات الإقليمية مثلاً- أحياناً ليس هناك خطُ أساسٍ راسخ للحقيقة. ربّما يكون الصحفيون متحيّزين بشكلٍ غير واعٍ، أو يُرون متحيزين.

هل الأخبار الزائفة مؤثرة فعلاً؟

بعد التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني، كانت شبكات المواقع التي تنشر الأخبار الزائفة تتعرض لشجبٍ عنيف من قبل وسائل الإعلام. أعلن الكثيرون بوضوح إن فيسبوك، والأخبار الزائفة المنتشرة من خلال القوائم الإخبارية بداخلها، قد نصرت ترامب في الانتخابات.

وبينما الإحصائيات المُستخدمة غالباً - 62% من الأميركيين يستخدمون الشبكات الاجتماعية كمصدرٍ للأخبار، و44% يستخدمونه بشكلٍ رئيسي- يُمكن استخدامها لتعزيز فكرة أن الأخبار الزائفة لها تأثير حقيقي، فإنّها في الواقع أرقام عامة جداً.

نحن ببساطة لا نعرف لا نعرف ماذا تعني الأرقام الكبيرة للتفاعلات التي تحصل عليها الأخبار الزائفة في ما يخص "التأثير": لا نعرف ما يعنيه نقر إعجاب على موقع فيسبوك في ذلك السياق، على سبيل المثال.

تقول مقدمة دراسة شاملة أجرتها جامعة ستانفورد بعنوان "الشبكات الاجتماعية والأخبار الزائفة في انتخابات 2016": "من أجل أن تغيّر الأخبار الزائفة من نتائج الانتخابات، فإن مقالاً زائفاً واحداً يجب أن يحمل نفس التأثير الإقناعي لـ 36 إعلاناً تليفزيونياً للحملة الانتخابية".

الأخبار الزائفة كما عرفناها على فيسبوك هي تهديد أكثر منها عاملاً مؤثراً يغير مجريات اللعبة. إلا أن المصطلح قد قفز الآن من مجرّد إشارة إلى تهديد ضيق النطاق إلى مصطلح يُستخدم كثيراً في الإشارة إلى وسائل الإعلام الرئيسية، وبالتبعية آلاف الصحافيين المحترفين.

ما الذي يحدث الآن؟

يزعم البعض أن مصطلح "الأخبار الزائفة"، طوّعه الساسة والمعلّقون ليعني أي شيءٍ يختلفون معه - جاعلين المصطلح غير ذي معنىً وأقرب إلى عصا تضرب التيار الصحافي الرئيسي من ظاهرة في حد ذاتها.

قال دونالد ترامب مؤخراً إن "أي استطلاع رأيٍ سلبي هو خبرٌ زائف"، "أي استطلاع رأيٍ سلبي هو خبر زائف، تماماً مثل استطلاعات CNN، وABC، وNBC في الانتخابات. عذراً، الناس يريدون تأمين الحدود وتشديد إجراءات الفحص".

منذ الانتخابات الأميركية، هناك مخاوف من أن تكاثر الأخبار الزائفة سينتشر إلى أوروبا في محاولة للتأثير على نتيجة الانتخابات في فرنسا وألمانيا، حيثُ تسعى جماعات اليمين المتطرف مثل الجبهة الوطنية في فرنسا والبديل من أجل ألمانيا إلى تحقيق المكاسب.

وقد وعد فيسبوك وجوجل بتضييق الخناق على المعلومات المغلوطة، على الرغم من الانتقادات الموجّهة لهما لفشلهما في قبول دورهما في انتشارها، يتضمّن هذا التضييق العمل مع منظمات مستقلة لفحص الحقائق ووصم القصص المثيرة للشك بأنها كذلك.

اضف تعليق