في كل مرة تصدح حناجر الجماهير بهتافات مفادها خروج المحتل او القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وبعيدا عن كل ما تم المطالبة به لو طرحنا التساؤل الآتي، ماذا لو خرجوا الأمريكان؟، ان خروج الأمريكان من العراق لا يشبه الخروج من اي مكان معين بالنسبة...
في كل مرة تصدح حناجر الجماهير بهتافات مفادها خروج المحتل او القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وبعيدا عن كل ما تم المطالبة به لو طرحنا التساؤل الآتي، ماذا لو خرجوا الأمريكان؟.
ان خروج الأمريكان من العراق لا يشبه الخروج من اي مكان معين بالنسبة لإدارة البيت الأبيض وان يتصور للبعض بهذه البساطة، كون العراق والولايات المتحدة ملتزمين باتفاقية امنية ويجب على الطرفين الالتزام بها.
بالتأكيد خلو البلد من اي اجنبي حلم يراود الكثير من المواطنين الشرفاء الذين يريدون وطنا حرا كريما يحكم نفسه بنفسه بعيدا عن التدخلات الخارجية، لكن هذا الحلم لم يرى النور بهذه السهولة كون المطلب اكبر بكثير من إرادة ابناء الشعب.
دعونا أولا ان نتناول الموضوع من جميع جوانبه، ففي حال تم الانسحاب فعلا من العراق بالطبع له انعكاسات سلبية وأخرى إيجابية، فالسلبيات المترتبة جراء الخروج هو السماح للقوى الدولية الأخرى ان تلعب لعبتها في الداخل العراقي، وعلى سبيل المثال بعض دول الجوار تسعى بكامل قوتها لان يتحقق ذلك لتكون أكثر سيطرة وأكثر تحكما في الشأن العراقي.
ومن السلبيات أيضا هو ان امريكا تتحكم الآن في العالم بصورة مباشرة وكل دولة تحاول ان تشق طريقها بعيدا عنها ستدفع ثمن ذلك اضاعفا مضاعفة، والدليل على ذلك كثير، فقد لا حظنا خطوة التقرب من الصين ماذا فعلت بالعراق فالبعض يعدها الشرارة التي احرقت عرش عبد المهدي، وكذلك يشاهد الجميع ماذا يحدث بفضل التقرب من ايران اكثر من اللازم.
ويأتي في الإطار السلبي هو الجانب الاقتصادي، اذ من المؤكد ستكون النتائج وخيمة على العراق في حال أراد المضي بهذا الاتجاه، ومن ثم يعرض نفسه للانتحار، فكم من دولة تتمتع باقتصاد متعافي وعندما حاربتها امريكا عادت باتجاه الصفر، فكيف بالعراق الذي لا يمتلك اي من تلك المقومات.
علينا ان لا ننسى سلبية خطيرة جدا وهي ان المال العراقي، لايزال من يتحكم به هي امريكا وليس الشعب العراقي، فبمجرد نشوب خلافات بين الطرفين يكون المستقبل المالي في غير مأمن، ويترتب على ذلك مطالبة الكثير من الدول بديونها المتراكمة والتي لم تتحدث عنها طالما الحامي لها هي الولايات المتحدة الأمريكية.
في حين لو جئنا للإيجابيات من الانسحاب المزعوم نجدها اقل من السلبيات بكثير، من بين تلك الايجابيات هو الهدوء النسبي الذي سيعم الشارع الرافض للوجود الأمريكي، وهو ما تنادي به اغلب الجهات المنضوية تحت مظلة الفصائل المسلحة وتدين بالولاء لإيران صاحبة النفوذ المستشري في المنظومة السياسية التي شاركت في إدارة البلاد منذ تغيير نظام الحكام على أيد الأمريكان.
يضاف إلى ذلك هو تمتع العراق بقدر من الحرية المسلوبة منه في ظل الهيمنة الأمريكية، اذا من الممكن ان يتجه في سياسته الخارجية شرقا وغربا دون اي حرج او خشية من الرفض الأمريكي، الذي اصبح الشبح المخيف بالنسبة لصانع القرار السياسي في العراق.
من غير الصحيح ان يخرج الأمريكان من العراق في المرحلة الحالية، ذلك كون العملية السياسية غير مكتملة الملامح، مما قد يؤدي إلى نشوب خلافات حادة بين الشركاء السياسيين الذين يخضعون جميعهم لوجهة النظر الأمريكية في حال تطلب الأمر إلتدخل بصورة اكبر.
فكرة خروج القوات الأجنبية هي وان كانت بمطالب عراقية على المستوى السياسي، لكنها تمثل الرغبة السياسية الإيرانية، التي تريد ان تبقى لاعبة في المسرح العراقي، وحركت من اجل تحقيق ذلك أذرعها في السلطات العراقية فسارعوا إلى تشريع قانوني يلزم خروج القوات الأجنبية من العراق.
الأمريكان يخرجون من العراق عاجلا أم آجلا لكن ليس قبل ان يخلقون حالة رفض شبه تام للتدخل الإيراني في المنطقة بصورة عامة والعراق على وجه الخصوص، وهذه النتيجة تحتاج إلى وقت ليس بالقصير على الرغم من ان بوادرها أخذت بالظهور في الوقت الحالي.
اضف تعليق